الرقابة في سوريا تطال الآداب


عمار ديوب
الحوار المتمدن - العدد: 2839 - 2009 / 11 / 25 - 09:44
المحور: الصحافة والاعلام     

ليس من جديد في أن تمنع يد الرقيب في سوريا عدد الآداب الأخير من التوزيع ، فالمنع والرقابة والقص والخزق، هي أدوات الرقيب؛ التي هي كذلك وحصراً للكتب والمقالات التي بها نفس علماني ونقدي وديمقراطي ويساري بامتياز، ويأتي المنع الأخير لتعميق عالم الغرابة؛ فليس من كاتب يساري في سوريا والعالم العربي يمكن أن يجد تبريراً ولو صغيراً لمنع ومحاصرة الكتب التي فيها نفس حداثي، وبالمقابل يتم نشر الثقافة الغيبية بشكل هستيري، نعم بشكل هستيري، ولو تتبعنا فقط دور النشر غير العلمانية في سوريا، لأصبنا بالعجز عن التفكير. معروف للقاصي والداني أن مجلة الآداب اللبنانية مجلة يسارية قومية، وقد نختلف في بعض توجهاتها، إلا أنها تبقى مجلة ريادية في نشر الفكر والثقافة اليسارية، ويعد السوريون المجلة مجلتهم، ويعتبرونها من أهم المجلات في العالم العربي. قرأت المقال الذي قيل أنه سبب المنع وهو للدكتور حسان عباس بعنوان" حكايات ضد النسيان: قراءة في بعض النتاج الروائيّ المعاصر في سورية" وهو متوفر على الإنترنيت بسهولة. يعد المقال هاماً بكل المقاييس وهو مخصص للأدب السوري في ما بعد عقد الثمانينيات، ويرصد كيف تصدى الأدب للحرب الأهلية التي أذاقت سوريا الويل، وكادت أن تدخلها حرب أهلية تدمر المجتمع وتقطعه إرباً إرباً، وما جرى بعد ذلك من اجتثاث للعمل السياسي في سوريا، كان له دور القابلة وبروز نزعات العدمية والعبث واللامعنى. والسؤال، هل من المعقول شطب كل تلك الحرب من ذاكرة السوريين؟ وهل من المعقول للأدب السوري وللأدباء المعروفين بمقدار انشغالهم بالسياسة واليومي والديمقراطية ألا يتصدوا لتلك المرحلة المخيفة من تاريخ سوريا؟ والأنكى أن كثير من عِقد الثمانيات حلّت وبعضها القليل لا يزال فقط، والروايات التي كتب عنها حسان عباس توزع في سوريا بطرق شتى؛ فإذا كان الأمر كذلك، فهل من المعقول مجدداً إطباق الصمت حولها، هل من الممكن إغلاق الأفواه عنها، هل من شرف للمثقف أن يقول المقال، أو يكتب المعروف، أو يترقب إشراقات عقل الرقيب الجهنمية!. لا أعتقد بجدوى وعبثية الرقابة السورية، وهي لا تفعل سوى في زيادة الكره، وربما مديحه. نعم الكره لكل ما هو سوري؛ فالرقابة القاتلة هذه تُنسف بكل بساطة عبر الإنترنيت وببرنامج إلكتروني بسيط يطيح بكل تلك الرقابة ومن وضعها، ومن يوصي بديمومتها، وكل يوم نسمع عن رواية أو مجموعة شعرية تمنع أو يحذف منها أو غير ذلك. أقول، إن هذه الطريقة في المنع تنتسب إلى عقلية القرون الوسطى، حيث القول المناهض للرقيب المؤمن الفذ بائع صكوك الغفران مارق وكافر ويجب قتله، ولا معنى لها في عالم اليوم، ولم يعد بمقدور السوريين الذين تراكمت عليهم الأزمات منذ عقود وعقود الصمت، ومهما فعلت الرقابة، فإنه في اللحظة التي ستجد لنفسها –الآداب- مسرباً ستخرج منه، ولن يتواني الأدباء السوريين عن التقاط نبضات الحياة. هذه هي الحياة بكل بساطة، لا شيء ولا أية سلطة تستطيع المنع والرقابة إلى مالا نهاية، فلماذا نستمر بما لا يمكن الاستمرار فيه؟. عدد الآداب المصادر يتضمن مجموعة ملفات، واحد عن الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين وحوار مع المفكر الفلسطيني عزمي بشارة، وكذلك الملف الذي صودرت بسببه، وهو من إعداد وتقديم الشاعر والطبيب السوري عبد الوهاب عزاوي، المتميز بشعره، وهو حاصل على عدة جوائز، وعنوان ملفه" ملامح من الكتابة الجديدة في سوريا" ومن المشاركين فيه: حسان عباس، وعمر قدور، ومايا جاموس وعبد الوهاب عزاوي نفسه. سماح إدريس، المثقف اليساري القومي، مهجوس بكل ما هو علماني ومقاوم ويساري، وتجده يصارع من مغرب العرب إلى مشرقه في هذه القضايا، ولم يتأثر بالنزعة الليبرالية التي اجتاحت العالم العربي كالمرض تماماً، وبقي على سابق عهده وحتى في أحلك المراحل بين سوريا ولبنان قبل أربعة سنوات، ولم يقبل أبداً المساومة على مواقفه هذه، فهل يكافأ الرجل بمصادره العدد الثالث من مجلته! الجدير ذكره أن المجلة تم مصادرتها في سوريا حين نشرت ملفاً عن الطائفية في 2006 وعدداً آخر عام 2002 وكان يتضمن ملفاً بعنوان" لبنان بعيون سورية" وأيضاً صودر عدد لها في مصر عام 2002 وكان ملفه عن"الرقابة في مصر" كما تشير سناء خوري في مقال لها في جريدة الأخبار. المتأمل للعناوين التي تمت مصادرتها، يخرج بانطباع أن المجلات اليسارية، هي الأسبق في طرح القضايا التي تهم الثقافة والمثقفين، ويتم التعبير عنها بكثير من الدقة والحصافة والموضوعية، وبعيداً عن روح التشفي والحقد والذاتية، فهل يراد تكريس نمط من الثقافة والفكر يؤدي في المحصلة إلى جزر كل فكر عقلاني وتنويري، وإخراج العرب بالفعل من بوابة التاريخ ومسخهم إلى شعوب زائدة عن الحاجة، وعالة على تاريخها ومستقبلها، ما دامت فاقدها لحاضرها، وعالة على الحضارة الإنسانية. أهذا بالفعل ما تريده أنظمتنا، فإذا كان هذا يتم في سوريا، فما الذي يتم في الدول الأكثر تخلفاً، أليس من حق الآداب وسماح إدريس وأي أديب ومبدع علينا رفع الصوت عالياً كي يفرج عن الثقافة العلمانية من قيد الرقابة والإقلاع عنها تماماً من أجل نهضة العقل التنويري والعلماني من جديد. إذا فكرنا بالعقل، فالأفضل لسوريا أن يعبر الكتاب العلمانيون من ليبراليين ويساريين عن أزماتها، وإذا تصرفنا وفق اللامعقول ووفق ما جرى ويجرى منذ عقود، فإن الرقيب بما فعله بعدد الآداب الأخير، فعل بما يوافق منطق اللاعقل السائد لدى الرقابة السورية وما حالة السماح بنشر الكتب الغيبية المعممة في سوريا: في دور النشر والمجلات وعلى البسطات وفي العقول والإذاعات والتلفزيون، سوى من بعض إنجازات تلك الرقابة المقيتة؛ التي يلتقي فيها الرقيب بالعقل الغيبي، فما أفجعه من لقاء...!