أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 3 من رواية كش ملك















المزيد.....

الفصل 3 من رواية كش ملك


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1834 - 2007 / 2 / 22 - 03:26
المحور: الادب والفن
    


-3-
الحصان الأبيض

حصان يحمل صاحبه إلى الحقول والغابات وضفاف الأنهار، ومعه أدوات الصيد البدائية، منظر خلاب لا نشاهده سوى على شاشات التلفزة، فيوغل بك مئات السنين في كتب التاريخ، يوم كان الحصان الأصيل عند العربي ، صديقه ورفيق دربه وكاتم أسراره وأنسه الوحيد في الصحاري والدروب الموحشة. به يطارد اللصوص، وبه يذود عن حمى الوطن، سيفه في يده وعلى ظهره القوس والنشابة وأمل بالهدوء والطمأنينة، وعزة نفس وكرامة لا تحد منها حرارة صيف الصحاري أو برودة شتائها.
وحط بي الحصان عند تخوم تطل على أرض المعركة بانتظار لحظة المواجهة التي لابد منها مهما تأجلت،وتوقف صهيلة في المربع 3c كأني به يعرف ما هو المطلوب منه في مثل هذه الظروف.
سجلت الخطوة وضغطت على الساعة ثم خرجت إلى القاعة المجاورة. أشعلت سيجارة وبدأت أتلذذ على دخانها الذي تغلغل عميقاً في قراري، فأشعرني بنشوة افتقدتها منذ بدء اللعب والانغماس في التفكير ووضع الخطط.
اقترب مني أحد الأصدقاء يسأل:
- كيف هو الوضع.
- حتى الآن، تسير الأمور على أحسن وجه!
- خصمك ليس سهلاً، وعليك الحذر في كل خطوة!!
- لم أفكر بهذا العمق منذ زمن طويل.
- لا تدع فرصة للأخطاء كي تنال منك.
- اطمئن واهدأ بالاً!
تناولت زجاجة ماء وكوبين وعدت إلى قاعة اللعب، ولما وصلت إلى الطاولة وجدتها تضع رأسها بين يديها تعتصره حتى آخر خلية بغرض دراسة الوضع من جميع جوانبه حتى تتمكن مني دون عناء، وكانت الساعة ما تزال تعد عليها الدقائق وتخصمهم من الوقت الأصلي.
ملأت الكوبين بالماء، قدمت واحداً لها واحتفظت بالثاني لنفسي، نظرت إليّ فوقعت عيناي على عينيها وقع المفاجأة. عينان حمراوان تنمان عن حالة إرهاق وتعب جراء المزيد من التفكير.
أخذتني الشفقة عليها، وقلت في سري: حرام أن تتلون هاتان العينان الجميلتان بالحمرة وتفقدا بريقهما من أجل لعبة لا تقدم ولا تأخر في مستقبلها شيئاً.
أدركت إلى أين وصلت بالتفكير، فأخذتها العزة بالنفس إلى فضاءات أنثوية تستحضر الماضي وتقفز من فوق أكتاف الحاضر، فبدت كما لو أنها تخطو خطواتها الأولى صوب المستقبل.
حملت الحصان وحطت به في مربع b4 وسجلت الخطوة في الوقت الذي تنفست الصعداء مع الضغط على ساعة التوقيت.
عادت برأسها إلى الوراء وارتشفت قليلاً من الماء، فبان عنقها غاية في النحت والإبداع.
وكان الحصان الذي حطت به في مربع 4b متحفزاً للوثب كي يحتل مربع C2 مهدداً رخاً من الاثنين، في الوقت الذي أصبح الوزير مكشوفاً أمام الوزير طالباً منه المبارزة التي تفضي بهما إلى الخروج من أرض المعركة.
هذه الخطوة (النقلة) حيرتني كثيراً، أخذت حيزاً كبيراً من تفكيري، ومعه اقتطعت ثلاثين دقيقة من الوقت المتبقي لي، كلها ذهب في التفكير بالاحتمالات المختلفة على مدار اثنتي عشرة خطوة تحسم الدور نهائياً لصالحي وتجعل الملك قاب قوسين من لفظ أنفاسه الأخيرة.
ومن حيث كانت الخطوة غير الموفقة لحصان الخصم قد شكلت بداية النهاية، كانت أيضاً، قد شكلت بداية جديدة لعلاقة تطورت تباعاً على ضوء تقدم الخطوات نحو النهاية المحتومة.
نظرت إلى الورقة التي أسجل عليها الخطوات كي أقرأ اسمها الذي دونته عند بدء اللعب، ونسيته من فوري؛ ثم نظرت إليها في محاولة لسبر غور انتظارها لي كل هذا الزمن، ما لبثت بعدها أن وضعت الحصان في مربع 5b وأنا اسأل:
- ما هو موطنك الأصلي يا آنسة أنسام؟
وقع عليها السؤال وقعه الغريب، إذ لم يسبق أن سأل أحد المتبارين خصمه أثناء اللعب مثل هذا السؤال، ومع ذلك، خففت من حدته بكلمتين:
- من لبنان!
لم أتمكن من منع نفسي من النظر إليها واستكمال الحديث، ولم تعد تشغلني خطوتها المقبلة التي على ضوئها يتقرر ردي وفي أي اتجاه ستنتقل المعركة، وعلى أي المحاور سيكون الضغط أكثر بغية إحداث الثغرة المطلوبة. كان يشغلني هاجس آخر، فقلت:
- مصادفة غريبة!
- عن أية مصادفة تتحدث؟
- لي صديقة من لبنان، هل أنا دائماً على موعد مع لبنان؟
- من الآن فصاعداً، يجب أن يكون لك اثنتان!
- مستحيل!
- ما هو المستحيل؟
- أن تكوني بهذا النبل والكرم..
- أنت تستحق أكثر من ذلك.
- لا تفكري بالأمر الآن، عليك التفكير في اللعب وسنتحدث لاحقاً.
- حسناً.
وكان حصاني قد احتل موقعاً مربكاً لم تأخذه بالحسبان عندما قررت وضع حصانها في مربع c2 من أجل مكسب مؤقت لا يعود عليها بالنفع في المحصلة النهائية، وبدلاً من ذلك، كان عليها التراجع للخلف والعودة إلى ما كانت عليه قبل خطوة، غير أنها لم تفعل. فضلت الوصول بالأمر حتى نهايته، ربما في اعتقاد منها أن مثل هذا الضغط سيدفع بي إلى التراجع ويكسبها بالتالي فرق الرك بدلاً من الحصان، ولكنني عندما أجريت حساباتي لم أغفل هذه المسألة، بل اعتبرت مثل هذه الخطوة بمثابة تسريع في نهاية الدور لصالحي، بحيث يتعذر بعدئذ إصلاح ما تم إفساده مهما حاولت وبغض النظر عن الفارق الذي تكون قد حصلت عليه جراء استبدال رك بحصان.
فكرت بضع دقائق ثم وضعت حصانها في المكان الذي توقعته تماماً c2 ثم ضغطت على ساعة التوقيت بانتظار ردة فعلي، ولكنها لم تنتظر أكثر من بضع ثوان نهضت خلالها وهي تقول:
- سأحضر لك كوبًا من الشاي.
- سأنتظرك حتى تعودين ولن أحرك خطوتي إلا بعد قدومك حتى لا أستغل الوقت ضدك.
وعندما عادت، كنت ما أزال أحلق في السماء بعيداً عن قاعة الشطرنج. لم أنتبه لمجيئها. كانت السماء بالنسبة لي عيوناً صافية تحتضني بزرقتها اللامتناهية، تبث في روحي الطمأنينة وأُسِرًُ لها بمشاعري التي غدت تواقة للحرية والانطلاق.
وانطلقت في الحديث، فقالت:
- حتى لا يتبادر إلى ذهنك إمكانية استغلالي لوقتك، أنبهك إلى مجيئي وضرورة اللعب. فأنا واثقة أنك لم تكن تفكر في الخطوة المقبلة.
نظرت إليها، فأخذها الضحك إلى مداراته. اقترب رأسها من رأسي وهمست بصوت غير مسموع للآخرين.
- كنت تفكر بي!
وقبل أن يأتي ردي واصلت:
- لا تقل غير ذلك حتى لا أكتشف فيك ما لا أحب!
- نعم، كنت أفكر بك، إذا كان التفكير بك جريمة، فأنا مجرم..
قلت ذلك في الوقت الذي حركت به بيدق الملك فأصبح في مربع e4، وكانت ما تزال ترى في اللعبة غير ما أراه؛ فبينما واصلت السعي لتحقيق مكسب مؤقت على أمل إضعاف قدرة الهجوم الذي بدأته، من خلال استبدال الرك بالحصان،والتراجع إلى مواقع دفاعية تفقدني زمام المبادرة والسيطرة على الأرض، واصلت الاندفاع والتحضير متحفزاً للهجوم الشامل الذي يصعب التصدي له، حتى بعد التنازل عن الرك مقابل الحصان بغية البقاء مسيطراً على الأجواء والمحاور وخطوط التماس، وبالتالي، إحباط أي إمكانية من شأنها التداعي والقبول بوقف إطلاق النار، والبحث عن حلول وسط لا تعبر عن طموحاتي بأي حال من الأحوال.
وهكذا، باستفزاز الراغب بالتدخلات الخارجية، هاجم الحصان رك e1 فأسقطها أرضاً، في الوقت الذي انفتحت أمامي خيارات لا حصر لها. كان بإمكاني أن أضرب الفيل f5 بالبيدق e5 والإبقاء على الحصان مطلوباً حياً أو ميتاً دون القدرة على الهروب بفعلته حتى وإن حط في d3 تحت حماية حراب بيدق c4، لاسيما وأنني سأضرب بالوزير البيدق وأهدد الحصان الذي سيضحي مكشوف الظهر والرأس، وإذا ما تجرأ وتمركز في c2 طالباً الرك الثانية، سأضرب بحصاني الفيل d6 مهدداً الملك لأعاود بعدئذ، ضرب الحصان بالوزير الذي يفتقر لأية حماية مهما كانت بسيطة.
في كل الأحوال، كانت المسألة قد حسمت بالقراءة الأولى والثانية والمائة، وما عليها سوى الاستسلام لمشيئة ضرباتي التي ستكون تباعاً حتى تحقيق الفوز. وأغلب الظن، أنها أدركت ذلك متأخراً. وعندما أعدت الحسابات مجدداً خوفاً من خطأ في التقدير ينقلب عليّ.كان الأوان قد فات لرتق الموقف والخروج منه بأقل الخسائر، فنظرت إليّ وفي عينيها ومض خاطف يومئ بالاستعداد لمزيد من المقاومة مهما كانت التضحيات، نظرت إليها، ولأول مرة، تتسلق شفتيّ ابتسامة واثقة لا تدع مجالاً للشك بحتمية الفوز مهما استبسلت في المقاومة.
وتقاطعت العيون مجدداً، فعرفنا على نحو غامض، أننا لم نلتق في هذه المعركة بالصدفة وحدها، بل إن ثمة أقدار تنسج خيوطها غير المرئية كانت تقف وراء هذه المواجهة التي لا نعرف حتى اللحظة إلى أين ستفضي بنا. وفقط كل ما نعرفه، أننا هنا نلتقي في معركة يحاول كل طرف فيها إثبات براعته وقدراته في التفوق على الطرف الآخر.



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
- الفصل 3 من رواية :كش ملك
- اتفاق مكة الثنائي
- إيران والعد التنازلي للحرب
- الفصل 2 من رواية : كش ملك
- الفصل الأول من رواية :كش ملك
- فرصة اللحظات الأخيرة
- مسرحية جديدة -نحكي وإلا ننام
- الحب الفجيعة :قصة قصيرة
- الراقص المقعد :قصة قصيرة
- قلعةلبنان تقتحم من الداخل
- قصة قصيرة
- خروب عسل-- قصة قصيرة
- أمريكا ..الذهاب إلى الانتحار
- ملامح استراتيجية جديدة بتكتيك قديم
- إسرائيل الخاسر الوحيد من الحرب
- إسرائيل.. رياح التغيير تخطف النوم والأمن
- قانا و-متلازمات جينوفيز-
- لبنان وحزب الله في طور التحول
- رسالة الى غسان كنفاني في الذكرى ال33 لاستشهاده


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 3 من رواية كش ملك