القبطية الأرثوذكسية وكراهية العالم


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 02:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

"لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآب. لأن كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم." (1 يو 2: 16-15).

هذا الكلام جاء في رسالة ضمن رسائل العهد الجديد.
وهي منسوبة لمن يسمى يوحنا.
والمسيحيون يفترضون أن كاتبها هو يوحنا التلميذ الصياد البسيط الجاهل الذي كان يسوع يحبه.

وأياً كانت حقيقة شخصية كاتب هذا الكلام،
فإن المسيحيين يعدونه كلاماً إلهياً مقدساً.

لابأس
فالنصوص مليئة بمثل هذا الكلام العجيب.
لكن المشكلة في تعلق الكنيسة الأرثوذكسية بهذه الآيات بالذات.
وترددها في طقوسها بصورة مستمرة.
ومعها المقولة المنسوبة ليسوع:

"لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ." (يو 15: 19).

وكاتبها أيضاً يسمى يوحنا. وربما كان هو ذات الشخص المنتحل لاسم يوحنا بن زبدي تلميذ يسوع.

هو إلحاح على بث الكراهية والمفارقة للعالم في نفوس ضحايا خطاب الكنيسة.

لا تركز الكنيسة على آيات تتحدث مثلاً عن أن المسيحيين نور العالم وملح الأرض.
وهناك عبارة منسوبة ليسوع عن أن الله أحب العالم.

كل هذه يمرون عليها في طقوس الكنيسة نادراً ومرور الكرام كما يقولون.
لكن التركيز هو على بث الكراهية للعالم.
وبأنه كتلة من الشرور والفجور!!
وأن محبة العالم هي المضاد لمحبة الإله!!

المشكلة أن كاتب هذا الكلام يؤكد أن كل ما بالعالم هو الشرور والفجور.
ولم ير بالعالم غير هذا.
ولذا يحرض المؤمنين ألا يحبوا العالم.
وأن من يحب العالم لا يحب الرب!!

لم يقل لهم ذلك الكاتب أعمى البصيرة أن يتجنبوا شرور الأشرار بالعالم.
وأن يأخذوا دوماً جانب الخير!!

هذه العبارات التي تركز عليها الكنيسة وكهنتها تريد من المؤمنين الانفصال نفسياً عن العالم.
واعتباره محل غربة، كما يلح على ذلك أيضاً عموم خطاب الكنيسة.
وأن ليس للمؤمنين على الأرض مدينة باقية، وأنهم ينتظرون العتيدة في السماويات.

الكهنة لا يعتقدون بالطبع في هذا الكلام الكاذب المنافق.
لكنهم يبثونه للناس للهيمنة والسيطرة على عليهم.
وليعزلوهم فكرياً وسيكولوچياً عن المحيط الذي يعيشون فيه.

بالطبع لا يأخذ المسيحيون هذا الكلام على محمل الجد والتطبيق الفعلي.
والأمر كذلك مع سائر خطاب الكنيسة المفارق للواقع.
لكن مهما قللنا من شأن تأثير خطاب الكنيسة عموماً،
فإن لهذا الخطاب تأثيره السلبي على مشاركة الأقباط في الشأن العام.
خاصة في ظل ما يتعرضون له من ضغوط خارجية لطردهم من الساحة العامة.
تلك الضغوط التي يتلقفها الكهنة ويعظمون من تأثيرها بخطابهم هذا.
لكي يرتمي الأقباط كأيتام في أحضانهم!!