دور الحزب الماركسي في الحركة العمالية


حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن - العدد: 7306 - 2022 / 7 / 11 - 08:34
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

دور الحزب الماركسي في الحركة العمالية
ارسل لي قارئ عزيز رسالة جاء فيها: "انا ومجموعة من الرفاق في الحزب الشيوعي العراقي ارجو ان اطلع على رأيك على الموضوعة الآتية ان دور الحزب الشيوعي يحدده دور البرورليتاريا في المجتمع وبالدرجة الأساس المساهمة الحاسمة للبروليتاريا في انتاج الحاجات المادية للمجتمع"
عزيزي القارئ ان العبارة الملونة اعلاه التي تطلب مني ابداء رايي فيها عبارة مبهمة تربط دور الحزب الشيوعي، بانتاج الطبقة العاملة للحاجات المادية للمجتمع.
افضل تسمية الحزب الشيوعي الحقيقي الحزب الماركسي نظرا لوجود احزاب عديدة تطلق على نفسها "الحزب الشيوعي" باضافة بعض الصفات او الكلمات التي تميز احدها عن الاخر، وان رايي في جوابي هذا على رسالتك يخص الحزب الماركسي الحقيقي الذي لا يحيد عن الماركسية في نضاله ونشاطه التكتيكي والاستراتيجي.
ان الطبقة العاملة في النظام الراسمالي لا تنتج الحاجات المادية للمجتمع وانما تنتج كل ما تنتجه للراسمالي الذي يدفع لها اجورها. وهناك فرق كبير بين ان تنتج الطبقة العاملة للمجتمع او ان تنتج للراسمالي. صحيح ان ما تنتجه الطبقة العاملة هو في النهاية يستهلك من قبل المجتمع ولكن استهلاكه في المجتمع الراسمالي يعتمد على قدرة المجتمع على شراء هذه الحاجيات من الراسمالي الذي يعرضها على المجتمع لقاء ثمن فاذا لم يفلح المجتمع في شراء جميع الحاجيات التي تنتجها الطبقة العاملة للراسمالي الذي دفع اجورها لا تبقى حاجيات منتجة للمجتمع بل تصبح حاجيات تؤدي الى الدمار والبطالة والجوع للمجتمع. اضف الى ذلك ان الراسمالي لا ينتج السلع حسب حاجة المجتمع بل ينتجها حسب مقدار الارباح الناجمة عن بيعها. فالسلاح مثلا لا ينتج لخدمة المجتمع وانما ينتج لتدمير وقتل المجتمع والطبقة العاملة تنتج السلاح للراسمالي رغم انه يستخدم لقتلها وزيادة استغلالها. وازمة فيض الانتاج تعني ان الطبقة العاملة انتجت للراسماليين حاجات لا تستطيع الطبقة الراسمالية بيعها نظرا الى ان المجتمع ليست لديه النقود الكافية لشرائها رغم حاجته القصوى الى هذه الحاجيات. ويعرف التاريخ على سبيل المثال احراق الحنطة بدلا من الفحم في المعامل في الوقت الذي يموت الالاف والملايين جوعا لعدم وجود النقود لديهم لشراء القمح المتراكم لدى الراسماليين.
ان المساهمة الحاسمة للبروليتاريا في انتاج الحاجات المادية ليست هي التي تحدد دور الحزب الماركسي في المجتمع الراسمالي. فدور البروليتاريا هذا هو الدور الحاسم في الانتاج الاجتماعي. وطوال تاريخ النظام الراسمالي كان دور البروليتاريا وسائر الكادحين هو الاساس في الانتاج الاجتماعي ولكن هذا الانتاج يتطور بتطور العلم وتنوع الانتاج نتيجة لهذا التطور. ففي بداية عهد النظام الراسمالي كان الانتاج بدائيا يعتمد بالدرجة الرئيسية على العمل اليدوي الجسماني للطبقة العاملة سواء في الصناعة ام الزراعة. ولكن تطور العلم ادى الى الثورة الصناعية وحاليا الثورة التكنولوجية. ولكن دور الطبقة العاملة والكادحين لم يتغير اذ ان الانتاج الاجتماعي كله نتيجة لعمل الطبقة العاملة والكادحين ولكن هذا الانتاج كله ملك للراسماليين يعملون على بيعه لتحويله الى راسمال يستخدمونه ثانية في استغلال الطبقة العاملة والكادحين من اجل انتاج المزيد من الحاجات الاجتماعية وغير الاجتماعية.
منذ بداية تاريخ النظام الراسمالي وجد العامل نفسه في صراع دائم مع الراسمالي حتى بدون ان يشعر بذلك. فالراسمالي مثلا يريد استخدام العامل الذي دفع له اجوره اليومية طيلة ساعات اليوم الاربع والعشرين لان هذا من حقه بعد ان دفع اجور العامل لهذا اليوم. ولكن العامل يشعر بحاجة الى الراحة وفترة للطعام وقضاء الحاجات الاخرى بما في ذلك الحاجة الى تأدية الواجبات العائلية. لذلك عرف التاريخ صراعا دائما من اجل تحديد يوم العمل بما يسمح للعامل بتلبية حاجاته الاخرى. لم يعلم العمال في البداية ان سبب شقائهم كان استغلال الطبقة الراسمالية لهم بل تصوروا ان سبب شقائهم هو المكائن التي اخترعها واستخدمها الراسماليون لاستغلالهم. فكان رد فعل العمال ان حطموا المكائن ظنا بانهم بتحطيمها يتخلصون من هذا الشقاء. فالصراع من اجل تحديد يوم العمل معروف ومرافق لتاريخ النظام الراسمالي حتى اليوم. ولا يمكن في مثل هذا المقال ان نسرد كل جوانب الصراع بين الطبقة العاملة والطبقة الراسمالية لانه صراع يتناول كل مجالات الحياة وهو صراع دائم استمر طوال تاريخ النظام الراسمالي وما زال محتدما اليوم وسيبقى ما دام هناك نظام راسمالي على الكرة الارضية.
حين نشأ النظام الراسمالي ونشأت معه الطبقة العاملة نشأت الضرورة لوجود نظرية تحدد اتجاه نضالات الطبقة العاملة امام الطبقة الراسمالية. ونشأت نظريات واراء مختلفة لتفسير شقاء الطبقة العاملة وفقرها وكيفية تحويل هذا الشقاء الى رخاء مثل الاشتراكيات الطوبائية لروبرت اون وسان سيمون وغيرهما. وهي نظريات طوباوية لانها تحاول انهاء شقاء الطبقة العاملة مع بقاء وبمساعدة الطبقة الراسمالية التي يشكل رخاؤها سبب شقاء الطبقة العاملة. ولكن الحاجة ام الاختراع. فالضرورة لابد ان تتحقق وتنشأ نظرية توجه الطبقة العاملة الى طريق خلاصها من الاستغلال الراسمالي. وكان من حظ كارل ماركس ان يكون الانسان الذي توصل الى هذه النظرية. كارل ماركس اطلق على نظريته الاشتراكية العلمية لان اشتراكيته بخلاف الحركات والنظريات الاشتراكية الاخرى تستند كليا الى العلم. راى كارل ماركس ان المجتمع يسير حتما في اتجاه معين هو اتجاه القضاء على الراسمالية وجعل الطبقة العاملة والكادحين ينتجون انتاجاتهم للمجتمع وليس للراسمالي. ان ماركس لم يضع هذا القانون لان القوانين الطبيعية ليست كقوانين الدولة يشرعها الانسان وفقا لمصالحه وانما هي قوانين طبيعية تتحكم في تطور المجتمع بالاستقلال عن ارادة الانسان. وهذه الاشتراكية العلمية هي التي اطلق عليها انجلز اسم الماركسية تخليدا لمكتشفها كارل ماركس.
ان القانون الطبيعي بحد ذاته لا يحقق الهدف الذي ينبغي الوصول اليه بل ان المجتمع نفسه، وفي موضوعنا هذا هو البروليتاريا والكادحون، بعد معرفته للقانون ينبغي هو ان يحققه. ولكن معرفة القانون لا تعني ان الطبقة العاملة اصبحت بين ليلة وضحاها عالمة بهذا القانون وواعية بالواجبات التي تترتب عليها من اجل تحقيق اهدافه. لذلك ينبغي ان توجد ادوات لتوعية الطبقة العاملة وارشادها الى هذا القانون وتوجيهها الى طرق تحقيق اهدافه. وهذا ما راه ماركس وانجلز وعملوا على تحقيقه عن طريق خلق منظمة للطبقة العاملة تعمل على توعية الطبقة العاملة وتوجيهها وتوحيدها في النضال من اجل تحقيق خلاصها من استغلال الراسمالية لها. نشأت على هذا الاساس الاممية الاولى تحت قيادة ماركس وانجلز. وتطورت حركة الطبقة العاملة بحيث تشكلت لها احزاب في كل بلد راسمالي وشكلت هذه الاحزاب الاممية الثانية، الاممية الاشتراكية الديمقراطية، ولكن هذه الاممية افلست حين انحازت قيادات كل حزب من احزابها الى برجوازيته في الحرب العالمية الاولى بحجة الدفاع عن الوطن. وقد شذ عن ذلك الحزب الاشتراكي الديمقراطي البلشفي فقاد الطبقة العاملة في روسيا الى ثورة اكتوبر العظمى وحقق تخلص جزء من الطبقة العاملة، الطبقة العاملة في روسيا، وبعدها الطبقة العاملة في الاتحاد السوفييتي، من الاستغلال الراسمالي وهو ما ادى الى نشوء الاممية الثالثة او الاممية الشيوعية. وليس هنا مجال البحث في النجاحات التي حققتها الطبقة العاملة في الاتحاد الصوفييتي وكيف ادى التخلي عن الماركسية الى تحطيم كل انجازاتها واعادة النظام الراسمالي بكل مساوئه الى دول الاتحاد السوفييتي.
نرى من هذا السرد التاريخي لنشوء الاحزاب الماركسية ان دور الحزب الماركسي هو جزء لا يتجزأ من دور البروليتاريا في المجتمع. فالحزب هو جزء واع من الطبقة العاملة وليس منظمة منفصلة عن الطبقة العاملة او مستقلة عنها تعمل على تطويرها من الخارج. دور الحزب الماركسي هو ان يكون عالما بالنظرية الماركسية ويقوم بواجب تعريف الاجزاء الاخرى من الطبقة العاملة بهذه النظرية. دور الحزب الماركسي هو ان يناضل في صفوف الطبقة العاملة لتوجيهها في نضالاتها اليومية التي تشكل الحركات التكتيكية التي تؤدي الى تحقيق الهدف الاساسي للطبقة العاملة هدف الثورة على النظام الراسمالي وتحقيق نظام اشتراكي.
ان الهدف الاساسي، الهدف الاستراتيجي للحزب الماركسي في النظام الراسمالي، هو هدف واحد لا بديل له، هدف قيادة الطبقة العاملة وحلفاءها من الكادحين الى تحقيق الثورة على الراسمالية والاطاحة بها. وكل نشاط يومي تكتيكي يمارسه الحزب الماركسي يجب ان يتوخى منه التقدم خطوة صغيرة او كبيرة في اتجاه تحقيق هدفه الاستراتيجي الوحيد. هذا هو الدور الحقيقي للحزب الماركسي. فاذا قام الحزب باي عمل لا يهدف الى التقدم خطوة نحو الهدف الاستراتيجي فلا يكون هذا الحزب حزبا ماركسيا في ذلك العمل ولا يبقى في تلك اللحظة حزب الطبقة العاملة.
قلت اعلاه ان الحزب الماركسي هو جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة. ولكن القارئ قد يعترض على ذلك. فمن المعروف ان نظرية الطبقة العاملة لم يكتشفها عمال بل اكتشفها عالم من اعلى المستويات في العلم. وان اكثر قادة الطبقة العاملة لم يكونوا عمالا ولم يكن هناك حزب ماركسي يتألف كل اعضائه او اغلبية اعضائه من العمال. وفي جميع الاحزاب الماركسية في التاريخ بلا استثناء كانت اغلبية اعضائها من المثقفين. فكيف يصح القول ان الحزب الماركسي هو جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة؟
ان الماركسية علم ومن ادق واصعب العلوم اطلاقا لان مختبرها بخلاف العلوم الاخرى هو المجتمع وكل خطأ في تجاربها يؤدي ليس الى خسائر مختبرية كما هو الحال في العلوم الاخرى بل الى خسائر بشرية. وكما في كل العلوم الاخرى يجري اكتشاف القوانين الطبيعية المكونة للعلم عن طريق ابرز العلماء واكثرهم كفاءة، يجري كذلك في اكتشاف علم الماركسية فكان مكتشفها من ابرز العلماء في العالم. ومع ذلك فان الماركسية ليست نظرية تخص العلماء وانما هي نظرية تخص الطبقة العاملة. هي نظرية تفسر اوضاع الطبقة العاملة في النظام الراسمالي وتعلم الطبقة العاملة طريق تحسين هذه الاوضاع والخلاص من الاستغلال الذي تعاني منه الطبقة العاملة في النظام الراسمالي. انها نظرية الطبقة العاملة.
ان اكتشاف النظرية الماركسية يخلق الامكانيات امام الطبقة العاملة لتعلمها وتطبيقها. ولكن الطبقة العاملة لا تستطيع امتلاك هذه النظرية العالية الدقة الا عن طريق دراستها وتعلم طرق تطبيقها. والوضع الثقافي والاقتصادي للطبقة العاملة لا يساعدها على تحقيق ذلك, فالمراتب المثقفة اقرب الى تعلم النظرية من الطبقة العاملة ولو ان الطبقة العاملة هي التي ينبغي ان تتعلمها وتطبقها. لذلك نرى ان اكثر المطلعين على النظرية الماركسية تاريخيا هم المراتب المثقفة. ولا تستطيع الطبقة العاملة الاطلاع على نظريتها الا عن طريق المراتب المثقفة التي تعمل على تعليمها اياها. ولكن النظرية الماركسية ليست نظرية للمثقفين وانما هي نظرية للطبقة العاملة. لذا فان المثقف الذي يدرس ويتعلم الماركسية يكون من واجبه توعية وتعليم الطبقة العاملة لهذه النظرية. فالمثقف الذي ينتمي الى الحزب الماركسي لا ينتمي اليه بصفته مثقفا وانما بصفته شخصا ملما بنظرية الطبقة العاملة ويعمل على تطبيقها وعلى تعليم الطبقة العاملة تطبيقها. فرغم ان المثقف المنتمي الى حزب الطبقة العاملة، الحزب الماركسي، ليس من الطبقة العاملة فان انتماءه الى الحزب يجري لانه يتبنى نظرية الطبقة العاملة ويؤمن بها ويعمل على تطبيقها ويعمل على قيادة الطبقة العاملة في تطبيقها حتى بلوغ هدفها الاستراتيجي. فالمثقفون في الاحزاب الماركسية هم ايضا جزء من الطبقة العاملة رغم عدم انتمائهم اليها اقتصاديا. وكل نضال المثقفين المنتمين الى الاحزاب الماركسية هو نضال الطبقة العاملة وليس نضال المثقفين من غير الطبقة العاملة. ليس في هذا ما يعني ان الطبقة العاملة في نضالها لا تعمل لمصلحة المراتب الكادحة الاخرى وانما تناضل من اجل مصالح الطبقات والمراتب الاخرى بما يتفق والهدف الاستراتيجي الوحيد للطبقة العاملة، هدف تحقيق مجتمع خال من الاستغلال. هذا هو قارئي العزيز الجواب على سؤالك في كيفية تحديد دور الحزب الماركسي في حركة الطبقة العاملة.

2009 / 4 / 28