مواصلة مناقشة بعض التعليقات٢


حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن - العدد: 5250 - 2016 / 8 / 10 - 13:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مواصلة مناقشة بعض التعليقات٢
للاسف الشديد جرى في هذه التعليقات الاخيرة تصادم فكري تعدى الحدود الادبية السليمة في النقاشات. وانا لا اتدخل في النقاشات التي دارت بينهم خصوصا بين اثنين من المعلقين.
انا احاول ابداء رايي في عدد من نقاط الخلاف بينهما كما اراه صحيحا.
"النمري قال أن نظام الانتاج الرأسمالي إنما هو إنتاج البضاعة وانت وافقته على أن دورة الإنتاج الرأسمالي هي ما حددها ماركس (نقد ـ بضاعة ـ نقد) من خلال هذه الوسيلة فقط يتم خلق نقود جديدة ويراكم الرأسماليون النقود وهو الهدف الوحيد للنظام الرأسمالي"
اولا ان نظام الانتاج الراسمالي ليس انتاج البضاعة. ان انتاج البضاعة هو اقدم كثيرا من وجود النظام الراسمالي او اي نظام اخر قبله. انتج الانسان البضاعة منذ اول مرة انتج فيها ما يزيد عن حاجته منها وقام بتبادلها مع شخص اخر حتى قبل ان يعرف الانسان النقود. البضاعة هي كل انتاج يجري تبادله بين شخصين او جماعتين وهو كان شائعا في المشاعية البدائية كما يمارس اليوم من الناحية الشكلية.
لقد وافقت على ان دورة الانتاج الراسمالي هي ما حدده ماركس (ن ــ س ــ ن) ولكن هذا لا يعني ان دورة الانتاج عموما هي هذه المعادلة بل هي دورة الانتاج الراسمالي وحده. اما دورة الانتاج البضاعي غير الراسمالية فهي (س ــ ن ــ س) كما حددها ماركس ايضا. هذه المعادلة الاخيرة هي عامة وثابتة طالما بقي الانتاج البضاعي او السلعي ويبقى قائما في المجتمع.
"من خلال هذه الوسيلة فقط يتم خلق نقود جديدة ويراكم الرأسماليون النقود وهو الهدف الوحيد للنظام الرأسمالي"
القسم الاول من العبارة لا معنى له. فالانسان لم يخلق النقود بل انتج النقود باشكالها العديدة جدا باختياره احدى البضائع الشائعة في زمانه كوسيلة لتسهيل التبادل البضاعي الكثير التنوع. فنظرا لازدياد عمليات الانتاج البضاعي وتبادلها كان من الضروري جعل احدى البضائع كوسيلة تساعد على تحقيق التبادل البضاعي اي تقوم بدور النقود. بعد تطور دام مئات القرون بلغ الانسان في تطوره الى استخدام سلعة معدني الذهب والفضة كنقود وهو استطاع ذلك لان الذهب والفضة هما سلع او بضائع كغيرها من السلع. وفي جميع الحالات وكافة المراحل الاجتماعية كان الانسان يحاول مراكمة النقود بصور مختلفة كصياغة الادوات الذهبية والفضية وشراء المجوهرات والتحف وغيرها اضافة الى ما نسميه الادخار. وهذا ليس من خواص الراسمالية وحدها بل هو احدى خواص كل انسان خصوصا في المجتمع الراسمالي.
اما الراسماليون فهم يراكمون النقود بطريق واحدة فقط هي شراء قوة عمل العمال واستخدامها في الانتاج لكي تنتج لهم بضائع جديدة يحولونها الى راسمال جديد. هذا ما اكتشفه كارل ماركس واعتبره الاساس الاقتصادي للراسمالية ومصدر فائض القيمة.
يقول الاخ فاخر "وعليه فإن نظام الانتاج الذي لا ينتج البضاعة ليس نظاماً رأسمالياً". ليس هناك نظام لا ينتج بضاعة. فكل عمل يوحد عمل الانسان بالطبيعة هو انتاج بضاعة. وما يميز انتاج البضاعة العادي طوال تاريخ المجتمع وبين انتاج النظام الراسمالي هو ان النظام الراسمالي يجعل الطبقة العاملة تنتج له البضاعة التي يحولها الى راسمال وفائض قيمة.
"منذ ربع قرن والميزان التجاري للولايات المتحدة يعجز بمقدار زهاء ترليون دولار" الميزان التجاري لاية دولة هو ميزان حكومي. فعجز الميزان التجاري للولايات المتحدة ولكافة دول العالم يعني ان الدولة تنفق خلال سنة اكثر مما تجمعه مباشرة عن طريق الضرائب وغيرها. لذا لا علاقة لعجز الميزان التجاري بطبيعة النظام. وعلى هذا الاساس لا علاقة بين عجز الميزان التجاري للحكومة الاميركية وبين نظام الولايات المتحدة. الولايات المتحدة يمكن ان تكون راسمالية امبريالية رغم العجز في الميزان التجاري.
"في النظام الرأسمالي كانت الولايات المتحدة تبحث عن أسواق خارجية لبضائعها أما اليوم فقد أصبحت هي نفسها سوقاً للبضائع الأجنبية وهو ما يعني حتماً أنها لم تعد دولة رأسمالية"
صحيح ان في النظام الراسمالي في الولايات المتحدة كانت تبحث عن اسواق خارجية لبضائعها وكانت هذه فترة الاستعمار المباشر القديم والثورة الصناعية وكانت بريطانيا هي الدولة الرئيسية لا اميركا كما هو معروف تاريخيا. اما الجزء الثاني من العبارة فليس صحيحا. ان ما يعتبره البعض تحول الولايات المتحدة نفسها الى سوق للبضائع الاجنبية لا صحة له.
ان هذه الظاهرة هي الظاهرة التي ميزت تحول الدول الراسمالية الى دول راسمالية امبريالية. فهذه الظاهرة في الواقع هي ما اطلق عليه لينين تصدير الراسمال، او الراسمالية المالية. ولذلك فان هذه الظاهرة هي التي تحدد تحول الدولة الراسمالية الى دولة امبريالية وهو جوهر كتاب لينين الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية.
ان ما تستورده او تنتجه الدولة الامبريالية في دول متخلفة هو في الحقيقة راسمال تصدره او تنتج به بضائع في الدول المتاخرة لرخص المواد الخام فيها وعدم وجود قوانين تحدد استغلال الطبقات الكادحة لكي تجعل البضائع ارخص واكثر ربحا من انتاجها في بلدها.
"أغرب ما يقوله معلمنا قوجمان هو أن أميركا تستدين كي يغتني الرأسماليون
هذا أمر لا أعتقد أن الماركسي اللامع قوجمان يصدقه"
ان قول الاخ فاخر هذا قاس على حسقيل لان حسقيل لم يقل او يكتب شيئا في حياته لا يعتبره صحيحا علميا ولا يصدقه.
اما قولي ان اميركا تستدين كي يغتني الراسماليون فليس بالضبط ما قلته. ما قلته هو ان الولايات المتحدة بصفتها خادمة الطبقة الراسمالية تقترض او تسرق ثروات الاجيال القادمة من الشعب الاميركي لكي تحقق مهمتها في خدمة الطبقة الراسمالية. واوردت على سبيل المثال الدور الذي لعبته الحكومة الامبريالية الاميركية في الازمة الاقتصادية الاخيرة في الثمانينات بتقديمها مئات المليارات الى شركاتها الامبريالية الكبرى ومصارفها الامبريالية لانقاذها من الافلاس. ان كون الدولة الاميركية اكبر دولة مدينة في العالم وفي التاريخ لا ينفي كونها دولة امبريالية.
وما قاله الاخ طلال الربيعي حول غزو اميركا وبريطانيا للعراق صحيح جدا. ففي يوم الهجوم على البرجين التجاريين في نيو يورك اعلن الرئيس بوش حربا عالمية او ما اطلق عليها في البداية حربا صليبية في ارجاء العالم ثم حول اسمها الى حرب عالمية وكان احتلال افغانستان ثم احتلال العراق مثالان على هذه الحرب وما زالت الحرب التي اعلنها الرئيس بوش مستمرة في ارجاء العالم حتى تحت حكم اوباما. وان ما اعلنه البعض بان احتلال الولايات المتحدة وبريطانا للعراق باعتباره تحريرا للعراق خيانة كبرى وتاييد للاستعمار الجديد. وتجري اليوم محاولات لتقديم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا بسبب اشتراكها في احتلال العراق على انه مجرم حرب دولي. كما ان اشتراك عراقيين في حكومات بريمر هو خيانة عظمى للعراق. وقد اثيرت اخيرا مسألة ازدياد الولادات المشوهة في الفلوجة خصوصا نتيجة قنابل الفوسفور الابيض واليورانيوم المنضب التي القتها الولايات المتحدة على الفلوجة. (قرات امس قبل ارسال هذا المقال الى النشر ان الدولتان البريطانية والاميركية اعترفتا بخطا احتلالهما العراق)
"أكد ستالين في العام 1952 أن الإمبريالية ستنهار في وقت قريب والربيعي يقول ما زالت الامبريالية قائمة ولم تمت"
ليس قول ستالين هذا قرارا الهيا مقدسا وانما هو تقدير بشري للاوضاع التي كان يعيشها ستالين حين ادلى بهذا التصريح. كان الاتحاد السوفييتي حتى اخر كراس كتبه ستالين قبل وفاته او قتله دولة اشتراكية حققت النظام الاشتراكي افضل تحقيق ومنتصرة في الحرب على المانيا النازية الهتلرية. وقد ساعد الاتحاد السوفييتي عند ملاحقته الجيوش النازية الى حقل دارها شعوب دول اوروبا الشرقية في ثوراتها ضد الاحتلال النازي وتحولت دول اوروبا الشرقية الى ديمقراطيات شعبية.
كان ستالين يتحدث حين كان الاتحاد السوفييتي يسير سيرا حثيثا نحو تحقيق المجتمع الشيوعي وحين كان قد نشا المعسكر الاشتراكي في اوروبا الشرقية وفي بلدان اسيا كالصين والفيتنام وكوريا الشمالية. كان يتحدث حين كان الصراع الثوري في دول اوروبية كفرنسا وايطاليا وغيرها محتدما بغية تحقيق ما حققه المعسكر الاشتراكي من الديمقراطيات الشعبية. كان من الطبيعي في مثل هذه الظروف ان يصرح ستالين بان الامبريالية ستنهار قريبا.
ولكن ما هي الظروف في ايامنا وخلال هذه النقاشات؟ ان الاتحاد السوفييتي في حكم خروشوف وما بعده اصبح بلدا مرتدا من النظام الاشتراكي الى النظام الراسمالي وروسيا اليوم قطر راسمالي امبريالي تحت حكم بوتين يهدف الى منافسة الولايات المتحدة في سيطرتها على العالم. وانهار المعسكر الاشتراكي وتحول الى دول راسمالية سواء في اوروبا الشرقية ام في اسيا. وحتى الصين لم تتجه نحو تحقيق النظام الاشتراكي الحقيقي بل تحالفت مع البرجوازية الصينية وتحولت الى دولة راسمالية امبريالية كما نشاهدها اليوم.
هل يصح في مثل هذه الظروف التمسك بقول ستالين وباعتبار انه يجب ان يكون قد تحقق على اساس ان قول ستالين المعلم الماركسي العظيم لابد ان يتحقق؟ اعتقد ان من السخف ان نتوقع هذا.
ويورد الاخ فاخر فاخر عدة اسئلة للدلالة على ان الربيعي مخطئ في نقاشاته ومنها:
"لكن كيف يفسر الربيعي استقلال عشرات الدول ومنها الهند والصين فيما بعد الحرب العالمية الثانية وآخرها فيتنام في العام 1974" ان استقلال هذه الدول عزيزي الاخ فاخر هو نتيجة الثورة على الاحتلال البريطاني والفرنسي والهولندي والياباني من اجل التحرر والاستقلال، وانشاء دول راسمالية كالهند وباكستان وفيتنام وغيرها.
"وكبف يفسر الربيعي أن القيمة الشرائية للدولار في العام 1970 تساوي القيمة الشرائية لعشرين دولارا اليوم". ان هذا هو ما يسمى اقتصاديا التضخم النقدي ولا علاقة له بطبيعة النظام الراسمالي. فالتضخم النقدي ناتج عن القاء المزيد والمزيد من النقود الورقية في التداول وقد حدد كارل ماركس قانون قيمة الاوراق النقدية الورقية بان قيمة الاوراق النقدية في اي مجتمع تساوي فيمة الذهب اللازمة لتحقيق التبادل السلعي في ذلك المجتمع في نفس الفترة. وعلى هذا الاساس فان القيمة الحقيقية للورقة النقدية تنخفض عند ازدياد كمية الاوراق النقدية. وهذا يفسر كون القيمة الشرائية للدولار في العام 1970 تساوي القيمة الشرائية لعشرين دولارا اليوم". ويعرف التاريخ خصوصا اثناء الحروب انخفاض قيمة الاوراق النقدية الى الصفر تقريبا نتيجة القاء المزيد من الاوراق النقدية بحيث كان الانسان يحتاج الى كمية كبيرة جدا من النقود الورقية من اجل شراء علبة سجاير مثلا.
التضخم النقدي ظاهرة من مظاهر النظام الراسمالي. ففي النظام العبودي كان الانسان وكل انتاجه ملكا لاسياد العبيد وسيد العبيد يقدم للعبد ما يبقيه ونسله على قيد الحياة. كان الاستغلال ظاهرة علنية وليس ظاهرة خفية. وفي النظام الاقطاعي ايضا كان الاستغلال الاقطاعي واضحا وليس خفيا. كان الاقطاعي يقاسم انتاج القن بنسب معينة وتحت اشراف الاقطاعي المباشر. وكان على القن وعائلته ان يقدم الخدمات الى الاقطاعي في قصره مجانا ومجبرا على تقديم الخدمات في منتجات الاقطاعي ونثر البذور والزراعة والحصاد وغيرها. في النظام الاقطاعي ايضا كان الاستغلال مباشرا.
اما في النظام الراسمالي فقد تحرر الانسان ولم يعد مجبرا على تقديم الخدمات المجانية للراسمالي. فاصبح الاستغلال الراسمالي مستورا بعملية التبادل التي تبدو عملية عادلة لا استغلال فيها. فالانسان العامل حر شكليا في العمل للراسمالي ام لا. ولكنه لا يجد وسيلة للعيش غير بيع سلعة قوة عمله للراسمالي لقاء اجور. وهذه ظاهرة تبدو كانها عملية عادلة لا استغلال فيها ولكنها ظاهرة الاستغلال الراسمالي التي عاشها النظام الراسمالي وما زال يعيشها. في النظام الراسمالي اصبح التبادل النقدي الوسيلة التي يتم خلالها استغلال الراسماليين للعمال. في النظام الراسمالي نشأت ظاهرة التضخم النقدي حين لم يعد بالامكان استبدال الورقة النقدية بالنقود الذهبية. وهذا ما يفسر كون القيمة الشرائية للدولار في العام 1970 تساوي القيمة الشرائية لعشرين دولارا اليوم. انه التضخم النقدي.
"وكيف يفسر أن أميركا حصن الرأسمالية سابقاً مدينة اليوم للخارج 20 ترليون دولار" ان الولايات المتحدة حسب رايي مدينة في الواقع الى الاجيال القادمة من الشعب الاميركي وليس الى الخارج. وكونها مدينة لا يغير من كونها حصن الراسمالية سابقا وحصن الامبريالية لاحقا وحاليا.
"وكيف يفسر أن أميركا احتلت العراق وخرجت منه رغم إلحاح العراقيين على بقائها" كون اميركا احتلت العراق هو برهان على انها دولة استعمارية امبريالية. وكان انسحابها شكليا من العراق نتيجة مقاومة الشعب العراقي وتكبيدها الالاف من الضحايا والمصابين وانفاق مئات المليارات او التريليونات من الدولارات وهي لم تنسحب انسحابا حقيقيا من العراق وانما هي تدير العراق عن طريق عملائها خونة وطنهم. وهي تحاول الان اعادة الاحتلال بارسال الجنود بحجة محاربة الارهاب واحتلالها قاعدة عسكرية ربما بصورة دائمة.
ان من يعتبر احتلال اميركا للعراق عملا ديمقراطيا هدفه تحرير العراق وان الشعب العراقي عارض انسحاب الجيوش الاميركية المحتلة لا يفهم شيئا عن السياسة الاميركية الامبريالية ولا عن الجرائم التي لا حصر لها عند احتلال العراق واي قطر اخر في العالم.