لا حرية لسارقي الحريات


رندا قسيس
الحوار المتمدن - العدد: 2984 - 2010 / 4 / 23 - 12:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كثيراً ما يتشدق المؤمنون بسماحة الههم، فلا يتأخروا عن كيل الاتهامات للاخر المختلف، فنراهم في حالة دائمة من الشكوى، فهم على حسب ادعائهم يعانون من اضطهاد معنوي يمارس عليهم بأبشع الطرق، كحرمانهم من مزاولة حرياتهم الدينية (عند تواجدهم فقط كأقليات في بعض المجتمعات)، و هنا علينا ان نتساءل عن معنى الحرية، فمفردة الحرية بالتحديد لا نراها متواجدة في قاموسهم العقلي، فهم لا يؤمنون الا بفكر واحد احد، غير قابل للنقد او الجدل، كما لا يبخلون ابداً في استخدام جميع المصطلحات لادانة الاخر و تلقيبه القاباً عدة، فيصفون كل من يختلف عنهم (ان كان الاختلاف دينياً، او عقائدياً، او حتى عند تبني الاخر لاخلاقيات اجتماعية مغايرة...) بالمنحرفين و الشاذين عن حقيقتهم الاحادية، فيأخذ (اي المؤمنون) على عاتقهم دور تربيتهم من جديد و ارشادهم الى حقيقتهم الواهية، فنجدهم يبيحون لانفسهم استخدام جميع الوسائل، فهم يحاربون من دون تعب او كلل جميع الضالين عن حقيقتهم، ليمارسون أنواعاً شتى من الاغتصاب.
احياناً يكون الاغتصاب من خلال الهجوم على المواقع و المدونات و الصفحات الالكترونية، و هذا بالطبع يتم في احسن حالات الاغتصاب و ارقاها، و دعونا نلقبها بحالة "الاغتصاب التعبيري"، فهناك عدة انواع من الاغتصاب، نأتي الى النوع الثاني و هو "الاغتصاب اللفظي التعنيفي" اي ارسال الشتائم و التهديدات الى جميع من اراد النقد و التعبير، اما النوع الاخير من الاغتصاب و الذي يبلغ ذروته من العنف، فهو "اغتصاب الحياة" وذلك عن طريق زج الرؤوس، و بعد كل انواع الاغتصاب الممارسة من طرفهم، يأتون شاكين، باكين، متهمين الاخر بعدم احترامه عقائدهم و حرياتهم الشخصية، و هنا يحق لنا التساؤل عن حدود الحريات الشخصية.

نبدأ اولاً بالنظر الى المتشددين في الغرب و المطالبين بحرية تبدأ اولاً بحرية اللباس من برقع الى ازياء تنكرية اخرى لتنتهي ربما يوماً ما للمطالبة بممارسة صلواتهم في منتصف الطرق، و المطالبة باغلاق البارات و منع الكحول و ادانة ممارسة الحب، وذلك كله تحت شعارممارسة الحرية الشخصية، و عدم مس عقائدهم و شعاراتهم، و وجوب احترام مشاعرهم الرقيقة الهشة القابلة للكسر الفوري، فنراهم لا يبخلون علينا ابداً في اعطائنا دروس في الاحترام و مراعاة الاخر، و ذلك كله تحت بند "الحرية الشخصية"، اما هم فلا علاقة لهم في تبني ما يطالبوننا به، لانهم اصحاب الحقيقة و احباء الله، فالههم قد انعم عليهم بنور الفكر و المعرفة، فنراهم في قمة القمع و الاستبداد تجاه الاخر المختلف عندما تتاح لهم الفرصة، فهم في سباق ابدي لخنق اي نفس يحاول التعبير و النقد و ممارسة حقه في الحرية الشخصية المنافية و المغايرة لمعتقداتهم. هنا علينا التوقف لايجاد صيغ جديدة و تعريف الحريات الشخصية و وضع حدود للجميع، فإما ان يتفق الطرفان على حرية الرأي و التعبير من دون اضطهاد اياً منهم، و بما ان الامر مازال وعراً، فعلى المؤمنين اليوم اكتساب ثقافة "قبول الاخر" و السعي نحو النضج الديني، فالاطفال يبكون و يصرخون عند سماعهم ما لا يروق لهم، و هكذ الدينيون يفعلون.
نعم و للاسف، مازال معظم الدينيون يفتقدون الى النضج النفسي، فنراهم يشككون و يخونون كل رأي او نقد، و قبل ان ندافع عن حرياتهم الشخصية، على المؤمنين المعتدلين ادانة ثقافة "قتل الاخر و اباحة دمه" بشكل واضح و صريح من دون نفاق، اي العمل الجدي على الغاء جميع البرامج الدينية المؤججة لهذه الثقافة.

و قبل ان يباشروا من جانبهم بهذا العمل، علينا التساؤل عن موقف البعض من المدافعين عن حقوق المستبدين في ممارسة حرياتهم الدينية المرتكزة على ابادة الاخرو ابادة الحرية بمعناها الجوهري و الفكري و الفعلي... فهناك الكثير ممن يدافع عن مجرمي الحرية مع ادعائه بعدم الموافقة على افعالهم، اعتقد و من وجهة نظري القابلة للتغيير، ان علينا اتخاذ مواقف صريحة و شجاعة خالية من النفاق و المصالح.
.
اعود الى الطرف المتدين و المتشبث بفكره و المؤمن بحقيقة واحدة غير قابلة للهدم و البناء، و المرتكز على قاعدة الاله المستبد، القامع، المجرم في حق البشرية و الكائنات الحية و الطبيعة و الكون، هذا الاله الذي لا يملك الا السيف و الخنجر، اله الجهل، و ينبوع الكراهية في نفوس مؤمنيه، و حباً مني للحياة و الموت و للحرية، ودفاعاً عن الطبيعة و الكائنات اجمعها، لا يحق لاي منا الدفاع عن حريات شخصية لمغتصبي الحرية، و لا يحق لنا ان نعطيهم الحق في استخدام معاييرنا و التي نطمح بتطويرها مع الايام لمعانقة الحياة و الحرية معاً، كي نصل بعدها الى قيم شاملة تصب في معنى الحياة نفسها، اي سعينا تجاه وعي اكبر للامور الخارجية بشكل اكثر حيادية مع تمكننا في وضع نظرتنا "الانوية" جانباً، كي نستطيع التغلغل في الذات للمس الذوات الاخرى، انها رحلة في ثقافة الحياة للتصالح مع الموت من خلال التصالح مع جميع المفردات و المعاني و استخراج التجارب المتراكمة و المختزلة بعبارات و امثال، انها رحلة الكائن الحي في اعماق الطبيعة، رحلة البحث عن حرية تفوق جميع المعايير الالهية، رحلة في عري الذات.

ربما سأكون راديكالية في موقفي، الا انني اعتقد ان للحرية ثمن، و هذا الثمن هو سد الطريق على كل من يريد ان يكبل حركتنا و غلق افواهنا، فهم عبارة عن بشر مبرمجة ملقنة ببعض المعلومات، التي لا تفقه الا الاعادة و التكرار لما هو مغروس في ادمغتها، حالة قطيعية غير قادرة على التفكير، انهم حالة موحدة لا تلائم مسار الطبيعة، فالطبيعة تتمثل بالتنوع و نحن جزء من هذا التنوع، اما هم فليسوا الا طفيليات على الحياة و الطبيعة و الحرية، فبتوحيدهم للحقيقة و المعرفة، وتكريسهم لفكرة الكمال و الفضيلة، انتموا الى قانون الي مجرد من الاكتشاف و التحول، فلا قانون الي في الطبيعة، فالطبيعة متحركة و الحركة بمعناها الفيزيائي هي: الطاقة المتحركة و المنتقلة.

اعتقد ان ما يتوجب علينا فعله الان هو الدفاع عن هذا البحث من خلال تجريد اؤلئك اللذين يحاولون استخدام معاييرنا للقضاء علينا و على الحرية نفسها، و الاتفاق على ان لا حرية معطاة لعبيد الهة الجهل و الخراب.