معجزات وقيامة يسوع- رؤية عقلانية


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 07:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أكثر القضايا إثارة للجدل في الفكر العقلاني هي قيامة يسوع ومعجزاته. كيف يراها الباحثون "تاريخياً ونقدياً"؟:

1. المعجزات: "النمذجة" بدل "الحدث التاريخي"

يرى النقاد العقلانيون أن قصص المعجزات في الأناجيل لم تُكتب كتقارير صحفية، بل كـ "أدوات بلاغية" لإثبات أن يسوع يتفوق على أنبياء العهد القديم.

• معجزة تكثير الخبز والسمك: يرى النقاد أنها إعادة إنتاج لمعجزة "المنّ" الذي نزل على موسى في البرية. الهدف هو القول: "إذا كان موسى قد أطعم الشعب خبزاً من السماء، فإن يسوع (المسيا) يفعل الأمر ذاته بل وأكثر".

• إقامة الموتى (لعازر، ابن أرملة نايين): يقارن الباحثون بين هذه القصص وما ورد عن النبيين إيليا وأليشع (الذين أقاموا موتى أيضاً). العقلانية النقدية ترى أن الكنيسة الأولى "استعارت" هذه القوالب لتؤكد أن يسوع يمتلك نفس "الروح" النبوية القديمة، ولكن بجرعة أكبر.

2. القيامة: من "رؤية ذاتية" إلى "عقيدة موضوعية"

بالنسبة للمؤرخ العقلاني، "القيامة" حدث يقع خارج نطاق البحث التاريخي العلمي (لأن العلم لا يتعامل مع الخوارق). لذا، يبحث النقاد في "تطور الفكرة":

الرؤى والهلوسات (Grief Hallucinations): يطرح بعض الباحثين (مثل لوديمان وإيرمان) فرضية أن التلاميذ، تحت وطأة الصدمة والحزن، مروا بتجارب "رؤى" (Visions) اعتقدوا فيها أنهم رأوا يسوع. هذه الظاهرة معروفة نفسياً عند فقدان شخص عزيز.
التطور في الأناجيل: يلاحظ النقاد أن أقدم إنجيل (مرقس) ينتهي بالقبر الفارغ دون ظهورات صريحة (في النسخ الأقدم)، بينما الأناجيل اللاحقة (متى، لوقا، يوحنا) أضافت تفاصيل مادية (يسوع يأكل سمكاً، توما يلمس الجروح). هذا "النمو" في التفاصيل يشير إلى تطور أسطوري لتعزيز العقيدة.

3. الربط بالنبوات: "يونان" و"اليوم الثالث"
استخدم كتاب الأناجيل نصوصاً معينة لتبرير فكرة القيامة عقلياً للجمهور اليهودي:
• آية يونان (يونس): "كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام.. هكذا يكون ابن الإنسان".
التحليل العقلاني: يرى النقاد أن هذا "ربط بأثر رجعي". قصة يونان في العهد القديم لا تتحدث عن الموت والقيامة، بل عن النجاة من الغرق. لكن المسيحيين الأوائل احتاجوا لـ "سند نصي" يفسر لماذا قام يسوع في "اليوم الثالث" تحديداً، فوجدوا في قصة يونان رمزية مناسبة.

4. الفرق بين "التاريخ" و"الأسطورة" (حسب ديفيد ستراوس)
في كتابه "حياة يسوع"، وضع ستراوس قاعدة عقلانية ذهبية:
"إذا كان هناك حدث يتطابق تماماً مع فكرة دينية مسبقة أو نبوة قديمة، فمن المرجح أن هذا الحدث اختُرع أدبياً ليناسب تلك الفكرة، وليس أنه حدث واقعياً بهذا الشكل".

الخلاصة
من وجهة نظر عقلانية، المعجزات والقيامة ليست "أدلة" على صدق النبوات، بل هي "ثمرة" للرغبة في إثبات النبوات. لقد كان الإيمان هو المحرك لصناعة النص، وليس النص هو المحرك للإيمان.
كلمة ختامية
إن دراسة النبوات من وجهة نظر عقلانية تكشف لنا عن عبقرية "الإنسان" في صناعة المعنى، وكيف استطاعت الجماعات البشرية عبر التاريخ أن تعيد قراءة نصوصها القديمة لتبعث فيها حياة جديدة تتناسب مع إيمانها باللحظة الحاضرة.