طلال شكر الزعيم ابوقلب أبيض رحيل إنسان نبيل


إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن - العدد: 7243 - 2022 / 5 / 9 - 12:17
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

طلال شكر الزعيم ابوقلب أبيض
رحيل إنسان نبيل
غياب صديق العمر ورفيق الرحلة طلال شكر خبر مؤلم وصادم وعامل وجع في القلب كبير واثره ممتد. فمعرفتي بطلال وصداقته تمتد لأكثر من أربعين سنة.
عرفته في حزب التجمع كأحد القادة النقابيين في شركة تليمصر وبهرني بقلبه النقي وعلاقته بالآخرين حتي من يختلف معه في الرأي فلا تملك أمام ذلك سوي المزيد من الحب والمزيد من التعلق بهذا الإنسان النادر الوجود. في الفترة اللي طلال مسك فيها مكتب العمال في حزب التجمع كان فاتح مكتب عمال التجمع لكل القيادات العمالية المصرية ليكون بيت كل النقابيين وذلك قبل تأسيس اللجنة التنسيقية في 2001 .وكما كان الاستاذ المعلم عبدالغفار شكر هو ابو التثقيف السياسي لليسار المصري، فقد كان طلال وبحق أحد أباء التثقيف العمالي مع نخبة من الرفاق الذين رحل بعضهم ومتع الله الباقين بالصحة وطول العمر.
طلال علي مدي علاقتي به لم أراه مرة واحدة علي مدي علاقتنا يسعي لمنصب أو مكانة بل كان يتمتع بقدرة فائقة علي إنكار الذات ويسعد بتقديم زملائه بل وتلاميذه وتقديمهم علي نفسه. هكذا كان طلال قائد وزعيم نقابي يعمل في صمت وفي مواجهة اعتي الأزمات تجد ابتسامة الرضا تعلوا وجهه وربما كان ذلك احد ملامح شخصيته الرئيسية .
طلال حصل علي الدبلوم الفني والتحق بالخدمة العسكرية قبل حرب أكتوبر وعندما أنهي الخدمة العسكرية وتم تعينه في شركة النصر للتليفزيون، لم يتوقف عن الدراسة وحصل علي بكالوريوس تجارة ورغم ذلك ظل بنفس اسلوبه وطريقة عمله التي تميز كل آل شكر رحم الله من رحل منهم ومتع الباقين بالصحة وطول العمر.
عندما تأسست اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية كان طلال من أوائل المؤسسين، وعندما تشكلت لجنة الدفاع عن اموال المعاشات وحماية الحقوق التامينية كان ايضا من أوائل المؤسسين خاصة وانه بعد تصفية شركة تليمصر اهتم طلال بقضية المعاش المبكر وقضايا اصحاب المعاشات وقد شرفت بمشاركته في عشرات الندوات والبرامج التليفزيونية حول قضايا المعاشات، وكانت له رؤية متميزة في قوانين المعاشات ونضال ضد تعديلات القانون وما انتهت له وأعد أكثر من تقرير حول ثغرات قانون التأمينات الجديد رقم 148. وكان من مؤسسي اتحاد اصحاب المعاشات ثم نقابة اصحاب المعاشات.
كان طلال مؤمن بالحريات النقابية منذ تسعينات القرن الماضي وكان مدافع صلب عن النقابات المستقلة وعودة الشخصية الاعتبارية للجنة للنقابية في المصانع والمنشآت وان الجمعية العمومية للنقابة هي اعلي سلطة لأنها تضم كل اعضاء النقابة وهي التي تضع النظام الأساسي واللوائح دون تدخل من الحكومة أو أصحاب العمل.كذلك اهتم بملف الأجور والأسعار وقضية الحد الأدني للأجور وشارك في عمل اول دراسة لمكتب عمال حزب التجمع حول سلة السلع الاساسية للأسرة كحد أدني للأجور. فكانت أول دراسة عملية ميدانية تعد في هذا المجال واستخدمت في قضية الحد الأدني للأجور.
طلال ظل سنوات يبشر بالنقابات العمالية المستقلة وبعد ثورة 25 يناير والتي شارك فيها طلال منذ اللحظة الأولي، وعندما اطلق الدكتور البرعي إعلان الحريات النقابية انخرط طلال في دعم وتأسيس النقابات المستقلة وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم لها. وشارك مع الزملاء المرحوم نبيل عبدالغني والزميل صلاح الانصاري متعه الله بالصحة وطول العمر في تكوين فريق دعم لتأسيس النقابات العمالية المستقلة في طول البلاد وعرضها بدعم دار الخدمات النقابية التي كان طلال من مؤسسيها والعاملين فيها وأحد مدربيها المعتمدين.
لم يبخل بجهد وقد شرفت بمشاركته في العديد من الجولات من قنا واسوان في اقصي جنوب مصر الي الاسكندرية والبحيرة وبور سعيد والمحلة ومن المنيا واسيوط وبني سويف الي الدقهلية والشرقية وكفر الشيخ والإسماعيلة والسويس.لم يتأخر يوماً عن المشاركة في اي تدريب او دعم اي نقابة جديدة او نقابي جديد.
وعندما شكلت منظمة العمل الدولية فريق للتدريب يجمع ما بين شيوخ الحركة النقابية وشباب المدربين انخرطنا مع طلال شكر وصلاح الانصاري ومحمد عبدالسلام البربري في هذا التدريب، وكان الأعزاء صابر بركات ومحمود مرتضي من أهم من شاركوا في اعداد المدربين لدعم النقابات الجديدة.كان طلال يتمتع بقدرة فائقة علي العمل وسط فريق ورغم خبرته العريضة والكبيرة كان يطرح افكاره بتواضع ويحقق تلاحم مع متدربيه الذين ترك اثر في عقولهم جميعا وصداقة ممتدة معه. وكان " عم طلال" كما يسميه النقابيون الجدد هو أحد ركائز بناء النقابات المستقلة.
عندما حدث خلاف في الحركة النقابية المستقلة حول تأسيس اتحاد عمال جديد ، إنحاز طلال منذ اللحظة الأولي لتأسيس الاتحاد من أسفل وليس من أعلي ولذلك شارك مع دار الخدمات في اللجنة التحضيرية لاتحاد عمال مصر الديمقراطي ثم اعلان اتحاد عمال مصر الديمقراطي وتسليم القيادة لشباب الحركة النقابية الجدد. هذا هو طلال شكر الذي شرفت برفقته وصداقته لعقود.
رغم علاقة الحب والاحترام بين طلال وشقيقه الأكبر الاستاذ عبدالغفار شكر كان طلال حريص علي ان تكون مواقفه السياسية مستقلة لكي لا يكون مجرد شقيق عبدالغفار شكر وحرص دائما علي ايجاد مساحة مستقلة خاصة به، ونجح في ذلك. وعندما اختلف تيار التغيير مع قيادات حزب التجمع خرج طلال وشارك في تأسيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وعضوية لجنته المركزية في المؤتمر الأول ثم عضوية اللجنة المركزية والمكتب السياسي في المؤتمر العام الثاني وظل عضوا بالمكتب السياسي للتحالف ومسئول عن مكتب العمال بالحزب لفترة طويلة إلي ان غير عنوانه.
كان طلال مخلصاً لأفكاره محققاً لفكرة المناضل والمثقف العضوي المرتبط بطبقته والمنصهر في نضالاتها. وكان نشاطه في دار الخدمات النقابية والعمالية نموذج في العطاء الصامت بلاحدود. وعندما بدأت الدار تنظيم لقاء اسبوعي للقيادات النقابية كل يوم ثلاثاء كان طلال دائما أول من يحضر وآخر من يغادر. لم يتغيب عن اي اجتماع الا لسفر خارج القاهرة او لمرض شديد يمنعه من الحضور.
اعتقد ان الحديث عن طلال ونضالاته ومحطات كفاحه يحتاج الي كتاب وليس الي مقال، كما ان طلال علي الجانب الانساني كعضو في أسرة آل شكر أو في أسرته الصغيرة فقد قدم نموذج في الانسانية التي تراه في ابنائه وفي امنية أبنته وفي أميمة أبنة الاستاذ عبدالغفار شكر.
غياب طلال خسارة كبيرة للحركة النقابية والعمالية وخسارة كبيرة لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي وقيادته، وخسارة فادحة لأسرته واصدقائه. قد يغيب عنا بالجسد لكن كتاباته واقواله وافعاله وتدريباته تظل باقية ما حينا. ولكن تظل في الحلق غصة ومرارة وفي القلب وخزة لفقدان أخ ورفيق قلما يجود الزمن بمثله.
رحم الله أخي طلال شكر واللهم أسرته وإصدقائه وتلاميذه وكل محبيه الصبر والسلوان. وداعاً يا رفيق المسيرة العسيرة ونلتقي قريباً في مكان أفضل لنكمل ما بيننا من حوار، وسلام كبير للأستاذ عبدالغفار وكل الرفاق ممن سبقونا.

9/5/2022