المشروع الليبي وخطورة إنزلاقه إلى دولة القبيلة


عبدالحكيم الفيتوري
الحوار المتمدن - العدد: 3385 - 2011 / 6 / 3 - 08:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     


رغم تداخل الانساب بين القبائل الليبية عبر الزمن الممتد من خلال المصاهرات وغير ذلك، إلا أن النظام البائد استطاع حكم البلاد لقرابة نصف قرن من الزمان عبر منطق عشيرة الدولة (قبيلة القذاذفة)، ومن ثم تحويل المجتمع إلى دولة القبيلة (ارتباط القبائل بمصير النظام)، وذلك عبر آليات متنوعة معروفة للجميع أبرزها مبايعة القبائل لعشيرته، واعتماد الفاعليات الشعبية قناة تواصل، وربط تحقيق مصالح القبائل بتلك الايقونة ليتحكم بمصير المجتمع والسلطة في آن واحد، حتى صارت زعامات القبائل الممتدة شرقا وغربا وجنوبا ترى في مكانتها المحلية امتدادا طبيعيا لسلطة زعيم العشيرة الأكبر (راس النظام). وبذلك استطاع النظام البائد تحقيق الاستقرار لعشيرة دولته وتحويل الدولة الليبية؛ التي تأسست على أسس دولة حديثة إبان العهد الملكي؛ من دستور وقانون إلى دولة القبيلة وسلطة العشيرة. ولكن على الرغم من تلك الايقونية الدفاعية التي أسسها من أجل حماية نظامه الاستبدادي فقد فشل فشلا مروعا حين حاول طرح أفكاره الخضراوية في كتابه (الاخضر) بغية تأسيس دولة حديثة من خلال مشروعه المسمى (بالجماهيرية)، وكذلك فشل نجله سيف الاسلام في مشروعه (ليبيا الغد). وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على هشاشة منطلقاته الفكرية، وخطأ اعتماده على منطق دولة القبيلة.

ويبدو أن السر الكامن وراء اختيار آل القذافي لمنطق دولة القبيلة يعود إلى اسباب عدة منها، صعوبة السيطرة على القبائل الممتدة شرقا إلى مرسى مطروح، وغربا إلى رأس اجدير، وجنوبا إلى الحدود التشادية السودانية النيجرية الجزائرية. كذلك تجزئة المجتمع إلى فئات جهوية وعشائرية متنوعة ومتضادة في بعض المناطق، مع شعور سلطة عشيرة القذافي بعدم قدرتها على السيطرة على هكذا قبائل منتشرة على طول البلاد وعرضها دون الاستعانة بالمكون العشائري في إطار الترهيب والترغيب تارة بالمال والعطايا؛ منحا ومنعا، وتارة بقوة السلاح؛ تسليحا وتجريدا. وبذلك تحقق له إمكانية ضبط شؤون القبائل(= المجتمع)، وفرض الأمن في ربوع البلاد المترامية، وبالتالي ضمن استمرارية قبيلة دولته في إطار (من تحزب خان)، ومن والى أصبح (من دولة القبيلة).

فإذا كانت تلك منطلقات نظام القذافي في تأسيس(دولة القبيلة)،فهل المشروع السياسي الليبي(جيوسياسي) المتمثل في المجلس الانتقالي الحالي والقوى الوطنية، سوف يجد تلك المنطلقات ملاذا آمنا له بعد سقوط النظام، واختلال توازن السلطة، وانهيار مشروع دولة القبيلة الذي كان يعتمد على قبيلة القذاذفة وبعض قبائل الغرب والجنوب، من حيث تأسيس سلطته على بعض قبائل الشرق بحكم الشرعية الثورية، للوصول إلى تشكيل دولة القبيلة وإن تسمت بالديمقراطية والمدنية وما إلى ذلك من اسماء رنانة ؟! بمعنى أخر، هل تعتمد القوى الوطنية ذات منطق النظام البائد من خلال فكرة العودة إلى الزخم العشائري، من أجل إيجاد موطن قدم راسخة لسلطتها الجديدة، وتحافظ على ديمومة سطوتها.

ثمة اجابة بدهية على هكذا تساؤلات مفادها، من حق المجلس الوطني الانتقالي والقوى الوطنية أن تلج نفق القبيلة وتأسيس دولة القبيلة، بل والاعتماد على هذا المنطق حتى في سياق توزيع المخصصات السلطوية والوظيفية في الدولة. وهذا لا حرج فيه البتة، لأن عدم الالتزام بتلك المنطلقات يعني بلقنة ليبيا، أو صوملتها، خاصة وأن أسباب كلاهما؛ البلقنة والصوملة، متوافرة في الذاكرة الليبية، وتدعمها ممارسات دولة القبيلة في فترة نظام القذافي.

فإذا كان ذلك كذلك، فمن حق المطالبين والساعين إلى دولة مدنية حديثة قوامها الديمقراطية، والتعددية، والحريات، والمهنية، بمعزل عن منطق القبيلة، والجهوية، والايدلوجية، أن يخافوا على ضياع ثورة الحرية وسرقة مكتسباتها، والانزلاق في نفق العراق أو الصومال. ولكن على الرغم من هذا التخوف المشروع عليهم أن يتجاوزوا حاجز الخوف بتقديم الافكار التنويرية، والمعرفية عبر الوسائل المتاحة من خلال الدراسات المعمقة، والمقالات الهادفة، والمنتديات الواعية، التي تهدف إلى رفع مستوى التفكير، والوعي السياسي، والرقي في الممارسة، وتقديم مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الحزبية والقبلية والجهوية. وبذلك وحده يتمكن هؤلاء العقلاء من تبديد غيوم البلقنة والصوملة على البلاد، والانفلات من مطبات منطق دولة القبيلة، وينعم الوطن رغم تنوعه الثقافي والعرقي والجهوي بالأمن والاستقرار والازدهار من خلال تكوين دولته المدنية القوية القادرة التي تسع وتحمي الجميع.