الدين، وجه آخر للخرافة


رندا قسيس
الحوار المتمدن - العدد: 2924 - 2010 / 2 / 22 - 23:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

نتشدق كثيراً بالكلام عن الخرافة و السخرية منها و كأنها اصبحت من ذكريات الماضي، فكثير منا لا يعي وجود الخرافة حوله و استحوازها على ممارساته اليومية و ذلك يعود بالطبع الى ارتداء الخرافة زياً دينياً، فقد حافظ الدين عليها بل حولها الى بعض من اعاجيبه الالهية.
الا انه علينا ذكر افضال الخرافة على المجتمعات في مرحلة ماضية، فقد ساهمت الى حد كبير في تطوير مفاهيم تتعلق بادارة المجتمع و خاصة بما يتعلق باحترام الملكية الخاصة، فقد اسست لتنظيم الجماعة و الاسرة، فكانت المحرك الاساسي و الدافع في تقييد الانسان بقوانين جماعية، مع العلم ان الخرافة قد فتكت باشخاص كثر. و من الخرافة ظهرت الاساطير و المحرمات و الاديان فمنها ولد الاله و ترعرع على اسسها، لتتأقلم الالهة و قوانينها مع عادات الشعوب كما حصل في المسيحية على سبيل المثال عند اعتناق الرومان لها، فميلاد المسيح هو احتفال وثني بميلاد الشمس، لتقرر الكنسية فيما بعد الاحتفاظ به كميلاد له، و نجد ايضا تشابه طقوس عيد الفصح مع طقوس ادونيس، كما ان هناك الكثير من الاحتفالات المسيحية المستمدة من الوثنية.
سأتطرق الى صورة العذراء في الدين المسيحي الحاملة لطفلها من دون اي اتصال جسدي مباشر، لنجد مبدأ الحمل من دون ربطه بالرجل عند قبائل " البانجاداس"، و ذلك لجهلهم في ذلك الوقت بعلاقة الرجل بتلقيح البويضة و ظنهم ايضاً بتكاثر الحيوانات و النباتات من خلالنا، حيث كان الاعتقاد السائد ان لحظة حصول الحمل مترافقة بشعور ينتاب المرأة عند احساسها بارتعاش في الثدي، فكان عليها ان تستذكر في تلك اللحظة عما اكلته او رأته او فكرت به كنبات او حيوان كي يتم اعطاء الطفل لاحقاً طوطمه و لهذا يعتقد ان الخرافة البدائية هي اصل الطوطم على حسب ما شرح "فريدزر"، اذاً نرى ان فكرة الحمل من دون رجل قد تواجدت عند الكثير من القبائل الا ان المرحلة الروحانية التي تبعتها، اضفت عليها بعداً عجائبياً و هذا ما نراه في اعجوبة العذراء.
لا تحتكر الخرافة ديناً واحداً بل تمتد الى جميع الاديان، الا انني تطرقت قليلاً الى الدين المسيحي و ذلك خشيةً من الحساسية المفرطة الموجودة عند المسلمين و خشيةً من اتهامي بالعدوانية ضد اليهود في حال تطرقي الى الخرافات المتواجدة عندهم، لهذا رأيت انه من الاسلم ان اعطي الامثلة عن دين لا يملك اليوم اية سلطة سياسية او قانونية كما ان عدم شعور مؤمنيه بالاضطهاد يسهل عملية النقد لتوضيح مدى تشعب الخرافة بالدين.
نلاحظ ان جميع الاديان استلهمت قوانينها و فروضها من معتقدات قديمة لاستحالة نسف كل ما تؤمن به الجماعة من قبل، فنرى ان كل دين يعكس عقلية و ثقافة و اخلاق جماعته المؤسسة على تلك العملية التاريخية المعقدة المازجة لمؤثرات محيطية و مناخية، و كما قال "ويل ديورانت" " يدعم الدين الاخلاق بوسيلتين اساسيتين و هما:الاساطير و المحرمات، فالاساطير تخلق العقيدة فيما وراء الطبيعة". اذاً في كل قانون و معتقد جديد، نرى شيئاً من الرواسب القديمة للشعوب و من هنا نستطيع استكشاف الماضي البعيد و الوصول الى الحقبات البدائية من خلال العناصر القديمة الموجودة في كل قانون او معتقد.
اعود الى الخرافة و الى القرابين التي قدمت ارضاءً لارواح ظناً بقدرتها على التحكم بالظواهر الطبيعية، اما في مرحلة لاحقة فقد نسبت مسألة التحكم الى الهة قادرة على كل شيئ، حتى اننا نلاحظ انه و ليومنا هذا مازالت الاضاحي تقدم لارضاء اله نهلل له و نلقبه بالاله الاعظم او الاكبر. خشي الانسان البدائي قوى الطبيعة و بعد فشله بالتحكم بها قام بعبادتها لتجنب غضبها، فقدم لها القرابين لتتحول مع مرور الوقت الى الهة، فكان لكل مجتمع رؤيته الخاصة بما يخص الهه. لنرى عند بعض القبائل المكسيكية ذات الديانة (الازتيك) بقيامها بقتل الهها الممثل ببعض الاشخاص بطريقة وحشية ليتم سلخ جلودهم و هم احياء للاحتفاظ بأبديتهم و شبابهم الدائم بعد الموت، اي ان الموت عبارة عن بوابة عبور نحو الخلود.
سعى الانسان، على مر العصور، الى تخليد نفسه خوفاً من الفناء، فسطر ابدية ادم و حواء في سفر التكوين و عكس موته عليهما من خلال حرمانهما للابدية التي وهبها الله لهما اما عقابهما بالموت فاتى نتيجة للخطيئة الاولى العاصية لارادة سيدهم و صانعهم عند تجرئهما في اكتساب المعرفة، فالاله الذي رسمناه و خلقناه لايريد الا عبيداً كي يمارس ممثليه على الارض سطوته، من هنا نجد ان الانسان كان مدركاً في اعماق ذاته لقدرة المعرفة على قتل الاله و الاوهام و الخرافات المرافقة له، الا ان اعدامه للاله يرافقه اعداماً لفكرة الابدية و الخلود التي سعى الانسان البدائي اليها فقد كان رافضاً للموت باحثاً عن ادوات تسمح له بابدية خالدة فكان السحر، و الشعوذة، و التابو و قوانينه للحد من فراق الروح للجسد او لعودة اخرى للروح في حياة ثانية، الا ان عجزه في صنع الابدية جعلته يطرح رغباته الى الخارج و يوكل الطبيعة هذه المهمة ليخلق قوى خارقة اخذت اشكالاً عديدة مع مرور الزمن ليعكس بعدها غرائزه الغير مباحة له من قبل الجماعة الى جنات و آهات في ارض الله الخصبة بالممنوعات و المحرمات (كأنهار الخمر و العسل و اللبن و الحوريات ...).
الا انه ما يثير الدهشة هو انجراف عدد هائل من البشر وراء الخرافة المتمثلة في الدين من دون تفكير او تحليل، فمن الطبيعي فهم و استيعاب عبودية الانسان البدائي لامواته، وارواحه و لاعراف جماعته لعدم امتلاكه الوعي الكافي و الناتج عن العلم، فكان من السهل حكم الافراد المتميزين لافراد جماعتهم و ذلك لعدم امتلاك الفرد البسيط اي كفاءة لتعلم سلوكيات متجددة، الا ان ما يصعب فهمه هو حالة الكثير من المجتمعات المنقادة بشكل اعمى وراء الخرافات الدينية و وراء قادتها العاجزين عن اعطاء اي شيئ مميز لها، فهل افترينا على انفسنا عند توحيدنا للالهة و مزجهم باله واحد، لتصبح طريقة تفكيرنا احادية، لنعلن عن تشبثنا باله واحد، وفكر موحد، وقائد اوحد؟