الإسلاميون والشيوعيون - وفاة وولادة


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 7934 - 2024 / 4 / 1 - 16:47
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها     

من ينظر للمشهد الحالي يعتقد ان هناك تقاطعا بين الإسلاميين والشيوعيين، فالطرفين يحيان ذكرى لكل منهما، الإسلاميين يحيون ذكرى وفاة علي بن ابي طالب، وهي ذكرى مقدسة لدى الطائفة الشيعية، والشيوعيين يحيون ذكرى تأسيس وولادة حزبهم "الحزب الشيوعي العراقي"، وتصادف هذا العام ان تلتقي هاتين المناسبتين في نفس اليوم، مما اوهم الكثير ان هناك تقاطعا بين الطرفين، وبالحقيقة لا يوجد أي تقاطع بين هذه الأطراف، كيف ذلك؟ لنرى:

الحزب الشيوعي العراقي يعاني ازمة داخلية عميقة جدا، قد تؤدي الى انهياره وتلاشييه، خصوصا بعد انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، والتي كشفت حقيقة الوجود الاجتماعي لهذا الحزب، وبددت الصورة المرسومة في اذهان الكثيرين من له وجودا كبيرا داخل المجتمع، هذا الحزب الذي بلغ عامه التسعين يعيش حالة من التخبط والفوضى، خصوصا على مستوى قياداته والسياسات التي انتهجتها ومازالت مصرة عليها، رغم الدعوات الكثيرة من أعضاء سابقين في الداخل والخارج، هذه السياسات هي التي زادت من عزلة الحزب اجتماعيا، وجعلته يعيش ذروة الاغتراب.

منذ 2003 وتشكيل العملية السياسية البغيضة، والتي اشترك الحزب الشيوعي بها، وهي كما يراها كثيرون خطوة سياسية خاطئة جدا، بل ذهب البعض "طارق يوسف إسماعيل" الى انها بمثابة "تحرير شهادة وفاة له"، هذا الاشتراك في العملية السياسية خط بعده الكثير من السياسات، فهو قد حٌسب على "البيت الإسلامي - الشيعي"، وبالتالي فقد تحالف معهم "سائرون"، وجلس في برلمانهم، وكان يقنع أعضاؤه ومريديه ان "التغيير يأتي من الداخل"، وعلى الرغم من "النوايا الطيبة" للحزب الا ان الحقيقة التي غابت -او بالأحرى غٌيبت- هي ان العملية السياسية كلها بدستورها وانتخاباتها وقوانينها مفصلة تماما للإسلاميين والقوميين، وكان عليه ان يٌدرك جيدا ان إصرار القوى الدولية –خصوصا أمريكا كدولة احتلال- والقوى الإسلامية والقومية على اشتراك الحزب الشيوعي في العملية السياسية هو لتجميل وجهها القبيح ليس الا.

ان الشعار المرفوع هذا العام من قبل الحزب الشيوعي في ذكرى تأسيسه هو أيضا يذّكر بأزمة الحزب، فهو يلعب على وتر الذكريات والذاكرة لأعضائه "حزب فهد وسلام"، ليس فيه اية ثورية او اقتراب من مفردات ماركسية او لينينية، فقط "حزب فهد وسلام"، وحتى المحتفلون بعيد التأسيس، واغلبهم كبار جدا في السن، هؤلاء اكتفوا بالحنين "نوستالوجيا" الى "العصر الذهبي" للحزب، ولتلك الشخصيات التي ضحت والآم السجون والمعتقلات وسنوات الغربة في البلدان، وللقصائد الشعرية والاغاني الحزينة؛ لقد كشفت هذه الذكرى عن الكثير من الأشياء.

لقد تماهى الحزب الشيوعي مع الإسلاميين بشكل كبير، فهو وبغض النظر عن عدم توجيهه نقدا للدين، والذي هو "الشرط الممهد لكل نقد"، الا انه أيضا لم يوجه نقدا حقيقيا سياسيا للقوى الإسلامية والقومية، وإذا وجد هذا النقد فانه يظهر بشكل خجول جدا، لقد حرص هذا الحزب على "احترام مشاعر الاسلاميين" الى الحد الذي وصل الى الغاء احتفالية ولادة وتأسيس حزبهم لأنها تصادفت مع ذكرى دينية.

اما الإسلاميين فهم ليسوا بأفضل حالا من الحزب الشيوعي، ان لم نقل انهم يعيشون حالة انحدار-سقوط- تام، فالأزمات التي تعصف بهم لا تجعلهم يعرفون ماذا يفعلون، انهم مجموعة قوى متصارعة، لا يهدأ ابدا ولا يسكن صراعهم، لا تكاد تخفت أزمة حتى تشتعل الأخرى، وهم هكذا منذ ان جيء بهم، كونهم قد جاءوا عن طريق ازمة "حرب".

الإسلاميون يتعكزون على الطقوس الدينية، انهم يحسبون لها ألف حساب، فهم يدركون جيدا لعبة الطقوس هذه، انهم يحافظون عليها بشكل أساسي جدا، فدعم هذه الطقوس يأتي من اعلى المستويات، وتعد "خطا احمر" بالنسبة إليهم، ولو بمجرد الإشارة اليها، انهم يعرفون انها احدى الركائز المهمة للحفاظ على حكمهم واستمراره، وقد جندوا جيشا من "المثقفين" للحديث عن هذه المناسبات والطقوس بشكل "مثقف".

اليوم نشهد انسجاما كبيرا بين الشيوعيين والإسلاميين والقوميين، وهذا الانسجام بلغ مراحل عليا، وهو احدى العقد التي لا تجعل الوضع السياسي للمجتمع ان يتطور، فهذا الانسجام بمثابة حائط صد للحركات الاحتجاجية، التي تريد النهوض.
طارق فتحي