مقاربة نقدية لحديث (خير القرون قرني) (5)


عبدالحكيم الفيتوري
الحوار المتمدن - العدد: 2956 - 2010 / 3 / 26 - 12:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

رابعا: مقاربة لمعركة الجمل:

بإيجاز وقعت معركة الجمل عام 36 هجريا بالبصرة، فبعد مقتل عثمان بن عفان تم بيعة علي ابن أبي طالب من قبل أهل المدينة والكوفة والحجاز دون أهل الشام وما حولها حيث كانت قيادة الشام بزمام معاوية بن أبي سفيان، كذلك هنالك رفض لبيعة علي من قبل قيادات أهل المدينة والحجاز من أمثال عائشة وطلحة والزبير من الذين ألقوا باللوم على علي واتهموه بطريقة ما بالتواطىء بحماية قتلة عثمان والذين كانوا يشكلون قيادات جيش علي ابن أبي طالب من أمثال ابن الاشتر، والبلوي ، ومحمد ابن أبي بكر، وعمار ابن ياسر، عبدالله بن بديل الخزاعي وأخوه عبدالرحمن،وحكيم بن جبلة، وجبلة بن عمرو الساعدي.

انتهت معركة الجمل بقتل اعداد هائلة من كلا الطرفين تحكي بعض الروايات أن عدد القتلى من الصحابة وكبار التابعين بلغ عشرة ألف، وفي رواية سبعة عشر ألفا.علما بأن قراءة حجم خسائر معركة الجمل في إطار النسبة والتناسب من العدد الاجمالي للصحابة يشير إلى وقوع مذبحة كبيرة بكل المقائيس، فقد ذكر ابن الصلاح أن عدد الصحابة مائة ألف بين رجل وامرأة، فقال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة وكل قد روى عنه سماعاً أو رؤية. (مقدمة ابن الصلاح)


خامسا: مقاربة لأثار معركة الجمل:

مهدت معركة الجمل التي استباح فيها الضمير الديني قتل بعضهم البعض بمعارك ضارية بين المسلمين أودت بأرواح هائل، فبعد انتهاء معركة الجمل مع الحجازين كانت معركة صفين بين جيش علي وجيش معاوية من الشامين ومن اتباعه، وكانت في عام 39 هجريا، فعلي يطالب معاوية بالبيعة، فيما طالب معاوية عليا بالقصاص من قتلة عثمان، ولما تقابل الجيشان وتقاتلا خسر الطرفان ما يقرب من سبعين ألف من المسلمين المغرر بهم أو السذج.

وانتهت هذه المذبحة بدرامة سياسية تسمى في مدونات التاريخ بعملية التحكيم بين الجيشين، والتي اسفرت على انشقاقت داخل جيش علي ابن أبي طالب حيث خرجت طائفة عليه بعد عملية التحكيم وكفرته ورأت وجوب الخروج عليه وقتاله، وبالفعل درات معركة بين جيش علي والمنشقين في معركة شهيرة سميت بمعركة النهروان والتي قتل فيها الكثير من المسلمين من كلا الطرفين. وبعد أن حطت معركة النهروان رحاها اجتمع ثلاثة رجال من قواد جيش علي السابقين الذين قادوا حركة التمرد والخروج عليه، وهم عبدالرحمن بن ملجم، والحرث بن عبدالله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي، حيث قرر هؤلاء ضرورة التخلص من رؤوس الفتنة في نظرهم ( علي، معاوية، ابن العاص) وذلك بالتصفية الجسدية، وبالفعل تم أغتيال علي بن أبي طالب في المسجد وقت صلاة الفجر على يد ابن ملجم وفشل الأخران في الوصول إلى معاوية وابن العاص للاجراءات الأمنية المحيطة بهما. علما بأن هؤلاء الثلاثة الذين دبروا عمليات تصفيه الصحابة الثلاثة ( علي ، معاوية ، ابن العاص) كانت تظهر عليهم سمات الصلاح والتقوى والعبادة ومنهم من كان حافظا للقرآن كما جاء في ترجمة بن ملجم، ولكن لا سمات الصلاح منعتهم من قتل المسلم ولا حفظ القرآن زجرهم عن إراقة دم معصوم!!


وبعد تلك الدوامة والمعارك الضارية والقتل والتشريد بين الصحابة والتابعين استقر أمر السلطة والخلافة لمعاوية، ولكن ما لبث غير بعيد حتى قرب أجله فأوصى بالبيعة لابنه يزيد بن معاوية وتقرير مبدأ الوراثة في السلطة السياسية، فكانت بداية شرارة دموية جديدة، فقد كان خروج الحسين بن علي ابن أبي طالب ومذبحة كربلاء الشهيرة والتي راح ضحيتها حفيد رسول الله الحسين وجمع غفير من آل بيت رسول الله ومن عامة المسلمين، حيث وقعت هذه المذبحة في عام (61هـ) في عهد يزيد ابن معاوية الأموي في أرض العراق وكان ذلك في زمن ولاية الأموي عبيد الله بن زياد للكوفة والبصرة.

وقد صور ابن كثير في البداية والنهاية مشاهد مقتل الحسين وما دار على أرض كربلاء من جريمة بشعة لا تمت إلى دين ولا إلى انسانية سوية بشيء. فبعد سرد طويل لوقائع تلك الاحداث الأليمة قال ابن كثير :... لما كان من الغد قدم عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف، وكان قد جهّزه ابن زياد في هؤلاء إلى الديلم، وخيم بظاهر الكوفة، فلما قدم عليهم أمر الحسين قال له‏:‏ سر إليه، فإذا فرغت منه فسر إلى الديلم، فاستعفاه عمر بن سعد من ذلك‏.‏ فقال له ابن زياد‏:‏ إن شئت عفيتك وعزلتك عن ولاية هذه البلاد التي قد استنبتك عليها‏‏.‏ وبعد مشورة قال عمر بن سعد‏:‏ إني أفعل إن شاء الله تعالى....ولما بلغ عمر بن سعد ابن أبي وقاص مكان الحسين وجماعته كتب إليه ابن زياد أن حل بينهم وبين الماء كما فعل بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وأعرض على الحسين أن يبايع هو ومن معه لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فإذا فعلوا ذلك رأينا رأينا‏.‏ وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين من الماء، وعلى سرية منهم عمرو بن الحجاج، فدعا عليهم بالعطش فمات هذا الرجل من شدة العطش‏.‏

فقال لهم الحر بن يزيد‏:‏ ويحكم منعتم الحسين ونساءه وبناته الماء الفرات الذي يشرب منه اليهود والنصارى، ويتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، فهو كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً‏.‏

ولما تلكأ عمر بن سعد في قتال الحسين كتب إليه ابن زياد يتهدده على توانيه في قتال الحسين، وأمر شمر بن ذي الجوشن إن لم يجئ بالحسين إليه أن يقاتله ومن معه.... فقال له عمر لشمر‏:‏ لا ولا كرامة لك ‏!‏ أنا أتولى ذلك‏.‏ وجعله على الرجالة ونهضوا إليهم عشية يوم الخميس التاسع من المحرم، فقام شمر بن ذي الجوشن، فقال‏:‏ أين بنو أختنا‏؟‏

وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله، وخطب أصحابه في أول الليل، وقال لأصحابه‏:‏ من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فإن القوم إنما يريدونني‏.‏ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يدنوا بيوتهم بعضاً من بعض حتى تدخل الأطناب بعضها في بعض، وأن لا يجعلوا للعدو مخلصاً إليهم إلا من جهة واحدة، وتكون البيوت عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن ورائهم‏.‏ وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم، عليها عزرة بن قيس الأحمسي.

فلما صلى عمر بن سعد الصبح بأصحابه يوم الجمعة‏.‏ وقيل‏:‏ يوم السبت -وكان يوم عاشوراء - انتصب للقتال‏.‏ ‏وصلى الحسين أيضاً بأصحابه وهم اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، ثم انصرف فصفّهم فجعل على ميمنته زهير بن القين، وعلى الميسرة حبيب بن المطهر، وأعطى رايته العباس بن علي أخاه، وجعلوا البيوت بما فيها من الحرم وراء ظهورهم‏.‏

وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن - واسم ذي الجوشن شرحبيل بن الأعور بن عمرو بن معاوية من بني الضباب بن كلاب - وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجالة شبيث بن ربعي‏.‏

وأعطى الراية لوردان مولاه، وتواقف الناس في ذلك الموضع‏.‏ ثم ركب الحسين على فرسه وأخذ مصحفاً فوضعه بين يديه، ثم استقبل القوم رافعاً يديه يدعو بما تقدم ذكره‏:‏ اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة إلى آخره‏.‏ قال‏:‏ فتقدم عمر بن سعد وقال لمولاه‏:‏ يا دريد أدن رايتك، فأدناها، ثم شمر عمر عن ساعده ورمى بسهم وقال‏:‏ اشهدوا أني أول من رمى القوم‏.‏ فقال الحسين: هل يصلح لكم قتال مثلي، وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري‏؟‏ وعلي أبي، وجعفر ذو الجناحين عمي، وحمزة سيد الشهداء عم أبي‏؟‏ وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأخي‏:‏ ‏‏هذان سيدا شباب أهل الجنة‏.

وجاء شمر بن ذي الجوشن قبحه الله إلى فسطاط الحسين فطعنه برمحه - يعني‏:‏ الفسطاط - وقال‏:‏ إيتوني بالنار لأحرقه على من فيه، فصاحت النسوة وخرجن منه‏. فحملت الرجال من كل جانب على الحسين، وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه اليسرى، وضرب على عاتقه، ثم انصرفوا عنه وهو ينوء ويكبو، ثم جاء إليه سنان بن أبي عمرو بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع، ثم نزل فذبحه وحز رأسه، ثم دفع رأسه إلى خولي بن يزيد‏.‏ وقيل‏:‏ إن الذي قتله شمر بن ذي الجوشن‏.‏ وقيل‏:‏ رجل من مذحج‏.‏ وقيل‏:‏ عمرو بن سعد بن أبي وقاص، وليس بشيء، وإنما كان عمر أمير السرية التي قتلت الحسين فقط‏.‏ والأول أشهر‏.‏ قال‏:‏ ودنا عمر بن سعد من الحسين، فقالت له زينب‏:‏ يا عمر أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر‏؟‏ فبكى وصرف وجهه عنها‏.‏

وعن الحسن البصري أنه قال‏:‏ قتل مع الحسين ستة عشر رجلاً كلهم من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذٍ لهم شبه‏.‏ وقال غيره‏:‏ قتل معه من ولده إخوته، وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلاً‏.‏ فمن أولاد علي رضي الله عنه‏:‏ جعفر، والحسين، والعباس، ومحمد، وعثمان، وأبو بكر‏. وممن قتل مع الحسين بكربلاء، أخوه من الرضاعة عبد الله بن بقطر، وقد قيل‏:‏ إنه قتل قبل ذلك حيث بعث معه كتاباً إلى أهل الكوفة، فحمل إلى ابن زياد فقتله، وقتل من أهل الكوفة من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلاً سوى الجرحى، فصلى عليهم عمر بن سعد ودفنهم‏.‏

ويقال‏:‏ إن عمر بن سعد أمر عشرة فرسان فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتى ألصقوه بالأرض يوم المعركة، وأمر برأسه أن يحمل من يومه إلى ابن زياد مع خولي بن يزيد الأصبحي، فلما انتهى به إلى القصر وجده مغلقاً، فرجع به إلى منزله فوضعه تحت إجانة، وقال لامرأته نوار بنت مالك‏:‏ جئتك بعز الدهر‏. ويقال‏:‏ إنه كان معه رؤوس بقية أصحابه، وهو المشهور، ومجموعها اثنان وسبعون رأساً، وذلك أنه ما قتل قتيل إلا احتزوا رأسه وحملوه إلى ابن زياد، ثم بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسين، ثنا جرير، عن محمد، عن أنس قال‏:‏ أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعل في طست فجعل ينكت عليه، وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس‏:‏ إنه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوباً بالوشمة‏‏.‏ (انظر: البداية والنهاية لابن كثير، المجلد الثامن، النص منقول بتصرف نظرا لطوله، كذلك يمكنك مراجعة سير اعلام النبلاء ترجمة مقتل الحسين)

وبهذه المعارك والمذابح والقتل والتمثيل والتشريد بين الصحابة وكبار التابعين تصبح مقولة أفضلية القرون الثلاثة ونظرية حتمية التدهور التاريخي محل نظر ونقد، وقد وصف ابن تيمية مقتل عثمان ومعركة كربلاء ومقتل الحسن من أعظم أسباب الفتن في الأمة، فقال: وكان قتله من المصائب العظيمة؛ فإن قتل الحسين، وقتل عثمان قبله: كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة وقتلتهما من شرار الخلق عند الله. (مجموع الفتاوى المجلد الثالث)