الإرهاب والتضليل بين سوريا وإيران.. الحقيقة المغيبة


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 17:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الحقيقة المغيبة : في ظل الروايات المغلوطة: الإرهاب والتضليل بين سوريا وإيران

1
في ناطحات سحاب، بزجاج معتم، أحيانا في سيتي لندن و نيويورك والدوحة ودبي وغيرها، تقبع إحدى اقوى الادوات الاستعمارية ، التي تستخدمها الطغم المالية الحاكمة في الغرب، ألا وهي امبراطوريات إعلامية ،تحاول أن تغسل أدمغة الشعوب بالاكاذيب .
فمن اجندات الاستخبارات الغربية إلى أروقة السياسة الدولية تُصنع الروايات المغلوطة لتغطية جرائم الإرهاب المنظم. التاريخ في المنطقة العربية وإيران غني بالأمثلة التي تُظهر كيف تتحول الحقائق إلى أساطير مشوهة تُروج لخدمة أهداف استعمارية. وثائق استخباراتية غربية كشفت مؤخرًا عن تورط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في توظيف عصابات الإخوان المسلمين لاستهداف سوريا، في عملية انتقامية عقب انتصارها في حرب تشرين 1973. هذه العمليات، التي استهدفت آلاف الكفاءات العسكرية والمدنية السورية، كانت جزءًا من استراتيجية ممنهجة لتقويض الدولة السورية عبر أدوات إرهابية مارست القتل العشوائي بناءً على الهوية أو الانتماء الحزبي أو الكفاءات التي تشكل ركائز تقدم البلاد.

2
في حماة عام 1982، روّجت الدعاية الغربية، بدعم من الإخوان المسلمين، أرقامًا مبالغًا فيها، زاعمة سقوط عشرات الآلاف من المدنيين. لكن الوثائق الاستخباراتية، التي كُشف عنها لاحقًا، أكدت أن عدد القتلى لم يتجاوز ألفي شخص، أغلبيتهم الساحقة من الإرهابيين الذين نفذوا عمليات قتل ممنهجة ضد المواطنين السوريين. هذه الأرقام المضخمة، التي وصلت إلى خمسين ألفًا أو أكثر، لم تكن سوى جزء من حملة تضليل واسعة، صيغت بعناية لتشويه صورة الدولة السورية، بينما تُخفي تورط أجهزة استخبارات غربية، بما فيها المخابرات البريطانية، في صناعة ودعم هذه العصابات الدموية.

3
النمط ذاته تكرر في إيران، حيث نفذت منظمة مجاهدي خلق، المرتبطة بعلاقات تجسس وثيقة مع واشنطن ولندن، عمليات إرهابية استهدفت رموز الدولة الإيرانية. في تفجير واحد، اغتالت المنظمة رئيس الجمهورية المنتخب وأعضاء من الحكومة والبرلمان، في جريمة هزت أركان الدولة الناشئة. وثائق لاحقة كشفت أن المنظمة كانت العين الساهرة للعدو، مقدمة معلومات حساسة مثل كشف منشأة فوردو للتخصيب النووي، وهي منشأة مشروعة بموجب القانون الدولي. لم تتوقف عند هذا الحد، بل تواطأت مع الكيان الصهيوني في استهداف علماء وقادة ومنشآت عسكرية ونووية إيرانية، فيما يُعد خيانة عظمى بمعايير أي دولة.

4
في مواجهة هذه الحقائق، تبرز رواية مضادة، تُروج عبر منصات مختلفة، عبر شخصيات قد تكون وهمية ، تدعي إعدام نظام الملالي لأكثر من ثلاثين ألف سجين سياسي عام 1988، معظمهم من مجاهدي خلق، وتصفها بجريمة ضد الإنسانية. هذه الرواية، التي استندت إلى تقارير منظمة العفو الدولية، تفتقر إلى الدقة التاريخية وتتجاهل السياق الأمني الذي واجهته إيران، حيث كانت المنظمة تنفذ عمليات إرهابية مدعومة من قوى خارجية. التفاصيل المروعة التي تُروج لها، والتي تقارن الأحداث بالعصور الوسطى، تبدو مبالغًا فيها، تهدف إلى شيطنة النظام الإيراني وإخفاء الدور الغربي في تغذية الإرهاب.

5
السطور المتقاطعة بين هذه الأحداث تكشف نمطًا واضحًا: الغرب الاستعماري يستخدم جماعات إرهابية مثل جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام والإخوان المسلمين ومجاهدي خلق لزعزعة استقرار الدول المقاومة. في سوريا الثمانينات، استُهدفت الكفاءات العلمية والعسكرية لتقويض قدرة البلاد على المقاومة. في إيران، استُهدفت مؤسسات الدولة والعلماء لإجهاض مشروعها النووي. في كلا الحالتين، تم تضخيم الأرقام وتشويه الحقائق عبر حملات إعلامية مكثفة، لتحويل الضحايا إلى مجرمين والمجرمين إلى ضحايا.

6
الحقيقة المغيبة هي أن هذه العمليات لم تكن مجرد صراعات داخلية، بل جزءًا من حرب استخباراتية واسعة النطاق. الإخوان المسلمون في سوريا، ومجاهدو خلق في إيران، كانوا أدوات في يد قوى خارجية، تُدار من واشنطن ولندن وتل أبيب وأنقرة والدوحة والرياضج. الوثائق التي كشفت عن هذه العلاقات تؤكد أن الهدف كان إضعاف هذه الدول عبر استهداف كفاءاتها البشرية ومؤسساتها السيادية. لكن هذه الحقيقة تُطمس تحت وطأة الدعاية الغربية، التي تُصر على تقديم الإرهابيين كضحايا، بينما تُجرّم الدول التي تدافع عن استقرارها.

7
ما يُثير القلق هو استمرار هذا النمط حتى اليوم. الروايات المغلوطة، التي تُروج عبر منصات إعلامية ومنظمات حقوقية، ليست بريئة. إنها جزء من استراتيجية تهدف إلى إعادة كتابة التاريخ، وتبرير التدخلات الخارجية، وإدامة الهيمنة الاستعمارية. في سوريا وإيران، تُستخدم هذه الروايات لخلق انقسامات داخلية، وتشويه صورة الأنظمة المقاومة، ولتبرير العقوبات والحروب الاقتصادية.

8
في مواجهة هذا التضليل، يبقى السؤال: كيف يمكن استعادة الحقيقة؟ الإجابة تكمن في كشف الوثائق، وتفنيد الروايات المغلوطة، وإعادة صياغة السرد التاريخي من منظور الضحايا الحقيقيين: الشعوب التي دفعت ثمن المؤامرات الاستخباراتية. يجب إعادة قراءة الأحداث بعيون نقدية، ورفض الروايات الجاهزة التي تُقدمها القوى الاستعمارية. الحقيقة ليست مجرد سرد، بل سلاح في معركة الوعي والسيادة.

9
إن الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية و المخابرات الخارجية البريطانية في سوريا لم يكن حدثًا معزولًا. فقد كشفت الوثائق عن خطط منهجية لتجنيد وتسليح جماعات متطرفة، ليس فقط لاستهداف الكفاءات، بل لخلق حالة من الفوضى الدائمة. في حماة، لم يكن الهدف القضاء على الإرهابيين فحسب، بل حماية النسيج الاجتماعي السوري الذي حاولت هذه الجماعات تمزيقه عبر العنف الطائفي والقتل العشوائي. الدعاية التي تضخمت لاحقًا حول هذه الأحداث لم تكن سوى محاولة لإعادة صياغة السرد لصالح القوى الخارجية.

10
في إيران، كانت منظمة مجاهدي خلق أداة لتنفيذ أجندات مماثلة. لم تكتفِ المنظمة بالتجسس وتسريب المعلومات الحساسة، بل شاركت في عمليات اغتيال ممنهجة، استهدفت العلماء والقادة، بهدف إضعاف المشروع النووي الإيراني. هذه العمليات، التي دعمتها واشنطن ولندن وتل أبيب، كانت تهدف إلى منع إيران من تحقيق استقلالها التكنولوجي والعلمي.

11
الروايات المضادة، مثل تلك التي تُروج لمجزرة 1988 في إيران، تعتمد على تضخيم الأرقام وتشويه السياق. الادعاء بإعدام ثلاثين ألف سجين سياسي يفتقر إلى الأدلة الموثقة، ويتجاهل أن المنظمة كانت تشكل تهديدًا أمنيًا مباشرًا للدولة الإيرانية. هذه الروايات تُصمم لخدمة أهداف سياسية، وليس لتقديم الحقيقة.

12
إن القواسم المشتركة بين هذه الأحداث تكشف عن استراتيجية استعمارية متكاملة. القوى الغربية، عبر أجهزتها الاستخباراتية، استخدمت جماعات متطرفة كأدوات لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. في سوريا، كان الهدف إضعاف الدولة عبر استهداف كفاءاتها. في إيران، كان الهدف إجهاض مشروعها النووي عبر الاغتيالات والتجسس.

13
الدور الإعلامي في هذه العمليات لا يقل أهمية. المنصات الإعلامية، كالجزيرة والعربية والحدث وغيرها من امبراطوريات محميات الخليج الصهيو أمريكية الإعلامية التي تُروج لروايات مضخمة، تلعب دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام الدولي. هذه المنصات، بدعم من منظمات حقوقية، تُقدم سرديات جزئية تُبرز الإرهابيين كضحايا، بينما تُجرّم الدول التي تدافع عن سيادتها.

14
في سوريا، كانت حماة مسرحًا لصراع وجودي بين الدولة وجماعات إرهابية متطرفة مدعومة خارجيًا. الرواية الغربية حولت هذا الصراع إلى مجزرة ضد المدنيين، متجاهلة السياق الأمني والتهديدات التي واجهتها الدولة.

15
في إيران، كانت عمليات مجاهدي خلق جزءًا من حرب استخباراتية أوسع،من خلال امبراطوريات اعلامية الوحدة 8200 كالحزيرة والعربية والحدث استهدفت استقرار الدولة الناشئة. الروايات التي تُروج لإعدامات جماعية تُغفل دور المنظمة في التجسس والإرهاب، وتُقدم صورة مشوهة للأحداث.

16
إن استعادة الحقيقة تتطلب جهدًا منهجيًا لكشف الوثائق الاستخباراتية وتفنيد الروايات المغلوطة. يجب أن تُعاد كتابة التاريخ من منظور الشعوب التي تحملت وطأة هذه المؤامرات، وليس من منظور القوى الاستعمارية.

17
اليوم، تواجه إيران تحديات مستمرة من العقوبات الاقتصادية والحملات الإعلامية التي تُشيطنهما. هذه التحديات ليست سوى امتداد للاستراتيجية التي بدأت قبل عقود، والتي تهدف إلى إضعاف أي دولة تسعى للسيادة.

18
إن المقاومة الفكرية والثقافية هي السلاح الأقوى في مواجهة هذا التضليل. من خلال كشف الحقائق وإعادة صياغة السرد، يمكن للشعوب استعادة روايتها وتأكيد حقها في تقرير مصيرها.

19
في النهاية، الحقيقة ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي أداة تحرر. إنها الوسيلة التي تُمكن الشعوب من مقاومة الهيمنة الاستعمارية، واستعادة سيادتها الفكرية والسياسية.

20
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نُعيد قراءة التاريخ بعيون نقدية، وأن نرفض الروايات الجاهزة. إن معركة الحقيقة هي معركة الوعي، وهي معركة لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية أو الاقتصادية. إنها معركة من أجل المستقبل، من أجل الأجيال القادمة التي تستحق أن تعرف الحقيقة، وأن تبني عليها وعيًا مقاومًا وسياديًا.