حمزه الجناحي
الحوار المتمدن-العدد: 2649 - 2009 / 5 / 17 - 06:57
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ربما العراقيون اليوم يعتبرون اكثر شعوب العالم معرفة بالطبائع والنظم والاعراف التي تعيشها المجتمعات الاخرى على امتداد السواحل المائية واعماق الدول وعلى كل بقعة من بقع الارض التي يغطيها الماء وبثلاث ارباع الارض فالعراقيون الوحيدون اللذين حطموا اعلى الأرقام التي وضعتها المؤسسات والمنظمات للتقدير على قدرة البشر في مضمار معين يستطيع الوصول له والاستمرار على تكثيف الجهود للوصول الى اخر الرقم والذي يسمى بالرقم القياسي وكذالك القدرة على التعايش مع تلك الشعوب ورفدها بالعلم والعلماء والادباء والفنانين وهذا مشهود للانسان في العراق ولا يختلف عليه اثنين...
حصل كل ذالك لدى اهل العراق حصرا وعرفوا اليوم بأنهم اكثر الناس هجرة الى خارج بلدهم العراق نتيجة مامر به العراق من ماسي ووكوارث أدت بالنتيجة إلى هجرة ابناءه للخلاص من الطغاة والحفاظ على أنفسهم من التقتيل ولكن وما هو معروف عن العراقيين هو استطاعتهم الانتاج والابداع ووفي اصعب الاوضاع التي يعيشوها حتى لو كانت في الغربة والبعد القاسي عن مراتع الطفولة وذكريات المدن العراقية التي تربوا فيها ,,,
اليوم وبعد ان عاد بعض من اولاءك المهاجرين الى وطنهم العراق ليعيشوا لحظات طالما حلموا فيها وداعبت مخيلاتهم ومدهم الحنين للعودة الى تلك المدن العراقية اجمعوا اغلب من عاد ان العراق اليوم ليس كعراق الامس بل ان بعضهم صور العراق في عقد السبعينات والثمانينات اجمل وانظف واحلى من اليوم بعد ان طال العراق الخراب والحروب وعاش المحن وفعلا هذا ما عاناه عراقيوا الداخل قبل الذين عادوا الى وطنهم ....
مهما كانت الظروف التي تمر بها الاوطان وحجم مأساتها وعظم كارثيتها الإ ان في كل العالم وفي كل الدول هناك ثوابت وارث لا يمكن ان تدير بظهرك عنه ارث قدمت وبذلت من اجله الارواح والانفس والغالي والنفيس ومن اجل ذالك الوطن هجر الناس ايضا فكل من مكانه قدم لوطنه لذالك فأن دول العالم وحكوماتها تحرس ايما حرص للحفاظ على ذكرى تلك الاحداث وتمجد من قدم المجد للوطن وتضع له القوانين وتسن له الدساتير لأنه ليس ملك لأحد بل ملك لأمة يحتاجها ابن ذالك الوطن على مر العصور حتى لو بعد المئات من السنين لابد للعودة الى ذالك التاريخ المجيد...
واهم تلك الشواخص التي لا تكاد دولة في العالم ولا مدينة ولا حتى قصبة اوقرية لا تهتم بها ولا يمكن ان تخلوا منها امة هي امكنة الشهداء من المتاحف والحدائق والمؤسسات التعريفية بتلك الحقب الساطعة النور التي خطت بدماءها رسم الخرائط المنيرة الى الاجيال القادمة التي تبحث وتتباهى بمبدعيها الذي ساروا على ذالك الدرب ولا يمكن ان نستثني أي دولة في هذا المجال والتعريف بشهداءها فترى الحدائق الغناء والاموال تبذل لها والمتحاف والمكانات المتميزة واقامة الحفلات والتذكير بذالك التاريخ بل ان الكثير من المعالم الحضارية سميت بأسماء الشهداء في مدن عريقة وحديثة ولنا في ذالك اسوة حسنة ليس بعيدا عنا تلك هي الدول العربية المجاورة فتراها اليوم مهتمة بذالك النهج الراقي وكذا نجد ان الكثير من العراقيين الشهداء انفسهم ضمتهم اراضي الغير من اجل عقيدة اعتنقوها واستبسلوا فيها فترى شهداء العراق في سوريا والاردن وفلسطين وعلماء العراق ومبدعيهم اسماء تتباهى بهم تلك الدول المجاورة ...
في العراق مثل هذه المعالم ليس لها وجود ولا اثر الا لبعض من التماثيل في الشوارع العراقية فقط ولا تمثل تلك الشخوص أي من الحقب التاريخية على رفعة العراق ونضاله ولعهد قريب اهتم طاغية العراق صدام وامر ببناء بعض الامكنة والاضرحة لرجالات وافاهم الاجل واعتبرهم الطاغية هم من بنى العراق نسى ان العراق لا يمثل بحقبته البغيضة التي ادت الى تلك المهالك والدمار في بلد تحت وطئة ارضها ينام العباقرة والشهداء والائئمة والصديقين ...
في العام 91 وابان قيام الانتفاضة الشعبانية التي افقدت الطغاة صوابهم عندما هب العراقيون ومن كل ارجاء تلك الارض الطيبة وخاصة في وسط وجنوب وشمال العراق قدمت في تلك الفترة قوافل من الشهداء السعداء حتى وصل الامر ان تلك الزمرة قررت ان تبيد شعب او امة بكاملها فحصنت نفسها حتى لا تتحرك تلك الجموع لقضم البيوت الرئاسية التي كان فيها يسكن الطغاة فبنى اكبر واعضم سدا وحاجز عسكري ليقاف تلك السهام من ان تصل الى نحور القتلة الذين عاثوا في ارض العراق فسادا وبينت تلك الفترة مدى جبنهم وسخفهم وكراهيتهم للبشر ,,اوقف الطاغية كل قوته العسكرية مستعينا بالضوء الاخضر للقوات الامريكية لوئد تلك القوة العاتية الهادرة من البشر وكانت المحاويل تلك المنطقة التي تحوي المعسكر العملاق هي اخر محطات المقاومة والوثوب عليها واحتلال المحاويل يعني الوصول الى بغداد ..
جهز النظام كل آلته العسكرية في تلك المنطقة التي اصبحت معركة حرب وارض لدماء العراقيين للنيل من القتلة لكن والقدر يريد شيئا لا نعرفه نحن انتهى الامر بمأساة قل نضيرها لقد اصبحت تلك الارض عبارة عن اكبر مقبرة سرية لقتل العراقيين ودفنهم حتى وهم احياء وبدون تفرقة بين كبير وصغير طفل وامراة مريض ومعافى الجميع مشترك بالجريمة على النظام لتدفن تلك الأنفس على تلك الارض ولكثرة ألاعداد الهائلة استعانت تلك الطغمة بالاليات والمزنجرات لدفن الناس وهم احياء ...ولأكثر من ثلاث عشر سنة ضل العراقيون ينتظرون اللحظة تلو اللحظة لجلب ذويهم من تلك المقابر لكن وبما ان الوضع الصدامي استثنائي وشرس حتى الت الامور الى فترة بعد السقوط ليجلب الناس شهدائهم وليشاهد العالم اكبر مقبرة جماعية لقتل البشر على يدي الطغاة واستمر العمل بهذه المقبرة التي هي عبارة عن ارض جرداء وحفر عميقة وغير عميقة غير مهندسة ولا يوجد أي معلم من معالم التحضر واحترام النفس البشرية في طريقة الدفن والقتل فسارع الناس الى تلك الارض ونبشوا التراب وازالوا الاطنان من الاتربة والطين ليجدوا مالم يصدق من عقل ولا عين انهم العراقيون ولأشهر وعلى هذا المنوال ولازالت تلك الاجساد الطاهرة التي لم يتعرف عليها اهلها ولم تجلب الى ذويهم هناك على تلك الارض تنادي من يعيدها الى اهلها ...
اليوم ولمروركل هذه السنوات على تلك الارض الشاهد على تلك المجزرة للاسف الشديد لا يرى نبتا ولا اسما ولا معلما ولا تمثالا الا من اصوات لا تسمع تقول لقد جاءوا بنا الى هنا ولا زلنا ولا يمكن لاي شخص ان يغادر تلك الارض قبل ان يترحم على الارواح التي سقطت هناك ,,,
سنين ست مرت وتحول العراقيين من حكم طاغي يحكم بالحديد والنار الى نظام جديد منبثق من اولاءك اللذين سقطوا على ارض المحاويل حكم الفقراء والمعوزين ولم يمر احد على تلك الارض التي روى ترابها دماء الشهداء ولا ترى في تلك الارض الا الكلاب السائبة التي تنتظر ان تحصل على عظمة من فك طفل سقط هناك او جزء من يد لأم كانت تمسك بطفلتها هنا حتى ان تلك الارض لم يزرع فيها نبات او شجرة او لم تسيج بسياج معدني حتى اكراما للمتوفين وليس للشهداء بل ضل الامر هكذا وكان الامر لا يعني احد في حين من الممكن ان تخصص الاموال من الحكومات المحلية اليوم لبناء اكبر شاهد على تلك الجريمة النكراء وليس طمس معالم ذالك الشاهد ودفنه في غياهب الحقيقة والموت .
#حمزه_الجناحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟