صناعة المعجزة عند الرواة (3)


عبدالحكيم الفيتوري
الحوار المتمدن - العدد: 3169 - 2010 / 10 / 29 - 15:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

صناعة المعجزة عند الرواة (3)

أثر البيئة في إنتاج كتب دلائل النبوة

يبدو من عرض اسماء كتب دلائل النبوة وتاريخية تصنيفها واسماء مصنيفها، أنها كانت أجوبة على أسئلة طرحت على رجال الدين من أطراف متنوعة داخل الاطار الاسلامي سواء من المؤمنين الجدد أو من الكتابيين الذي يقطنون ديار الاسلام فحوى تلك الاسئلة تدور على مدى صدقية نبوة النبي، وحجم دلائل نبوته الحسية كما هو معروف في تاريخ الأنبياء والمرسلين، فكانت أجوبة رجال الدين في ذكر دلائل نبوة النبي تختلف وتزيد وتنقص بحسب ظروف السائل من ناحية الجغرافيا والتاريخ والبيئة الدينية والعرفية (=السياق والمساق)، اشبه حالا بتنوع الآيات التي رافقت رسل الله لتدعيم مواقفهم من طالبي المعجزات والبراهين من بني قومهم، حيث روعي في تلك المعجزات والدلائل اعتبار البيئات وتنوع الثقافات، كما حصل مع موسى حين أرسل في بيئة السحر، أو مع عيسى في بيئة الطب وطلب الشفاء، أو مع محمد في بيئة الشعر واللغة.

فمثلا من أوئل من صنف في دلائل النبوة، هو علي بن ربن الطبري، ولد بمدينة طبرستان عام (193هـ) وتوفى سنة (247هـ)، كان يهوديا ثم اسلم، فقد كتب كتابه ( الدين والدولة في إثبات نبوة محمد) حيث ذكر فيه جملة من المعجزات والخوارق التي تنسجم والاطار الزماني ( القرن الثاني)، والاطار المكاني ( طبرستان )، والخلفية الثقافية ( كان يهوديا سابقا)، علما بأن ما ذكره من معجزات للنبي كانت معلومة ومن معتقدات الديانات السابقة القاطنة في تلك الجهات؛ كالديانة الموسوية والعيسوية والمانوية والزرادشتية.ولعل موقع طبرستان الجغرافي؛ وهي تقع جنوب بحر قزوين في محيط دولة أذربيجان الحالية مما يشير إلى سطوة الاسطورة وتقديس الاشخاص. واللافت للنظر أن ما قدمه ابن ربن الطبرى من دلائل أصبحت بمثابة نقطة ارتكاز لمن صنف بعده في دلائل النبوة. ثم توالت مصنفات دلائل النبوة على حسب الجهة ومعتقدات المسلمين الجدد، فصنف الجوزجاني الافغاني المتوفى (259هـ) نزيل دمشق، كتابه (أمارات النبوة). قال عنه الدار قطني: كان من الحفاظ المصنفين. ثم صنف أبو زرعة الرازي الخراساني المتوفى( 264هـ) مصنفه (دلائل النبوة). وهناك في المغرب صنف سليمان أبي عصفور المتوفى (269هـ) مصنفة (أعلام النبوة). وفي اصفهان صنف ابو دواد بن علي الاصفهاني المتوفى (270هـ) مصنفة (أعلام النبوة). في سجتان صنف أبو داود السجستاني المحدث المتوفى (275هـ) كتابه (أعلام النبوة). وفي فرياب من أرض الأفغان صنف أبوبكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي، المتوفى سنة (301 هـ) (دلائل النبوة). وفي تونس صنف أبو جعفر القصري المتوفى (322هـ) كتابه ( المعجزات أو تجديد الإيمان وشرائع الإسلام) قال فيه: ربما انتبهت من النوم فأرى نورا من السماء ينزل على كتاب المعجزات!!

وفي مدينة سامرة اليهودية بفلسطين صنف محمد بن جعفر الخرائطي المتوفى (327هـ) كتابه (هواتف الجان وعجيب ما يحكى عن الكهان ممن بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم بواضح البرهان)، وهو من جملة مصادر ابن حجر في كتابه الاصابة. قال في مقدمة هواتف الجان: ... وهواتف الجان تحصل لكثير من الناس في الجاهلية والإسلام قديماً وحديثا في بقاع الدنيا، وهذا أمر اشتهر بين الناس وذاع، فكل من كتب في التاريخ القديم والسيرة النبوية والدلائل يعقد فصلا لهواتف الجان). ويبدو عملية الاعتماد على هواتف الجان في التأليف كان لها سوق رائجة في ذلك الزمان، حيث صنف ابن أبي الدنيا كتابا بعنوان( الهواتف)،و( هواتف الجنان).

وفي روسيا الحالية بالتحديد في مدينة نيسابور صنف أبو عبدالله الحاكم صاحب المستدرك(ت 405هـ) كتابا في المعجزات اسمه ( الإكليل في دلائل النبوة )، ويبدو أن مادة دلائل النبوة كان لها سوق نافقة خاصة في تلك المناطق، حيث كتب أبو سعد الخركوشي النيسابوري الواعظ المتوفى(407هـ) كتابه (شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم)، ويقال أن القاضي عياض في كتابه الشفا اختصره لطوله.وفي أرض إيران من مدينة الأهواز كتب عبدالله بن محمد بن أبي علان قاضي الاهواز المتوفى (409هـ) كتابا اسمه (معجزات النبي)،جمع فيه قرابة من ألف معجزة. وبعد النيسابوري الواعظ ألف الاصفهاني أبو نعيم المتوفى(430هـ) كتابه الضخم في معجزات الرسول بطريقة الاسانيد والرواية، وذلك في كتاب (دلائل النبوة). قال عنه ابن كثير( هو كتاب حافل في ثلاث مجلدات). ذكر فيه بشارات الكتب السابقة، وهواتف الجان، وأخبار الكهان بنبوة النبي، كذلك شكوى البهائم للنبي، وحنين الجمادات كالحجر والشجر، ثم عقد بابا في المقارنة بين معجزات النبي وسائر الانبياء قبله. وفي مدينة نسف أحدى ضواحي سمرقند صنف أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري النسفي المتوفى( 432هـ) كتابه ( دلائل النبوة)، وكان يعد محدث ما وراء النهر في زمانه. وفي خراسان صنف الهروي أبو ذر عبد بن أحمد المتوفى( 435هـ) كتابه (دلائل النبوة).

وفي بيهق إحدى نواحي نيسابور صنف أبو بكر أحمد البيهقي المتوفى( 458هـ) كتابه الشهير (دلائل النبوة وأحوال صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم) في سبع مجلدات، حيث أكد في كتابه على دلائل النبوة بذكر معجزات النبي وخوارق العادات التي جرت إلى يديه قبل مولده وقبل الوحي، وبعد النبوة. وصار كتاب البيهقي مرجعا لكثير ممن صنف في السيرة النبوية.قال عنه السبكي: وأما كتاب الاعتقاد وكتاب دلائل النبوة وكتاب شعب الإيمان وكتاب مناقب الشافعي وكتاب الدعوات الكبير فأقسم ما لواحد منها نظير. وقال عنه الذهبي: فعليك يا أخي بكتاب دلائل النبوة للبيهقي فإنه شفاء لما في الصدور وهدى و نور.

ثم صنف القاضي عياض المتوفى (544هـ ) كتابه الشهير ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى) الذي جمع فيه ما كتبه الخراسانيون، والسمرقنديون، والنيسابوريون، والبيهقيون، والنسفيون، والاصفهانيون، والاهوازيون من معجزات وخوارق العادات بطريقة الاسطورة والخيال بحسب بيئات تلك المنطقة التي كانت تؤمن بالخرافة والاسطورة وإضافة القداسة والمبالغة على أصحاب الاعتقادات المانوية والزداشتية وغيرها. ونقف برهة عند كتاب القاضي عياض( الشفا) لسببين، السبب الأول: اعتماد المتأخرين كابن تيمية، وابن القيم ومن جاء بعدهما على مسائل تكفير المخالف على ما ورد في ثنايا كتاب الشفا. والسبب الثاني: قبول المتأخرين على ما ورد فيه من معجزات وخوارق للعادات. نتجاوز نقد السبب الأول بالتفصيل نظرا لتخصص البحث في قسم المعجزات ودلائل النبوة ونكتفي بالاشارة إلى ما ورد من إجماعات وإتفاقات اعتمد عليها ابن تيمية وغيره من التيار السلفي الحنبلي في القديم والحديث في قضايا التكفير؛ كتكفير من لم يكفر الكافر، وتكفير المخالفين في الملة، وتكفير المخالفين في التصور والمذهب،وقتل ساب الرسول دون ساب الله عز وجل!!

يتبع