الأجور والمعاشات والغلاء 1- فوضي أسواق العمل والأجور


إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن - العدد: 7316 - 2022 / 7 / 21 - 07:37
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

الأجور والمعاشات والغلاء
1- فوضي أسواق العمل والأجور
يقع الكثير منا في خطأ عندما يسمع أو يطالع قيمة الأجور في الموازنة العامة للدولة والتي بلغت في موازنة 2022/2023 حوالي 400 مليار جنيه وقد يظن البعض وبعض الظن أثم ان هذا الرقم كبير أو أنه يخص كل العمال بأجر. لذلك ينبغي توضيح الآتي:
- هذا المبلغ يخص جزء محدد من العاملين لدي الدولة هم موظفي الجهاز الإداري والمحليات والهيئات العامة الخدمية فقط. بينما لا يشمل عمال الهيئات العامة الاقتصادية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام. وبالتالي فهو لا يشمل أجور عمال القطاع الخاص.
- رغم ارتفاع القيمة النقدية للأجور في الموازنة من 94.6 مليار جنيه في موازنة 2010/2011 إلي 400 مليار جنيه في موازنة 2022/2023 ، الا ان اهميتها تراجعت كنسبة من المصروفات في الموازنة من 24% الي 19.3% والي إجمالي استخدامات الموازنة من 20% إلي 13% وبالنسبة إلي الناتج المحلي الاجمالي تراجعت أهمية الأجور الحكومية من 7% إلي 4.4%.
- تغيب العدالة في توزيع الأجور بين قطاعات الحكومة فموظفي الجهاز الإداري للدولة يمثلون 38% من موظفي الحكومة ولكنهم يحصلون علي 47.6% من إجمالي الأجور بينما موظفي المحليات يشكلون 52% من موظفي الحكومة ويحصلون علي 38.7% فقط من إجمالي الأجور أما موظفي الهيئات العامة الخدمية فيمثلون 10% من موظفي الحكومة ويحصلون علي 13.7% من الأجور.
- لذلك يمكن لأطباء خريجين طب بني سويف مثلا بتقدير جيد جداً دفعة 2020 واحد اتعين في وزارة الصحة والآخر في وحدة صحية ريفية والثالث في الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية. سنجد مرتباتهم مختلفة رغم تساويهم في دفعة التخرج والتقدير والعمل لدي الحكومة وفي نفس الوزارة.
- يوجد بالحكومة 1.1 مليون خاضعين لكادرات خاصة و 281 ألف خاضعين للوائح خاصة.يوجد ثلاث جهات تمثل غالبية اصحاب الكادرات الخاصة هم كادر الشرطة 86% وهيئة التدريس بالجامعات 11.1%، السلك الدبلوماسي والقنصلي 0.2%.
- تتفاوت قيمة المكافآت والحوافز بين الجهات الحكومية حيث تصل الي 1800% في رئاسة الجمهورية و1375% في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، 1200% في هيئة الرقابة المالية وتصل المكافآت الي 1000% في الضرائب وجهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار و المجلس القومي للأمومة والطفولة.( عبدالخالق فاروق – اقتصاديات الأجور والمرتبات في مصر- صفحة 71)
- عام 2016 صدر قانون الخدمة المدنية والذي اقتصر تطبيقه علي موظفي الدولة ولكنه استبعد العديد من الفئات علي رأسها قطاع التعليم والذي كان يعمل به عند صدور القانون 1.9 مليون عامل وقطاع الصحة الذي كان يعمل به 736 ألف عامل أي أن العاملين بالتعليم والصحة 2.6 مليون يمثلون 49% من العاملين بالحكومة وهو من يسميهم القانون غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية. أي أن نصف موظفي الحكومة غير مخاطبين بقانون الخدمة المدنية وأجوره وبدلاته.كما يوجد 1.1 مليون آخرين يعملون بكادرات خاصة.
- غرائب وطرائف قانون الخدمة المدنية أن المعلمين والأطباء والتمريض من حيث الأجور مثبتين علي الوضع في 2015 قبل صدور القانون باعتبارهم كادرات خاصة ويسمونهم غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، بينما تعينهم وأجازاتهم ومحاسبتهم وانهاء خدمتهم خاضع بالكامل لقانون الخدمة المدنية.
- ثانياً العمالة الفنية للتعليم والصحة غير خاضعين في الأجور لقانون الخدمة المدنية بينما الموظفين والعمال خاضعين للقانون وبالتالي يصبح في اكبر وزارتين في مصر عمالة فنية لها اجور تسمي كادر خاص وعمالة ادارية لها اجور ومميزات قانون الخدمة المدنية من حيث الحد الأدني ونسبة العلاوة الدورية.
- لاتربط الموازنة بين الأجور وتوزيعها حسب الدرجات الوظيفية وتضع الاعتمادات تحت مسميات التقسيم الاقتصادي أو الإداري او الوظيفي فقط ويغيب التوزيع حسب الدرجات الوظيفية والنصيب من الأجور. حيث يوجد 263.6 ألف يشغلون وظائف الإدارة العليا في الحكومة وكنا نتمني ان نعرف كم تمثل أجورهم بالنسبة لإجمالي الأجور الحكومية وكم يخص باقي الدرجات الوظيفية خاصة من الدرجة السادسة وحتي الدرجة الأولي. أي أن شاغلي وظائف الإدارة العليا في الحكومة عددهم يشكل 4.5% من العاملين بالحكومة وباقي الدرجات من كبير وحتي الدرجة السادسة 95.5% ولا توضح الموازنة توزيع الأجور حسب الدرجات لكي لا نعرف مدي التفاوت ولكن علي مستوي كل وزارة او جهة يعرف الموظفين مستوي مرتبات وحوافز ولجان الإدارة العليا ومرتبات باقي العاملين في نفس الجهة سواء وزارة او محافظة او هيئة عامة خدمية.
- كما انه بين العاملين في القطاع العام يوجد 9101 يشغلون وظائف إدارة عليا من الدرجة الممتازة والعالية ودرجة مدير عام من بين682 ألف عامل.
لذلك لا تعكس هذه البيانات حقيقة الأجور في مجمل القطاعات الاقتصادية وأسواق العمل المختلفة. ففي عام 2020 أصبح سوق العمل مكون من 19 مليون عامل بأجر منهم 4.9 مليون في الحكومة 26% من العاملين بأجر، 682 ألف في القطاع العام وقطاع الأعمال العام يمثلون 4% من العاملين بأجر بينما يوجد 13.4 مليون يعملون في القطاع الخاص ويمثلون 70.4% من العمال بأجر منهم 6.9 مليون في القطاع الخاص المنظم و 6.4 مليون يعملون في القطاع الخاص غير المنظم. أي أن غالبية سوق العمل يعملون في القطاع الخاص وبالتالي أجورهم تختلف ولا تخضع لنفس شروط الأجور الحكومية.
موظفوا الحكومة
جاء ضمن نشرة إحصاء العاملين بالحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام لسنة 2016 أن عدد العاملين بالحكومة 2.1 مليون وفي الإدارة المحلية 2.8 مليون وفي الهيئات العامة الخدمية 547.2 ألف وفي الهيئات العامة الاقتصادية 342.1 ألف وفي شركات القطاع العام 841 ألف.
منذ طرحت الحكومة خطة مصر 2030 كتبت ان هناك سياسة حكومية يفرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتخفيض عدد موظفي الحكومة إلي مليون موظف فقط في 2030 وان ذلك يعني التخلي بالكامل عن التعليم والصحة وتركها للقطاع الخاص.
تستهدف خطة الحكومة المصرية تخفيض عدد الموظفين من 6.6 مليون موظف إلى 3.2 مليون موظف، بحيث يكون في مصر موظف لكل 40 مواطنا سنة 2030.( قناة العربية 5 يوليو 2017) وهي نفس المعلومة المثبته في خطة التنمية المستدامة 2030.
عام 2020 أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نتائج مسح القوي العاملة بالعينة والذي اوضح فيه تراجع عدد موظفي الحكومة الي 4.8 مليون موظف اي أنه بين 2016 و 2020 وليس الي 2022 انخفض عدد موظفي الحكومة 891.1 ألف وظيفة بما يمثل 15.4% من موظفي الحكومة، كما انخفض عدد العاملين في القطاع العام وقطاع الأعمال العام من 841.3 ألف إلي 682.1 ألف أي أنخفض عمال القطاع العام بنسبة 19% من العمال في 2016.
يردد كبار المسئولين بالدولة صباح مساء مقولة مضللة بأنه يوجد بطالة مقنعة في الحكومة وموظفين يحصلون علي أجور بلا عمل. ورغم ان ذلك يعكس غياب تخطيط القوي العاملة في الحكومة وسوء توزيع الموظفين وهي مسئولية الحكومة وليست مسئولية الموظف. إضافة إلي وقف التعيينات في الحكومة رغم وجود عجز كبير في بعض الوظائف ، الا أن هناك إصرار يرددونه صباح مساء بأنه يوجد فائض في العمالة بينما الوقائع علي الأرض تكذب ذلك:
- قال المهندس أيمن حمزة، المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، إن هناك نحو 10 آلاف محصل وقارئ عداد يعملون حالياً، والوزارة في حاجة لـ 10 آلاف آخرين، ما دفع الوزارة للاتفاق مع إحدى الجهات السيادية بالدولة لتقوم بقراءة العدادات الكهربائية شهريا بما يضمن الحفاظ على سرية قاعدة البيانات، ولفت إلى أنه خلال 5 سنوات سيتم إحلال العدادات الميكانيكية المعتادة إلى عدادات كودية مدفوعة.
- وفي الضرائب يبلغ العجز نحو 30 ألف موظف، وأكد عمرو المنير نائب وزير المالية لشؤون الضرائب، أن وزارة المالية تقوم بعمل خطة متكاملة بخصوص هذا الشأن، جزء منها التعيينات لحل مشكلة نقص العمالة، حيث إنه منذ عام 2010 - 2011 لا توجد أي تعيينات جديدة، وسيتم تقديم هذه الخطة للقيادة السياسية وذلك وفق أهداف محددة.(قناة العربية – الأسواق العربية - رغم التضخم الإداري.. مؤسسات مصرية تشكو نقص الموظفين).
- تقرير لنقابة الأطباء ،أوضح أن مصر فقدت حتى العام 2018 أكثر من 11 ألف طبيب، تقدموا باستقالاتهم إلى وزارة الصحة عقب إنهاء فترة التكليف الإلزامي. وذكر التقرير نفسه أن مصر لا يوجد بها حالياً سوى 38% من الأطباء الحاصلين على تراخيص ممارسة مهنة الطب (عضوية النقابة)، ما يعني أن مصر فقدت 62% من أطبائها في غضون بضع سنوات.
- مارس 2019، أصدرت وزارة التعليم العالي بالتعاون مع وزارة الصحة، دراسة بعنوان "احتياجات سوق العمل من المهن الطبية خلال الـ5 سنوات القادمة بدءاً من 2020"، كشفت فيها أن عدد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018، بدون الأطباء المحالين للمعاش، يصل إلى 212 ألفاً و835 طبيباً، بينما يعمل فعلياً في مصر نحو 82 ألفاً فقط، بنسبة 38%، والنسبة المتبقية تمثل أطباء يعملون خارج مصر أو تقدموا باستقالتهم من وزارة الصحة أو حصلوا على إجازات بدون راتب.وهي نفس نتائج دراسة نقابة الأطباء ونفس الوضع ينطبق علي باقي المهن الطبية.
- يصل العجز في التعليم إلي 230 ألف فصل و340 ألف معلم ( الأهرام – 4 نوفمبر 2021) ذلك بخلاف خروج اكثر من 30 ألف معلم كل عام إلي المعاش.
- لذلك عندما تعلن وزارة المالية في موازنة 2022/2023 عن تعيين 30 ألف طبيب وصيدلي و30 ألف معلم فهي لا تحل جوهر المشكلة بل تجري تعويض فقط للخارجين الي التقاعد. ويستمر العجز في الأطباء والتمريض والمعلمين ليشكل انهيار واضح لمنظومة التعليم العام والصحة العامة في مصر. بينما يستمر نفس الخطاب المكرر حول زيادة عدد موظفي الحكومة.
لا يوجد فائض في العاملين بالحكومة ولكن يوجد سوء في توزيع العمالة وغياب لتخطيط القوي العاملة حيث يوجد فائض في بعض الوحدات وخاصة في المحليات وعجز كبير في وحدات اخري كالتعليم والصحة والضرائب والكهرباء وهو ما يحتاج لإعادة تخطيط للقوي العاملة علي مستوي القطاع الحكومي بما يغطي العجز القائم خلال فترة زمنية محددة.
عمال القطاع الخاص
أوضحنا ان أكثر من 70% من العمال بأجر يعملون لدي القطاع الخاص ويتجاوز عددهم 13 مليون عامل ما بين القطاع الخاص المنظم والقطاع الخاص غير المنظم. لذلك إذا حاولنا التعرف علي تحليل لتوزيع عمال القطاع الخاص نجد الآتي:
عام 2018 نشر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء النتائج النهائية للتعداد الاقتصادي طبقاً لمحافظات مصر والذي يتضح منه:
- 1536 منشأة تابعة للقطاع العام وقطاع الأعمال العام بينما 3.7 مليون منشأة تابعة للقطاع الخاص.
- يوجد 30.6 ألف شركة مساهمة و 8 الالاف شركة ذات مسئولية محدودة و 99.1 ألف شركة تضامن و 21.7 ألف شركة توصية بسيطة و 3.4 مليون منشأة فردية تمثل 90% من المنشآت العاملة في مصر .
- 3.3 مليون منشأة يعمل بها أقل من 100 عامل وهي تمثل 89% من المنشآت في مصر.
- 1.9 مليون منشأة عاملة في مصر وغير مسجلة وهي تمثل 53% من المنشآت وهي ما يوصف بالقطاع غير المنظم او القطاع غير الرسمي.
- 3.6 مليون منشأة يعمل بها أقل من 10 عمال وهي تمثل 97% من المنشآت و 3% فقط يعمل بها أكثر من 10 عمال ، وعلي مستوي مصر لا يوجد سوي 6468 منشأة فقط يعمل بها 100 عامل فأكثر وهو ما يعكس قلة عدد العمال في المنشأة الواحدة وهو ما ينعكس علي إمكانية تأسيس النقابات العمالية.
- بين العاملين في المنشآت 11.3 مليون ذكور ويمثلون 84% من العمالة ، 2.1 مليون من الإناث يمثلون 16% من العمالة .
- يوجد 3.1 مليون عمال تشغيل وعمال خدمات فنية يمثلون 26% من إجمالي العمالة ، 1.6 مليون عمال بيع يمثلون 12% من العمال، 1.8 مليون مشتغلون آخرون يمثلون 14% من العمالة بهذه المنشآت.
- يحصل العمال بالمنشآت علي أجور سنوية تبلغ 358.7 مليار جنيه أي ان 13.5 مليون يعملون في القطاع الخاص يحصلون علي إجمالي أجور أقل من 4.5 مليون يعملون في الحكومة ويحصلون علي 400 مليار جنيه أجور. ويعكس تفاوت الأجور مدي ما يتعرض له عمال القطاع من ظلم علي العديد من المستويات بجانب الأجور.
لذلك يعاني عمال القطاع العام من ضعف الأجور ومماطلة أصحاب الأعمال في صرف العلاوة الدورية المقررة في قانون العمل.منح المجلس القومي للأجور استثناء من تطبيق الحد الأدني للأجور خلال أزمة كورونا وقد وصل للمجلس 3090 طلب فردي، و 2855 طلب من 22 قطاع خلال فترة تلقي الطلبات والتي بدأت من يوليو الماضي حتى نهاية أكتوبر الماضى ليتم تأجيل تطبيق الحد الأدنى للأجور على المنشأت التي تقدمت بطلبات استثناء بسبب الظروف الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا. ( أخبار اليوم - محمد عوض - نقابة العمال تطالب القطاع الخاص بالالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور- 21 ديسمبر 2021 ) ويتكرر الأمر بشكل مستمر عند صدور قرارات حكومية برفع الحد الأدني او صرف العلاوة الدورية او صرف علاوات اجتماعية لمواجهة الغلاء ليكون 13 مليون عامل في القطاع الخاص يخضعون لنظام أجور مختلف رغم ان الغلاء واحد ولا توجد اسعار خاصة بموظفي الحكومة واخري لعمال القطاع الخاص الذين يشترون طعامهم وحاجاتهم الأساسية بنفس الأسعار، وهو ما يعني فعلياً تخفيض قيمة أجورهم الحقيقية بقيمة التضخم السنوي الذي لم تواجهه زيادة في الأجور. وحيث ترضخ الحكومة لمطالب رجال الأعمال رغم ما يتمتعون به من مميزات واعفاءات.
لقد أردنا أن نبدأ حوارنا حول الأجور والمعاشات والأسعار بهذه المقدمة حول أوضاع سوق العمل ونقص العمالة وتفاوت الأجور وضعف تطبيق الحد الأدني للأجور والعلاوات الدورية علي عمال القطاع الخاص.
وللحديث بقية.
20/7/2022