أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان -1















المزيد.....

تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان -1


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2898 - 2010 / 1 / 25 - 18:11
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



ينطلق الحسن بن محمد الوزان الفاسي من منظورية ثقافية عالمة، قائمة على مرتكزات الأرثوذكسية الفقهية والكلامية الأشعرية السنية. فهو سليل التقاليد الثقافية السنية الأرثوذكسية، والثقافة العربية الإسلامية العالمة، المتمايزة، روحا و أفقا، عن اللا ارثوذكسية الدينية المحلية والنظام الرمزي والثقافي الأمازيغي .
تصدر تقريرات الحسن الوزان عن رؤية اثنوغرافية شديدة التمركز، قائمة أساسا على الصوابية المطلقة للرؤية الدينية السنية وتفوق المعيارية العقدية الإسلامية كما بلورها أهل السنة والجماعة على التعبيرات العقدية المغايرة للنسق الاعتقادي السني . فالواقع أن الحسن الوزان، يكثر من عقد المقارنات الصريحة والضمنية بين الأرثوذكسية المعيارية المرجعية السنية وبين اللاارثوذوكسية اللامعيارية واللامرجعية المفارقة ، أصلا وتطلعا، للحقائق التداولية الإسلامية . فهو منشغل باستقراء الخصائص الاثنوغرافية والانثروبولوجية والتاريخية والسيكولوجية والسوسيولوجية ، للفضاء الثقافي والسياسي الأمازيغي المتأثر، كليا أوجزئيا ، بالتقاليد العقدية والثقافية العربية الإسلامية آنذاك .
لقد وصف الحسن الوزاني الفضاء الثقافي المغاربي ، وهو يعيش مرحلة ارتكاس وتراجع وتذرر ، على المستوى الثقافي والحضاري . وحين نقارن أقواله في " وصف إفريقيا " مع أقوال ابن خلدون التوصيفية لوقائع عصره ، نكاد نجزم أن الحسن الوزان قدم تفصيلات تاريخية للتوصيف و للتشخيص الخلدونيين للتراجع العمراني بالمغارب بعد أفول الدولة الموحدية .
فالحسن الوزان ، المتشبع بالوثوقيات الشرعية للفكرية السنية ، لا يقارب معطيات الفضاء الثقافي المغاربي ، إلا انطلاقا من مفاهيم ومتصورات ومثالات الفكرية السنية وجهازها المفهومي المتشبع بالمقولات الأصولية والمفاهيم الفقهية .وتحكيم مقولات المركز في المحيط ، يتساوق ، في هذا السياق ، مع إعادة تنشيط ذاكرة السنيين ، وإعادة التذكير بكيفية إعادة بناء صورة الآخر من منظور الأنا .فالآخر المستوعب ، ثقافيا ، تعرض ، لعملية تفكيك لذاتيته الثقافية ، ولتشكيلته التصورية ولعالمه الثقافي .
لقد سجل حسن الوزان واقعة إقدام الثوار المسلمين على الحكم والخلافة العباسية، على إحراق الكتب الإفريقية وإتلاف الذاكرة الثقافية الأمازيغية وطمس معالم التميز والغيرية الثقافية في فضاء لساني وثقافي مختلف . فالفكرية الإسلامية، نزاعة، إلى إبادة الذاكرات الجماعية والرمزيات الروحية المخالفة لها، باسم الأفضلية المعيارية – التداولية لإطارها الرمزي والثقافي الخاص. والحقيقة أن إفادة الحسن الوزان دالة، لأنها تؤكد على تمكن العقل الأمازيغي من التصنيف المتمكن في العلوم والتاريخ، وعلى استقلال الذاتية الأمازيغية بتاريخية خاصة وبذاتية ثقافية متمايزة، وبأفق نظري مخصوص قبل هبوب رياح الإسلام بكثير.
( وفي الوقت الذي كان حكم إفريقيا بيد المبتدعة الفارين من خلفاء بغداد، أمروا بإحراق جميع كتب الأفارقة المتعلقة بالتاريخ والعلوم، متوهمين أن الإبقاء على هذه الكتب من شأنه أن يترك الأفارقة على نخوتهم القديمة ويدعوهم إلى الثورة والارتداد عن الإسلام. )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا – ترجمه عن الفرنسية – محمد حجي ومحمد الأخضر – دار الغرب الإسلامي –بيروت – لبنان - الطبعة الثانية – 1983-ج1- ص.69)
والحقيقة أن هذا الشاهد ، يؤكد على صعوبة إقرار نظام رمزي تأويلي خاص وتاريخي(اقصد العقيدة والشريعة الإسلاميتين ) ، محل نظام مغاير ، تكفل أصحابه بتأصيله وتأثيله و وضعه ضمن مساقات و سياقات ثقافية عالمة ( التاريخ والعلوم ) ؛ كما يؤكد ضمنيا تبلور روحية أمازيغية متماسكة نظريا ومتوافرة على جهاز تصوري ومنظورية ثقافية متمايزة ، منهجا ورؤية .
كما يفصح عن انتظام المتسننين والمبتدعين في حروب الاستئصال الثقافية ، القاضية بمحو الذاكرة الثقافية والمتخيل الاجتماعي للجماعة السياسية- التاريخية المستهدفة .فالاختلاف السياسي لا يمنع الفرقاء السياسيين الإسلاميين ، من تبني نفس المنظور الثقافي ومن سلوك سبل المحو الثقافي لتكريس حالات التبعية الثقافية والأخلاقية ثم السياسية .
ومن المؤكد تاريخيا ، أن تفكيك الكيانية الأمازيغية تطلب مجهودا خاصا ، لأسباب يحصرها ابن خلدون فيما يلي :
( وانظر ما وقع من ذلك بإفريقية والمغرب منذ أول الإسلام ولهذا العهد .فإن ساكن هذه الأوطان من البربر أهل قبائل وعصبيات ؛ فلم يغن فيهم الغلب الأول الذي كان لابن أبي سرح عليهم وعلى الإفرنجة شيئا . وعاودوا بعد ذلك الثورة والردة مرة بعد أخرى ، وعظم الإثخان من المسلمين فيهم . ولما استقر الدين عندهم عادوا إلى الثورة والخروج والأخذ بدين الخوارج مرات عديدة .
قال ابن أبي زيد : ارتدت البرابرة بالمغرب اثنتي عشرة مرة . ولم تستقر كلمة الإسلام فيهم إلا لعهد ولاية موسى بن نصير فما بعده . وهذا معنى ما ينقل عن عمر أن إفريقية مفرقة لقلوب أهلها ، إشارة إلى ما فيها كثرة العصائب والقبائل الحاملة لهم على عدم الإذعان والانقياد .)
(- ابن خلدون – مقدمة ابن خلدون – تحقيق : درويش الجويدي – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت -2002-ص. 153)


لقد تمكنت الروحية الإسلامية من التغلغل في المغارب ومن تصفية التراث الثقافي الروحي الأمازيغي العالم ، إلا أن الروحية الإسلامية السنية وجدت صعوبات كبرى في اختراق الذاتية الأنثروبولوجية الأمازيغيةوتكييف الفضاء الثقافي والروحي الأمازيغي خاصة في المنعطفات التاريخية المتميزة باهتزاز اليقين وتذرر البنى السوسيو- انثروبولوجية ، وتفتت سماكة بنى المقدس الروحي والسياسي جراء الحروب الفكرية والمذهبية بالمركز الخلافي.
كغيره من مفكري ومؤرخي الزمن الإسلامي، ينطلق الحسن الوزان من ارتهان قوام الهيئة الاجتماعية للمعيار الديني، أي من استحالة تصور قيام اجتماع بشري منظم خارج الإحداثيات الدينية ومن تكريس وتنظيم سلطة المقدس.فالاجتماع مرتبط ارتباطا حتميا بحضور الناظم الرمزي القدساني ، باعتباره سدى ولحمة الجماعة المنظمة ، المحتكمة إلى رؤية مخصوصة للعالم وللذات وللغير وللحياة والموت . فانتفاء بنى المقدس وسياسة تدبير واستثمار معطياته( المؤسسات الفقهية ) يعني في اعتباره، تدني مكانة الإنسان، وتثبيت بهيميته. فهو يرى أن تحكم مدبري ومستثمري المقدس في الهيئة الاجتماعية، هو الوضع الطبيعي ومصدر استحقاق الإنسان لإنسانيته ؛أي أنه يربط مدنية الإنسان بالرابط الديني حصريا . فانتفاء مدبري المقدس ، أي غياب التأطير الفقهي لبعض الهيئات الاجتماعية بالفضاء الثقافي الأمازيغي ، يعني في اعتقاده ، غياب أية قواعد اجتماعية أي غياب التأنسن من حيث المبدإ . والحال أن هذا الضرب من الفكر ، لا يستقيم ، متى علمنا أن الهيئة الاجتماعية تنتج مقدسها المخصوص وقواعدها التنظيمية ، ومعاييرها الأخلاقية المتمايزة ، انطلاقا من وضعها الثقافي ومن انشغالاتها ومحفزاتها الكيانية الصادرة عن تواريخها ودينامياتها الروحية والأخلاقية والجمالية .


فغياب الفكرية السنية أمارة دالة في اعتقاده ، على الانتظام في أفق البهيمية ، والنأي عن أفق البشرية .فالانخراط في أفق التأنيس ، يقتضي ، التمسك بالسوية العقدية ، وتنظيم العقل الجنسي على النحو المسطر في العقل الجنسي السني أو في العقل الجنسي الإبراهيمي عموما .فرغم طهرانية المرابطين والموحدين والمرينيين ،وتمتع المؤسسة الفقهية والصوفية بالآليات الفكرية والمؤسسية القمينة باختراق الجسد الاجتماعي واستتباعه للنظام الأخلاقي العربي – الإسلامي ، فإن النسق الاعتقادي الأمازيغي القديم تمكن من ضمان سريان مفاعيله ،وتسربها إلى المنظومة البديلة نفسها أحيانا .
لم يتمكن الشرع رغم التغلب السياسي ، من اجتثاث النسق الثقافي القديم ، ومن إبطال فعالية المؤسسات الجماعية المديرة لمفرداته . وللتدليل على قوة العرف الجماعي والمؤسسات العرفية ، نورد الحادثة التالية :
( ...وذلك أن رجلا عاميا ، من أهل هذا الدوار، قد هرب بامرأة ، وصار "يزني" بها جهارا .
ولم يكن أحمد بن يوسف ، خريج معهد " تامقرة " السلفي الإصلاحي ، أن يسكت عن هذا المنكر ، أو أن يمالئ الجاني ، أو أن يطالبه بالنكاح الشرعي بدل استمرار الزنى . وردع احمد بن يوسف الرجل الهارب بالمرأة وزجره ، وحاول منعه منها منعا مؤبدا . لكن الرجل تعصب عليه في أهله وعشيرته . ولما لم يفلح احمد بن يوسف في تغيير هذا المنكر بنفسه، قرر رفع أمره إلى الشرع . وقصد قاضي بني راشد لمقاضاة المختطف عنده . لكن القاضي لم يأبه به ، ولم يستنكف عن إهانته والإعراض عنه . )
(-عبد الله نجمي – التصوف والبدعة بالمغرب –طائفة العكاكزة،ق16-17 – منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الرباط – الطبعة الأولى – 2000-ص. 83) .

وبدلا من استكناه آليات العقل الأخلاقي والجنسي والتنظيم الاجتماعي لدى الأمازيغ ، اكتفى الحسن الوزان بإنكار ثقافية الفضاء الأمازيغي ، لمجرد أنه لا يخضع لمعايير العقل الأخلاقي الإسلامي ولا يستجيب لمتطلبات العقل الأرثوذكسي والمخيال الشعائري للتوحيد الآسيوي .
(والأزواج المخدوعون عندهم أكثر من غيرهم .ويمكن لجميع الفتيات أن يكون لهن قبل الزواج عشاق يذقن معهم حلاوة الحب ، ويرحب الأب نفسه بعاشق ابنته أجمل ترحيب ، وكذلك يفعل الأخ بعاشق أخته ، بحيث إنه لا توجد امرأة تزف بكرا إلى زوجها . حقا إن المرأة بمجرد زواجها ينقطع عنها عشاقها ، ولكنهم يذهبون إلى أخرى . و أكثر هؤلاء القوم ليسوا بمسلمين و لا يهود ولا بالأحرى مسيحيين، لا إيمان ولا دين بل ليس لهم حتى ظل الدين. لا يؤدون أي صلاة، وليست لهم مساجد، و إنما يعيشون كالبهائم. وحتى إذا وجد من بينهم من له ذرة شعور بالدين اضطر إلى أن يعيش كغيره ما دام ليس هناك مبادئ دينية ولا فقهاء ولا أية قاعدة من القواعد. )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا -ج1- ص.88-89)
فالحسن الوزان لا يتصور قيام اجتماع إنساني ، خارج وجود الحقل الديني ، ووجود هيئة مشرفة على الإنتاج الرمزي ومحتكرة لسلطة التشريع والتفسير والتأويل . والحال أن الفضاء الاجتماعي ، لا ينتظم وفق المؤسسات العقدية الأرثوذكسية أو الزامات جسم احترافي مؤسسي مكلف بتدبير خيرات الخلاص أو النجاة دائما؛ فهو يكتفي بالمقارنة بين الأرثوذكسية واللاارثوذكسية ، بين النموذج المعياري المبلور في كتب السياسية الشرعية وفي المدونات الفقهية المالكية المعتمدة ، وبين الممارسة السوسيو- اجتماعية في وسط امازيغي له مرتكزات قاعدية مختلفة وطرائق مختلفة في إنتاج وإعادة إنتاج الدلالة الاجتماعية والمغزى الميتافيزيقي .
فالحسن الوزان المسكون " بنموذج فاس " و "نموذج غرناطة " وقبل ذلك ب"نموذج يثرب/ المدينة " ، لا يتوخى استقصاء حقائق الظواهر ولا استدعاء المسببات ولا استحضار تعقدات السياقات التاريخية والمعرفية. وانطلاقا من هذه المركزية الفاسية /الغرناطية /اليثربية-المدنية ، فإنه ينفي الشرعية المعرفية والسياسية والأخلاقية والروحية عن مجمل الفضاء الأمازيغي ، ويحكم على الصيرورة الأمازيغية بالشقاء الأبدي .
(والنوميديون بعيدون عن معرفة الأشياء جاهلون بطريقة السلوك في حياة طبيعية منتظمة ، فهم غدارون فتاكون متلصصون لا يراعون إلا ولا ذمة ، كما أنهم لا إيمان لهم ولا قواعد دينية . عاشوا دائما ويعيشون وسوف يعيشون في شقاء .وإذا احتاجوا إلى شيء أو طمعوا فيه ارتكبوا كل خيانة مهما عظمت وفظعت . ولا توجد بهائم تحمل قرونا كقرون هؤلاء الأنذال يقضون حياتهم كلها في الاضرار أو الصيد أو القتال فيما بينهم أو رعي ماشيتهم في القفر يمشون دائما حفاة عراة .)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا -ج1- ص. -89)
نستخلص من هذا الشاهد الاستنتاجات التالية :
1- عجز النوميديين عن إدراك حقائق الأشياء ، أي عن إدراك نظام السببية والعلية ،
2- عجز النوميديين عن بلورة قواعد اجتماعية وأخلاقية وسياسية سليمة ومتفق عليها ،
3- افتقاد النوميديين للمؤسسات الأرثوذكسية المكلفة بمأسسة المقدس والتحكم باقتصاد الاعتقاد وبالمعيارية السلوكية الاجتماعية .
لا جدال في أن الحسن الوزان ، يقارب الوقائع والظواهر والإشكاليات الاجتماعية من منظور مركزية عقدية مبطنة أحيانا وصريحة أحيانا أخرى . فالأرثوذكسية توازي في فكريته ، الانتظام وتوافر نسق معياري أخلاقي وسلوك متماسك نظريا وعمليا ، وحصول الفضائل وتحصيل السعادة ،أما اللاارثوذكسية فتعني في اعتباره الفوضى واللاانسانية واللااخلاق والشقاء .
فهو ينطلق من أفضلية نموذجه النظري وإبداله الفكري ، في كل مقايساته وكل أحكامه وكل مقارباته للمادة الإناسية الأمازيغية خصوصا المادة السوسيو- إناسية المنفلتة من القواعد التوجيهية للمعتقد والفكرية الإسلاميتين . فالحسن الوزان نتاج تضافر السلط الخمس :
1- سلطة الأرثوذكسية المالكية – الأشعرية ،
2- سلطة الثقافة العربية – الإسلامية العالمة ،
3- سلطة السلطة السنية المحتكمة إلى مثالات السياسة الشرعية والآداب السلطانية ،
4- سلطة اللغة العربية وعالمها الدلالي وفضاءاتها المجازية ،
5- سلطة التحضر الفاسي – الغرناطي – الأندلسي .
وهذه السلط الخمس مترابطة ومتداخلة ، كما أنها وليدة ذاتية حضارية متمركزة حول ثوابتها الثقافية ومعاييرها الأخلاقية والإيطيقية ، ورافضة لأي رؤية انثربولوجية موضوعية أو أي مقاربة علمية للغيرية والاختلاف الثقافي والأخلاقي .
وبناء على هذه الرؤية المركزية ، فان الحسن الوزان يثمن كل ما صادفه من مطابقة للأرثوذوكسية ، فكرا أو ممارسة ، في رحلاته ويندد بما يصادفه من مخالفات واختراقات وسلوكيات هرطوقية أو بدعية . ومن هذه المنظور فإنه حريص على استقصاء مواطن وعلامات حضور الفكر والسلوك الأرثوذكسي في الفضاء الثقافي- الانثروبولوجي الأمازيغي. فهو يقرأ تفاعلات الاجتماع البشري الأمازيغي مع الاكراهات السوسيو- سياسية والسوسيو- تاريخية ، من باب المعيار النموذجي العربي الإسلامي ، ومن باب ضرورة التطابق مع المعيار المثالي . ومن هنا فانه يطلب من الذاتية الثقافية الأمازيغية ، أن تتنكر ،لنسقها القيمي ونظامها الفكري والروحي ، وتنقطع عن المكونات القاعدية لشخصيتها وتاريخ وجدانها .
ففي حديثه عن قرية إداو إزكواغن بحاحا ، قدم صورة سلبية للغاية عن الحياة في هذه القرية الحاحية ، وعن الروابط الاجتماعية والنواظم الرمزية والمعيارية المنظمة للعيش الجماعي بها . فلئن افتقدت إلى الوسطاء المؤسسيين المكلفين بتقديم الخدمات الدينية والإشراف على تدبير حقل المقدس الأرثوذكسي ، فإنها تتوافر حتما على رأسمال رمزي وعقدي ، ومعايير تقديسية وترميزية لا أرثوذكسية ،
وعلى نسق ميثي-شعائري مختلف عن النسق الطقوسي الشرعي .
(يسيرون حفاة إلا قليلا منهم ينتعلون نعالا من جلد الجمال أو البقر ، ولا يفترون عن محاربة سكان البادية فيتقاتلون كالكلاب . ليس لهم قاض ولا فقيه و لا شخص يحكمونه ليفصل بينهم في خصوماتهم ، إذ ليس لهم من الإيمان والشريعة إلا ما يجري على ألسنتهم . ولا يوجد في جبالهم كلها أي نتاج آخر غير كمية كثيرة من العسل الذي يدخرون كطعام ويبيعون منه لجيرانهم ، ويلقون بالشمع في المزابل .
في هذه القرية مسجد صغير لا يسع أكثر من مائة شخص ، إذ ليس لهؤلاء القوم أدنى اهتمام بالديانة أو الاستقامة . يتقلدون دائما خناجر أو رماحا للفتك بالناس ، وهم خونة غادرون . )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي –-ج1- ص. 102-103)
حين نتأمل هذا الشاهد الدال ، نخرج بالملاحظات التالية :
1- غياب السلطة السياسية ببادية حاحا ، واندحار العمران البدوي بهذه المنطقة إلى مواقع متدنية بسبب عوامل سياسية و عسكرية وثقافية مختلفة ،
2- غياب سلطة المؤسسة الدينية – الفقهية الرسمية ، أي غياب سلطة محتكرة للإنتاج الرمزي وللفاعلية الرمزية ،
3- تدهور مستوى الدربة والمراس وإتقان الصنائع بحاحا ، أي هيمنة العمران البدوي وغياب تقاليد العمران الحضري بهذه المنطقة،
4- تأسس رؤية الرحالة على معيارية عقدية صارمة مانعة من استقراء معقولية العيش بحاحا أو استخراج الآليات المنظمة للفوضى البادية على السطح الاجتماعي ؛
ويسير مارمول كربخال في نفس اتجاه الوزان ، في توصيفه القاسي لنفس القرية، فيما يقرب من التآزر بين أبناء نفس الأرومة !

.( يمشي الرجال والنساء بدون نعال ، وبأرجلهم شقوق تصل حتى العظم ، يتحاربون دائما مع جيرانهم ويقتتلون لأتفه الأسباب ، بدون قانون ولا عدالة ، كمن لا يخشى الله ولا يحب أخاه و إن أدعوا بأنهم مسلمون ، لكن ليس هناك قضاة ولا فقهاء في هذا الجبل كله ، حيث توجد بعض القرى المأهولة بنفس الرهط من الناس .تجارتهم عبارة عن العسل والشمع يبيعونها للتجار المسيحيين ، وقد كانوا لا يعرفون قيمة الشمع قبل مجيء البرتغاليين فيرمونه . لا شرف لهم ولا معرفة بالإحسان، ولا يفكرون إلا في الانتقام من أعدائهم وقتلهم غدرا أن أمكنهم ذلك، وهي الطريقة المفضلة عندهم. وأخيرا فإنهم أكثر سكان بلاد البربر كلها قسوة وخشونة، ومن لم يقتل اثني عشر أو خمسة عشر رجلا لا يعتبر شجاعا. )
(- مارمول كربخال – إفريقيا – الجزء الثاني – ترجمه عن الفرنسية – محمد حجي / محمد زنيبر / محمد الأخضر / احمد التوفيق / احمد بنجلون - دار النشر المعرفة – الرباط – تاريخ الطبع 1988-1989- الجزء الثاني - ص . 17)



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 4
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية - نقد تفكيكية علي حرب 3
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 2
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية نقد تفكيكية علي حرب 1
- مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الرابع
- مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الثالث
- مفارقات المثاقفة بسوس- الجزء الثاني
- مفارقات المثاقفة بسوس - الجزء الأول
- الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها/الجزء الثاني
- الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي(5)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (4)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (2 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (1 )
- جودة التعليم-نحو قطيعة لغوية مع الإكليروس اللغوي
- المحرقة المغربية - تأملات في تراجيديا العصر الطحلبي


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل فلسطينيين اثنين في جنين بعد مهاجم ...
- رئيسي يندد بالعقوبات الغربية المفروضة
- إزالة 37 مليون طن من الحطام المليء بالقنابل في غزة قد تستغرق ...
- توسع الاتحاد الأوروبي - هل يستطيع التكتل استيعاب دول الكتلة ...
- الحوثيون يعرضون مشاهد من إسقاط طائرة أمريكية من نوع -MQ9-.. ...
- -الغارديان-: أوكرانيا تواجه صعوبات متزايدة في تعبئة جيشها
- هجوم صاروخي من لبنان يستهدف مناطق في الجليل الأعلى شمال إسرا ...
- السيسي يوجه رسالة للعرب حول فلسطين
- الأمن المصري يضبط مغارة -علي بابا- بحوزة مواطن
- نائب نصر الله لوزير الدفاع الإسرائيلي: بالحرب لن تعيدوا سكان ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان -1