أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسن محسن رمضان - إنها قشور دولة















المزيد.....

إنها قشور دولة


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3607 - 2012 / 1 / 14 - 14:58
المحور: المجتمع المدني
    



في الدول المدنية الديموقراطية الحديثة يعتبر مبدأ احترام القانون وتعاليه على الجميع من دون استثناء هو أحد أهم مرتكزات ومسلمات وجودها واستمراريتها. فلا حياة للدولة والمجتمع من دون فرض هيبة القانون وتأكيد هيمنته المطلقة. ولذلك، في هذه الكيانات الديموقراطية الحرة التي تستحق أن يطلق عليها اسم "دولة"، يكون القانون هو الملجأ والحَكَم في تصرفات الحاكم والمحكوم، لا يملكا حق تعطيله أو تأجيله أو حتى تأويله خارج الأطر الشرعية والقانونية لهذه الممارسات. هناك، عند من يستحقون أن نطلق عليهم لقب "دولة"، لا يتعدى حق القبيلة أو الطائفة أو العائلة أو العِرق أو المذهب حق المواطَنة، وبالتأكيد لا يتعداها ليتجاوز بها حق )تكافؤ الفرص( المتاح لكل أفراد الشعب دون تمييز. هناك، في تلك الدول، لا يملك رئيس الدولة "مزاجية" وضع قانون ولا إلغاءه، فضلاً عن أن يملك حق تفسيره وتأويله أو تنقيحه كما يشاء. وهناك، فإن رئيس الدولة بالتأكيد ليس "الحكيم" الأوحد، ولا "العبقري" الفذ الفرد، ولا "الوطني" الوحيد غير المشكوك في أمره، وليس هو بالتأكيد من يُقسّم حقوق الرعية وحاضرها ومستقبلها. وهناك، عند من يستحقون أن نطلق عليهم لقب "دولة"، لا نرى وفوداً عشائرية أو قبلية أو طائفية أو عائلية يضمون في صفوفهم من ضرب بالقانون عرض الحائط أو مَن تحايل عليه، يتجرأون أصلاً أن يطلبوا مقابلة رأس الحكومة أو رأس الدولة ليتحدثوا معه (معها) في أمر ما، لأنهم يعلمون مقدماً أن هؤلاء، أي الرئيس ومَنْ دونه من موظفي الدولة، لن يتجرأوا أصلاً أن يقبلوا طلبهم هذا لمقابلتهم لقناعتهم بأن القانون وشعبهم والتاريخ سوف "يجلدهم" جَلداً على ذلك.

في الدول التي لا يتعدى مفهوم الدولة عندها أكثر من علم مرفوع ونشيد وطني وحدود جغرافية وكمية من المال لا بأس بها، وهي مقتنعة تمام الاقتناع بأن ما سوى ذلك سوف يخضع لـ "مزاجية" من تصادف أن يكون في موقع سلطة من نوع ما (حتى وإن كانت هذه السلطة هي تمثيل الشعب في مجلس الأمة المنتخب كما هو حاصل في الكويت مثلاً)، فإن الأمر مختلف تماماً. فشعارات من على شاكلة (دولة المؤسسات والقانون) و (الدستور) و (مجلس الشعب والأمة) و (القانون فوق الجميع) وغيرها من الشعارات التي يطلقها كل أفراد هذا الشعب وومعارضتهم وحكوماتهم المتعاقبة، هم يعرفون تمام المعرفة بأنها "كذب". تلك هي الحقيقة، جميعهم يعرف بأنه "يكذب" على نفسه وعلى من يستمع له وعلى شعبه وعلى الإعلام وعلى وفود الدول الأخرى التي يتصادف سماعهم لما يقول. هم يكذبون لأنهم مقتنعون تمام الاقتناع بأن الحقيقة هي مباينة تماماً لما يقولونه، وأن "المعارضة" لديهم قبل حكوماتهم سوف تنقلب على تلك الشعارات فيما لو اختلفت المصالح الفئوية بين ليلة وضحاها. فكل شيء تقريباً مرهون بمصلحة فئوية ضيقة من نوع ما في السياسة لدينا لكنهم، وبسبب فهمهم المشوه لمصطلح "الوطنية" و "حب الوطن"، يعتقدون بأن الكذب على النفس وعلى الآخرين فيما يتعلق بحقيقة هذا النوع من السياسة وأحوالها، والاستماتة في تأكيد هذا الكذب وبيع الوهم والخيال، هو نوع من أنواع "الوطنية" بينما الامتناع عن ذلك الكذب المفضوح هو "خيانة" لهذا الوطن. هذا الفهم المشوه للوطنية لا يوجد إلا في ضمائر مواطني "الدولة" المشوهة في مفاهيمها عن القانون ودولة المؤسسات وفصل السلطات والوطنية وحب الوطن.

في الكيانات التي ينطبق عليها وصف "قشور دولة"، لا تحترم شعوبها القانون لأنها لا تحترم سلطتها التنفيذية وحكوماتها أصلاً. المواطنون ربما يخافون منها ويرتعبون لسبب أو لآخر، أما أن يحترموا سلطتها التنفيذية وحكوماتها طوعاً فلا. هم لا يحترموها لأنهم يعلمون بأنهم إما مجموعة من الأفراد تصادف "بيولوجياً" وجودهم فيها أو لأنهم مجموعة أتت بسبب ولائها العائلي أو القبلي أو الطبقي أو العرقي أو المذهبي. في تلك الكيانات التي ينطبق عليها وصف "قشور دولة"، لا يحترم شعبها القانون لأنه لا يحترم سلطته التشريعية أصلاً. هو لا يحترمها لأنه يعلم بأن أعضاء برلمانه هم أول من يخالف القانون ويضرب به عرض الحائط، بل يتعدى الأمر إلى أن يتوسط هؤلاء النواب لكسر القانون والتعدي عليه. وهذا الشعب يعلم بأن بعض ممثليه في البرلمان هم مجموعة من الراشين أو المرتشين ومشتري الأصوات وممن تحوم حولهم الشبهات بالانتفاع من المال العام والتسهيلات الحكومية أو ممن أتى بانتخابات فرعية عنصرية قبلية مخالفة للقانون وسوف يضرب بعرض الحائط المصلحة الوطنية العامة في سبيل مصلحة أفراد من قبيلة، أو ممن أتى بطريق طائفي أو عرقي أو طبقي ضيق الأفق ويحمل "عنصرية" من نوع مختلف. وفي الكيانات التي ينطبق عليها وصف "قشور دولة"، لا يحترم شعبها وأفراد معارضتها القانون لأنه لا يحترم سلطته القضائية، ولكن هنا بالذات "في الفم ماء" ويستدعي سرد الدليل قبل الادعاء.

إن الحياة تحت ظل "قشور دولة" هي نوع من الانتحار البطيء لهذا المجتمع، لأن كل قضية تنشأ فيه تكون "المزاجية" هي العنصر الفعّال في طرح القانون وتفسيره وإقراره وتفعيله وتطبيقه وتأجيله أو سرعة تطبيقه. هو انتحار لأنه يمثل انتهاك المبدأ الحضاري للتعايش في المجتمعات، مبدأ المواطنة وتكافؤ الفرص على أساسه، وإما عاجلاً أو آجلاً سوف تثلم إحدى دعائم هذا المجتمع ثلمة لا علاج لها. وإذا ثلمت دعامة بدون علاج تبعتها باقي الدعائم حتماً. وأي دعامة تساوي في الأهمية دعامة "القانون"؟!

إلى كل من يعيش في "دولة القشور" ذات اللب القبلي أو العرقي أو الطائفي، إلى كل إنسان يريد أن تُحترم "إنسانيته" في "دولة القشور"، إلى كل مواطن يريد حقه في تبني الخلاف الحضاري فيما يخص الأفكار والمذاهب والأيدولوجيات في "دولة القشور"، إلى كل من يعيش في دولة "القبيلة" وأعرافها ومفاهيمها وآلياتها، إلى هؤلاء جميعاً أقول:

انزعوا القشور، وأجعلوا ذلك اللب الفاسد يتعرى تحت نور الشمس. إنها الوطنية بمعناها الصحيح أن تنزع متعمداً ذلك القشر ثم تصرخ بأعلى صوتك: "أنا أتقزز من هذا اللب". إنه حب الوطن، بمعناه الصحيح، أن تقول "لا" لمن أراد أن "يؤجل" تطبيق القانون، ناهيك عن الافتئات أو الاحتيال عليه، كائناً من كان.

انزعوا القشور وأجعلوا ذلك اللب الفاسد يتعرى تحت نور الشمس.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة التلبس الشيطاني - الفرق بين أوهام رجال الدين ومنطقية ا ...
- إشكالية المجاميع الليبرالية الكويتية
- السلطة المعنوية لقمة الهرم السياسي الكويتي كما هي عليها اليو ...
- مقالة في الفرق بين التمدن والتحضر
- المشكلة المذهبية في مجتمعات الخليج العربي
- الذهنية السياسية الشعبية الكويتية المتناقضة … الموقف من معتق ...
- في مشكلة الائتلاف والاختلاف ... الحالة الكويتية كنموذج
- الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية
- مقالة في أن الحرية لا بدّ لها من قانون يقننها
- أن الحرية ذات المنشأ الديني هي حرية أنانية بالضرورة
- المنهج الليبرالي وضرورات الإيمان والإلحاد
- الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية
- في أوهام الشعار الإسلامي (صالح لكل زمان ومكان)
- المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي
- المشكلة السياسية في الكويت
- الخطاب التمجيدي الإسلامي
- ضرورة إعادة قراءة وصياغة الفقه الإسلامي
- والشعب أيضاً كان يريد إسقاط النظام أيام عثمان بن عفان
- الحرية التي نريد


المزيد.....




- الصحة العالمية تحذر من -حمام دم- ومن امتداد المجاعة لجنوب ال ...
- فرار 8 معتقلين من سجن في هايتي والشرطة تقتل 4 آخرين
- الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة باتفاق رهائن مع حماس
- ميقاتي ينفي تلقي لبنان -رشوة أوروبية- لإبقاء اللاجئين السوري ...
- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسن محسن رمضان - إنها قشور دولة