العصاب لدى رجال الدين


رندا قسيس
الحوار المتمدن - العدد: 3114 - 2010 / 9 / 3 - 18:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

نلاحظ، مع مرور الزمن، تفاقم الحالة الهستيرية للدين في المجتمعات العربية (مع اختلاف النسبة فيما بينهم، و يعود ذلك بالطبع، إلى اختلاف الهيكلة الاجتماعية و الموروث التاريخي). هذه الهستيريا التي تطال الجماعة و الفرد، فتقوم بحصرهما ضمن إطار سلطوي للدين، لتجعلهما دمى في أيدي رجال الدين، من هنا أجد ان لنا الحق في التساؤل عن السلامة العقلية لهؤلاء و عن إمكانياتهم في تولي القيادة المعنوية و الإرشادية للأفراد و الجماعات، خصوصاً بعد تزايد القنوات الدينية الممولة من هيئات رسمية أو حائزة على دعم حكومي مستتر.

دعونا نقوم بتحليل نفسي لقادة الفكر ذوي التأثير الفعال و المباشر على الأفراد في هذه المجتمعات و المحتكرة (للأسف) على رجال الدين في نطاقها الواسع. و مع الفتاوى الكثيرة التي تخص الجنس بالتحديد، و ذلك تنفيذاً للرغبة الإلهية و طمعاً في جنة قائمة في حد ذاتها على مبدأ الشبق الجنسي، من هنا يحق لنا، أن نستفسر عن هذا الهوس الجنسي ذو الازدواجية المتناقضة، و التي تعكس نوعاً ما حالة عصابية لأفراد المجتمعات الدينية، فنجدهم في حالة تشبث لأخلاقيات جامدة، مع تفاقم الهوس "البورنوغرافي" لديهم، و المترافق مع انخفاض الإنتاج العملي للأفراد، و انعدام الرضا لديهم.
الكثير من سيرجع هذا الأمر إلى المشاكل الاقتصادية و إلى الحكومات القمعية المستهلكة لجهود أفرادها، لكن علينا أن نسلط الضوء على أساس الفكر القمعي، فالحكومات القمعية تستهل قوتها من الأديان، و التي تعكس بشكل قوي رضوخ الطفل لأب متسلط، فالفكر القمعي له ثلاثة أبعاد: الأب السيد و فروعه (الأخوة الذكور المنفذون لسلطة الأب)، الإله الأعظم و الممثل على الأرض من خلال الأديان مع تفويض خاص منه لوكلائه من رجال الدين، و من ثم الحكومات المستبدة المفوضة من قائدها الزعيم.

سأخوض الآن من خلال الاعتماد على التحاليل النفسية لظاهرة رجال الدين و لاستكشاف سر هذا الهوس الجنسي لديهم.
أكدت لنا دراسات اكلينيكية تأثير كبح الغرائز البيولوجية على التحكم بالأفراد من خلال تحويل الطاقة الجنسية إلى طاقة جهد تصب في المصلحة الجماعية، متجاهلة بذلك حاجة الفرد، في محاولة لتعويضه من خلال شعور الانتماء التي تضخه سوية مع شعور الأمان المرافق له، كي تتمكن من قيادته ضمن دائرة تصب في مصلحتها، إلا ان الفكر القمعي عاجز عن إعطاء الأمان لأفراده، لهذا نجد ان الدين يحرص على إعطاء كل شيئ مفقود من خلال جنة خيالية.
نجد ان مفهوم العائلة المتسلطة تحت قيادة الأب تشجع كبح النفس و الحذر من الآخر المختلف، ليتوافق هذا الكبح مع مفهوم الدين في قمع الجنس و تنظيمه ضمن قوانين جامدة، و بذلك يتحول مفهوم السعادة الأولية و التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال إشباع الحاجات البيولوجية و التي تساعد الفرد على النضوج ليحول العملية الجنسية إلى اختيار متبادل للحصول على أعلى درجات اللذة.

من خلال التجارب السريرية ل"فيلهام ريتش"، استطاع تفسير حالة (السادو_مازوشية)، الاغتصاب و حالات كثيرة من العصاب، الناتجة عن ثقافة القمع و التحريم الجنسي للأفراد، ليعتبرها رغبات متحولة عن الرغبات الطبيعية مستمدة من قوانين أخلافية راضخة لذهنية التحريمات.
نجد ان السعادة و الاكتفاء تدفعا الفرد نحو إبداع عملي، و ذلك لا يتحقق إلا بعد تحقيق اللذة الخاضعة لقوانين الطبيعة، و بما ان الأخلاقيات القائمة على مبدأ القمع لا تتناسب مع مبدأ اللذة، فعلى الأفراد التمرد (في البدء) على التشويه النفسي و الجنسي الممارس على الأطفال و المراهقين من خلال الأهل، ليتمردوا بعدها على أخلاقيات رجال الدين، فينتهي الأمر إلى تمرد عام يشمل البناء السياسي، من أجل بناء هيكلة اجتماعية جديدة.

سأتناول بالتحديد رجال الدين، لنتساءل عن تشابه معظم سلوكياتهم و أفكارهم الناتجة عن حالات عصابية، فنجدهم في قمة السادية السلوكية على نسائهم، و في قمة المازوشية لحكوماتهم الراضية عنهم ما دامت مصالحهما متوافقة و هدفهما واحد، و هو رضوخ الأفراد بشكل كامل لهما إما عن طريق القمع و التعنيف الجسدي الممارس (الأسلوب المتبع للحكومات القمعية)، أو عن طريق التعنيف النفسي (من خلال الدين)، فقد وقعا على عقد زواج منفعي بينهما، مع استمرارية حقد كلاهما على الآخر و انتظار الفرصة الملائمة لانقضاض أي منهما على الآخر حين حدوث أي تعارض بينهما، و إذا تمعنا قليلاً بينبوعهما النفسي (للحكومات و لرجال الدين)، نجد ان الطفولة القامعة و الرافضة للاكتفاء الجنسي تحفزان على ظهور بعض من الجينات السلوكية الموروثة، فكما نعلم ان جزءا من السلوك يخضع إلى قاعدة بيولوجية، إلا ان البيئة تلعب دوراً مهماً في انتقاء السلوكيات، و حسب تعبير اختصاصي الأعصاب "جيرالد ادلمان"، البيئة متغيرة و ليست ثابتة، فنراها في انتقاء دائم للسلوكيات المتأقلمة معها.

أي ان المفهوم القمعي يجتذب الأفراد المؤهلين جينياً، ليقوم بتأجيج السلوكيات السادية و تفعيلها من خلال ثقافة عامة، فنجد العلاقة المترابطة ما بين "السوما" أي الجسد و النفس، ولهذا نجد الكثير من العلاجات قائمة على علاج الجسد و العقل معاً، و من بينهما علاج "البيوديناميك" التي أسسته اختصاصية النفس " جيردا بويسون"، المعترف بها من قبل الجمعية الأوروبية للعلاج النفسي.
نعود إلى الرغبة في العنف و الهدم، فنجدها عند "ريتش" و عند بعض اختصاصيي علم النفس و السيكسولوجيا، ناشئة عن رفض لغريزة الجنس ذات الطبيعة المسالمة.
إذاً العنف هو في الأصل وسيلة لتحقيق الرغبات الأساسية في حال عدم الحصول عليها بطريقة سلمية، لتتحول هذه اللذة المسالمة إلى لذة سادية، و التي هي خليط من دوافع جنسية أولية و دوافع هادمة ثانوية، فهي إذاً حالة بيولوجية متحولة تحت تأثير ثقافة البيئة، كما ان للسادية جانب آخر دفاعي ناتج عن قلق عميق يؤدي إلى تأجيجها على الصعيد السلوكي أو الجنسي، و بهكذا يستطيع رجال الدين الشعور باللذة المتحولة عند ممارستهم لانتهاكات عدة على الأفراد، و بالأخص النساء، و ذلك حسب التحليل النفسي، ان القلق الكامن من عقدة الخصي عند الذكور يؤجج السادية لديهم ضد نسائهم.

نعود إلى مفهوم المجتمعات الأبوية، لنجد أيضاً ان عقدة أوديب هي ناتج اجتماعي و ليس بيولوجي، كما أكد لنا "مالينوفسكي" بعد دراسته لقبائل جزر "تروبيريان" ذات النظام الأمومي، ليجد أن أفرادها يتمتعون بحرية جنسية طبيعية، فهم أفراد منظمون، اجتماعيون، قادرون على العمل من دون شكوى، و في نفس الوقت معتمدون على الزواج الأحادي.
أي ان عقدة أوديب ناتجة عن مفهوم سلطوي للأب، و لهذا نستطيع القول أن العلاقة ما بين سلطة الأب ،رجال الدين و السياسة في المجتمعات القمعية، هي علاقة مترابطة فيما بينهم، فسلطة الأب الذكوري مترافقة مع ازدياد سلطة رجال الدين و استبدادية الحكومات.

و بما ان الدين يجتذب هؤلاء الأفراد ذوي الأمراض العصابية، و الأجدر بهم المكوث في بعض المصحات النفسية لعلاج طاقتهم البيو-كهربائية، ربما يستطيعون الوصول إلى النشوة الطبيعية و الكف عن ساديتهم المطروحة خارجاً، لا نستطيع إلا ان نلوم مبادئ هذا الدين المستقطب لهذه الحالات العصابية.