أحزاب وفصائل اليسار وإدراك مضمون مفهوم الثورة بالمعنى الموضوعي الطبقي المعمق


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 02:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

على أحزاب اليسار في مشرق ومغرب هذا الوطن- أن تدرك بوضوح أن الثورة ليست عفوية، والوعي الطبقي الثوري لا يأتي إلى الطبقة العاملة بشكل عفوي، بل يأتيها من الخارج، أي من طليعتها؛ الحزب الثوري، الذي يُعبّر عن معاناتها ويجسد مصالحها وطموحاتها؛ فالحزب هو مكان تبلور الوعي الطبقي الثوري المرتبط بالماركسية كنظرية ثورية، وهو أداة توعية للجماهير الفقيرة، من هنا أتت ضرورة الصراع الأيديولوجي.
في ضوء ما تقدم، نستنتج بوضوح أن الماركسية تسلط الضوء على جذر المشكلة، وجذر المشكلة في مشرق ومغرب وطننا العربي هو هيمنة الصهيوإمبريالية ، على مقدرات شعوبنا العربية وحرمان الجماهير الكادحة والمهمشة من هذه الموارد وثمارها.
وبالتالي فإن تحرر هذه الجماهير من ربقة هذه القوى المهيمنة، يشترط من القوى والأحزاب الماركسية أن تقوم بتنظيم الجماهير وتوعيتها وتحريضها لخوض الثورة وفق المنظور الطبقي، ومن ذلك تنبع ضرورة أن تكون قيادة حركة التحرر القومي العربية ماركسية ثورية، بما يضمن تحقيق أهدافها التحررية الوطنية والطبقية على طريق الثورة الاشتراكية؛ ذلك أن نظر الماركسية إلى الصراع الطبقي ينطلق من أنه "أمر موضوعي"؛ ينتج عن الوجود الموضوعي للاستغلال الناتج عن تحكم الرأسمال.
وكان ماركس يبحث في وضع نشوء الصناعة في أوروبا، وكيف أن الرأسمالي يستغل "قوة عمل" العامل من أجل إنتاج فائض قيمة، وهو يزيد في استغلاله من أجل الحصول على الحد الأقصى من هذا الفائض، وهذا ما يجعل العامل يعيش في وضع صعب، حيث الفقر والاستغلال نتيجة العمل الطويل، هو الذي يدفعه إلى التذمر، ومن ثم الاحتجاج، والإضراب، إلى أن ينفجر في ثورة.
هذا هو لبّ النظر الماركسي، لكنه يُطرح في إطار أوسع، إذ أن الأمر يتعلق بمجموع الشعب الذي يتسم بتعدد الطبقات وليس بثنائيتها.
لهذا، تنطلق الماركسية من فهم وضع مجمل الطبقات، حيث إنه كلما زاد تمركز الرأسمال انحدرت الفئات الوسطى، وزادت أعداد العاطلين عن العمل، ولهذا يتشكّل وضع تناقضي مركب، ورغم أن الطبقة التي تحتكر الثروة هي ذاتها (الرأسمالية)، فإن المتضررين منها هم من طبقات متعددة، لكل منها مصالحه، وهي كلها تميل إلى الاحتجاج، والتمرّد، والثورة، هذا هو الأمر الذي يفضي إلى الثورة العفوية، وهذا هو منظور الماركسية التي تعتبر أن الصراع ظاهرة موضوعية، ويفرض ثورات عفوية بالضرورة.
في هذا السياق، أشير الى أن همّ كارل ماركس (وكذلك إنجلز ولينين) كان يتحدد في فهم دور الفكر والتنظيم في تطوير هذه الثورة من أجل أن تنتصر وتحقق مطالب الطبقات الثائرة.
هذا ما طرح مسألة الماركسية كمنهجية وكرؤية ونظرية تمثّل العمال، وطرح مسألة الحزب منذ تشكيل عصبة الشيوعيين إلى الأممية الأولى والثانية، ونشوء الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، فالشيوعية.
فما توصّل إليه ماركس وإنجلز ولينين هو أن الطبقة المضطهَدة لا تمتلك الوعي نتيجة تشربها بالوعي الذي تعممه الطبقة المسيطرة، ولا تمتلك التنظيم، وأكثر ما تستطيع هو تأسيس النقابات أو الاتحادات أو التجمعات، ولهذا كان على "نخب" تعتنق الماركسية دور بلورة الرؤية والاستراتيجية والخطاب في ترابط مع العمال وبهدف تشرّب العمال الوعي وتنظيم نشاطهم بما هو أبعد من المطالب الاقتصادية، أي الاستيلاء على السلطة".
وإذا كانت الرأسمالية في بلدان المراكز الرأسمالية الغربية واليابان قد قدمت الامتيازات أو"الرشاوي" المباشرة وغير المباشرة للبروليتاريا ( سواء عبر ارتفاع الأجور والتأمينات المتنوعة والدعم والحقوق النقابية وغير ذلك من الامتيازات التي أفرغت طبقة البروليتاريا من مضمونها الثوري كما افرغتها من شعورها بالظلم الطبقي كما أشار "هربرت ماركيوزة" في كتابه الشهير "الإنسان ذو البعد الواحد"، وبناءً على ذلك، فقد زادت الرأسمالية الإمبريالية المعولمة من استغلال ثروات بلدان وشعوب الأطراف، انطلاقا من تطبيق قاعدة " الاستيلاء على فائض القيمة لبلدان الأطراف في اسيا وافريقيا وبلداننا العربية، ووسعت من نهبها واستغلالها، وهو الأمر الذي فجّر الحالات الثورية العفوية العربية، لكن تفكك وضعف وقصور قوى اليسار في بلادنا وعجزها عن قيادة الجماهير ، أدى الى توفير الفرص لقوى الثورة المضادة والقوى اليمينية بمختلف اطيافها ومنطلقاتها الفكرية لمجابهة ثورة الجماهير العفوية وحرمانها من تحقيق أي هدف من الأهداف التي قامت من اجلها سواء في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية أو في تحقيق لقمة العيش والكرامة.
وعليه، فإن أي حديث عن "الإمبريالية" و"التحرر الوطني"، والاستقلال، دون التفات إلى توعية وتنظيم الجماهير الشعبية التي تعاني الفقر والبطالة والقهر، ودون معرفة بأن الوطني مبني على الطبقي وليس العكس هو نوع من العجز والقصور؛ ذلك إن مواجهة الإمبريالية، وتحقيق "التحرر الوطني" والاستقلال، تتم فقط في مواجهة النظم التي تمثّل رأسمالية كومبرادورية تترابط وتتداخل مع الإمبريالية، وهي التي تكرّس التبعية. وهنا نعود إلى ماركس، وأساسية الصراع الطبقي، فهو الذي يمثل التناقض الرئيسي الذي يجب حسمه.
على أي حال ، فقد أوضحت الحالات الثورية الجماهيرية العفوية أن الصراع الطبقي قد تفجّر، وإذا لم تنتصر الجماهير الشعبية في المحاولة الأولى، هناك بالضرورة محاولة ثانية وثالثة، نتيجة أن هذه الجماهير لم تعد قادرًة على تحمّل وضع الاستغلال والاستبداد والخضوع ، وبالتالي فان النهاية المنطقية هي انتصار الجماهير شرط توفر أحزابها الطليعية الماركسية الثورية.