أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - آخر الأحلام-قصة قصيرة















المزيد.....

آخر الأحلام-قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4573 - 2014 / 9 / 13 - 16:51
المحور: الادب والفن
    


آخر الأحلام
قصةٌ قصيرةٌ
عبد الفتاح المطلبي
(( الخيالُ يخلقُ الحقيقةَ))
"ريتشارد فاغنر"
شعرَ بتوعُكٍ ألمَّ بهِ إثرَ مُطاردتهِ للقطّ العنيدِ ذي الأنفِ الخارقِ الذي يستطيع التقاطَ رائحةِ الشواءِ والقلي من مسافاتٍ بعيدةٍ وعَجِبَ لقدرةِ القطِّ على مواجهةِ الخطرِ المحدقِ به جراءَ إقدامهِ على السطو وعدم مبالاتهِ بما يُحتمَل من نتائج وهو يتجه لاختلاس الطعام الموضوع على المنضدة، شعر أن القط الذي بالغَ بتهورهِ قد أنهكَ قواه في مطاردةٍ غير متكافئة تكون الغلبةُ فيها دائماًَ للقط وتسائل هل يبغي القط دفعَهُ لليأسِ وربما الموت، كانت تلك أفكارُه حين جلسَ على دكةِ البابِ كما يفعلُ كلَّ يومٍ في الوقتِ ذاته وقتَ انحدارِ الشمسِ نحو َمغيبها الذي يصادفُ رجوعَ الراعي بقطيعهِ من الحقلِ وهو يضعُ عصاهُ الغليظةََ على كتفيهِ معلقاً ذراعيه عليها كما يفعلُ الرعاةُ عادةً وكأنهُ يحرصُ على أن لا تغيب العصا عن عيونِ القطيع ِ، القطيعُ بينَ مطأطئٍ ورافعٍٍ رأسَهُ قليلا لكنهُ يواصلُ ثغائَهُ بالوتيرةِ ذاتها يتبعُ الراعيَ ذا العصا الغليظةِ،أدهشه خضوعُ القطيعِ لِهَيبَةِ العصَا معَ وجودِ بعضِ الكباشِ ذات القرون الملتويةِ القوية بين أفراده وكأنه ينتبه لذلك أولَ مرة رغم أن مشهد القطيع كان مألوفا في مدينتنا التي يأوي إليها الكثيرُ من القطعان بيْدَ أنهُ لم يفكر في ما مضى على هذا النحو وراح يقارن بين انصياع هذا القطيع الكبيرلعصا رجلٍ واحد وبين تنمر قطٍّ واحد عليه والدفع به إلى حافة العجز عن ردعه ،تداركَ دهشتَهُ حين تذكر الذئب الذي وهبه الله حق الإقتيات على الخراف ورأى أن انصياعَ القطيع للراعي وعصاه هو الرد المناسب والوحيد على عسف السلطة الممنوحة للذئب مع جهل القطيع التام بما يعده الراعي من مصائرَ لأفراد القطيع فكرّ مليا مالذي يجعل القطيع يشعربخطر الذئب ولا يشعر بخطر الراعي؟ لكنه لم يجد ما يفسر ذلك بينما كان الأمرُ مع القط معكوسا تماماً فلا سلطة للقط بل هو طبعُ الخيانةِ والغدرِ واللصوصيةِ فيه ومحدودية قدرة المُطاردِ وبؤسِ وسائلهِ لردع ذلك القط . تواصل حديثهُ مع نفسهِ وهو يرتاد طريقه يوميا تحت رقابة عيون ذئاب تتخفى تحت لونٍ زيتونيٍّ مشوب بلون أغبر، تقف تلكَ الذئاب دائما في الزوايا والتقاطعات وفي الأمكنة التي لابد من المرور بها بالأمس اختطفت سلمان المعلم ولم يعد يُرى بين الناس مبتسماً كعادته ساخرا من جميع ألوان الذئاب التي تتعقبه بشهية الدم..لقد كان سلمان متمردا على الراعي ولم ينتظم في القطيع فتمكنت منه الذئاب.
فكرَّ بحاله الذي لا يختلف كثيراً عن خروفٍ اعتزلَ القطيع هربا من عصا الراعي وتخفّى بما عليه من آدميةٍ للحيود عن طريق الراعي وعن عيون ذئابٍ تخفت أيضا بجلود آدمية تترصده لتفترسه حال نجاحها بتتبع رائحته أو سماع صوت ثغائهِ ولو كان مكتوما وحرصَ على أن لا يمنحها فرصة افتراسه كما فعل سلمان المعلم ولم يعفه ذلك من أنه من جنس القطيع ذاته وأن الجميع يبحث عنه ،الرعاةُ والذئاب وبينما يواصل مروره في الطرقات تندلق عليه عيون كثيرة يشعر بالتصاق نظراتها المستذئبةِ الفاحصة على وجهه وكتفيه وساقيه فتغزوه الرهبةُ وتتعثر أقدامه على الطريق ويكاد يفضحه الخوف لكنه يواصل السير بروحِ طيرٍ وَجِلٍ قد تاه عن سربه وحامت فوقه البُزاة وقد استعد للموت بيأس مريع هكذا تمضي حياتهُ والأسى يقضمها قطعةً قطعةً، عمد دائما إلى الإنحياز نحو الظلّ مستترا بما تبقى له من أدغالِ روحهِ وإن كانت مليئةً بالأشواك فلا محيص عن تحمل وخزها كما يفعلُ أياً من بغاث الطير هربا من البزاة الحائمة من فوقه وعلى ذلك خلد للنوم وهو يشعر بأن شيئا ما ليسَ على مايرام قد ألمّ به بعد تجواله المجلل بالخوف تلك الليلة ، أحس برغبةٍ ملحةٍ للصراخ بوجهِ تلك العيون التي تترقبه ، أخذه الوهن إلى عالم النوم وفي اللحظة التي ظن فيها أنه قد نام وجد نفسه يبحث عن قط مطبخه الخائن السارق الذي طالما سطا على منضدته وكشف صحن غذائه لينهب قطعة السمك المقلي التي أعدّها للغداء وكما في المثل الشائع إذكر الشيطان يمثل أمامك يحدث ذلك أيضا في الأحلام ،ظهر القط متلمظا ينظر بفضول إليه ومن خلفه مرآة مخادعة لا تعكس صورتهُ بل تحاول إخفائه ، القط يعرف ذلك كما يفرضه منطق الحلم، هم بأن يقذفهُ بفرشاة كانت معلقة على الجدار لكن القطّ قفزَ إلى وسط المرآة واختفى فيها وكأنها امتصته و ابتلعتهُ ، أدهشه ذلك وتذكر أن ذلك محتملٌ حدوثه في الأحلام فهدأت نفسه إذ توصل إلى ذلك إلا أنه وجد نفسه متحررا من سطوة العيون التي تطارده فهنا في عالم الأحلام لا توجد عيون ولا مترصدون إذ أن أصحابها مخلوقات لا تحلم أبدا بعكس القطط التي تتدبر أمرها حتى في الأحلام وما يفعلهُ القط يستطيع هو فعلهُ أيضا بما يمنحه الحلم من امتيازات فريدة، ألقى بجسمه إلى المرآة التي ابتلعت القط فابتلعتهُ أيضا وألفى نفسه في فضاءٍ فسيح وكأنه رجع لآدميته توا لكنه لم يجد القط ليواصل مطاردته ، راق له هذا الشعور الذي لم يألفه من قبل وكأنه قد تحرر من حبالٍ وقيود طالما شعر بها تكبل روحه وتقمعها، راح يتجول حرا برأس مرفوع لأول مرّةٍ، في أرضِ الحلم ،بدا سعيدا طليقا وتمنى أن يستمر ذلك ، نسيَ القط تماما حينما سمع صوتاً من مكانٍ ما في هذا العالم الفسيح يسخر من انعتاقه وحريته:
-أنت أيها الحالم ما نفع شعورك بالإنعتاق و الحرية وأنت تعلم تماما أنك مجرد شخصٍ نائمٍ يحلم!؟ وعما قليل سوف تصحو وينتهي حلمك الجميل !
بينما كان ينصت للصوت الهازئ استهواه ذلك الشعور بالحرية فقرر الإستمرار بالتمرد مطلقا العنان لغضبه لأول مرةٍ مستغلاً معرفتهُ الأكيدة بأنه يحلم رافضا بشكل قاطعٍ دعاوى الصوت الهازئ من انعتاقه وتمرده قائلاً:
- إذا كان ما تقوله صحيحا أيها الصوت فأنت أيضاً مجرد صوت في حلم لا حقيقة لك أتستطيع نكران ذلك وعلى ذلك فلا قيمة لما تقول،دعك من هذا الهراء الذي لا طائلَ منه ودعني وشأني .
أجابَ الصوت:
- وهل تنشدُ الحقيقةَ ، هل تريد أن تحسم الأمر لتعرف كم أنت واهم ؟ ، إذن إرجع من حيث أتيت.
لم تكن لديه رغبة في العودة إلى اليقظة لكنه لم يكن مخيرا عندما ظهر القط المشاكس أمامه وهو يتلمظ مع نهاية نبرة الصوت المتحدي ،راح يطارده كما يفعل دائماً آملا في ردعه ولو في الحلم وكان آخر عهده به حين قذفه بحجر من أرض الأحلام وهو يقفز مرةً أخرى إلى وسط المرآة الماثلة في المنظور، وقع الحجر في المرآة فصارت نثارا ولم يعد يرى القط وهكذا تجري الأمورعادةً في الأحلام ،أدرك استحالة العودة بعد تحطم المرآة وإنه قد تاهَ في أرض الأحلام ولم يشكل ذلك له فرقا مع هذا الشعور بالحرية ورحابة الفضاء ،استدار على عقبيه متوغلاً في البعد الذي أمامه ولم يعد يفكر بالقط ولا يشعر بالعيون وراحت الأفكار تبهتُ شيئا فشيئا وتلاشت جميعها،واصل السير في حلمهِ دون توقف ، لم يستيقظ بعد ذلك أبداً .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبايكر
- طواف حول أسوار الكتابة
- يا أنت- قصيدة
- الخرس - قصة قصيرة
- الحكاية كما وردت
- إيزابيلا أنت السبب
- نزيف
- الحياة - شعر
- هموم السعدان -قصةٌ قصيرة
- إنطباعات حول الخيال والرمز في السرد
- كنا ثلاثة- تهويمات
- مُجرّدُ دُمى - قصة قصيرة
- صحراء - نص مدوّر
- الرماد
- طفل حطلة
- الرغيف
- كتاب الريح- قصيدة
- شجرة ملعونة - قصة قصيرة
- الضحية- قصة قصيرة
- المَخاضةُ - قصة قصيرة


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - آخر الأحلام-قصة قصيرة