ملاحظات عامة في التاريخ الثقافي الاسلامي والاسلام السياسي


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 00:20
المحور: قضايا ثقافية     

الثقافة العربية بحاجة ماسة وملحة الى إعادة كتابة تاريخها ، الذي ما زال مجرد تكرار واجترار لنفس " التاريخ " الذي كتبه أجدادنا ، وذلك -كما يقول المفكر العربي الراحل محمدالجابري – "بهدف النظر الى تاريخنا الثقافي الذي تم فيه تصنيف العلوم الإسلامية الى مجموعات : علوم البيان: من نحو وفقه وبلاغه، وعلوم العرفان: من تصوف وفكر شيعي وفلسفة إسماعيلية وتفسير باطني للقرآن ، وكيمياء وتطبيب وسحر وتنجيم ، وأخيراً علوم البرهان من منطق ورياضيات وإلهيات ، بل وميتافيزيقا "، وفي كل الأحوال- كما يضيف الجابري - فإن "أي تحليل علمي للفكر العربي الإسلامي ، سيظل ناقصاً وستكون نتائجه مضللة ، إذا لم يأخذ في حسابه دور السياسة في توجيه هذا الفكر وتحديد مساره ومتعرجاته "، وستظل أيضاً الأسئلة : " لماذا تأخر العرب وتقدم غيرهم ؟ أو لماذا لم تتطور الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية العربية في " القرون الوسطى " الى نظام رأسمالي ؟ ولماذا لم تتمكن النهضة العربية في " القرون الوسطى " من شق طريقها نحو التقدم المطرد ؟
هذه الأسئلة ستظل ناقصة ومحدودة الآفاق، ما لم تطرح على الصعيد المعرفي (الأبيستمولوجي) ، أو ما لم تتجه مباشرة الى العقل العربي ذاته ، ذلك أن " العرب و المسلمين " إنما بدأوا يتأخرون حينما بدأ العقل عندهم يقدم استقالته ، حينما أخذوا يلتمسون المشروعية الدينية لهذه الاستقالة ، في حين بدأ الأوروبيون يتقدمون حينما بدأ العقل عندهم يستيقظ ويسائل نفسه ، فالرأسمالية هي بنت العقلانية " ، والحال ، أنه منذ القرن الخامس الهجري : " دخل الفكر الإسلامي - كما يقول المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد - في مرحلة الركود بحكم الظروف الداخلية والخارجية التي أدت الى الجمود الاجتماعي والسياسي " وتقلصت المساحة النقدية منذ ذلك القرن ، " عندما راح الإعلان الرسمي للمذاهب يفرض بالتدريج ممارسة " أرثوذكسية " للفكر الديني بعيداً عن العلوم الدنيوية ، وكما يقول د. ماهر الشريف "بقيت المسائل اللاهوتية الكبرى التي نوقشت في القرنين الثاني والرابع الهجريين على حالها تقريباً، كما تركها الأشعري بالنسبة للسنيين ،وابن بابويه وأبو جعفر الطوسي بالنسبة للشيعيين " واستمر هذا الحال حتى نهاية القرن التاسع عشر ، وظهور ما عرف بحركة الإصلاح الديني الحديث، التي أطلقها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، ولم تفلح -كما يقول الجابري- في " بلورة مشروع نهضوي تتجاوز به الإشكالية التي تطرحها في التجربة الحضارية العربية منذ اندلاع النزاع بين علي ومعاوية أو العلاقة بين الدين والسياسة " ، كما لم تفلح الاتجاهات العلمانية ، المادية والعقلانية التي ظهرت في تلك المرحلة وبداية القرن الماضي ، في بلورة مشروعها النهضوي عبر اتجاهاتها الفكرية المتعددة ، المادية والتنويرية ومن أبرز مثقفي هذا التيار شبلي شميل ، وفرح أنطون وسلامة موسى وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد .
والسؤال الآن : كيف وصل العرب في العصر الحديث الى هذه الحال ، وأين يكمن الخلل؟
يرى المفكر الراحل جورج طرابيشي، أن الخطر في هذا الزمن القطري ، ليس تراجع فكرة الوحدة العربية بحد ذاته ، حيث أن مثل هذا التراجع قد يكون مؤقتاً ، وإنما تراجع فكرة القومية بالذات.
أماالمفكر الراحل د. هشام شرابي ، فيرى أن " ما جرى في المائة سنة الأخيرة من الحياة العربية التي سادتها " الأبوية " أفضى الى تحديث القديم دون تغييره جذرياً " ، وفي موقفه من هذه المسألة ارتباطاً بالتيار الإسلامي ، يرى د. ماهر الشريف –بحق- أن تيار الإسلام السياسي المعاصر الذي برز مع تشكل حركة الأخوان المسلمين ، " لا يمثل أبداً ، وخلافاً لما يراه الجابري ، امتداداً لتيار الإصلاح الديني الذي أطلقه محمد عبده في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، بل يعبر – هذا الإسلام السياسي المعاصر – في منطلقاته وتوجهاته وأهدافه عن قطيعة مع تيار الإصلاح الديني " ، ويتفق مع هذا الرأي د. هشام شرابي الذي يرى "أن الأصولية الإسلامية لن تقوى على توفير علاج ناجح للفوضى التي تتحكم بالمجتمعات العربية ، وذلك لأنها " مثالية " ستكون حلولها بالضرورة سلطوية ومرتكزة الى عقيدة وسبل جبرية مطلقة ، وستلجأ الى فرض نظام أبوي سلطوي يقوم على أيدلوجية غيبية دينية . أما حكيم بن حمودة ففي رأيه "أن هذه الجماعات تبدو قوة احتجاج سلبية من دون أن تكون قادرة على بلورة مشروع مجتمعي بديل " .
أما وجهة نظر المفكر الماركسي الراحل د.سمير أمين فتتلخص في أن حركات الإسلام السياسي ، "تجسد اليوم اتجاه رفضي سلبي لا يقدم بديلاً إيجابياً على مستوى التحديات العالمية ، حيث يقوم المشروع الذي تتبناه على ثلاثة أعمدة هي أولاً : إلغاء الديمقراطية وثانياً : إحلال خطاب أيدلوجي شمولي محلها ( ينتهي الى) خضوع شكلي لطقوس دينية لا غير وثالثاً : قبول الانفتاح الكومبرادوري الشامل على الصعيد الاقتصادي .