عن ما بعد حملة بردى ودور المنظمات غير الحكومية


عمار ديوب
الحوار المتمدن - العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 21:00
المحور: المجتمع المدني     

شكلت حملة بردى- بدأت إعلامياً في منتصف شهر أيلول وأنُجزت عملياً في السادس عشر من تشرين الأول- التي أشرف عليها فريق الرواد المهتم بالرياضة والآثار والبيئة في سوريا، والمسجل في الاتحاد الرياضي السوري مثالا نموذجيا، لم يُسمح ولم تستطع المنظمات غير الحكومية فعله؛ ففريق الرواد وبقليل من العمل والمتابعة مع الجهات الحكومية وغير الحكومية، استطاع حشدها لصالح إنجاز عمل بيئي، هو في الأساس من صلب أعمال المحافظات السورية، أي المحافظة على الأنهار وخلوها من التلوث والاندثار، وهو ما لا يتم العمل عليه، حيث كل أنهار سوريا إما ملوّثة أو اندثرت، وربما يعود الأمر برمته، وبالأساس إلى غياب إستراتيجية بيئية لدى الدولة في صيانة تلك الأنهار والينابيع وشواطىء البحر وغيرها.
فريق الرواد* الذي تأسس في عام 2002 تحت اسم رواد الطبيعة وغيّر اسمه عام 2009 إلى الرواد، قام بجهد هائل، وربما لو سُمح للمنظمات غير الحكومية العمل في سوريا فإنها ستقوم بأعمال مماثلة وبما يفيد تقدم سوريا. وبالتالي نجاح الحملة يفرض على وزارة البيئة والوزارات الأخرى أخذ العبرة، والترخيص للمنظمات غير الحكومية وإعطائها فسحة العمل بحرية ودون تقييد.
لا بد من ذكر أن الحملة لم تشمل سوى جزء صغير من النهر، من قلعة دمشق إلى باب توما، إلا أنّها إعلامياً أطلقت الصرخة: أن دمشق وبقية المحافظات لم تعد قادرة على الاستمرار وأنهار سوريا تتعرض للفناء، وهو ما يستتبع حملات أخرى، تُخرج الأنهار من مصيرها المحتوم.
الدولة، وبدلاً من الاهتمام بالمنظمات غير الحكومية المحلية، تعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، من أجل تطوير أعمال لها علاقة بالبيئة وغيرها ولكنها مشاريع قصيرة الآجل وتسودها البيروقراطية وتهتم بقضايا بجزئية وليست أولوية بالنسبة للمشكلات التي تواجه سوريا: في البيئة أو العاطلين عن العمل أو المعامل التي تشارف على الإفلاس، أو غير ذلك.
فإذا كان عمل المنظمات غير الحكومية بالأصل تكميل عمل الدولة، في المجالات التي لا تستطيع القيام بها، وهي أعمال ضرورية، فإنّ إعطاء دور حقيقي لهذه المنظمات أمر واجب على الدولة وليس حقاً لها فقط.
وبالعودة لموضوع نهر بردى، وضرورة وجود إستراتيجية بيئية؛ ففي سوريا هناك وزارة للبيئة ومشاريع بين الدولة والمنظمات الدولية لذات الغرض وهناك وزارة زراعة ويأتي جزء من عمل المحافظة ضمن السياق عدا عن كليات الزراعة وبعض المؤسسات البحثية وهناك متابعات صحفية من قنوات تلفزيونية وصحف رسمية أو مواقع إلكترونية مستقلة أو شبه مستقلة، وهو ما رصدناه من خلال المتابعة للحملة.
والسؤال، ما دامت كل هذه المؤسسات موجودة، فلماذا يسوء الوضع البيئي في سوريا بشكل مستمر، لماذا أنهارنا ملوثة وجافة، وغاباتنا تكاد تندثر وأراضينا يعمها القحط ومحافظاتنا تكاد تشرب مياه ملوثة، وليس من مياه جوفية نظيفة في طول وعرض سوريا.
المشكلة مفتوحة بكل هذا العمق، ولو تتبعناها بدقة لتوصلنا لفواجع تحصل في سوريا، ويكفيني القول أن في دمشق يكاد بردى ينتهي تماماً ودمشق القديمة يتم تدميرها عبر تحويل بيوتاتها إلى مطاعم وملاهي لا تراعي قِدمها عدا عن كارثة مرور السيارات فيها، والغوطة أصبحت أثراً بعد عين، ومنطقة الدباغات يصل فيها التلوث إلى أرقام خيالية وتتجاوز كل إمكانية على العيش فيها. هذه بعض القضايا، وبالتالي، أليس من الضرورة العمل وفق إستراتيجية بيئية تخرج سوريا من مستنقع بيئي قد يلتهمها كلية وهي المعروفة بتنوع مناخها وبتعدد بيئاتها النباتية والحيوانية..!
أردت في هذا المقال، تسليط الضوء على أهمية المنظمات غير الحكومية، وباعتبارها تتزايد ولدينا الآلاف منها، فإن على الدولة العمل على صياغة إستراتيجية تفعّل من خلالها دور هذه المنظمات وترتقي بعملها بما يسهم في تراكم الأعمال وليس تشتيتها، أو منعها من العمل. ويجدر التوضيح هنا، أنّ حملة بردى الأخيرة ليست الأولى بل سبقتها حملات وحملات، ولكنها لم تجد نفعاً بالمطلق، ومن خلال متابعتي والنزول إلى مجرى النهر مع أفراد الرواد وآخرين، يتبين لنا هشاشة العمل الموسمي والخارج عن إستراتيجية يُنفذ في إطارها، والذي قد يكون عملاً هاماً في اللحظة ذاتها، ولكنه يتحول لاحقاً إلى هباء منثور لا ينظف النهر ولا يمنعه من الاندثار، ويحوّله فقط إلى مجرى للصرف الصحي... فهل تبدأ الإستراتيجية البيئية من حملة بردى، لا أعلم..!؟
• العنوان الالكتروني لفريق الرواد
• www.al-rowad.com