غزة والمالتوسية


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 7923 - 2024 / 3 / 21 - 16:13
المحور: القضية الفلسطينية     

(لا أزعم أن تحديد النسل هو الطريقة الوحيدة لمنع زيادة السكان. هناك طرق أخرى، والتي، يجب أن يفترض المرء أن مناهضي تحديد النسل سيفضلونها. الحرب، مثلما بينت قبل لحظات، أثبتت أنها مخيبة للآمال في هذا المضمار، ولكن لعل الحرب البكتريولوجي –الجرثومية- ستثبت أنها أبلغ تأثيراً. فإذا ما أمكن نشر الموت الأسود (الطاعون) عبر كل العالم لمرة واحدة في كل جيل، فأن بإمكان البشر المتبقين الإنجاب بحرية، دون أن يجعلوا العالم مكتظاً جداً) برتراند رسل... أثر العلم على المجتمع.... ويتابع رسل في ذات الصفحة:

هناك ثلاث طرق يمكن بواسطتها المجتمع ان يؤمّن استقراريته بالنسبة للسكان:

الأولى من خلال تحديد النسل، والثانية من خلال وأد الأطفال او من خلال الحروب المدمرة، والثالثة من خلال مستوى عام للشقاء فيما عدا اقلية ضئيلة.

هذه هي المالتوسية بأفضل تجليتاها، بلسان ارستقراطي الفلسفة البريطانية، هذه الكلمات قالها رسل امام طلبته وهو يحاضر في الجامعة، دون أي اعتبار للمفاهيم الإنسانية ولقيمة الانسان ذاته، ورسل هذا تنطبق عليه وصف نونو بهار بطلة رواية علي بدر "بابا سارتر" اذ تقول "كل فيلسوف ارعن".

ما نراه اليوم في غزة هو الجانب التطبيقي والعملي التام لهذه الفلسفة القذرة، حرب إبادة وعلى كل الصعد، فهناك وأد وقتل للأطفال الرضع والخدج، وقيادة حرب مدمرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، والباقي من السكان يعيشون حياة شاقة وبائسة بكل ما للكلمات من معنى.

المالتوسية فلسفة تحديد البشر، دائما ما تجد لها اتباع ومطبلين، وما يتردد من عبارة "المليار الذهبي" هو يقع ضمن خط هذه الفلسفة، فهم يشعلون الحروب الاهلية الداخلية والحروب بين الدول ويتركوها مشتعلة، بل كلما راوا انها بدأت تخفت نفخوا فيها "السودان، اليمن، سوريا، ليبيا، أوكرانيا" والقادم أكثر.

لم يكن رسل الأول من دعا ب "وأد الأطفال"، فهذه دعوة قديمة، الفرنسي برودون في كتابه "ما هي الملكية" يذكر ان "أحد اتباع مالتوس اقترح القيام بمجزرة سنوية ضد الأطفال الأبرياء من جميع العائلات التي يتجاوز عدد أبنائها العدد الذي حدده القانون".

ان ما تعيشه غزة اليوم لهو مثال واضح على ما وصلت اليه الرأسمالية من نتانة وقذارة، فهذا النمط الشائخ والهرم بلغ ذروة التوحش والبربرية، ضاربا كل القيم الأخلاقية للإنسانية عرض الحائط، انه يحاول ان ينتزع من البشرية كل انسجام فيما بينها، ويزرع فقط اللامبالاة وعدم الاهتمام لما يجري، وهو ينجح في مساعيه.
طارق فتحي