طيور الشرق الغارقة


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 00:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

قد يعتبرها البعض إيجابية رائعة، أن تكتشف وأنت وسط مهاجري الشرق، أن أوطانهم الأصلية بحق وليس من قبيل الشعارات الخاوية، ليست بالنسبة لهم أوطاناً كانوا يسكنون فيها. لكنها بالحقيقة أوطاناً تسكن فيهم!!
يحملون همومها، ويعانون نفسياً بمعاناتها.
وتحتل مناقشة مشاكلها كامل وقت اجتماعاتهم معاً.
لكن الأهم من ذلك أنهم متشبعون بروحها وأخلاقها وثقافتها وقيمها، وليس مبالغة إذا قلنا بأكثر وكثير جداً مما يفعل القابعون في تلك الأوطان.

هل هذا إيجابي حقاً؟
ربما!!
الحقيقة التي يسهل رصدها من داخلهم، أن المهاجرين الشرقيين للعالم الغربي حالهم أشبه بمن قفزوا في وسط محيط هادر متلاطم الأمواج.
إنهم يتشبثون بأقصى مايستطيعون بشكل حياتهم السابقة.
التي يرونها وحدها المقدسة وترضي الإله.
وكل ماعداها فسق وفجور وضياع!!

هم خرجوا للتو من كهوفهم وزنازينهم الأبدية.
من تحت أيدي أصحاب العمائم بمختلف ألوانها.
ومن قبضة الأنظمة البوليسية.
ومن هيمنة المجتمع الذي يحشر أنفه في أدق دقائق حياة الفرد الشخصية.

"كانوا في جرة وخرجوا لبرا" كما يقولون بمصر.
إلى عالم تصوروه وهم في كهوفهم أنه عالم الفُجر والانحلال والرزيلة!!
لكن هنا بحر من الدولارات جاءوا ليغترفوا منه!!

قد نسمي مايحدث لهم "صدمة الحداثة".
أو قد نعتبرها صدمة النور الساطع لعيون لم تعرف سوى الظلمة.
تختلف تقييمات مايحدث لتلك الطيور التي حلقت. ثم سقطت في محيط لم يسبق لها التعرف جزره التي تستطيع الهبوط على أرضها.
بالفعل يجدون في المحيط الهادر أخلاقاً وسلوكيات،
لا ينتبهون وقد لا يفهون الإيجابي منها،
أنها التي أوصلت تلك الشعوب لما وصلت إليه من تقدم علمي ورفاهية.

هم لا يرون فيما حولهم سوى الحرية الجنسية.
التي وصلت لدى البعض للشذوذ الجنسي.

هكذا وبرؤيتهم المحدودة المتمركزة حول الجنس، يتملكهم الرعب على مصير أولادهم.
ويجعلهم الفزع يحاولون الانكفاء على أنفسهم داخل معابدهم.
وبين أيدي وتحت أقدام ذوي العمائم المقدسة، من أصحاب الفضيلة والقداسة.
الأمر يبدو وكأنهم هاربون اصطحبوا زنازينهم وكهوفهم معهم إلى بلاد هجرتهم.
ليهربوا إليها من استشعار الغربة في المحيط الهادر الذي يغرقون فيه!!
وقد يبدو استمرار انطراح هؤلاء الذين تحرروا وهربوا من كهوف الشرق تحت أقدام الدجالين وتجار المقدس غريباً وشاذاً.
لكن الواقع أن الغرقى في محيط العالم الغربي لايجدون سوى هؤلاء ليتعلقوا بأذيالهم.
فهم الملجأ الذي ألفوه دوماً،
والذي كان يربطهم بأغلال مقدسة بقاع الكهف الأبدي. الذي هربوا منه فيما يبدو فقط سعياً خلف الدولار.
وليس طلباً لحرية هم بالأساس يجهلون أبجديتها!!

لايفيد مع هؤلاء المذعورين أن تحدثهم عن الاستقلال الشخصي والفكري.
وأن لكل منهم أن يختار من مساحة الحرية الشاسعة بالمجتمع ما يناسبه ويتفق مع شخصيته.
وأن يهمل ويتجنب مالايناسبه.
دون انعزال وعداء وازدراء للمجتمع، الذي أتاح له رفاهية واحتراماً لم يكن ليحلم به.
هؤلاء لا يعرفون سوى أخلاق الانقياد.
أخلاقيات الخوف من المجتمع وكلام الناس ومن الحاكم الديكتاتور.
والحديث معهم عن الحرية والاختيار الحر غير مفهوم ولا مقبول ومزعج ومرعب!!

هي ورطة يجد نفسه فيها الجيل الأول من المهاجرين.
سوف تتضاءل في الجيل الثاني.
وتنعدم في الجيل الثالث،
الذي سيكون قد ذاب تماماً في مجتمعاته الجديدة.