اغتصاب الأطفال في الفكر الإسلامي


عبدالحكيم الفيتوري
الحوار المتمدن - العدد: 2724 - 2009 / 7 / 31 - 09:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لا يخفى أن الأساس الذي بني عليه صحة زواج الكبير بالطفلة في الفكر الديني يكمن في سلسلة من الاسانيد منسوبة لرسول الله أو لآل بيته، فحوى هذه الاسانيد تدور في فلك زواج رسول الله البالغ من العمر ما يقرب الستين عاما بعائشة الطفلة والتي كان عمرها ما بين ست أو تسع سنن. نحاول قراءة هذه الروايات وتداعياتها الخطيرة على آمن وسلامة أطفالنا القصر في هذا العصر وذلك من خلال عدة نقاط، الأولي: المقارنة بين عمر عائشة في مدونات الأحاديث والآثار وبين عمرها في كتب التاريخ. الثانية: النظر في محاولة أصحاب المدونات عن آية قرآنية تدعم رواياتهم. الثالثة: رصد حجم انتهاكات أصحاب الاسانيد لحقوق الطفل. الرابعة:ضرورة قانونية لحماية الأطفال من الأغتصاب بسم الدين.

النقطة الأول: عمر عائشة بين منطق الرواية والتاريخ.
1-عمر زواج السيدة عائشة في مدونات الأحاديث:
انعقد إجماع أهل الرواية من المذهب السني على أن عمر السيدة عائشة حين تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم كان عمرها ست سنين ودخل عليها وهي بنت تسع سنين. قال البخاري في صحيحه. حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعا). (باب إنكاح الرجل ولده الصغار) وورد هذا الحديث بأسانيد مختلفة في أغلب كتب السنن والآثار.( للمزيد راجع كتاب النكاح عبر مدونات الأحاديث والأثار وأمهات كتب الفقه )

2-عمر عائشة في مدونات التاريخ:
اتفق جل كتاب التاريخ أن الفارق العمري بين عائشة وأختها اسماء كان عشرة سنين، كما ذكر ذلك الذهبي في سير النبلاء عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر.( انظر:سير إعلام النبلاء،والاستيعاب، وتهذيب الاسماء،وتاريخ دمشق ) وقد أكد الحافظ أبو نعيم ذلك بقوله: ولدت أسماء قبل هجرة رسول الله بسبع وعشرين سنة وكان لأبيها أبي بكر حين ولدت له إحدى وعشرون سنة. وقال الصعاني صاحب سبل السلام: اسماء بنت أبي بكر وهي أم عبد الله بن الزبير أسلمت بمكة قديما وبايعت النبي وهي أكبر من عائشة بعشر سنين وماتت بمكة بعد أن قتل ابنها بأقل من شهر ولها من العمر مائة سنة وذلك سنة ثلاث وسبعين. ويبدو أن كتاب التاريخ اتفقوا على أن الفارق العمري بين ولادة عائشة واسماء كان عشرة سنين، كذلك اتفقوا على أن وفاة اسماء كانت عام ثلاث وسبعين عن عمر يناهز المائة، وهاجرت وعمرها سبعة وعشرون سنة، يعني أن عائشة هاجرت وعمرها سبعة عشر سنة، ودخل بها النبي بعد عامين من الهجرة أي وعمرها تسعة عشر سنة. ويقوي هذا النظر رواية البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية .... الحديث (صحيح البخاري ، كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي وعقده).

وأحسب أن رواية البخاري(...لم أعقل أبواي قط إلا وهما يدينان الدين ) كانت في السياق التاريخي لما قبل مرحلة أضطهاد مشركي مكة للنبي وأصحابه، حيث أن هذه المرحلة كان قبل السنة الرابعة لآن الهجرة إلى الحبشة كانت في السنة الخامسة، فإذا كان ذلك كذلك فهل يا ترى كان بإمكان عائشة وهي في عمر يقارب العامين؛ أي في فترة الرضاعة أن تميز بين دين والداها الجديد وما كان عليه أهل مكة من شرك؟!! علما بأن جل كتاب التاريخ وعلى رأسهم الطبري يثبتون بأن ذرية أبي بكر قد ولدوا كلهم- بما فيهم عائشة- قبل البعثة، فإذا كان ولادة عائشة قبل البعثة النبوية، والبعثة استمرت في مكة ثلاث عشرة سنة؛ مما يعنيى أن عمر عائشة الحقيقي لا يقل عن ثلاث عشرة فما فوق، فكيف -والحال كما مر- أن تأتي رواية البخاري وغيره بتقرير عمر عائشة حين تزواج بها رسول الله بتسع سنين ، وكان ذلك في المدينة أي بعد الهجرة بعامين !!
وعلى الرغم من وضوح المسألة من الناحية الحسابية إلا أن البخاري ذكر الروايتين معا؛ رواية تنافي الحقيقة التاريخية لعمر عائشة ورواية تتفق والحقيقة التاريخية لعمرها. فقد جاء عنه في الرواية التي تتفق مع ما جاء في كتب التاريخ حيث ذكر( لم أعقل ابوي إلا وهما يدينان الدين ) كذلك ذكر في المقابل الرواية التي تختلف تماما مع الحقيقة التاريخية حيث ذكر (...تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعا). وهذا يشير إلى أن الاضطراب قائم في صحيح البخاري وغيره من مدونات الأحاديث مما ينبغي إعادة النظر في قدسية هذه المدونات والتعامل معها وفق مبادىء وقواعد البحث العلمي الحر بدون تقديس ولا تدنس.

النقطة الثانية: اعتداء أصحاب الرواية على النص القرآني.
يبدو أن الحقل المعرفي للقرآن عند أصحاب المدونات لم ينل الجهد المطلوب قراءة وفهما وذلك خلال نظم منظومة معرفية متكاملة، تعتمد الكلي المقاصدي وترد إليه الجزئي، وتقضي بالمقدس على البشري، والكلي على الجزئي،والقصدي على الشكلي والحرفي. والغريب أن هذا المشكل ليس بطاريء بل هو متجذر في المنظومة الكلاسيكية إلى النخاع مما جعلها تتلقف انحرافات الملل والديانات الآخرى في تعاطيها مع كتبها السماوية. وقد حذر رسول الله الأمة عن اتباع ذلك السلوك لذلك نهى عن مزاحمة القرآن بأي سلطة أخرى خوفا من تحول تلك السلطة إلى سلطة نصية مناظرة لسلطة القرآن كما فعل الذين من بعده فقد قال أحد جامعي مدونات الروايات( إن السنة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاض على السنة ).(الدارمي)، كذلك قال الأوزاعي( الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب ) (إرشاد الفحول).

وقد أصاب عمر حين قال: ذكرت قوما كتبوا كتابا قأقبلوا عليه وتركوا كتاب الله !! بل وصل به الأمر أن يهدد المكثرين من بالتحديث عن رسول الله بالسجن والإبعاد إن لم ينتهوا، فقد روى السائب بن يزيد أنه سمع عمر بن الخطاب يقول لأبى هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس، وقال لكعب الأحبار لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة. وكأن للسان عمر يرد لا لمزاحمة الوحي وتقديس غيره ولو كان رسول الله،وقد نقل عنه مالك كلاما شبيها بذلك حيث قال كان عمر يقول: لا كتاب مع كتاب الله. وأحسب عمر بهذه المنهجية والعقلانية كان يقاتل ضد فكرة مزاحمة الوحي بتلك المدونات فيما بعد. لذلك صرح في فترة خلافته لأؤلئك المكثرين من الرواية فقال: أمنية كأُمنية أهل الكتاب. وجاء في الطبقات الكبرى قال لهم: مثناة كمثناة أهل الكتاب.وأصل كلمة مثناة مشناة أي روايات شفوية دونها اليهود ثمّ شرحها علماؤهم فسُمّي الشرح جماراً، ثمّ جمعوا بين الكتابين فسمّي مجموعها( الاَصل والشرح )المشناة. أي التوراة مقابلها التلمود، والقرآن مقابله مدونات الأحاديث!!
ويبدو أن مقدسي الأسانيد عندما صح لديهم اسناد تلك الروايات التي تصرح بزواج النبي بعائشة وعمرها ست لم يجدوا حرجا في البحث عن آية من القرآن تعضد أسانيدهم تلك، ويبدو أنهم بحصولهم على تأويل آية من القرآن يجتمع لديهم مصادر التشريع الثلاثة؛ القرآن، والسنة، والاجماع، باعتبار أن هذه المصادر الثلاثة تتمتع بالسلطة الإلزامية لأتباعها،حيث تمنعهم من الخروج عليها، أو التفكير في إعادة النظر فيها من خلال قراءات متعددة للنص القرآني، ومحاكمة تلك الاسانيد والإجماعات من خلال قصدية النص القرآني في إطار مراعاة السياق والمساق حال التنزيل .

وهكذا تم التوجه إلى النص المؤسس القرآن -بعد إثبات صحة الاسانيد- بحثا عن آية أو إشارة قرآنية تدعم تلك الروايات، ويبدو أن سورة الطلاق كانت الملاذ الأيسر لهذا الاستدعاء القرآني لصالح تلك الروايات، حيث وقف القوم على قوله تعالى:( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن ) فقالوا واللائي لم يحضن هن الصغار اللواتي لم يبلغن سن البلوغ، فقد بوب البخاري لأسانيد ورواياته( باب إنكاح الرجل ولده الصغار) لقوله تعالى:( واللائي لم يحضن ) فجعل عدتها ثلاثها أشهر قبل البلوغ. ثم ذكر روايته كاملة. وهكذا بمنهج التعضية( الذين جعلوا القرآن عضين) تم الاعتداء على النص القرآني وتمزيقه نصوص من سياقاتها دون النظر في آيات القرآن كلها من خلال السياق والسباق واللحاق في إطار قصديته الكلية. ومعلوم للناظر في القرآن بعقل مقاصدي أن القرآن في آيات سورة الطلاق وغيرها لم يتنزل ليؤصل فكرة الزواج بالأطفال بل ذهب في مواضع أخرى يقرر ضرورة الحماية للأطفال حتى وإن بلغوا الحلم ،من ذلك حين وصف البالغ في بداية بلوغه بأنه طفل ينبغي مراعاته حتى يصل إلى سن الرشد وتحمل المسؤولية الكاملة وإن بلغ الحلم بيولوجيا،فقال تعالى:( حتى إذا بلغوا النكاح ....) بل( وأنستم منهم رشدا....) وقال(.. وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم..) لآن البلوغ البيولوجي لوحده دون نضج ورشد وتحمل مسؤولية لا يخرج الذكر والأنثى من كونه في دائرة الطفولة والتي بحاجة إلى رعاية معنوية وحسية من الكبار وليس للكبار أن ينتهكوا هذه المرحلة الطفولية بالإكراه والأغتصاب تحت أي مسمى من المسميات الدينية أو العرفية.

وأحسب أن من أراد قراءة آية الطلاق( ...واللائي لم يحضن... ) بمعزل عند سلطان الرواية الكلاسيكي يجد أنها لا تتحدث عن تأصيل زواج الصغيرات أصلا، وإنما تناولت موضوعا محددا وهو عدة المطلقة وكيفية إثبات إبراء الرحم، حيث جاء في سياقها ذكر ثلاثة أنواع من المطلقات؛ فالنوع الأول تناول مرحلة اليأس من الحيض( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم). والنوع الثاني تناول من لها اضطرابات دائمة أو متقطعة في حيضتها( واللائي لم يحضن). والنوع الثالث تناول الحامل( وأولت الأحمال). فعدة النوع الأول والثاني ثلاثة أشهر( فعدتهن ثلاثة أشهر )، وعدة النوع الثالث من المطلقات( أن يضعن حملهن ). ولا علاقة لهذه الآية بتزويج الصغيرات والأطفال.
واللافت للنظر أن الآية تمحورت في خطابها حول مصطلح النساء( من نسائكم ) المعروف لدى المتلقي حال التنزيل ولم تتمحور في خطابها حول مصطلح الأطفال. لآن هنالك فارق جلي بين مفهوم النساء والأطفال في الدال والمدلول بالنسبة للعرف القرآني واستخدامته اللغوية. وعليه فإن الأنواع الثلاثة التي تناولتها الآية كلها في النساء وليست في الأطفال وإن بلغوا الحلم. وهكذا يستقم الفهم ويتحرر النص القرآني من قيود الأسانيد، وبالتالي يمكن قراءة الآية على هذا الوجه فالنوع الأول من النساء المطلقات هن اللائي يئسن من المحيض أي انقطع عنهن المحيض لعامل التقدم في السن. والنوع الثاني من النساء، يبدو أن ثمة إحتمالين الأول أنهن اللائي لديهن استحاضة دائمة ولذلك استعمل القرآن حرف ( لم ) ولم يستخدم حرف ( لا ) والفرق بين الجزم والنفي معروف، فقال:( واللائي لم يحضن )، لآن الاستحاضة لا تعد حيضة والمستحاضة هي التي لا يستقيم لها الحيض أي بدون انضباط في التوقيت وعدد المرات في الشهر والأشهر، هذا الاحتمال الأول. أما الأحتمال الثاني في الآية( واللائي لم يحضن ) يعني اللائي لا يأتهن الحيض أبدا، أو يأتهن في العام مرة، وقديما كانوا يسمون المرأة التي لديها هذه الحالة بالضهياء أو المرأة الضهياء. وأحسب أن الناظر في قصدية نزول الآية في إطار اعتبار سياقها وسباقها ولحاقها يجد أنها قصدت بالأصالة تقريرعدة المطلقة بغية تحقيق إبراء الرحم وظهور عدم اشتغال الرحم بجنين من الرجل المطلق تمهيدا للمطلقة من فتح بيت جديد. أما النوع الثالث والأخير وهو المرأة الحامل المطلقة فعدتهن أن يضعن حملهن.

النقطة الثالثة: أصحاب المدونات وانتهاك حقوق الطفل.
على أساس روايات المحدثين كالبخاري وغيره التي تنافي الحقيقة التاريخية لعمر زواج رسول الله بعائشة تم بناء سلطة تشرعية ثالثة بعد اعتماد اسانيد الرواية والاعتداء على آية الطلاق، فلم يكن أمام تكميل مصادر التشريع إلا استصدار صك سلطة الإجماع من قبل الفقهاء والأئمة، وبالفعل تم إصدار السلطة الثالث بناء على روايات أصحاب المدونات حيث انعقد اجماع الآئمة على جواز نكاح الصغيرة ولو كانت في المهد. فقد ذكر الحافظ ابن حجر عن الحافظ ابن بطال أبو الحسن علي شارح البخاري والمتوفى 449 قوله: قال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعا ولو كانت في المهد، لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء.(فتح الباري بشرح صحيح البخاري) أي يحل له التمتع بهذه الطفلة التي في المهد بالتقبيل والضم والتفخيذ ولكن دون الجماع أي الإيلاج وذلك لعدم تحملها فقط !!

بل الأدهى من ذلك أن ينعقد إجماع الأئمة على إكراه الصغيرة وأغتصابها من قبل الزوج الكفء !! قال ابن المنذر صاحب مراتب الاجماع: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم، أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز، إذا زوجها من كفء، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها.(المغني لابن قدامة، كتاب النكاح)
وقد سبق هؤلاء الحفاظ الحافظ أبو جعفر بن أبي شيبة صاحب المصنف المتوفى(297) حين ذكر( ما قالوا في الرجل يزوج الصبية أو يتزوجها) ثم قال أن النبي بنى بعائشة وهي ابنة تسع ومات عنها وهي ابنة ثمان عشرة. وقال حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام عن أبيه أن الزبير زوج ابنة له صغيرة حين نفست يعني حين ولدت.(كتاب النكاح:المصنف في الأحاديث والآثار) وهكذا توالت كتب الأحاديث والآثار على تبويب الأبواب الفقهية تحت العنوان( إنكاح الرجل ولده الصغار) ( باب تزويج الصغار ) وهكذا دواليك !!

والطامة الكبرى أن يفتى بعض الحفاظ بجوز الاستمناء بيد الطفلة الصغيرة كما قال أحمد ابن حنبل وابن القيم، فقد ذكر ابن القيم في معرض حديثه عن الاستمناء في رمضان بالنسبة للصائم:... روي عن أحمد في رجل خاف أن تنشق مثانته من الشبق أو تنشق لحبس الماء في زمن رمضان، يستخرج الماء و لم يذكر بأى شئ يستخرجه، وعندي أنه يستخرجه بما لا يفسد صوم غيره، كاستمنائه بيده، أو ببدن زوجته، أو أمته غير الصائمة، فإن كان له أمة طفلة أو صغيرة استمنى بيدها وكذلك الكافرة،ويجوز وطئها فيما دون الفرج... .(بدائع الفوائد لابن القيم) ما هذا الشذوذ الجنسي ...تستمنى له طفلة وهو صائم في شهر رمضان !!

ويبدو أن الاجماع السني وهذا التوجه الجنسي الشاذ مع الأطفال يتناغم مع المذهب الشيعة من حيث جواز التمتع بالرضيعة ولكن لا يجوز وطئها قبل إكمال تسع سنين، فقد جاء في كتاب تحرير الوسيلة للخميني( مسألة 12 - لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا. وأمّا سائر الاستمتاعات - كاللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ - فلا بأس بها حتّى في الرضيعة. ولو وطئها قبل التسع ولم يفضها لم يترتّب عليه شي‏ء غير الإثم على الأقوى، وإن أفضاها - بأن جعل مسلكي البول والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحدا - حرم عليه وطؤها أبدا، لكن على الأحوط في الصورة الثانية. وعلى أيّ حال لم تخرج عن زوجيّته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة اُختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها ما دامت حيّةً وإن طلّقها بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة. ويجب عليه دية الإفضاء، وهي دية النفس، فإذا كانت حرّةً فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الّذي استحقّته بالعقد والدخول. ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكنّ الأحوط الإنفاق عليها ما دامت حيّةً وإن كان الأقوى عدم الوجوب.( تحريرالوسيلة، كتاب النكاح) ويبدو أن المذهب الشيعي يعتمد على حزمة من الروايات والاسانيد منسوبة لآل البيت تجيز التمتع بالصغيرة دون الوطء، كما في رواية الصادق أنه قال: إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين.( انظر: وسائل الشيعة)

وهكذا تبدو الطفلة المسلمة في الفكر الديني أسيرت المحددات الثلاثة المدلجة( الكتاب،والروايات،والإجماع ). فتزويجها والتمتع بها وهي طفلة بالأكراه دون وعي ورضى يعني تدميرا لإرادتها وحريتها بل وإنسانيتها جملة والله يقول في الاعتقاد( لا إكراه في الدين) ناهيك عن علاقة زوجية الأصل فيها الرضى والقبول بين زوجين. وللأسف أن هذا الإكراه والإجبار ؛ وإن شئت هذا الاغتصاب، للطفلة هو المقرر عن أهل الرواية والفقه حيث إنعقد إجماعهم على تزويج الصغيرة وإجبار بنت تسع سنن على تحمل الجماع، قال النووي:وأجمع المسلمون على جواز تزويجه-الأب- بنته البكر الصغيرة وإذا بلغت فلا خيار لها في فسخه عند مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز.ثم قال: وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بـها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسن، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيه لمن لم تطقه وقد بلغت تسعا .(صحيح مسلم شرح النووي، كتاب النكاح، باب تزويج الآب البكر الصغيرة) وقد سبق ذكر الإجماع الذي ذكره ابن المنذر الإجماع حين قال: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم، أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز...ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها.(المغني لابن قدامة، كتاب النكاح)

ولا يخفى أن مصطلح الإكراه أي أكراه الطفلة على الزواج وممارسة الجنس معها من قبل رجل تكرهه ودون رضاها يساوي مفهوم الاغتصاب بكل دلالاته ومآلاته. علما بأن مصطلح الاغتصاب في المواثيق الدولية يعد مصطلحا قانونيا وليس وصفا لحالة معينة، فلا يوجد تعريف واضح ودقيق للاغتصاب وإنما يعرف عموما بأنه حالة التحرش والتلاصق باعضاء الجنس سواء اقترن ذلك بإيلاج القضيب في المهبل أم لا، وسواء اقترن باستخدام القوة أو التهديد أم لا، وذلك دون موافقة الأنثى ورضاها، وكذلك إذا كانت الضحية قاصرا تحت سن السادسة عشر.وانطلاقا من هذا المفهوم العام المتعارف عليه عالميا، فإن اتصال الزوج جنسيا بزوجته دون رضاها وموافقتها يعتبر اغتصاب..(انظر تعريف الاغتصاب د. لفتية السبع )
فلك أن تصور نفسية طفلة صغيرة يطلب منها أن تقبض بيدها البريئة على قضيب رجل منتصب يمارس معها الجنس حتى يقضي شهوته، كما قال ابن القيم: فإن كان له أمة طفلة صغيرة استمنى بيدها!! ولك أن تتخيل نفسية طفلة رضيعة يوضع بين فخذيها قضيب رجل ويمارس معها كل مقدمات الوطء، كما قال الخميني: وأمّا سائر الاستمتاعات - كاللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ - فلا بأس بها حتّى في الرضيعة؟!! فبالله عليك ماذا يرجو من طفلة اغتصبت بهذه البشاعة وقد دمرت نفسيتها تماما، ناهيك عن الأضرار الجسمية التي لحقت بها جراء تلك الاغتصابات المتكررة ؟!
النقطة الرابعة: القانون وحماية الأطفالنا من رجل الدين:
يبدو أنه لا سبيل لدينا لمحاكمة الأسلاف أصحاب المدونات محاكمة قانوينة وحقوقية فيما قدموه من روايات وإجماعات ساهمت بصورة فعلية في انتهاكات حقوق الطفل وتدمير حياته عبر الماضي والحاضر،ولكن لدينا فرصة متاحة لمحاكمة تلك المدونات والإجماعات محاكمة معرفية وقانوينة، فالمحاكمة المعرفية؛ مراجعة ونقد وفرز وتصفية هذه المدونات والمصنفات. والمحاكمة القانونية؛ تكمن في إصدار قوانين تمنع من إعادة طباعتها وتداولها خاصة في المواقع المؤثرة كالجامعات والمعاهد والإذاعة والتلفزيون، كذلك ينبغي منع الإفتاء ونقل هذه الروايات والاجماعات الباطلة للجمهور المدلج، وأيضا منع رجل الدين من عقد عقود النكاح على القاصرات لآن ذلك يعني ممارسة الأغتصاب بسم الدين وهو ضرب من ضروب وأد البنات المعاصر.

وأحسب أننا بهذا الإجراءات القانونية نستطع أن نحمي أطفالنا من هكذا انتهاكات، ويتاح للعقلاء من قراءة قيم الوحي وقصديته عبر قراءة سهمية تسهم بصورة ما في تسجيل حضور فاعل بقيم الوحي من خلال الاتفاق مع ما قدمته الحضارة الانسانية القائمة، حيث اتفقت المؤسسات الدولية الانسانية ضرورة حماية الطفل فقد تم توقيع ميثاق حقوق الطفل العالمي والتي تتمحور حول حقوقه واحتياجاته منذ الولادة حتى السن الثامن عشر، من حيث حقه في البقاء،والتطور والنمو إلى أقصى حد، والحماية من التأثيرات المضرة، وسوء المعاملة والاستغلال والأغتصاب، والمشاركة الكاملة في الأسرة، وفي الحياة الثقافية والاجتماعية، كذلك حقوقه الصحية والتعليمية والخدمية والمدنية والقانونية المتعلقة بالطفل وحمايته.

ودمتم بخير