البتي برجوازية٢-;-


حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن - العدد: 5080 - 2016 / 2 / 20 - 16:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

البتي برجوازية٢-;-
القطاع الصناعي الفردي
يتالف القطاع الصناعي الفردي للبتي برجوازية من بقايا فئات صناعية كانت في النظم السابقة للنظام الراسمالي هي الصناعات التي كانت شائعة المسيطرة على مختلف الصناعات الحرفية في البلاد.
الفئات البينية في المجتمع لم تكن من انتاج النظام الراسمالي او الانتاج الراسمالي. كانت المراتب البينية في المجتمع منذ نشوء المجتمع الطبقي. كانت المراتب البينية دائما مراتب تابعة للطبقة الحاكمة القائمة في حينه. ففي المرحلة العبودية كانت المراتب البينية خاضعة تخدم طبقة اسياد العبيد. وفي المجتمع الاقطاعي كانت المراتب البينية خاضعة وتخدم الطبقة الاقطاعية وفي النظام الراسمالي اصبحت المراتب البينية خاضعة وتخدم الطبقة الراسمالية وفي النظام الاشتراكي كانت المراتب البينية خاضعة وتخدم دكتاتورية البروليتاريا ولا تزول المراتب البينية الا عند زوال الانقسام الطبقي، اي في المجتمع الشيوعي. وفقط في النظام الراسمالي سميت المراتب البينية بتي برجوازية. ولذلك اقترحت في السابق مرارا ترجمة البتي برجوازية الى المراتب الوسطى تفاديا للفهم بان البتي برجوازية هم برجوازيون صغيرو الراسمال.
في النظام الاقطاعي كانت الصناعات الفردية هي السائدة وكانت تسمى الاصناف. وكانت للاصناف قواعدها وقوانينها. لم يكن كل انسان صالحا لان يكون صناعيا معترفا به. كان الصناعي الفردي يبدأ حياته كصانع (بمعنى خادم) كل مهمته ان يساعد الصناعي وعماله اثناء العمل. واكثر الصناع هؤلاء كانوا يبداون حياتهم في عمر الطفولة. رايت مثل هؤلاء الاطفال وحياتهم القذرة والصعبة التي يعيشونها في كينيا حين زرتها قبل اكثر من ثلاثين عاما. وبعد فترة طويلة نسبيا يصبح الصانع مياوما ويحصل على بعض الاجور لقاء عمله. ثم يصبح خلفة ثم اسطى او استاذا. اذذاك يصبح صنائعيا معترفا به يحق له ان ينشئ مصنعه الفردي الخاص به.
في العراق الذي ولدت وعشت فيه كانت صناعة الاصناف موجودة ومسيطرة عمليا على الصناعات القائمة انذاك. وكانت ثمة في بغداد اسواق خاصة تسمى باسم الصناعات السائدة فيها كسوق الصفافير وسوق الصاغة وسوق تجار الاقمشة وغيرها. هناك الصفار، الحداد، النجار، الخياط، السمكري، الخ... من الصناعات والحرف. واتذكر انذاك انه كانت صناعات عديدة اصبحت بالية واختفت حتى انذاك. كانت هناك صناعة خياط الفرفوري. كانت الاواني الفرفورية غالية الثمن بحيث ان العائلات التي تنكسر لديهم انية فرفورية يدفعون ثمن تصليحها وكان صناعيون يحترفون تصليحها يدورون في البيوت ويصلحون الانية الفرفورية داخل الدار ويتقاضون اجورهم على ذلك. وحين اصبحت الاواني الفرفورية رخيصة الثمن لم يعد ثمة وجود لمهنة خياط الفرفوري. كانت هناك مهنة السقاء الذي كان يجلب الماء في جود حيواني يضعه على حماره ويبيعه في البيوت ولكن انتشار الحنفيات ووجود الماء متوفرا في البيوت او بقربها انهى مهنة السقاء. كانت ثمة مهنة مبيض الاواني النحاسية. فقد كان الطبخ يجري في قدور نحاسية كان يعلوها الزنجار وكان مبيض القدور النحاسية يطلي هذه القدور بمادة تغطي او تمنع ظهور الزنجار النحاسي ونشوء اواني الالومينيوم اخفى صناعة مبيض الاواني النحاسية. وكانت ثمة مهنة النظافة حين كانت في كل بيت حفرة او حفرتان لجمع القاذورات كالمراحيض والبلاليع. وكان النزاحون ينظفون القاذورات المتراكمة في هذه الحفر. اختفت هذه المهنة لدى فتح المجاري لتصريف القاذورات. وكانت مهنة حداد السكاكين الذي يدور في الشوارع وينادي عن مهنته فتخرج النساء لاعطائه السكاكين لحدها بالته البسيطة. اختفت مهنة حداد السكاكين. واختفى عدد اخر من الصناعات الفردية بسبب تطور الظروف. كان كل هذا من بقايا صناعات الاصناف في المرحلة الاقطاعية.
وحين نشا الانتاج الراسمالي في فترة الراسمالية التجارية المركانتيلية تغير وضع الاصناف تغيرا هائلا. فالبرجوازيون التجاريون والمرابون دخلوا السوق بدون المرور بمراحل تطور الاصناف وبلا الالتزام بقوانينها. فكانت المرحلة المركانتيلية للراسمالية. وكان الراسماليون التجاريون يزودون الفلاحين بالمواد الخام ويطلبون منهم خياطتها او حياكتها بالاتهم البدائية في اكواخهم لقاء اجور. وكان التاجر يدفع للفلاحين اجورهم ويستلم ما انتجوه له لكي يبيعه في ارجاء البلاد. كان الحكام الاقطاعيون يجبرون التجار على دفع الضرائب عن مرورهم من مقاطعة الى اخرى وكان صناعيو الاصناف يناضلون ضدهم. وقد كان شعار الثورة الفرنسية البرجوازية "دعه يعمل، دعه يمر" تعبيرا عن التخلص من المضايقات الاقطاعية لهؤلاء التجار. وكانت احدى نتائج الثورة البرجوازية الفرنسية نهاية المضايقات الاقطاعية وحرية التجارة وتطور النظام الراسمالي بحرية واختفاء نظام الاصناف والانتاج الاقطاعي.
ولكن انتهاء دور الاصناف لم ينه الصناعات الفردية. بقيت حتى في اكثر الاقطار الراسمالية تطورا صناعات حرفية صناعية بتي برجوازية. فهناك الحذاء والخياط والنجار والحداد والسمكري والحلاق الخ... ولكن اوضاع هذه الصناعات بدات تواجه صعوبات رغم حرية الصناعي الحرفي في مواصلة عمله الحر ووجود الزبائن الذين يشترون منتجاته. هنا يدخل مفعول قانون القيمة باوضح اشكاله.
ينص قانون القيمة على ان قيمة اي سلعة تتحدد بعدد الساعات الاجتماعية الضرورية لانتاجها. وصانع الحذاء مثلا يحتاج الى مدة طويلة لانتاج الحذاء. ولكن نشوء الصناعة الميكانيكية لانتاج الاحذية يؤدي الى تقليل مدة انتاج الاحذية والى انخفاض ساعات العمل الاجتماعية الضرورية لانتاج الحذاء. الا ان الحذاء الحرفي يحتاج الى نفس الوقت السابق لانتاج الحذاء وهذا يعني ان قيمة الحذاء الذي ينتجه قد انخفضت رغم ان الوقت اللازم لانتاجه هو نفس الوقت الذي كان يستغرقه انتاجه سابقا. وفي السوق ينبغي للحذاء الحرفي ان يبيع الحذاء بنفس سعر الحذاء المنخفض الجديد مما يؤدي الى صعوبة حصول الحذاء الحرفي على ما يكفي لمعيشته في ساعات العمل التي يبذلها في عمله. ان مفعول قانون القيمة يجعل حياة الحذاء غير ممكنة بصورة غير محسوسة فيضطر الى ترك المهنة او التحول الى عامل اجير. ومفعول قانون القيمة يفعل اوتوماتيكيا لجعل حياة كافة الحرفيين الصناعيين البتي برجوازيين في غاية الصعوبة. ورغم ذلك ما زالت بعض الصناعات الفردية البتي برجوازية موجودة حتى في ايامنا عند تحول الراسمالية الى المرحلة الامبريالية. فما زال بعض خياطي البدل الرجالية مثلا موجودا ويفضل بعض الزبائن شراء البدل التي ينتجها الخياط على مقاييسهم على شراء البدل المصنوعة الجاهزة في المعامل.
هذا القطاع مثل قطاع الغذاء يحلم في ان يصبح غنيا الا ان تقدم المجتمع وتطوره يؤدي الى جعل حياتهم اصعب واصعب الى درجة ان ما يحصلون عليه في عملهم الحرفي الصناعي يصبح اقل من اجور العامل البروليتاري.
واضح في هذا المجال ان بقايا الحرفيين الصناعيين في المجتمع الراسمالي ليسوا برجوازيين بل حرفيين بتي برجوازيين وان اطلاق اسم البرجوازية الصغيرة عليهم لا يعني انهم برجوازيين بل انهم مرتبة متوسطة بين الطبقة البرجوازية وبين الطبقة العاملة. وليست ترجمة البتي برجوازية الى برجوازية وضيعة بمعنى انهم قئات غير منتجة طفيلية لا حقيقة له. فهم ينتجون سلعهم بعمل يدوي شاق وهم يربحون ما يكسبونه عن طريق بيع منتجاتهم بعرق جبينهم.