حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 844 - 2004 / 5 / 25 - 03:47
المحور:
الادب والفن
" نرجسية"
لا يمكن تحمل الفشل,دون تذمر أو شكوى, ودون عزوه إلى الظروف الخارجية,مع أن مواجهة الأسباب الذاتية للفشل طريق أوحد لتجنب تكرار أخطاء الماضي وآلامه.الخبرات التي يراكمها الفرد توسع من آفاقه ومداركه,تزيد كذلك مناعة دفاعاته,لكن المعضلة تكمن في كثافة الزمن, الغموض والمهمل وخارج الوعي,تلك الطبقة الكتيمة من التشويش, عائق أول أمام وعي وإدراك تجاربنا وحتى بعض خبراتنا أو أجزاء منها,بالطبع بعد تجاوز القصد والنية في تزييف الوقائع والأحداث. أسطرة الذات سبب ومظهر بنفس الوقت للابتعاد عن الموضوعية وفقدان الواقع, انقسام الذات على نفسها تعبير مناسب وغير كاف, فهو يفترض التعددية فيما يضمر ثنائية فقيرة لا تكفي لعرض التجربة بتناقضاتها وأوهامها. كلنا يعرف ذلك بمرح ولا مبالاة يخفيان الأسى . بحدود خبرتي الشخصية, يتعذر الفكاك من أسطرة الذات نهائيا, وأكثر ما تتملك المرء في حالتي النجاح الصريح أو الفشل الصريح.لأنني من ذلك الصنف الذي لا يحتمل الفشل عملت دائما وبشتى السبل لتحويله أو تمويهه وأرغب اليوم بتصميم عميق بكشف بعض المخبوء و المضمر في سيرة فشلي لأجلي أولا ,لتجنب تكراره, ولمن سيقرئني تاليا,عسى تحمل شيئا من المتعة أو الفائدة.
مكتوب في بطاقة الهوية تاريخ الميلاد 16960 وأعلم أن ذلك غير دقيق فعائلتي كانت تعيش خارج العصر, سنة أل 976عرفنا الكهرباء, ولا توجد صورة شخصية واحدة لي قبل ذلك التاريخ.الآن فقط عرفت سبب خوفي من صوري الحديثة بل وكراهيتي لها. ستبقى جميع صوري اللاحقة تخص شخصا آخر بنظري, سأبقى أنا الآخر .
كتبت في عامي الأربعين:
كم أفتقد إلى أحلام اليقظة
بينما أمشي على جثة الحاضر
كنت سأدل النسور إلى بيتي
وأطيل النظر إلى الوردة المشتهاة
لم يتغير العالم ولم أمت في الحب
* * *
في الظل المديد إلى الحسرة والمنتهى
لا أصل إلى سر الأمس
رأيت النجمة فوق الباب
وخلف النجمة وجه من أحب
غدا يكتمل القمر
بتلك اللهفة التي مازالت
تشع عبر الزمن
* * *
ما الذي يقوله الرجل للمرأة
ما الذي تقوله المرأة للرجل
ما الذي يقوله الحطاب للفأس
ما الذي تقوله الفأس للغابة
ماذا يمكن القول
لرجل في منتصف العمر ولا يؤمن بشيء
أوردت النص بكامله لاعتقادي أنه تعبير مناسب عن تجربتي الشخصية الوجودية مع أزمة منتصف العمر. مضى على ذلك أربع سنوات, تغير خلالها وجه العالم,بعد تفجيرات نيويورك وما نهاتن الفظيعة في 11أيلولسبتمبر, التي أسماها بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الغزوتين,وأسماها جورج بوش الرئيس الأمريكي بداية الحرب العالمية على الإرهاب, وأعادا العالم إلى ثنائية قاتلة,فسطاط الحق والباطل عند الأول والخير والشر عند الثاني. كما تغيرت حياتي وشخصيتي بدخول الانترنيت إلى منزلي.
اليوم قبل أسبوعين من بلوغي ال44 بدأت بكتابة هذه الرسائل, التي أرغب عبرها بتجربة أسلوب جديد في كتابتي يجمع بين المقالة كنص محدد بفكرة محورية وبين السيرة الذاتية كعرض لتجربة فرد بشقيها المعيشي والثقافي وبين الرواية في اعتمادها السرد الحر. السبب المباشر لهذه الكتابة حاجتي القاهرة إلى الكلام,و أمامي ثلاث خيارات فقط:التوجه إلى المعالج النفسي أو الاستسلام لنوبة اكتئاب أو التوجه إلى كيكا صموئيل شمعون وهو ما سأفعله ما بقيت كيكا فسحة حرية.
ستبقى سنوات ال929394 المفصل الجوهري في حياتي, إذ تعرضت خلالها لتجربة مركبة,حصلت على شهادة الهندسة, وتبادلت الخيانة(بالمعنى الحرفي والواسع) مع زوجتي وأصدقائي ووطني, وتمت استباحتي (بعد تجربة اعتقال)من قبل السلطة والمعارضة بنفس القسوة والوحشية,ومع ذلك فقد صادفت حظا استثنائيا بروعته,عرفت الحب.
لن أتعافى من آثار تلك التجربة, وبنفس الوقت ما زالت تهبني أسباب العيش. اللاجدوى والعدمية بالتزامن تشطران شخصيتي مع تصميمي العميق على المصالحة والتكيف,مع زوجتي أولا وقبل كل شئ, فلها أدين بحياتي فعليا, وليست بلغة المجاز التي أمقتها حتى في الشعر.
تحت هشا شتي وضعفي ورقتي شخص شديد الاعتزاز بنفسه, وهذا منبع شقائي, ومصدر لبعض صفاتي الجيدة, وفي مقدمتها الصراحة والشفافية وأسعى لتحققها في هذه الرسائل.
كل ما أملكه في هذا العالم وتشاركني فيه زوجتي:راتب نتقاضاه نهاية كل شهر يكفي للطعام والتبغ والخمور الرخيصة وأجرة المنزل بالحد الأدنى, وأثاث منزلنا بما فيه الكمبيوتر وخط الهاتف والتلفزيون أقل من ألف دولار.
لهذا كنت وما أزال رجل حر,ليس لديه ما يخسره سوى عبوديته, وفق المنظور الماركسي الذي نشأت عليه وما يزال أحد مكونات شخصيتي. ومن الجانب الآخر تجاوزت الأوهام الأخلاقية السائدة:العظمة والمجد والبطولة إلى الأخلاق الواقعية التي تتمثل بتكافؤ الحق والواجب, لذا أعرف أن آلامي النفسية مجانية, وفق المنظور النفسي الذي قدم لي الكثير بدءا من بوذا وليس نهاية بفرو يد.نقص الصراحة والشفافية في هذه الرسائل لا يبررها شئ , ويمكن تفسيرها بالضعف البشري الطبيعي(الخوف والتقديرات الخاطئة وسوء التعبير...) مع التزامي بمحاولة تدارك النواقص والأخطاء حسب طاقتي.وأرى من المناسب البداية بمقال منشور في مجلة أفق الإلكترونية:كيف خسرت عفويتي , ومن باب التأكيد على الفرح كقيمة جوهرية,وربط هذه الرسائل بمحاورتي المفتوحة مع أحمد جان عثمان, علي أن أعترف له ولصديقنا المشترك صموئيل شمعون, بحس الفكاهة لكليهما, الذي أرى فيه حصانة ضد الاكتئاب.أسعى لتبديل التجهم بالفكاهة
قد أصل,بعدما فشلت بكل السبل وأولها الشعر:
من حذائي المثقوب
يبدأ التاريخ والجغرافيا
أنا الأمير السعيد
أضع رجلا فوق رجل
وأطلق قهقهتي
إلى وراء الكون
دائما
أستيقظ في منتصف الكابوس
لاهثا
خلف أعصابي التالفة
* * *
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟