حول قانون النقود الورقية لكارل ماركس


حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن - العدد: 7127 - 2022 / 1 / 5 - 21:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حول قانون النقود الورقية لكارل ماركس
في مقالي الاخير بينت ان البتي برجوازية لا تستطيع استغلال الطبقة العاملة لان الطبقة العاملة لا تملك ما يمكنها استغلاله.
ولكن يبدو ان الاخ سعيد زارا لا يتفق معي ويعد بانه "بالنسبة لردك اعلاه ساعود لاوضح كيف تستغل البورجوازية الوضيعة البروليتاريا اليوم وبشكل عام منتجي السلع."
ان ما قلته هو ان البتي برجوازية (او البرجوازية الوضيعة في عرفه) لا تستطيع استغلال البروليتاريا لان البروليتاريا لا تمتلك ما يمكن استغلاله.
وهذا الراي هو ما يجري فعلا في المجتمع الراسمالي الذي نعيشه. ففي المجتمع الراسمالي تقوم البروليتاريا بانتاج كافة الانتاج. الا ان البروليتاريا لا تمتلك شيئا مما تنتجه. فالذي يمتلك الانتاج في النظام الراسمالي هو الراسمالي وحده. فهو يشتري قوة عمل البروليتاريا في السوق ويستخدمها خارج السوق في الصناعة. ولكن الانتاج الذي تنتجه الطبقة العاملة في الصناعة لا تمتلك الطبقة العاملة شيئا منه لان الراسمالي وحده هو الذي يمتلكه. وهذه هي الظاهرة التي تميز النظام الراسمالي عن غيره من الانظمة. ولولا هذه الطبيعة من الانتاج لما كان ثمة نظام راسمالي. والفرق بين قيمة ما تنتجه البروليتاريا في المصنع وبين قيمة قوة عمل البروليتاريا التي اشتراها الراسمالي هو فائض القيمة الذي يشكل مصدر جميع انتاج وجميع ثروات المجتمع الراسمالي.
ولا اعلم ما يعنيه الاخ زارا بجملته الاخيرة " لاوضح كيف تستغل البورجوازية الوضيعة البروليتاريا اليوم وبشكل عام منتجي السلع."
فمن هم بشكل عام منتجو السلع؟ منتجو السلع هم البروليتاريا وليس هناك منتج سلع غير البروليتاريا ولكن كما جاء اعلاه لا يمتلك منتجو السلع اي البروليتاريا شيئا من انتاجهم لكي يمكن للبتي برجوازية ان تستغله.
ربما يقصد بعبارة منتجي السلع عموما الانتاج الزراعي. ولكن الراسمالية تقضي على الشكل الاقطاعي للانتاج الزراعي وتحوله الى انتاج راسمالي وعلى هذا الاساس يكون انتاج العامل الزراعي ايضا انتاجا راسماليا تنتجه البروليتاريا الزراعية وتمتلكه الراسمالية الزراعية.
"كنت قد علقت في حوارك الاخير مع قراء الحوار المتمدن , قلت بان قانون التداول النقدي لم يعد يعمل الان لان الواقع الاقتصادي الذي كان يسري فيه لم يعد قائما و كان ردك في تعليق تسلسل 73ما يلي ":-
"و اعلاه عدت تقول مناقضا ردك السابق:
ثم بينت "ان قانون النقود لكارل ماركس ينص على ان كمية النقود الورقية في المجتمع المعين تساوي قيمتها كمية النقود الذهبية الضرورية في تلك اللحظة. وهذا القانون ما زال يسري حتى يومنا هذا..."-
ان تاريخ النقود في المجتمع البشري حركة طبيعية كغيرها من الحركات الطبيعية لها بداية وتطور ونهاية. وحركة النقود ككل حركة اجتماعية تعتمد وتتطور وفقا لتطورالاساس الاقتصادي للمجتمع.
ان قانون النقود الذي اكتشفه كارل ماركس قانون طبيعي شانه شان كافة القوانين الطبيعية قوانين ثابتة لا يمكن تغييرها او استبدالها او تصحيحها او اي تلاعب بشري بها. وعلى هذا الاساس فان هذا القانون ما زال صحيحا وفاعلا في اي نظام تكون العملة الورقية هي العملة السائدة في المجتمع. ولكن الذي تغير هو كون الاوراق النقدية لم تعد العملة الرئيسية في ايامنا. لذلك لم يعد قانون النقود الورقية صحيحا في ايامنا. وهذا هو ما اكدته في مقالي حين كتبت "ان قانون كارل ماركس للنقود الورقية لم يعد صحيحا في ايامنا...-"
تاريخ النقود في المجتمع البشري يبدأ منذ تطور الانتاج السلعي حين لم يعد بالامكان تبادله تبادلا مباشرا بين البائع والمشتري فاصبح من الضروري اتخاذ احدى السلع الاكثر انتشارا في المجتمع لكي تلعب دور النقود اضافة الى كونها سلعة.
ليس بالامكان في هذا المقال سرد تاريخ السلع التي استعملت خلال تطور التبادل السلعي في المجتمع قبل ان اصبحت سلعة الذهب السلعة السائدة في التبادل السلعي في المجتمع البشري ولذا سابدأ تاريخ تطور النقود منذ اصبح الذهب النقود السارية في المجتمع. وهوجزء لا يتجزأ من حركة تاريخ النقود عموما.
في البداية كان الذهب يستعمل مباشرة للتبادل السلعي في المجتمع. وفي هذه الفترة كانت كمية النقود الذهبية في المجتمع تتغير تلقائيا. فاذا كانت كمية النقود الذهبية اقل من الكمية الكافية لاجراء كافة عمليات التبادل يجري سك عملات ذهبية جديدة واذا كان مجموع النقود الذهبية اكثر من الكمية المطلوبة يجري صهر كميات من النقود الذهبية الى سلعة ذهبية. وكان سك النقود، الجنيهات الذهبية، مجانيا طيلة هذه الفترة من تاريخ النقود الذهبية. فلو كانت الدولة تتقاضى اجورا على سك النقود لتعرقلت عملية التبادل. وكانت المشكلة الوحيدة في هذه الفترة النقص البسيط الذي يجري في وزن الجنيهات الذهبية نتيجة الاحتكاك اثناء استخدامها.
ادى تطور الاساس الاقتصادي الى ضرورة استخدام اوراق نقدية بدلا من استخدام الجنيهات الذهبية للتبادل مباشرة. وفي هذه الفترة من التبادل النقدي كان بالامكان تحويل الجنيه الورقي الى جنيه ذهبي بكل حرية. وكانت كمية النقود الورقية في هذه الفترة تتم تلقائيا عن طريق تبادل الجنيهات الورقية بالجنيهات الذهبية وبالعكس. وانا عشت فترة من امكانية تبادل الدينار الورقي العراقي بجنيه استرليني ذهبي.
ان صعود النازية الهتلرية الى الحكم في الثلاثينات من القرن الماضي ونشوء خطر اندلاع حرب عالمية ثانية ادى الى الغاء التبادل الحر بين الاوراق النقدية والنقود الذهبية. وفي هذه الفترة من تاريخ تطور تاريخ حركة النقود في المجتمع نشات ظاهرة ما يسمى التضخم النقدي.
التضخم النقدي ظاهرة لم تكن موجودة سابقا في تاريخ حركة النقود وهي كون ان اسعار السلع الموجودة في المجتمع ترتفع اثمانها بالنقود الورقية ارتفاعا مستمرا. فما تشتريه اليوم بجنيه ورقي تشتريه بعد ايام بجنيهين او بعدة جنيهات.
في هذه الفترة من تاريخ حركة النقود عاش كارل ماركس. واكتشف كارل ماركس ان هذه الظاهرة، ظاهرة التضخم النقدي تجري وفقا لقانون طبيعي يسري في المجتمع. وكان القانون الذي اكتشفه هو ان قيمة الاوراق النقدية في المجتمع الراسمالي يساوي قيمة كمية الذهب اللازمة لتسيير عمليات التداول السلعي فيه. فكلما ازدادت كمية النقود الورقية في المجتمع قلت قيمها.
وتجربتي في لندن اروع مثل على هذه الظاهرة الجديدة، ظاهرة التضخم النقدي. اشتريت البيت الذي اسكنه حتى اليوم باربعين الف جنيه استرليني سنة 1984. وسكنت فيه منذ شرائه حتى اليوم بحيث ان قيمته الحقيقية قد انخفضت نتيجة التقادم والاندثار. ولكني لو اردت بيعه اليوم استطيع بيعه بثمان مائة الف جنيه استرليني. اي ان سعر البيت في السوق بدلا من ان ينخفض بسبب الاندثار ارتفع الى عشرين ضعفا من السعر الذي دفعته عند شرائه. وهذا هو التضخم النقدي باجلى صوره. وقد نشات في هذه الحالة الظاهرة التي سميت السوق السوداء والمصائب التي رافقتها.
الا ان تطور الاساس الاقتصادي في المجتمع ادى الى ظاهرة جديدة هي اختفاء او انخفاض دور الاوراق النقدية في المجتمع انخفاضا كبيرا.
كيف تجري عمليات التبادل في ايامنا؟ بامكانك ان تجلس في مكتبك امام الكومبيوتر لكي تشتري اي شيء تريد شراءه من اية بقعة من بقاع العالم بدون ان تستعمل اية ورقة نقدية. بامكانك ان تشتري ما تريده وان تتعامل على سعره وتامينه وعنوان ارساله وحتى موعد استلامه باعطاء البائع رقم بطاقة قرضك. حتى متاجر الاطعمة يمكن شراء الطعام منها بارسال رسالة الكترونية الى المتجر وتصلك المواد الغذائية التي طلبتها في نفس اليوم في دارك.
حتى حين يذهب الشخص شخصيا الى المتاجر لكي يشتري ما يريد مباشرة من المتجر وفق اختياره لا يقوم في ايامنا بدفع الثمن بالاوراق النقدية بل بابراز بطاقة قرضه. وفي العديد من المتاجر لم يعد ثمة مركز للشراء بالنقود الورقية فيه. وفي هذه المتاجر لا يمكنك ان تدفع ثمن ما تشتريه بنقود ورقية اذا شئت.
في مجتمعنا الحالي هذا لم يعد اي معنى لقانون النقود الورقية لكارل ماركس لا لان القانون بطل مفعوله في المجتمعات التي تستعمل الاوراق النقدية كوسيلة للتبادل بل لان الاوضاع المادية هي التي تغيرت ولم يبق للتبادل النقدي فيها اي وجود. وعلى هذا الاساس كتبت العبارة المقتبسة اعلاه "ان قانون كارل ماركس للنقود الورقية لم يعد صحيحا في ايامنا...-"
يمكن القول بان تاريخ حركة النقود الورقية في المجتمع قد بلغت نهايتها. فلم يبق بالامكان التحدث عن حركة النقود الورقية. وتحولت عملية التبادل السلعي في المجتمع تجري بصورة كاملة بالتحول من حساب المشتري المصرفي الى حساب البائع. وتسير هذه العملية بين المصارف في عملية المقاصة.
تاريخ حركة النقود الورقية انتهى بانتهاء استخدام الاوراق النقدية في عملية تبادل السلع في المجتمع.

2016 / 6 / 2