مفهوم وواقع الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية


ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن - العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 16:13
المحور: المجتمع المدني     

لا يزال هناك الكثير من العمل لجعل الحريات الأكاديمية مفهوم مدرك وممارس من قبل أساتذة الجامعات، حيث لا يزال هناك عدد لا باس به يرفض هذا الوعي الجديد مستنكرا المطالبة بتكريس الحريات الأكاديمية في الحياة والنشاط الجامعي بحجة أنها موجودة ومطبقة، وهذا الموقف بحد ذاته يؤكد ما نذهب إليه من غياب واضح للحريات الأكاديمية خاصة عندما يترافق موقف هؤلاء برفض تشكيل نقابة للأساتذة الجامعيين على اعتبار أنهم ليسوا بحاجة لها فحقوقهم محفوظة ومؤكدة. لكن هذا الموقف السلبي يتناقض مع النشاط الإيجابي القائم على مستوى لجان الأساتذة الجامعيين لتأسيس نقابة لهم، مما يستدعي نشاطا مستمرا لنشر الوعي بالحريات الأكاديمية وأهميتها.
فتقييم العديد من أساتذة الجامعات يؤكد أن واقع البحث العلمي ومخرجات التعليم العالي في الأردن يشير إشارة صريحة إلى التراجع الذي وصل إليه. فالتعليم العالي في الأردن، وبعد أن كان في مقدمة دول المنطقة، بدأ يتراجع لأسباب عديدة، يعرفها كل معني ومهتم، وهي أسباب قابلة للعلاج، إذا ما وجدت الإرادة الصادقة المخلصة القوية، وينوه هؤلاء الأساتذة إلى الواقع المعيشي والاجتماعي وإلى ورواتبهم المتآكلة وتغييبهم المقصود عن أدوارهم المأمولة منهم في خدمة قضايا وطنهم وأمتهم وتأثير ذلك على أدائهم وفعاليتهم. فالتاريخ يقول إن الإصلاح الحقيقي ينبغي إن تقوده الجامعات والمؤسسات التعليمية فهي مراكز للتنوير والتحديث لا كما يحدث فيها اليوم حيث تحولت بؤر للتفتت والاحتقان الاجتماعي. فلا إصلاح حقيقي دون مؤسسات تعليمية وطنية حرة، تضطلع بدورها في التغيير والتطوير والنقد البناء والتفكير الحر.
فعليا تعتبر الجامعات مراكز للتنوير الفكري والحضاري، تسهم في إنتاج وتطوير ونقل المعارف ومخرجاتها من علوم وتكنولوجيا، كما تعمل على ترسيخ وتطوير طرق البحث المتقدم ونشر القيم الإنسانية والحضارية الرفيعة، وتحارب التزمت والتعصب بمختلف أشكاله، وتقوم أيضا بإعداد المختصين والفنيين والخبراء في المجالات كافة والتي تحتاجها المجتمعات والدول في نموها وتطورها ومجابهتها للتحديات التي تفرضها الحياة بتعقيداتها في حركتها الدءوبة إلى الأمام. كما تشكل قاعدة للمعلومات والمعرفة العلمية وترعى المواهب والابتكارات، وتقوم بتربية الطلبة ومن خلالهم المجتمع بقيم التفكير العقلاني والتحليل النقدي وتبني مرتكزات التفكير الحر والمبادرة والتجديد والإبداع. حقا أنها مهام صعبة ونبيلة في آن واحد.
فالحريات الأكاديمية تشكل وتخلق الأجواء المناسبة والمحفزة لتحقيق أهداف الجامعات ونجاحها في تأدية رسالتها المنوطة بها العلمية والمجتمعية خاصة ونحن في عصر الثورة المعلوماتية وتوظيف اقتصاد المعرفة. وهي في هذا السياق توفر أسس ديمومة القيم الثقافية والعلمية والوطنية والاجتماعية والأخلاقية للجامعة بوصفها فضاء للنقاش الحر وتبادل الآراء وحل المشكلات وإنتاج المعرفة وبالتالي تخريج المواطن الحر والواعي المزود بالعلم وقيم الحضارة باعتباره ضمانة لتقدم مجتمعه. في الواقع فإن دور الجامعات حساس وخطير وعليها يعتمد أفق تطور الدول والمجتمعات.
لا توجد حتى اليوم وثيقة دولية تنص صراحة وبصيغ قانونية على الحريات الأكاديمية، لكنها كمفهوم تعد جزءا من أصيلا من التراث الفكري والقانوني لحقوق الإنسان وهي متضمنة في العديد من المواثيق الدولية التي تنص على الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير وتكوين الجمعيات وحق الاجتماع والتجمع وعلى حق التعليم، لقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق التعليم إلى جانب الحقوق المذكورة سابقا وكذلك أكد مؤتمر اليونسكو على حق الجامعة في تتبع المعرفة لذاتها من اجل البحث عن الحقيقة استنادا لمبدأ حق طرح الرأي والرأي الأخر، كما أكد على دور الجامعة في نشر مبادئ الحرية والعدالة من خلال البحث وتطوير أساليب التأليف والمنفعة العامة.
شهدت حقبة الثمانينات العديد من المبادرات من جانب الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية التي سلطت الضوء على قضية الحريات الأكاديمية، وأسفرت عن مجموعة من الوثائق الهامة ذات الأبعاد الدولية، ومنها:
1-ميثاق حقوق وواجبات الحرية الأكاديمية أصدرته الرابطة الدولية لأساتذة الجامعات في مؤتمر فينا عام 1982
2-الميثاق الأعظم للجامعات الأوروبية عام 1988
3-إعلان ليما للحريات الأكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي عام 1988 ويعد هذا المؤتمر ذو أهمية عالمية لأنه عالج مفهوم الحريات الأكاديمية واستقلال الجامعات على المستوى العالمي.
4-إعلان عمان للحريات الأكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والذي صدر عن مؤتمر الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية والذي بادر إلى الدعوة إليه مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان في العاصمة عمان عام 2004 ، وعقد بمشاركة فعالة من أكاديميين وباحثين وناشطين في العمل الجامعي وتضمن الإعلان مجموعة من المبادئ التي يجب أن تتوافر في مجالا الحريات الأكاديمية.
ولا بد من الإشارة انه قد تزايد في الآونة الأخيرة الاهتمام بالحريات الأكاديمية وحقوق الأساتذة والطلبة والجامعات ومسؤولياتهم على المستوى العربي والمحلي بدليل التوجه لتأسيس نقابة للأساتذة الجامعيين والوعي بأهمية إدراك مضمون الحريات الأكاديمية.
ومن هنا فإنه من الضروري توضيح مفهوم الحريات الأكاديمية والذي يعني:
"حرية أنشطة أعضاء الهيئة الأكاديمية في الوصول إلى مختلف أنواع المعرفة والتطورات العلمية وتبادل الأفكار والدراسات والبحوث والإنتاج والتأليف والمحاضرات، وفي استخدام مختلف وسائل التطور الحديثة دون تقييد أو حواجز وصولا لخير المجتمع والإنسان وما تتطلبه هذه الأنشطة من سلوكيات تأخذ أشكالا مختلفة بحسب هذه المؤشرات".
ويقصد بذلك رفع القيود عن الباحثين والمفكرين وأساتذة الجامعات في توفير المعلومات والاطلاع عليها وإبداء الآراء ومناقشتها ونقدها ورفع القيود عن التأليف والإبداع الفكري وهذا يعد جزءا من منظومة حقوق الإنسان وهكذا يصبح مفهوم الحريات الأكاديمية من الالتزامات القانونية الدولية وعلى الدول يقع تقع مسؤولية مراعاتها واحترامها وحمايتها.
وهذا يفترض من الجامعات أن تتبنى كأسس عامة حق أعضاء المجتمع الأكاديمي ويقصد بهم الأساتذة والطلبة والعاملين الإداريين في تكوين جمعيات ونقابات تدافع عم مصالحهم وتخدم عملهم في حرية التفكير النقدي والتجديد والمبادرة وجعلهم قادرين على الجمع بين ضروريات التدريس والبحث العلمي والإدارة الوظيفية والأكاديمية ومساواة جميع أفراد المجتمع ذوي الكفاءات في فرص الالتحاق بالسلك الأكاديمي دون تمييز أو تدخل من جانب السلطات.
وفيما يخص الجامعات كمؤسسات متخصصة تعني الحريات الأكاديمية حزمة من الحقوق للجامعة نفسها، حيث لها الحرية في صنع سياساتها التعليمية والإدارية والمالية ووضع السياسات والشروط التي يتم على أساسها اختيار وترقية أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم دون رقابة أو تحكم أو اعتراض من خارج المؤسسة التعليمية مهما كانت تلك الجهة، وكذلك حق الجامعة في تقييم الأساتذة طبقا للمعايير العلمية والمهنية المتعارف عليها في المؤسسات الأكاديمية وليس حسب آراءهم أو معتقداتهم أو اتجاهاتهم السياسية وأيضا تعني حق المؤسسة الأكاديمية في اختيار القيادات عن طريق الانتخاب الحر دون اعتراض من خارجها وأيضا ضمان الاستقلال المالي والإداري للجامعات.
هذه هي المبادئ التي تعد المرتكزات لحرية واستقلال المجتمع الأكاديمي وهي ضمانات للتخلص من قبضة الثقافة البيروقراطية والقناعات المسبقة والأوامر الفوقية، وفي هذا انتصار لقيم العقلانية والتعدد والاختلاف. كما تعتبر في الوقت نفسه معايير لقياس ليس فقط مدى تطور الجامعات وقدرتها على القيام بدورها الاجتماعي والعلمي المناط بها، بل تقيس أيضا مستوى نضوج الحريات العامة في مجتمع الدولة نفسه.
في الآونة الأخيرة تزايد الاهتمام بدراسة أوضاع الجامعات العربية والأردنية ، وقد ساهم مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان والجمعية العربية للحريات الأكاديمية بجزء هام منها إن كان على صعيد البحث الميداني أو في النشر والتواصل مع المجتمع الأكاديمي، وأجريت عدة دراسات حول مستوى تطور الحريات الأكاديمية في هذه الجامعات. خلصت هذه الدراسات إلى عدة استنتاجات فيما يخص القضايا المطروحة، وأشارت إلى أن الجامعات العربية ومنها الأردنية تعاني من مشاكل هيكلية كبيرة تشمل طرق التعليم والبحث العلمي وأساليب الإدارة وسوء استخدام الموارد وتأهيل المدرسين، واستنتجت هذه الدراسات أن الحلقة المركزية لكافة السلبيات التي تعاني منها هذه المؤسسات تكمن في غياب الحريات الأكاديمية وتستنتج أيضا الحقيقة المرة أن ذلك هو من الأسباب التي تلقي الجامعات العربية في قاع سلم الجامعات من حيث التصنيف العالمي.
هذا الوضع أدى ببعض العاملين في الجامعات العربية أن يصفها بأنها ليست سوى مدارس عليا لا تخرج علماء أو باحثين ولا ترتقي بالعلم أو البحث العلمي، خاصة وان ما ينفق عليها لا يتجاوز 0.3% من الناتج القومي العربي بضخامته بينما تنفق دولة ككوريا الجنوبية حوالي 2.8% من ناتج على البحث العلمي فقط.
أظهرت الدراسات أن أوضاع الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية كمثيلاتها العربية، بحيث أن التدخلات من خارج إطار المجتمع الأكاديمي تسيء للحريات الأكاديمية، وأظهرت أبضا تدني الوعي والمعرفة بها وكذلك تدني حرية البحث والتفكير العلمي وكشفت أن نشر نتائج الدراسات وتبادلها بين أعضاء المجتمع الأكاديمي ضعيف فكيف بتوظيف هذه النتائج. وكشفت الدراسات أن الاستقلال الإداري والمالي منقوصان وبناء على الدراسات أيضا ظهر أن قبول هيئة التدريس لا يتم دائما وفق معايير الكفاءة. وكذلك فإن الاهتمام بتشكيل هيئات نقابية تعنى بشؤون ومصالح أعضاء المجتمع الأكاديمي كان ضعيفا.
من الضروري الإشارة أن هذه الدراسات قد جرت قبل عام 2011 وتوصياتها تكتسب اليوم أهمية فائقة بسبب تعزز الميل والنزوع نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد العربية وهي تؤشر على ما ينبغي عمله في سبيل ترسيخ مفهوم الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية والأردنية.
1-رفع مستوى الوعي بالحريات الأكاديمية من خلال الندوات والمؤتمرات وورشات العمل.
2-تحفيز الباحثين لتناول مواضيع إبداعية وتحديثية تهم المجتمع من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية.
3-تطوير النظام التعليمي بعيدا عن التلقين وعدم الاقتصار على الأبحاث لغايات الترقية العلمية.
4-الاهتمام بالبحث العلمي وخاصة في مجال العلوم الإنسانية وعقد مؤتمرات دورية لتبادل المعرفة ومناقشة الأبحاث.
5-انتخاب الهيئات القيادية والإدارية والعلمية من جانب هيئات التدريس.
6-فصل ميزانية الجامعات عن موازنة الدولة لتفعيل استقلال الجامعات.
7-تفعيل حق تكوين الجمعيات والاتحادات والنقابات الخاصة بأعضاء المجتمع الأكاديمي من أساتذة وطلاب وإداريين لحماية مصالحهم وتطويرها.
8-اعتماد الكفاءة العلمية فقط في قبول أعضاء هيئة التدريس.
في ضوء هذه الأوضاع فإن المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان مدعوة بأن تبادر لعقد الندوات والمحاضرات وورشات العمل لنشر مفهوم الحريات الأكاديمية والتعريف به، وان تتعاون مع كافة الهيئات في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة ومجموعات العاملين في الجامعات من اجل تفعيلها ونشر الوعي بها لما هو في مصلحة الأردن وتطوير العمل الجامعي في كافة مجالاته.