شروط نتنياهو ومستقبل الأردن


ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن - العدد: 3463 - 2011 / 8 / 21 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا حق لأحد الاعتراف بيهودية الدولة التي أقيمت بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، فرغم ان القرار لم يكن يستند لأي حق أو وثيقة دولية عدا وعد بلفور غير المشروع الذي أصدرته بريطانيا عام 1917 لأنه لا يحق لدولة ان تتبرع بأراضي شعب أخر وتعطيها لمجموعة من الناس لا رابط لهم بهذه الأرض عدا الأساطير التاريخية او مفاهيم دينية خاصة بها لا تقيد أحدا ولا تلزم به غيرها ، كما أن عدم تنفيذ هذا الوعد لا يسلب تلك المجموعة شيئا من حقوق لم تكن تتمتع بها أًصلا.
جاء هذا الوعد ضمن ترتيب أجرته الإمبراطورية البريطانية لمصالحها في المنطقة والعالم. ومع ذلك صدر عن الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين والذي نص على تشكيل دولتين عربية ويهودية لكنه أعطى حق الموطنة لحوالي 500 ألف عربي ان يسكن في الدولة اليهودية والتي أطلق عليها ذلك كمسمى تميزي و تعريفي في صياغة ذلك القرار الجائر وغير الشرعي كمضمون وكإجراءات وليس دولة اليهود كما يراه اليوم العنصري نتنياهو إلى جانب 600 ألف مهجر يهودي ألى فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني وأعطى أيضا حق التواجد في الدولة العربية لحوالي 100 ألف مهاجر يهودي أي أن القرار أقر بحق العرب الفلسطينيين البقاء في أراضيهم التي اقتطعت من فلسطين العربية وسميت حسب القرار الذي فرضته الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة دولة يهودية لكن ليس بالمعنى الذي يقصده نتنياهو اليوم ويناور عليه، فهو وغيره من القادة الصهاينة يدركون بهذا المطلب المأزق التاريخي الذي وصله مشروع بريطانيا الاستعماري في المنطقة هذا المشروع الذي تبنه ولا تزال الولايات المتحدة، لتطابقه مع مصالحها في هذا الجزء من العالم.
يهدف نتنياهو بذلك ان توافق القيادة الفلسطينية وبقية الحكومات العربية على يهودية الدولة كتجمع عنصري وسيترتب عليه طرد الصهاينة عرب فلسطين 48 من أراضي أبائهم وأجدادهم وسيعمل في نفس الوقت على ضم التجمعات الاستيطانية إلى دولته وإلغاء حق العودة للاجئين الذين اقتلعوا من أراضيهم وبالتالي إنهاء الهوية الوطنية الفلسطينية وتجويفها. لا يملك أي قائد فلسطيني أو عربي السلطة وبأي ترتيب يصل إليه ان يتنازل عن حقوق آخرين هو لا يحمل تفويض فردي من الفلسطينيين او من ورثتهم للقيام بالتفاوض على حقوقهم فهذه الحقوق فردية في إطار الممتلكات والخسائر والتشريد والمعاناة، وجماعية بالمعنى السياسي وهو لا يمثل الفلسطينيين بقوا في أراضي عام 48 ولا يمثل اللاجئين الفلسطينيين ولا فلسطينيي الأراضي المحتلة منذ عام 1967. عدا ذلك سيلحق مثل هذا الاعتراف بالدول العربية وخاصة بالأردن أخطار وجودية على المستوى الأمني الوطني والقومي، فهذا سيفرض عليه ترتيبات لدفع ثمن استحقاقات يجب على الصهاينة ان يدفعوها وبالتالي سيعرض ذلك أمنه إلى أخطار متنوعة بما فيه توقع عدوان إسرائيلي لفرض أية تبعات لاقتراحها بيهودية الدولة.
قد يعترض بعض واقعيي السياسة قائلا انه لم يبقى بجعبة العرب إلا الموافقة على مقترح نتنياهو للخروج من الواقع المتأزم في المنطقة وبسبب الضغوط الأمريكية. لكن ومن وقائع الامور إن أي حل مفروض لا يأخذ مصالح الشعب الفلسطيني وشعوب الدول العربية المحيطة بفلسطين لن يكون له إمكانية الاستمرار حتى ولو لسنوات قليلة لسببين أن الخاسر الأكبر سيكونون العرب ولن يقبلوا بهذه الحالة فستتفجر الأوضاع من جديد فنتائج ترتيبات كامب ديفيد ومدريد واوسلو ووعربة أصبحت في مهب الريح في ظل التغييرات العربية التي فرضتها مطالب الشعوب. والسبب الثاني ان إسرائيل التي أسست كدولة وظيفية عدوانية تضم جماعة من المهجرين لهم وظيفة حددها المشروع الاستعماري بتمزيق المنطقة العربية وإبقائها متخلفة يتناقض وجودها مع مصالح الشعوب العربية التي باتت تدرك عقم وخطورة ما دعي بعملية السلام، خاصة في ظل ظروف التغيرات التي تعصف بالنظام العربي القائم منذ مرحلة الاستقلال والذي ترسم على الأرض على أساس القبول دمج المشروع الصهيوني في المنطقة.
حقق الدور الوظيفي لدولة الكيان الصهيوني نجاحات حتى الآن بعد فرض العملية السياسية التي جاءت بعد انتهاء الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم والعدوان على العراق الذي شكل عبر سنين طويلة عمقا استراتيجيا مانعا طوال عقود لدول الطوق العربي، قلنا نجح المعسكر المعادي في تقسيم العراق والسودان وهناك مشاريع أخرى لدول قد تكون على هذا الطريق في ظل استغلال عدواني لأحداث الربيع العربي، وستعمل إسرائيل على التوسع في هذا السياق وبالتالي العدوان على البلاد العربية المجاورة مرة أخرى ولن يردعها رادع حينها دوليا فهذا يستجيب لمصلحة الدولة الأولى في العالم وبسبب قبول العرب شرعيا بالحلول المفروضة وستجد الذرائع المناسبة لشن عدوانها خاصة لإدراكها ضعف العرب المتراكم وعدم قدرتهم على الولوج في طريق جديد. لم يعد من الممكن الانتظار لوقت أخر، يجب التصدي لنهج التنازلات ودعم المقاومة للاحتلال الإسرائيلي فلسطينيا وتمتين الجبهة الداخلية في الأردن بالسير على نهج الإصلاح الحقيقي ومكافحة الفساد ومحاكمة القائمين عليه ورفض تقديم أية تنازلات كما جرت عليه عادة النظام الرسمي العربي حتى الآن، فالظروف الدولية والإقليمية اليوم أصبحت مؤاتية لوضع حد للتغول الأمريكي-الصهيوني في المنطقة. إن تغير النظام العربي من نظام التبعية إلى نظام إرادة الشعوب يفتح آفاقا واسعة لاستدراك نتائج المرحلة السابقة، فالعالم قد يخط منعطفا جديدا في مسيرته.