أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام إبراهيم - ما بعد الحب رواية هدية حسين2















المزيد.....

ما بعد الحب رواية هدية حسين2


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 1903 - 2007 / 5 / 2 - 12:35
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


من خلال تفاصيل العلاقات النسوية في المعمل الصغير نطل على بعدين من أبعاد وضع العراق والمرأة العراقية. التدهور الاقتصادي زمن الحصار وأثار الحروب وغياب الرجل قتلا في الجبهات أو السجون أو هجرة إلى المنفى مما أنعكس على الوضع الإنساني للمرأة العراقية الممثلة للطرف المراقب لهذا الخراب. فهدى ونادية شخصيتا النص المحوريتين وقصة هجرتهما وخواء مستقبلهما حيث الثانية واجهت مصيراً تراجيديا إذ قضت دهساً في عمان.. والثانية محور السرد واجهت مصيراً لا يقل تراجيدية عن نادية إذ ضيعت حبيبها وقريبها الذي ساعدها في الهرب إلى عمان، ولم تستطع حسم عواطفها إزاء العراقي "موسى كاظم" الذي التقت به صدفة في مقر مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في عمان. تصور الكاتبة هذه العلاقة المباغتة بلهاث يتناسب جدا مع قلق الشخصية المحورية التي كانت حائرة فهي جاوزها سن الزواج بالمقاييس العراقية طبعا، ولما عرض عليها "موسى" الزواج كان قلقا من عدم حصولها على القبول كلاجئة فخيّرها بين القبول به والاستمرار في حالة وصولهم إلى أستراليا أو الانفصال فيكون قد ساعدها، العرض بحد ذاته مربك عرضه الكاتبة بشفافية وبتقنيات غارت في العالم الداخلي لهدى عن طريق المنلوغ الداخلي، والحوار وأحلام اليقظة والحوار الداخلي حتى أوصلتها إلى تلك البقعة الفنية الحيوية الشديدة القلق. فهي من ناحية أدركت أن قريبها "يوسف" سوف لا يلحق بها، لكن القبول بعرض كهذا وبهذه السرعة فيه يستدعي التنازل عن كرامتها، فلا العلاقة الروحية نضجت، ولا أخلاقها تقبل بمثل هذه الصفقة، رغم أنها في حالة عدم قبولها كلاجئة تكون قد ضيعت فرصة تكاد تكون وحيدة. بقعة القلق الإنساني تتبدد لاحقا لما تقبل كلاجئة وتحس بالميل المتوازن لموسى العراقي الغريب الذي سوف تتعرف على قصته الدرامية وهو يشارك في انتفاضة آذار 1991 فتوظف الكاتبة شخصية " موسى " لسرد طرفا من تفاصيل تلك الانتفاضة مانحة النص بعداً تاريخيا فيه من الأرشفة الشيء الكثير إذ تستعين بما كتبه "الشاعر علي عبد الأمير" عن يوميات جندي عائد من حرب الكويت. ورغم أن هذا النص أقصد نص "علي عبد الأمير" أثقل النص الشفاف بتفاصيل عنيفة لكنه جعل الرواية تؤرخ لتفاصيل من تاريخ العراق المعاصر حيوية وركزّ تيمة النص كونه يرصد الخراب الروحي والبنيوي في الشخصية العراقية والمجتمع العراقي بعد الحروب ثم الحصار كون ما جاء باليوميات من تصوير لوضع الجندي والانتفاضة الفاشلة ثم الحصار نقطة جوهرية بما آلت إليه مصير شخصيات النص وبالتالي مصير العراقي الحائر بروحه سواء في الوطن أو الضائع في المنافي.

كما أنها تستثمر لعبة معقولة من سياق النص كي تحيط بالوضع العراقي في تلك الفترة من خلال عيني نادية التي تركت أوراقها لديها وماتت. لذا تجعلنا الكاتبة نقرأ ما تريد هي روايته في نصها عن تفاصيل اعتقال وإعدام أخ نادية كان مشتركا بالانتفاضة فنطل على تفاصيل عذاب الأمهات وعلاقة نادية الحميمة بأخيها وكيف تسلموا الجثة من سجن البصرة إلى لحظة الدفن في مقبرة النجف واكتشاف الأم التي أصرت على فتح التابوت أن الجثة لم تكن جثة ابنها. مذكرات نادية التي تعرفت عليها عاملة في معمل الخياطة في بغداد نافذة وسعت النص وجعله يشمل تفاصيل التجربة العراقية في تلك الفترة من زاوية تراجيدية تعبر بعمق عما جرى في الفترة التي تناولها النص.

لا أريد الخوض في تفاصيل النص وعرضه كأحداث ذلك سيسرق من القارئ متعة الحبكة المتماسكة التي أشرت لها في مدخل المقال. فالنص مترابط ولا تترك الكاتبة مصير من روت لنا عنه دون أن تخبرنا على طريقة الراويات الكلاسيكية لكن هنا بحبكة مبتكرة تتناسب تماما مع حال عراقية تتأرجح على حافة الضياع القبول كلاجئة والسفر إلى عالم غامض أو الانسحاق بالرفض ومجهول المصير في شروط بلدان شرق أوسطنا القاسية وهذا مصير عشرات الآلاف من العراقيين المعلقين حتى هذه اللحظة بوضعٍ مضطرب في بلدان العالم.

النص لم يطل فقط على مصائر العراقيين في تلك المواقع الحرجة بين الحلم بحياة هادئة في المنفى أو السحق في بلدان الجوار، ذاك سيكون موضوعاً عاما لا يعني النص الفني بشيء لكن ما نطل عليه في هذا النص هو بحث الكاتبة العميق في أسرار المرأة العراقية الغامضة والتي نادرا ما تفصح عن مكنوناتها لأقرب الناس إليها. نطلع على حوارات عميقة تلقي الضوء على ازدواج الذات في بيئة مغلقة. وهذا الازدواج يطغي على كيان الشخصية سواء في المسائل الحاسمة أو التافهة. ولما كانت الشخصية "هدى" في موضع حاسم ومفصلي نراها تفضي في حوارها الداخلي المعلن لنا كقراء عن ذلك الاضطراب الإنساني المعذب والذي لا ميناء له ولا خلاص.ففي معرض حيرتها عن البوح لموسى برغبتها به تجد نفسها إزاء شخصيتين تتحاوران تفصح الواحدة منهما للأخرى عذابها في مقطع طويل يبدأ من ص 124 إلى ص 127 في لغة شفافة تلهث بعذاب الأنثى حتى نكاد أو أكاد أصدق أن الكاتبة هي الشخصية رغم معرفتي بلعبة الكتابة.يستطيع من يحب الإطلاع على هذا الحوار في نص الرواية لكنني وددت مشاركة القارئ في تلمس أسلوب الكاتبة وهي تشي لنا بعد رحلة عذابها الداخلي وصراخها بوجه نديمة نفسها النائمة فيه والفراش الغريب في الشقة الغرفة التي تستأجرها في عمان وهي في خضم قرارها حول عرض "موسى" العراقي الموشك على السفر إلى أستراليا:

"وتصرخ المرأة الثانية من أعماقي ( مللتُ روائح الفراش الذي تناوبت عليه الأجسام وتقاسمته الشهوات) ثم تأخذني إلى أيام قادمة.. أيام شبحيه يغلفها ضباب كثيف وأنا أعوم باحثة عن خفقات قلبي المشلول.. يجرحني السؤال: وماذا بعد؟ ثم يصبح أكثر قسوة: ماذا فعلتُ بنفسي؟.. امرأة في الثلاثين تجهد كي تمسك بزمام نفسها، تصارع لتجد مكاناً في العالم لكن الخوف يسكن خطواتها.. كلما اقتربت من الأمل حاصرها اليأس.. وكلما اكتشفت شيئاً مضيئاً في أعماقها أطفأته رياح التردد"ص 125.

أوردت هذا الشاهد كي يطلع القارئ على لغة وطريقة بناء الجملة السردية البسيطة والمتينة والمناسبة لغرض السرد الفني.

في الرواية أيضا ثمة علاقة شفافة تجدها "هدى" الساردة في بيت عائلة أردنية منحوها غرفة وعشرة دنانير شهريا مقابل العناية برجل ضرير بالولادة وموسيقي موهوب.. وعن طريق هذه العلاقة الشفافة تفضي لنا الساردة تأملاتها الفلسفية في الحياة وتومئ من طرف خفي إلى تعلق الموسيقي البصير بها ذلك التعلق الرومانسي المحكوم ضمن مسار الرواية بالخذلان لكننا نهجس مع الساردة بالنبض الإنساني لتلك العلاقة العابرة الشفافة التي تنتهي بسفر الراوية إلى البلد الغريب لتبدأ رواية رواها غيرها ممن ذاق عذاب النفي العراقي باكرا.ً

الرواية غنية لا تحيطها مقال وقرأتها متعة لم أشأ عرض كل الأحداث كي لا أسرق من القارئ متعة القراءة. وأتمنى أن لا يعجب من يقرأ مقالتي كما فعل الصديق الشاعر حميد العقابي لما أخبرته تلفونيا بانطباعي عن رواية "هدية حسين" مذكرا إياي بانطباعي النقدي المنشور عن روايتها السابقة " بنت الخان" فكل نص له ماله وعليه ما عليه وأفضل كتاب العالم لديهم نصوص ناجحة وأخرى مخفقة. وهنا وجدت الروائية العراقية "هدية حسين" خطوتها الأولى الراسخة في الكتابة الروائية فتحية لها







#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب خربت كل شيء كم كانت السماء قريبة- رواية -بتول الخضيري-
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة2
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة3
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة4
- كتاب يهجو الطغاة ويعرض لصريخ الضحايا -مصاطب الآلهة- مجموعة - ...
- عن معاناة اللاجئين في الشمال الاسكندنافي التأليف بين طبقات ...
- المنفي كائن مشطور بين ثقافتين العنكبوت- مجموعة -علي عبد العا ...
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة1
- عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية ...
- عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية ...
- المتاهة قصة قصيرة
- رؤيا المدينة
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- السفارة العراقية ومجلس الجالية في الدنمارك: ظروف مريبة في أن ...
- فلم جلجامش 21 للمخرج العراقي طارق هاشم حكاية العراقي التائ ...
- رؤيا اليقين
- بائع خردوات في سوق هرج ومنفي عاجز في غرفة بأسكندنافيا


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام إبراهيم - ما بعد الحب رواية هدية حسين2