مفهوم الطبقة والبنية الاجتماعية ومستويات الوعي الطبقي ، وحديث حول الواقع الاجتماعي الفلسطيني منذ نكبة 48 الى اليوم..


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 22:48
المحور: القضية الفلسطينية     

البنية الاجتماعية وتحولاتها :
هي الإطار الحاكم والمحدد لأنماط العلاقات والتفاعلات بين مكونات المجتمع ومستوياته الأساسية والفرعية، فالبنية تتألف من مجموعة من البنى أو الأنساق الفرعية، الاقتصادية والسياسية والأسرية وغيرها، والتي تتألف كل منها من جماعات وتنظيمات اجتماعية تسهم في أداء كل بنية أو نسق فرعي لوظائفه التي تتركز حول تطوير الإنتاج الاجتماعي وتواصله، بما يشتمل عليه هذا الإنتاج من مخرجات مادية وثقافية وعلمية ، كما تتركز حول تحقيق الاستقرار أو التغيير –النسبيين- الضروريين لفاعلية دور البنية في توفير شروط تواصل التطور الاجتماعي والاقتصادي والحفاظ على الهوية الحضارية للمجتمع متجددة ومتمايزة في الوقت نفسه .
أما الطبقة الاجتماعية فهي جماعة تشترك في موقع متشابه من ملكية وسائل الإنتاج، أو من علاقات العمل وأنماطها ، وتتبلور بتبلور وعيها بمصالحها المشتركة، وسعيها لتحقيق تلك المصالح من خلال تنظيم حركتها وتفعيل مشاركتها، ويستند هذا المفهوم على محددات أساسية للطبقة ترتبط بأنماط العلاقات الاجتماعية للإنتاج ، وتساعد في تصنيف الطبقات وفهم كل طبقة لذاتها، والتي تجعل منها قوة في البنية الطبقية وعلى مستوى المجتمع، وتتمثل تلك المحددات فيما يلي" :
‌أ. الموقع من ملكية أو حيازة رأس المال النقدي أو رأس المال العيني .
‌ب. الموقع من علاقات السلطة، وممارساتها داخل النطاق المباشر للإنتاج (في المنشأة أو المشروع) والتي تتحدد بناء على أحد الموقعين السابقين أو كلاهما (حيازة رأس المال النقدي أو العيني ) .
‌ج. الموقع من علاقات الاستغلال ، أي ممارسة الاستغلال (بمعنى الاستيلاء على فائض القيمة) أو الخضوع له (من قبل العمال) .
‌د. يتحدد الوعي الطبقي أولاً بحد أدنى يبدأ بالوعي اليومي الفردي المباشر أو شبه الجماعي القائم على التعاطف ومشاعر الانتماء والولاء بين أعضاء الطبقة ، والذي يتبلور نحو وعي جماعي بالمصالح المشتركة وبدائل تحقيقها، وهو وعي لا يتوفر لدى كل أعضاء الطبقة بل لدى جماعة قيادية منها ، تسمى الجماعة الإستراتيجية التي يمكن أن تؤسس حزب أو جمعية أو مؤسسة، للدفاع عن مصالح الطبقة في إطار ما يسمى بالفاعلية الطبقية التي يقصد بها قدرة الطبقة على تحقيق مصالحها في خضم الممارسات المختلفة ، وخاصة الممارسات السياسية .
إن هذه المحددات ترتبط بثلاثة مجالات أساسية للهيمنة أو الخضوع لأنها ترتبط بأهم الموارد الإنتاجية : رأس المال النقدي/ورأس المال العيني/والعمل ، حيث يحدد الموقع منها المراكز التي لديها أو ليس لديها القدرة على السيطرة على احدها أو معظمها، فالرأسمالي يسيطر على قرارات توظيف رأس المال النقدي أو العيني أو هما معاً ، أما العامل فيخضع لمالكي هذين الموردين ، بينما يمكن أن يسيطر نسبياً على العمل .
والواقع انه يجب إلا نستنتج من الدور الرئيسي للموقع الاقتصادي، ان هذا الموقع يكفي لتحديد الطبقات الاجتماعية ، صحيح أن للعامل الاقتصادي في رأي الماركسية الدور الحاسم في نمط معين من الإنتاج وفي التشكل الاجتماعي، ولكن العامل السياسي والايدولوجيا أو بكلمة البنية الفوقية لها دور بالغ الأهمية .
وعلى هذا يمكن القول، بأن الطبقة الاجتماعية تتحدد –إلى جانب موقعها الاقتصادي- بموقعها في مجمل الممارسات الاجتماعية، أي بموقعها في مجمل التوزيع الاجتماعي للعمل، وهو يشمل العلاقات السياسية والعلاقات الايديولوجية . والطبقة الاجتماعية هي بهذا المعنى، مفهوم يدل على أثر البنية في التوزيع الاجتماعي للعمل (العلاقات الاجتماعية والممارسات الاجتماعية) . وعلى هذا، فإن هذا الموقع يشمل ما يمكن اعتباره التحديد البنيوي للطبقة، أي وجود تحديد البنية بالذات في الممارسات الطبقية (علاقات الانتاج ، مواقع الهيمنة، والتبعية السياسية والأيديولوجية) –حسب بولانتزاس - فلا وجود للطبقات إلا في الصراع الطبقي ، في إطار الممارسات الطبقية، وفي هذا الجانب فإن من الضروري التمييز بين ثلاثة مستويات للوعي الطبقي .
الأول : ادراكي يركز على فهم الطبقة لأوضاعها وأوضاع غيرها من الطبقات، ومن ثم فهم علاقات الطبقات ببعضها البعض ، والثاني : صراعي يركز على الصراعات والتحالفات الفعلية ، وتنظيم الطبقة لنشاطاتها وإدارة صراعاتها والثالث : تحويلي ذو توجه مستقبلي يتجاوز تغيير أوضاع الطبقة إلى تغيير البنية الطبقية، ومنها إلى تغيير النظام الاجتماعي الاقتصادي (حسب شروط القوة الذاتية للطبقة البورجوازية أو للطبقة العاملة).
التشكيلة الاجتماعية إذن، هي مجموع العلاقات الاجتماعية الدائرة في حيز جغرافي معين، خلال فترة معينة ووفقاً لأشكال محددة، وهو تعريف قد لا ينطبق على الواقع الاجتماعي الفلسطيني خلال المرحلة التاريخية الممتدة منذ نكبة 1948 حتى عام 1967، بسبب إلحاق الضفة الفلسطينية إلى الأردن، وقطاع غزة إلى الوصاية المصرية.
ولكن بالرغم من هذا الانقسام الجغرافي السياسي في المجتمع الفلسطيني خلال تلك المرحلة، فإن المقومات السياسية والهوية الوطنية ببعدها السياسي والاجتماعي ظلت سمة أساسية للفلسطينيين في الوطن والشتات عموماً، وفي الضفة وقطاع غزة خصوصاً، حيث تجلت هذه العلاقة الاجتماعية في إطار المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع على أثر الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 ، ثم على أثر قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، رغم التباينات الملحوظة التي ميزت ومازالت كل من " مجتمع " الضفة عن " مجتمع " قطاع غزة بسبب ظروف وعوامل تاريخية وراهنة، آخذين بعين الاعتبار أن المجتمع الفلسطيني هو تشكيلة اجتماعية -اقتصادية رأسمالية هامشية وطرفية, ناهيكم عن تعرضها لغزو عنصري اقتلاعي إقصائي.
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن هذه التشكيلة الاجتماعية لا تزال مشتملة على علاقات إنتاج اجتماعية ما قبل رأسمالية بسبب ضعف وتخلف القطاعات الاقتصادية الإنتاجية ,خاصة قطاع الصناعة والبحث العلمي والتكنولوجي.
ومن هنا يمكن توصيف المجتمع الفلسطيني -رغم من ما يعتري سطحه من مظاهر التقدم الشكلي و الكمي- بأنه شبه تقليدي بسبب استمرار بقاء الدور المهيمن للعائلة/ الحامولة في العديد من الشركات و النشاطات والقطاعات الاقتصادية، كما في التجمعات في القرى والمدن والمخيمات، إلى جانب المظهر الآخر المرتبط بتداخل الأنماط الاجتماعية التقليدية وتجاورها أو تحالفها مع البيروقراطية الحاكمة في السلطة بشقيها، وطابعها الطفيلي المشوه، عبر علاقات مع التحالف الكومبرادوري التجاري والعقاري والمالي من ناحية وعبر تضخم مظاهر التراجع الاقتصادي والاعتماد على الخارج في التمويل أو الإغاثة، وتضخم مظاهر ومؤشرات الفقر والبطالة والانحطاط الاجتماعي من ناحية ثانية، دون القفز عن السبب الرئيسي لتفاقم هذه المظاهر، المتمثل في الاحتلال وممارساته العدوانية وحصاره المتواصل، المفروض على أبناء شعبنا في الضفة والقطاع، إلى جانب استمرار تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي وما تنتجه هذه التبعية من تشوه مستمر في العلاقات الاجتماعية ( التركيب الطبقي )، إذ أن العلاقة الجدلية بين التبعية، والعلاقات الاقتصادية/ الاجتماعية، توضح إلى حد كبير شكل ومحتوى البنية الطبقية الفلسطينية، والخصائص الاجتماعية لكل " طبقة " أو شريحة في إطار تلك البنية.