اثر الفلسفة الصينية على اوروبا الثامن عشر


رندا قسيس
الحوار المتمدن - العدد: 2341 - 2008 / 7 / 13 - 08:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

لا شك ان المجتمعات بكاملها تمر بمراحل عديدة، و تقلبات جذرية، تؤدي الى انعطافات تنتج عنها تغيير في البنى التحتية، هذا التغيير يؤدي الى اكتساب خصائص جديدة تساعد المجتمع على التوسع و التقدم . غالباً ما يرافق هذه المرحلة الانتقالية عثرات هائلة، تأتي غالباً من شريحة تتكون من جماعات دينية موجودة على رأس السلطة، او متعاونة مع نظام مستبد. صحيح ان الظروف التي تساعد على التحول، تختلف من مجتمع الى آخر، لأن لكل مجتمع ظروفه الايدلوجية و الاقتصادية و الاجتماعية، التي تساهم الى حد كبير في التأثير على عملية التحول. لكن القاء الضوء على بعض تجارب بعض الدول و المجتمعات، ودراسة العوامل و الحوافز التي ساهمت في انجاح تجربتهم الانتقالية، تساعدنا نوعاً ما على الاستفادة منها. لننظر مثلاً الى التجربة الاوروبية في القرن الثامن عشر، و لندرس العوامل التي ساعدتهم على التخلص من سيطرة اللاهوتيين، مع العلم ان اوروبا في القرن الثامن عشر، كانت تعاني من اضطهاد لطوائفها الاقلية، و من سيطرة الكنيسة على العلم و الاعلام. فقد كان رجال الدين يرفضون فكرة التسامح مع اي فرد او جماعة تقوم بنقد القوانين و الدين. فنرى استبدادية صموئيل جونسن في تصريحه "ان التعليم الباطل ينبغي قمعه بمجرد ظهوره، و ينبغي ان تتحالف السلطة المدنية مع الكنيسة في عقاب من يجرؤ على مهاجمة الدين المقرر". الا ان ما ساعد على قلب الموازيين انذاك، هو اكتشاف الاوروبيين حضارات اخرى، كحضارة الصين التي كانت تعيش عصرها الذهبي. فجاء فضول السلطات لاستكشاف الحضارة الصينية لجمع اكبر قدر من المعلومات عنها، حيث قامت بعض الحكومات الاوروبية، و لا سيما فرنسا و انكلترا بإرسال بعثات استكشافية من يسوعيين و علماء و رحالة. ساهم هذا الانفتاح على الثقافة و الفلسفة الصينية تقويض العقائد الدينية عند الاوروبيين، فقد اكتشف الغرب يومها نظاماً خلقياً لا يعتمد على دين سماوي. مما اثار فضول بعض الفلاسفة في التمعن بمذهب الكونفوشبة و التاوية، فأثارت هاتين العقيدتين اعجابهما لخلوهما من اي عنصر من عناصر العقيدة، فجاء اعجابهم بكونفوشيوس الذي اضاف الوارع الاخلاقي، و انشأ مذهباً اخلاقياً و اجتماعباً، و فضله على كثير من الممارسات العقائدية القديمة بطرح نظرية الخير و الشر من الجانب الاخلاقي الانساني، و ليس من جانب الخوف من العقاب الاسمى. فكونفوشيوس استطاع قلب الكثير من مفردات لغة الديانة البدائية الى مفردات اخلاقية بحتة، و اقامة شريعة كاملة للاداب الاجتماعية الحسنة، فقد توجه الى الانسان و الى خدمته مع محاولة الوصول الى الانسان الاعلى. هذه الفلسفة اثرت الى حد كبير في الانفلات بشكل نوعي من السلطة اللاهوتية عند الاوروبيين، فجاء اعجاب بعض الفلاسفة بكونفوشيوس، و منهم الفيلسوف الالماني "فولف" الذي كان على استعداد ان يضعه في زمرة القديسين لانه "علم الشعب مبادئ الفضيلة قبل تأسيس المسيحية بخمسمائة سنة". كما نرى تأثير الحضارة الصينية على الادب و المسرح الاوروبي، فظهرت مسرحيات بخلفية صينية على المسرح الانجليزي، كما طور فولتير مسرحيته "يتيم صيني" من دراما صينية، لنرى بعدها وصفه للصين في قاموسه الفلسفي بأنها "اروع ممالك الارض، واقدمها، و اوسعها، و احفلها بالسكان و احسنها تنظيماً". كان هذا على الصعيد الفلسفي و الادبي، اما على صعيد العلم، فقد جاء دور الاكاديميات مكملاً له. و جاء ارتقاء بعض الفلاسفة الى مناصب استراتيجية فيها كمنصب دوكلو، عاملاً مهماً في تغيير المنهج الاكاديمي. كما كان فتح الصالونات، و المقاهي للنقاش نقطة بداية في تحاور الفكر و تطوره. هذه الامور ساهمت الى حد كبير في ازدهار الاعلام، و اصدار المجلات العلمية و الادبية لتساهم في وصول العلم و المعرفة الى الطبقات الوسطى على غرار طبقات الاشراف، لينتج عنها ابتعاد الناس عن الخرافات الدينية و السحر. اما نمو العلم فقد كان العامل الرئيسي في تفتح العقول و فهم الامور الغامضة، فظهرت الالة التي ساعدت على الانتقال من مجتمع زراعي الى مجتمع صناعي. هذا التحول نتج عنه ولادة افكار جديدة، كولادة الليبرالية في انكلترا و فرنسا، فكان ظهور الاحزاب، و منها الحزب الكاثوليكي الاجتماعي في بداية القرن التاسع، الذي اهتم بشؤون العامل حيث قام ارباب العمل بوضع خدمات عديدة كصندوق التوفير، و المدارس.....الخ. بدأ اهتمام الاحزاب بالعامل و سعي هذه الاحزاب الى تحسين معيشته، فجاء التفكير الاشتراكي مع اوائل المفكرين الذين كانوا من طبقات برجوازية و نبيلة، فهم من انتفضوا ضد استغلال الكتلة العاملة من قبل الرأسمالية، فنادوا الطبقة الكادحة للسيطرة على السلطة. لنلاحظ اخيراً دور الطبقات البرجوازية الذي لعب دور المحرك الرئيسي للانتقال النوعي، كما نلاحظ دور بعض النبلاء في خلق افكار ثورية فلسفية على مر العصور. الا اننا اذا امعنا النظر في دور البرجوازية العربية حالياً، نرى الاثر السلبي الذي تتركه على مجتمعاتها، فهي تتسم بالقصور الفكري، لتركز جميع قدراتها المحدودة على جمع المال بطرق ملتوية.