أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الماركسية المتجددة والديالكتيك المتجدد















المزيد.....


الماركسية المتجددة والديالكتيك المتجدد


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1943 - 2007 / 6 / 11 - 12:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(الحلقة الاولى)

ارسل لي قارئ عزيز رسالة مطولة مكتوبة باليد بشكل صور تتألف من ثلاث صفحات تحتوي على مواضيع عديدة ترددت في الاجابة عليها لانها احتوت على اراء لا علاقة لها بالعالم الذي نعيشه. ولكني مع ذلك قررت بعد تردد شديد ان اتناول بعض ما جاء في الرسالة لعل في ذلك بعض الفائدة للقراء وتوضيح لبعض القضايا التي احتوتها الرسالة. (الاقتباسات من الرسالة طبق الاصل ودقيقة ولكنها مطبوعة اذ لم استطع اقتباسها من الاصل المكتوب باليد)
تعليقا على قراءاته لمقالاتي في الحوار المتمدن جاء الانتقاد التالي:
"أعبر عن احترامي لقناعتك لكني ارى فيها ميلا شديدا الى التفكير الكلاسيكي والتقوقع في دائرة قد تكون ضيقة احيانا من خلال فهمك للماركسية كما هي وكما كانت في منتصف القرن الماضي"
اشكرك جزيل الشكر قارئي العزيز على شهادتك القيمة التي تعترف فيها باني اتمسك بالماركسية كما كانت في منتصف القرن الماضي وارجو ان اكون جديرا بهذا التقدير. هذا شرف اعتز به. ولكن الواقع هو انني اتمسك بالماركسية كما كانت عند نشوئها وبالصورة التي وضعها معلمو الماركسية ماركس وانجلز في منتصف القرن التاسع عشر وطورها لينين وستالين في اوائل القرن العشرين وليس منتصف القرن الماضي كما جاء في رسالتك.
الماركسية علم على من يريد ان يكون ماركسيا ان يتعلمه كما هو الحال في اي علم اخر. فلا يستطيع ان يكون ماركسيا من لم يدرس الماركسية ومن لم يدرسها كما وضعها معلموها. ولكن دراسة الماركسية ليست خاتمة المطاف بل انها مجرد الخطوة الاولى في طريق ان يصبح دارسها ماركسيا. فعلى من يدرس الماركسية ان يؤمن بها كعلم ويطبقها بكل ايمان واخلاص كخطوة ثانية في تحول الانسان الى ماركسي. فقد يتعلم انسان الماركسية ويدرسها ولكنه لا يؤمن بها كعلم وفي هذه الحال لن يكون ماركسيا. فهناك الكثيرون ممن تعمقوا في دراسة الماركسية ولكن ايمانهم بها اختل وتخلوا عنها فاصبحوا غير ماركسيين وحتى اعداء للماركسية. اورد على سبيل المثال كاوتسكي الذي كان الماركسي الاول بعد وفاة انجلز وهو الذي اعد الجزء الثالث من الراسمال من مسودات ماركس بثلاثة مجلدات. ولكنه حين تخلى عن الماركسية اصبح مرتدا وعدوا للماركسية وللاشتراكية كما هو معروف تاريخيا وكما كتب عنه لينين في كتاب "كاوتسكي المرتد". فقط بعد دراسة الماركسية والايمان بها كعلم يصبح بامكان الدارس لها ان يصبح ماركسيا. ومعنى كلمة ماركسي هو ان يكون الانسان قادرا على الاستفادة من علم الماركسية الذي تعلمه في تحليل الحركة الاجتماعية المحيطة به والتوصل الى اتجاهها الناجم عن التناقضات المكونة لها والعمل على دفع تلك الحركة في الاتجاه الصحيح استنادا على ذلك. وهذا ما يعبر عنه الماركسيون بان الماركسية دليل للعمل. وعلى سبيل المثال ان الماركسية هي دليل العمل لي وترشدني الى كيفية مناقشة رسالتك وتوجيهها في الوجهة الصحيحة. فالماركسية لا تعطي وصفة جاهزة لكل حركة ولكنها تمنح الماركسي القدرة على تحليل الحركة التي تجابهه تحليلا علميا. ان كنت تقصد بالتقوقع في الماركسية الكلاسيكية باني امتلك هذه الصفات فهذا شرف لي وهو ما بذلت كل جهودي في حياتي السياسية لمحاولة بلوغه وما زلت اعتبر نفسي تلميذا في هذا الاتجاه.
تتحدث عن ماركسية كلاسيكية. فهل هناك ماركسية كلاسيكية وماركسية رومانسية او غير ذلك من التسميات؟ لا اعتقد ان هناك شيء يدعى ماركسية كلاسيكية وانما هناك علم يدعى ماركسية. وهذا كل ما في الامر. انك تتحدث عن الماركسية الكلاسيكية لكي تعبر عن ماركسية جديدة تؤمن انت بها وسيأتي الحديث عنها.
تقول في رسالتك "بعد حوالي عشرة سنوات من تواجدي في السويد تغيرت نظرتي للامور ... وتحولت من ماركسي لينيني كلاسيكي الى ماركسي متجدد، فتحليلي الشخصي لحركة وتطور المجتمع السويدي اليومية والتي انا منها (...) اراها تنطبق كليا مع المفهوم الديالكتيكي الماركسي... بعبارة اخرى ان قوى المجتمع السويدي يسارا ويمينا تحلل وتدرس مشاكل المجتمع بشكل ديالكتيكي ... وكل حزب يطرح طريقة الحل حسب ما يناسب برنامجه وتطلعاته ... الخ" (النقاط الثلاث المتكررة هي من الاصل ونقلتها توخيا للدقة عدا النقاط الثلاث المحصورة بين قوسين فهي للاشارة الى حذف جملة لا لزوم لاقتباسها حسب رأيي)
هنيئا لك لانك خرجت من قوقعة الماركسية اللينينية ودخلت في قوقعة ماركسية متجددة. ولكن هل كنت فعلا ماركسيا لينينيا ولو يوما واحدا في حياتك؟ هل درست الماركسية التي تسميها ماركسية كلاسيكية؟ فمن يتحول عن الماركسية اللينينية عليه اولا ان يكون ماركسيا لينينيا ولا اظنك درست شيئا من الماركسية. فدراسة الماركسية اللينينية اصبحت من زمان مجرد ثرثرة لا معنى لها يتشدق بها الاف الناس من المنتمين الى الحركة الشيوعية بشكلها الذي ساد بعد نشوء التحريفية الخروشوفية. اذ كل من شاء ان يكون قائدا في حزب شيوعي او حتى كادرا فيه اطلق على نفسه ماركسيا لينينيا بدون ان يعرف عن الماركسية اللينينية الفباءها. ارجو معذرتك لاني حين اقول هذا لا اقصدك انت شخصيا بل اقصد احزابا شيوعية بكاملها في ارجاء العالم بعد ان تسنمت زمرة خروشوف بريجينيف السلطة في الاتحاد السوفييتي.
والان لنتفق جدلا معك على انك كنت ماركسيا لينينيا وتركت الماركسية الكلاسيكية واعتنقت ماركسية مجددة. لم تشرح لنا ما هي هذه الماركسية المجددة وما هو الفرق بين الماركسية الكلاسيكية وماركسيتك المجددة من الناحية النظرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية. ولكنك بينت لنا ان ماركسيتك المجددة توصلت الى ان المجتمع السويدي الذي انت جزء منه يسير بطريقة ديالكتيكية. وطبيعي انك لا تقصد من الديالكتيك ديالكتيك الماركسية الكلاسيكية وانما ديالكتيك الماركسية المجددة. واستنادا الى تحليلك الديالكتيكي الشخصي وفقا للماركسية المجددة توصلت الى ان المجتمع السويدي يسير "(براسمالييه ومبدعيه وعماله ... الخ)" بطريقة ديالكتيكية مجددة صحيحة وهذا ما لا يمكنني ان اناقشك عليه لانه قناعتك وانا احترم قناعتك كما احترمت انت قناعتي. ولكني لا استطيع ان اتصور ان الكثيرين من المحللين الشخصيين يوافقونك على تحليلاتك الشخصية هذه.
تقول في رسالتك "لي خبرة في صفوف الحزب الشيوعي العراقي لمدة سنوات في العمل الشبه علني والسري والكفاح المسلح ايضا ضد الدكتاتورية ... ثم انسلخت من الحزب الشيوعي بعد توصلي الى قناعات فكرية ادت الى ذلك"
ان الحزب الشيوعي بموجب الماركسية اللينينية او الماركسية الكلاسيكية كما تسميها هو منظمة طوعية ينتمي اليها بمحض ارادته كل من يؤمن بمبادئ الحزب ويعمل في احدى حلقاته ويساهم في تمويل نشاطه. وعلى هذا الاساس ليس غريبا الانسلاخ من مثل هذا الحزب لمن يتوصل الى قناعات فكرية اخرى. لذلك ليس لي ما اقوله لك حول انسلاخك من الحزب الشيوعي العراقي. ولكن حتى الانسلاخ من حزب شيوعي له جانبان لا جانب واحد. ولذلك علينا ان ندرس الانسلاخ من الحزب الشيوعي بجانبيه وليس من جانب واحد. فالانسلاخ من الحزب الشيوعي يمكن ان يكون لان المنسلخ توصل الى قناعات فكرية غير القناعات الفكرية التي يؤمن بها الحزب كما حصل لك اي انسلخت عن الماركسية اللينينية وانتقلت الى الماركسية المتجددة في حين ان الحزب حسب رأيك ما زال يؤمن ويناضل وفقا للماركسية اللينينية. وقد يكون الانسلاخ نتيجة معاكسة لما حصل لك اي ان الحزب هو الذي انسلخ عن الماركسية اللينينية بينما بقي المنسلخ من الحزب مؤمنا بالماركسية اللينينية وهذا حصل للكثير من المؤمنين المخلصين للماركسية سواء في الحزب الشيوعي العراقي ام الاحزاب الشيوعية عموما لان هذه الاحزاب انسلخت عن الماركسية اللينينية سيرا وراء الزمرة الخروشوفية التحريفية للماركسية. وقد يكون الانسلاخ نتيجة لانسلاخ الطرفين عن الماركسية اللينينية وهو الشكل الاغلب منذ سنة ۱٩٥۳ لحد الان. والمهم هو ما وقع لك اي انسلاخك عن الماركسية اللينينية الذي ادى الى انسلاخك من الحزب الشيوعي العراقي. واهم من ذلك انك قد توصلت الى قناعات جديدة تعتبرها صحيحة وتؤمن بذلك باخلاص وهو ما ينبغي احترامه سواء اكان من وجهة نظر الاخرين صحيحا ام خطأ. وسؤالك "لماذا اذن علي الالتزام بتحليل ما انطلاقا من فهم ماركسي كلاسيكي ولا اتفق مع تحليل وتشخيص صائب لمشكلة ما ويضع حلولا اراها صحيحة ... مستندة الى الديالكتيك والواقع وتنطلق من حزب لا شيوعي او لنقل يميني ... بينما الحزب او الاحزاب اليسارية تضع حلولا غير واقعية وتنطلق من ايديولوجيتها وبفهم كلاسيكي عفا عنه الزمن؟!" لهذا السؤال جواب واحد هو ليس عليك اي التزام من هذا النوع ولك ان تعتقد بما تعتبره صحيحا وان تتحمل مسؤولية ما تعتقد به كما يتحمل كل انسان مسؤولية ما يعتقد به.
تقول في رسالتك: "لقد ذكر ماركس ان الراسمالية تتطور تدريجيا الى الاشتراكية فليس بالضرورة ثورة عنفية" ولم تورد المكان والمناسبة التي قال فيها ماركس هذا القول او كتبه. ولكني اود ان انصحك في ان تقرأ اول وثيقة ماركسية في التاريخ، البيان الشيوعي، للتأكد مما كتبه كارل ماركس وانجلز بهذا الصدد. وعليك الا تنسى ان ماركس هو الاول الذي وضع مصطلح دكتاتورية البروليتاريا كدولة العمال التي تأتي نتيجة للثورة الاشتراكية.
تقول في رسالتك: "لو قارنا ما حصل عليه العامل، الموظف في مثلا المانيا والسويد لوجدناه منذ القرن الماضي افضل بالف مرة عما حصله العامل والموظف في الاتحاد السوفييتي سابقا (رغم وجود حزب الطبقة العاملة على رأس السلطة هناك) ..."
حقا ان بهذا اثرت موضوعا هاما جدا ويمكن النظر اليه من عدة جوانب. فاذا اخذنا الجانب الاجتماعي على سبيل المثال نجد ان ما قدمه الراسماليون للعامل / الموظف، هو اضعاف "الالف مرة عما حصله العامل الموظف في الاتحاد السوفييتي". فقد قدمت الراسمالية للعامل الموظف الحرب العالمية الاولى لاعادة اقتسام العالم حيث قتل عشرون مليون عامل / موظف / فلاح واضعاف ذلك من الجرحى والمشوهين والمرضى النفسيين والارامل والايتام الخ. وحصل حتى العامل/ الموظف في الاتحاد السوفييتي ايضا في بداية حياته اي بعد ثورة اكتوبر وقبل ان يطلق عليه اسم الاتحاد السوفييتي ما قامت به الدول المتحاربة في الحرب العالمية الاولى حيث توقفوا عن القتال فيما بينهم واتحدوا في الهجوم على الدولة العمالية لقتلها في المهد حسب نظرية تشرتشل.
وقدمت الراسمالية الى العامل / الموظف الحرب العالمية الثانية لاعادة اقتسام العالم مرة اخرى حيث قتل خمسون مليون انسان عدا المآسي الكبرى الاخرى المذكورة سابقا. بل ان الراسمالية قدمت للعامل / الموظف / الفلاح السوفييتي ايضا خلال الحرب العالمية الثانية سبعة وعشرين مليون قتيل وتدمير جميع القسم الاوروبي من الاتحاد السوفييتي وغير ذلك مما حصل عليه العامل الموظف السوفييتي من الراسمالية.
وقدمت الراسمالية للعامل الموظف الحرب العالمية الثالثة التي عشناها وما زلنا نعيشها منذ الهجوم على البرجين التوأمين في نيو يورك. هذه الحرب التي تهدف الى الاستيلاء على العالم كله من قبل دولة راسمالية واحدة هي الولايات المتحدة الاميركية. واهم وافظع ميزة للحرب العالمية الثالثة هذه هي انها لا تبيد الملايين من الاجيال الحية حاليا كما كان الحال في الحربين السابقتين بل تبيد الاجيال القادمة لالاف السنين نتيجة استخدام اسلحة الدمار الشامل الجديدة المتطورة كاليورانيوم المنضب وغيره كما هو الحال في افغانستان ويوغوسلافيا والعراق وغيرها حيثما تشن الولايات المتحدة وحليفتاها الدائمتان بريطانيا واسرائيل وحليفها الخانع الحلف الاطلسي الحرب في ارجاء العالم.
وقدمت الراسمالية للعامل الموظف مئات الحروب غير العالمية خلال الفترة التي تحدثت عنها اي منذ منتصف القرن الماضي. وقدمت الراسمالية للعامل الموظف الفلاح في جميع قارات العالم الجوع والحرمان والموت البطيء والجهل نتيجة لسرقة ثروات هذه الشعوب وهو ما منح الراسمالية القدرة على ان تقدم الى العامل الموظف في بلدانها بعض الامتيازات التي سنتحدث عنها ادناه. وقدمت الراسمالية للعامل الموظف في ارجاء العالم تدمير البيئة الطبيعية وتعريض الكرة الارضية وكامل الحياة عليها الى الدمار والفناء وهو ما تزعم الدول الثمان الكبرى انها تقوم بمناقشته مع الولايات المتحدة الاميركية التي ترى محاولة المحافظة على البيئة مضرة بمصالحها في اجتماعها الحالي في المانيا.
ولكن يبدو ان الماركسية اللينينية تتناول مواضيع تافهة اكل الدهر عليها وشرب مثل الحروب والدمار والجوع والنهب والسرقة والقرصنة وتجارة العبيد والمخدرات وابادة الشعوب. وليس هذا ما يقصده قارئي العزيز حين يتحدث عن منح العامل الموظف في السويد والمانيا الراسماليتين الف مرة ما منحه الاتحاد السوفييتي للعامل الموظف السوفييتي. انه يقصد الناحية الاقتصادية، الاجور والرواتب الضخمة التي تمنحها الراسمالية لبعض عمالها وموظفيها. فهؤلاء هم العمال والموظفون الذين يتحدث عنهم قارؤنا العزيز. وقد يكون بعد عشر سنوات من حياته في السويد قد اصبح واحدا من هؤلاء الموظفين او العمال المحظوظين او انه يرى مثل هؤلاء الموظفين والعمال في محيطه السويدي الذي هو جزء منه.
يذكر قارؤنا العزيز على سبيل المثال وجود مثل هؤلاء الموظفين في السويد وفي المانيا. ولكن الحقيقة انهم وجدوا وما زالوا موجودين في جميع البلدان الراسمالية. ولم يكن وجودهم منذ النصف الثاني من القرن الماضي كما يشير قارؤنا بل كان منذ نشوء النظام الراسمالي وقد كتب انجلز كراسا رائعا عن حياة الطبقة العاملة البريطانية في النصف الاول من القرن التاسع عشر ووصف فيه وجود مثل هؤلاء العمال في بريطانيا واسماهم ارستقراطية العمال. وليس هذا موضوع بحثنا في هذا المقال لان الواقع يشهد على وجود مثل هؤلاء الموظفين والعمال ذوي الرواتب العالية بحيث جعلت قارءنا يتوصل الى ان الراسمالية منحت العمال والموظفين الف ما اعطته الدولة السوفييتية للعمال والموظفين السوفييت. ولكني اظن ان على قارئنا ان يتواضع قليلا ويقدر ما اعطته الراسمالية للعامل العاطل بأقل من الف مرة ولنقل خمسمائة مرة. والعاطلون في جميع البلدان الراسمالية موجودون بعشرات الملايين وتزداد ملايينهم كلما تقدمت الراسمالية الامبريالية في استغلالها للعالم المستعمر كله كما يجري اليوم فيما يسمى العولمة والخصخصة والقضاء على ما تبقى من حقوق هذه المستعمرات من ثروات تسمى القطاع العام.
ليسمح لي القارئ العزيز ان اورد هنا مثلا على مثل هؤلاء الموظفين ذوي الرواتب العالية اعرفه حق المعرفة هنا في بريطانيا. لي صديقان عجوزان مثلي لهم ابنة حائزة على شهادة الدكتوراه في موضوع الحاسبات الالكترونية. تزوجت هذه الفتاة وانجبت طفلين ولكن زواجها لم يكن ناجحا فافترقت عن زوجها واصبحت مسؤولة عن تربية طفليها. تعمل هذه الفتاة موظفة فيما يسمى مصرفا زورا وبهتانا لانه ليس في الواقع سوى ماخور للمقامرة بالمليارات من مختلف العملات العالمية. ان الراتب الرسمي لهذه الفتاة هو ستون الف جنيه استرليني في السنة ولا اظن ان الموظف السويدي او الالماني الذي تحدث عنه القارئ كان افضل من ذلك. قبل كل شيء تقتطع الحكومة من راتب هذه الفتاة ٤۰ % كضريبة دخل وتدفع الفتاة من الباقي الفا وخمسمائة جنيه شهريا ايجارا لبيتها وتدفع ما يفوق ذلك اجورا لدراسة طفليها واذا اضفنا المصاريف الثابتة الاخرى مثل ضريبة البلدية وقوائم الماء والكهرباء والغاز والتلفون البيتي والتلفون المحمول وتامين السيارة وغيرها لا يبقى لهذه الفتاة من راتبها ما تشتري به طعاما لطفليها واضطر ابواها ان يخصصا جزءا من راتبهما التقاعدي الضئيل الذي تدفعه الحكومة لجميع المسنين المتقاعدين كل شهر لشراء الطعام وان يخصصا جزءا ضئيلا اخر كمصرف جيب لحفيديهما.
هذا هو وضع واحدة من الذين يتلقون رواتب ضخمة في النظام الراسمالي فما شأن العامل او الموظف البسيط الذي لا تصل اجوره الى ربع هذا الدخل ولنترك العاطلين جانبا. ثم ان هذا الوضع هو وضع خاص بالبلدان الراسمالية الكبرى تقريبا فما شأن العامل في سائر القارات غير اوروبا والولايات المتحدة الاميركية؟ اترك الاجابة على ذلك لتحليل قارئنا الديالكتيكي الشخصي.
وتقول في رسالتك: "ان الراسمال يضطر وبحكم نضوج الوعي عند الشعب (عمالا او راسماليين) ان يرفه / يطور / الشعب ويزيد مستواه التعليمي / الفني ... الخ لكي تستمر عجلة الاقتصاد بالدوران." وتقول ايضا" فاذا لم ينتبه الراسمالي الاحتكاري الى ما يحتاجه العامل / الموظف / ... (ونسيت الفلاح) الخ اذا لم يرفه عنه ، اذا لم يدعمه لتطوير تعليمه ... فان الراسمالي يفقد ربحه ويخسر بالنهاية." وتقول: "لماذا علي اذن الالتزام بفكر ماركسي كلاسيكي؟ علينا ان نطوره فكل شيء نسبي...وزوايا النظر مختلفة ... والافراد مختلفون في كل شيء ... اني ارى ان تطور البنى الفوقية / ثقافة ، وعي الناس يطور نظريات الاتصال / الحديث بين فردين او اكثر ... ، يطور نظريات وعمليات تشكيل الفريق (group) ، الحوار وتقبل الاخر ... الخ" (النقاط في الاصل)
انك هنا تعتمد على نضوج الوعي لدى الراسمالي والى اضطراره بحكم هذا النضوج والوعي الى الترفيه عن العامل الموظف والا فقد ربحه في النهاية. ولا اريد مناقشتك على هذا. فقد يكون الراسمالي شخصا مثقفا واعيا جياش العواطف يشعر بحاجة العمال والمجتمع الى التطور والرفاه، شخصا رحيما يقدم شيئا من امواله للتصدق وللجمعيات الخيرية ويكون عضوا في جمعيات الرفق بالحيوان ويبكي اذا رأى كلبا ينبح من الالم. ولكن الذي يعمل في المصنع اثناء الانتاج ليس الراسمالي كشخص او كانسان. ان من يعمل في المصنع هو الراسمال. والراسمال كيان ميت لا حياة فيه ولا ثقافة لديه وليس له عواطف او مشاعر. انه اداة ميتة لا تعرف سوى ضرورة واحدة هي زيادة حجمها. فالراسمال هو الاداة المسيطرة في المصنع وليس الراسمالي. وما الراسمالي في هذه الحال سوى عبد او خادم للراسمال. فاذا نفذ خدماته للراسمال بصورة جيدة ابقاه الراسمال واذا عجز الراسمالي عن خدمة الراسمال بامانة واخلاص اي في طريق زيادة حجمه فان الراسمال يطرده ويستخدم عبدا او خادما غيره افضل منه. فثقافة الراسمالي ووعيه وعواطفه ومشاعره واخلاقه لا علاقة لها بعملية الانتاج الراسمالي. عليه في عملية الانتاج ان يخدم الراسمال او يخرج من الميدان مفلسا.
وفي المصنع لا يتعامل الراسمال مع العامل كانسان ولا يعرف عن حاجاته العائلية والانسانية والاجتماعية والثقافية وغيرها بل ليس العامل في المصنع سوى الاداة الوحيدة القادرة بعملها على تحقيق هدف الراسمال الوحيد اي زيادة حجمه. فاذا كان العامل جاهزا لتحقيق هدف الراسمال بقي خادما له واذا عجز عن تحقيق ذلك طرد واصبح عاطلا او عاجزا. وهذا هو السر في وجود الملايين من العاطلين عن العمل. فان الراسمال يرى ان هؤلاء العمال لا يستطيعون لاسباب تتعلق بوضع الانتاج بانجاز مهمة تحقيق هدف الراسمال الاساسي، زيادة حجمه. فثقافة العامل ومستواه العلمي والتكنولوجي ومشاكله العائلية وحاجاته الاقتصادية والثقافية لا دخل لها في عملية الانتاج التي تجري في المصنع بين الراسمال، الاداة المسيطرة، وبين العمل القوة الوحيدة القادرة على زيادة حجم الراسمال.
وتقول ايضا: "اذن العلاقة جدلية بينهما ويستطيع كلاهما عبر النقاش والاقناع والحلول الوسطية (التوافقية) ان يتوصلا في مرحلة زمنية معينة الى حلولا وهكذا ... فالعملية ديالكتيكية متواصلة والتطور الاقتصادي الاجتماعي الثقافي (البنى التحتية والفوقية) تتطور باستمرار لحين التوصل الى مجتمع مرفه متطور ... وفيه عدالة اجتماعية ترضي جميع الاطراف."
لكي يتحقق مثل هذا الوضع الذي تحلم به يجب ان يؤدي تطور النظام الراسمالي الى التحسن التدريجي للمجتمع بمرور الايام الى حين تحقيق هذا المجتمع المرفه المتطور الذي فيه عدالة اجتماعية ترضي جميع الاطراف. ولكن تطور الراسمالية خلال خمسة قرون من تاريخها اثبت انها تتجه اتجاها متدهورا يغرق كل يوم اكثر من سابقه في الازمات الاقتصادية والازمات العامة وفي الطمع والجشع ونهب ثروات الشعوب واستعمارها وابادة شعوب بكامها وتدمير حضارات تاريخية وزيادة الجوع والفقر والجهل في جميع ارجاء العالم. هذا بعد مرور خمسة قرون على تطور الراسمالية فهل على الشعوب ان تنتظر خمسة قرون اخرى لكي يتحقق هذا المجتمع الذي تحلم به؟



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصالحة في عرف بوشتشيني
- تفاوتات الثروة في المجتمعات الراسمالية
- يهود العراق سابقا وحاليا
- علاقة حزب الطبقة العاملة بالنقابات والمنظمات الاجتماعية
- غناء واناشيد السجون
- الى الاخ عارف معروف
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي الحلقة الثالثة - المنظمات ...
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي
- حول مقال دحام التكريتي
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي - الحلقة الاولى -النقابة
- المصالحة الطبقية ظاهرة تاريخية
- حول دراسة الاقتصاد السياسي والصراع الطبقي
- اكتشاف قانون الحركة في ظرف معين
- هل نستطيع تكييف الماركسية لتلائم مجتمعاتنا الشرقية؟
- انتقاد ملطف لمقالي حول-مستلزمات بناء حكومة علمانية ديمقراطية
- مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق
- هل استبدل لينين شعار يا عمال العالم اتحدوا؟
- الى الاخ كاظم حبيب - ملاحظات حول كتاب اليهود والمواطنة العرا ...
- هل النظام الفرعوني نظام عبودي ام راسمالي؟
- الماركسية اللينينية والماوية


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الماركسية المتجددة والديالكتيك المتجدد