بمناسبة الأول من أيار 2025: رؤية وموقف معزز بالبيانات والأرقام عن العمال والفقراء في الوطن العربي
غازي الصوراني
الحوار المتمدن
-
العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 22:45
المحور:
القضية الفلسطينية
بلغ عدد السكان في البلدان العربية عام 2024 (456) مليون نسمة (حسب التقرير الاقتصادي العربي الصادر عام 2024) ويقدر إجمالي القوى العاملة في الوطن العربي عام 2024 (145) مليون عامل، ونسبة العاطلين عن العمل منهم حوالي 11% أو ما يعادل 15.9 مليون عاطل X معدل الاعالة 4 أفراد للأسرة = 63.6مليون نسمة، منهم حوالي 20 مليون نسمة يعيشون ضمن الفقر المدقع أقل من 1.9-$- في اليوم كما هو الحال في الضفة الغربية عموما وقطاع غزة خصوصا.
من ناحية ثانية، أشير الى تقرير لجنة الأمم المتحدة (الأسكوا)، فإن عدد الفقراء في بلدان الوطن العربي عام 2022 بلغ 130 مليون شخص أكثر من 90% منه داخل البلدان العربية غير النفطية (الصومال تبلغ نسبة الفقر 73% من مجموع السكان، واليمن 48.6%، والسودان 48.5%، مصر 32.5%، فلسطين 80% نتيجة العدوان الإسرائيلي، لبنان 27.4%، المغرب 20%، العراق 18.9%، الأردن 15.7%، تونس 15.2%).
وفي مقابل أوضاع الفقر في البلدان العربية الفقيرة، نلاحظ أن البلدان النفطية تعيش في حالة متميزة من الدخول العالية، حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي للبلدان النفطية للسعودية والخليج ما يزيد عن 1.8 تريليون دولار بنسبة 54% من الناتج المحلي للبلدان العربية الذي بلغ عام 2024 3.379 تريليون دولار، ويبلغ نصيب الفرد السنوي من الدخل في السعودية والخليج بين 140 ألف دولار للفرد كما في قطر و 80 ألف دولار في إمارات الخليج و 30 ألف دولار في السعودية، مقابل أقل من الف دولار سنوياً للفرد في قطاع غزة ، وأقل من ثلاثة آلاف دولار للفرد في مصر وأقل من ألف دولار في السودان والصومال واليمن.
إن الدويلات النفطية التي تستحوذ على أكثر من 54% من إجمالي الناتج للوطن العربي كله، رغم أن عدد سكانها أقل من 20%، لا تكتفي بعدم تقديم أية مساعدات تنموية أو دعم حقيقي لمصر أو فلسطين أو البلدان الفقيرة الأخرى، بل تعمل أن تتولى صدارة وقيادة المشهد العربي الراهن – بصورة مباشرة وغير مباشرة - إلى جانب دورها في قيادة عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، والمساهمة في إضعاف وتفكيك مصر سوريا واليمن و ليبيا ، علاوة على تشجيع هذه البلدان للصراعات الدينية والطائفية وفق توجهات السيد الأمريكي، الأمر الذي يؤكد على صحة قولنا، بأن هناك تحالفاً موضوعياً بين احتكار السلطة، عبر الشرائح الطبقية الكومبرادورية واحتكار الحقيقة عبر النظام المستبد أو الأنظمة الرجعية، فهما يكملان بعضهما البعض.
من ناحية ثانية، تشير بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2023 إلى أن الفقر متعدد الأبعاد في البلدان العربية غير النفطية (فقر في الدخل وفقر في التعليم وفقر في الخدمات الصحية والخدمات العامة) وتبلغ نسبته 15.8% بين السكان (تتوزع على الريف بمعدل 25% وبنسبة 5.8% في المناطق الحضرية).
في هذا الجانب، لا بد لي من الإشارة إلى أن نسبة الفقر العالية في الدول العربية غير النفطية خاصة السودان والصومال واليمن و جيبوتي والمغرب لا تعود إلى افتقارها للنفط، بل أن أحد أهم أسباب افقارها يعود إلى القيادات الحاكمة فيها التي لا هم لها سوى مراكمة الثروات عبر المزيد من افقار شعوبها، والسودان مثالا صارخا، تأكيداً لذلك أقدم فيما يلي أهم مؤشرات التراجع الاقتصادي على الصعيد العربي:
1. استمرار تراجع القطاع الصناعي في مجمل الصناعات التحويلية العربية، بسبب هيمنة الأسواق الرأسمالية على الأسواق العربية، رغم الامكانات العربية المتوفرة للتطور الصناعي، لكن الكومبرادور العربي لا يجد مصالحه سوى في استمرار خضوعه وتبعيته للنظام الرأسمالي العالمي.
2. تراجع مساهمة قطاع الزراعة في الناتج العربي خلال الأعوام 2023-2024 إلى 5.8%، وهذا يعني استمرار تراكم عوامل العجز في توفير مقومات الاكتفاء الذاتي الغذائي العربي، فالمعروف أن الطلب على الغذاء ينمو بمعدل 6% سنوياً، في حين أن الإنتاج لا تزيد نسبة نموه عن 2 - 3% فقط، فقد تزايدت الفجوة الغذائية العربية من 29 مليار دولار عام 2010 إلى حوالي 55 مليار دولار عام 2024، والمفارقة هنا أنه في ظل هذا العجز وما رافقه من بطالة وإفقار، فقد قامت الدول العربية، النفطية منها خصوصا، باستيراد أسلحة ومعدات عسكرية بلغت قيمتها –حسب العديد من المصادر- 3 تريليون دولار خلال العقود الثلاث الماضية، بما في ذلك 480 مليار دولار عن صفقة أسلحة تم تقديمها إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته شهر حزيران 2017 للسعودية التي قامت أيضا بداية هذا العام 2025بتقديم 600 مليار دولار للولايات المتحدة إلى جانب 1100مليار دولار من ابو ظبي علما بأن فلسطين ليس لديها ما يغطي رواتب الموظفين في الضفة والقطاع وهي بحاجة ماسة إلى عشرة مليارات دولار لكن لا حياة لمن تنادي.
3. التدني الشديد في معدلات الاكتفاء الذاتي العربي، حيث انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي – حسب التقرير الاقتصادي 2023- من الحبوب إلى 37% والسكر المكرر إلى 45% والزيوت النباتية إلى 51% بالإضافة إلى العجز في اللحوم 23.5% والبقوليات 35% والأرز 38%، رغم وجود مساحات هائلة من الأراضي الصالحة للزراعة في السودان والجزائر والعراق ما زالت دون أي اهتمام اقتصادي أو تنموي، فقد بلغت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة والمتروكة دون استغلال حتى عام 2023 حوالي 197 مليون هكتار، في حين قدرت المساحة المستغلة بنحو 75 مليون هكتار أي بنسبة 38.1% من مساحة الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة ما يعني أن المناطق الريفية في جميع البلدان العربية من المناطق الأكثر إهمالاً، رغم أن سكان الريف في الدول العربية يقدر عددهم حسب التقرير المشار إليه 88.8 مليون نسمة، وبلغ عدد العاملين في القطاع الزراعي 26.1 مليون نسمة، يعيشون في أوضاع شديدة الفقر والبؤس.
يتضح مما تقدم، تزايد الاعتماد العربي في تأمين المواد الغذائية الأساسية على الغرب ووفق شروط منظمة التجارة الدولية، رغم توفر الأراضي الزراعية لتأمين احتياجات المواطن العربي.
وفي هذا الجانب نورد مثالاً على هزال النظام العربي: في السودان حوالي 650 مليون دونم صالحة للزراعة لا يزرع فيها سوى 30 مليون فقط، ممكن أن نزرع القصب والقمح والشعير والذرة والحبوب والفواكه ونكتفي ذاتياً في كل بلدان العرب... لكن يبدو أن صراعات العسكر في السودان – وغيره من البلدان - من أجل التسابق في ممارسة الفساد وتزايد الثروات الشخصية على حساب فقراء الشعب السوداني بالإضافة إلى تسابقهم – عبر اقتتالهم ومعاركهم الداخلية – لتقديم الولاء للنظام الإمبريالي الصهيوني والفوز برضاه عبر تحقيق المزيد من عوامل التبعية والعمالة والتطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني والتنكر لحقوق شعبنا الفلسطيني، أو بالنسبة لتفكيك السودان مجددا إلى دويلات أكثر تبعية وخضوعاً وتخلفاً.
وبالتالي، فإن الحديث عن حرية الشعوب والعدالة الاجتماعية والتطور والديمقراطية والتنمية-مع استمرار الأوضاع المشار اليها على ما هي عليه- نوع من الوهم إن لم يكن تجسيدا للانتهازية والعمالة السياسية لدى أولئك الحكام الخونة، مع ملاحظة تزايد أوضاع ومظاهر التبعية والاستغلال الطبقي والتخلف وتجديده وإعادة إنتاجه على كافة المستويات الاقتصادية والمجتمعية عموماً والتركيز على الخرافات والأوهام الغيبية في أوساط الجماهير العفوية الفقيرة خصوصا.
إن هذه الحقائق المرتبطة بأوضاع الفقر والحرمان التي تعيشها وتتعرض لها جماهير شعوبنا في مغرب ومشرق الوطن العربي (عرباً وأمازيغ وأكراد وأرمن ونوبيين وغيرهم)، تستدعي تفعيل النضال السياسي الديموقراطي وفق المنظور الطبقي الماركسي ضد كافة مظاهر التبعية والاستغلال في بلادنا ، بمثل ما تستدعي من أحزاب اليسار الماركسي في أن تسعى جدياً صوب استعادة دورها الطليعي في أوساط جماهير العمال والفلاحين الفقراء لكي تواصل مسيرة النضال من أجل إنهاء مظاهر التبعية والفساد والاستبداد وتحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية .
في مناسبة الأول من ايار أتوجه بالتحية والتقدير إلى جماهير الفقراء من الكادحين وكل المضطهدين العرب والأكراد والأمازيغ وغيرهم، الذين قدموا بتضحياتهم ونضالهم ضمانات حقيقية تؤكد على استمرار عملية التغيير الثوري الطبقي الديمقراطي، ولم يقطفوا ثمار تضحياتهم بسبب ضعف وتفكك معظم أحزاب وحركات اليسار الماركسي في مشرق ومغرب الوطن العربي، وغياب رؤيتها وآلياتها الوطنية التقدمية الديمقراطية المرتبطة بجماهيرها الشعبية ...
ولهذا السبب استطاعت الحركات والقوى اليمينية الرجعية الكومبرادورية خاصة أن تركب أمواج الحراك العفوي وقطف ثماره كما جرى في سوريا مؤخرا عبر الجولاني احمد الشرع الذي يبدو أنه سيقوم بالتطبيع مع العدو الصهيوني، لذلك لا بد من استمرار معترك النضال الوطني والطبقي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي من أجل استكمال مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، خاصة وأن أسباب النضال التحرري السياسي المجتمعي لن تتلاشى أو تزول، بل ستتراكم مجدداً لتنتج حالة ثورية نوعية، تقودها جماهير العمال والفلاحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين جنبا إلى جنب مع القوى الديمقراطية التقدمية، لكي تحقق الأهداف التي انطلقت من أجلها.
كل عام وعمال وفقراء وكادحي جماهيرنا في مغرب ومشرق الوطن العربي بخير وقوة يسيرون بخطى واثقة على طريق نضالهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الديمقراطي ضد كل قوى الاستغلال والاستبداد والفساد حتى تحقيق انتصارهم الحتمي.... المجد لشهداء الأحزاب الشيوعية والحركات والقوى الثورية الماركسية من العمال والفقراء عرباً وأمازيغ وأكراد وأرمن وغيرهم... عاش الأول من أيار عيدا للعمال احتفالاً بنضالهم ومستقبل انتصارهم الثوري...