أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - صباح الفل - لشريف البنداري: الإمساك بالمفارقة الفنية عبر رصد اليومي والمألوف















المزيد.....

صباح الفل - لشريف البنداري: الإمساك بالمفارقة الفنية عبر رصد اليومي والمألوف


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1763 - 2006 / 12 / 13 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


لم تترسخ بعد تجربة المخرج السينمائي الشاب شريف البنداري، فقد تخرج العام الماضي من المعهد العالي للسينما في القاهرة. وكانت أطروحة تخرجه هي أول فيلم وثائقي له حمل عنوان " ست بنات " مدته " 21 " دقيقة، يتحدث عن " ست بنات " يعِشن في بيت واحد، وبظروف متشابهة، ولكن بشخصيات مختلفة! ". أما فيلمه الثاني فهو " صباح الفل " مدته " 9 " دقائق، وهو مناط بحثنا ودراستنا. وقد أعدَّت النص فيروز كراوية، وصوّره أحمد جبر، ولعبت دور البطولة فيه الممثلة التونسية هند صبري، وأخرجه شريف البنداري. وقد إشترك هذا الفيلم الناجح فنياً في عدد من المهرجانات العربية والدولية مثل مهرجان الفيلم العربي في روتردام، والمهرجان القومي للسينما في القاهرة، ومهرجان الإسماعيلية، ومهرجان بروكسل للفيلم العربي، وقد فاز بجوائز مهمة في أغلب المهرجانات التي إشترك بها. وغالباً ما يتبادر الى ذهن القارئ سؤال منطقي مفاده: ما هي الأسباب التي تقف خلف الفوز المتكرر لهذا الفيلم أو غيره في أكثر من مهرجان؟ وفي الآونة الأخيرة تم عرض هذا الفيلم الروائي القصير في مهرجان بروكسل للفيلم العربي في دورته الأولى وقد نال إعجاب الجمهور أيضاً.
المفارقة وبعدها المجازي
تعتمد ثيمة هذا الفيلم على مفارقة ذكية مفادها البحث عن مفتاح الشقة الضائع، وغالباً ما تضيّع سناء هذا المفتاح، وتظل منهمكة في البحث عنه الى أن تجده، وإذا ما وجدته تنتفي الحاجة إليه، وذلك لإنتفاء الحاجة الى الخروج من المنزل كون اليوم جمعة أو عطلة نهاية الأسبوع حيث يستغرق أغلب الموظفين والعاملين البسطاء في نومهم الى ساعة متأخرة قد تصل أحياناً الى منتصف النهار. وعلى الصعيد النقدي فإن المصادفات والمفاجآت والمفارقات العابرة قد لا تصنع ثيمة ناجحة إلا إذا أمسك كاتب النص أو المخرج بهذه المصادفة وصنع منها ثيمة راسخة تخرج عن إطار الملامسة العابرة لتتأصل كتكوين فني راسخ في ذهن الكاتب أو المخرج. وهذا ما فعلته فيروز كراوية، ورسخّه شريف البنداري الذي شيّد البنية الدرامية لهذا الفيلم على " المفتاح " ودلالاته المتعددة، وإمكانية إنزياحه الى لغة سينمائية تعوِّل كثيراً على المفردات الإيحائية لا التقريرية في تعزيز هذه الثيمة وتجلياتها التي كانت تتشظى من خلال التنويعات اللافتة للإنتباه لبطلة الفيلم " سناء " وهي تسرد " سيرتها الذاتية " بشكل ما والتي بدأت بزواجها من " عطية " وإنتهت بهذه الحياة اليومية الرتيبة التي سرقت منها كل شيء، بدءاً من أحلامها الرومانسية، وتطلعاتها المشروعة في بناء حياة زوجية مرفّهة، وإنتهاءً بتحقيق الذات التي كانت متسامية في يوم الأيام، لكنها إستسلمت الآن لقساوة الواقع الراهن وفظاظته.
تغوص ثيمة الفيلم على رغم من قصره بتفاصل حياة أسرة بسيطة متواضعة لكنها تشكّل أنموذجاً لأوسع الشرائح الإجتماعية في مصر وهي طبقة الشغيلة والموظفين الصغار الذين ينهمكون في العمل بحيث لا تتح لهم الفرص العابرة للإستمتاع بالحياة. فالزوجة سناء، وهي أم لطفل رضيع، تأخذه كل يوم لتضعه في الحضانة، وتذهب هي الى عملها في مصنع للخياطة، هذا المصنع الذي تحوّل الى كابوس، فقد إستفاقت هذا النهار على كابوس مزعج شعرت فيه أن إبرة ماكنة الخياطة قد أصابت أصابعها. وحينما تستفيق تكتشف أن الوقت بدأ يدركها، وعيلها أن تسرع في تهيئة طفلها الرضيع الذي أيقظته من نومه، فالطفل في العائلات الفقيرة مشمول بعذابات ذويه، وعليه أن يستفيق قبل سقسقة العصافير كي تأخذه الى دار الحضانة. وفي وسط هذه المتاهة تنتبه سناء للمرآة ولكنها تستدرك قائلة بألا أحد ينظر لها لأنها فقدت نظارة شبابها، ونسيت نفسها وسط إنغماسها في العمل المتلاحق على مدى أيام الاسبوع. ولم يكن زوجها عطية بأفضل حال منها، فلا وقت لديه للإهتمام بنفسه وملابسه وغرفة نومه، فكل شيء فيها يدلل على إهماله، وضيق وقته. فما أن يعود حتى يجد نفسه أمام شاشة التلفاز يشاهد مباريات كرة القدم أو يستلقي على السرير بعد لقاء إيروسي حميم وخاطف، فلا وقت طويل لديه يكرسه للحظات الرومانسية التي زرعها في ذاكرة زوجته وحبيته سناء أيام الزواج الأولى التي مرّت مسرعة، ولم يبقَ منها سوى الذكريات الخاطفة. سناء تائهة حقاً، بل أنها لا تتذكر اين وضعت المفتاح، لذلك تراجع نفسها، وتؤدي مشهداً تمثيلياً جميلاً يكشف عن قلقها وضياعها. فتذهب الى باب الشقة، وتمثل دور دخولها ليلة أمس وهي تحمل المفتاح وحقبيتها بيد، والطفل الرضيع باليد الأخرى، وتتحرك بين الثلاجة و" البوتوغار " والسرير لتعرف أين وضعت المفتاح، ولكن من دون جدوى! وبعد جهد جهيد تكتشف أنها وضعت المفتاح في جيب جاكيت زوجها، الذي نسي هو الآخر مفتاحه! فتضع شالها، وتعلّق حقيبتها على كتفها، وتحمل طفلها الصغير، وتتحرك صوب الباب، وما إن تصل الى هناك حتى تنتبه الى أن اليوم هو الجمعة، فتتأكد من التقويم المعلّق قرب الباب فتضحك مُنهية هذه اللقطة السينمائية الطويلة الملئية بالتوتر والإنشداد فيوم الجمعة هو يوم إجازة وراحة للجميع إلا لزوجها الذي غادر المنزل من دون مفتاح، فالفقراء لا راحة لهم في عالم طبقي يستلب منهم كل شيء، الراحة، والجهد العضلي، ويحولهم الى روبوتات معدنية تتحرك بواسطة أجهزة سيطرة غامضة وملتبسة، لكن هناك حتماً أصابع بشرية من لحم ودم تضغط على أزرارها لكي تبقيها في حركة متواصلة لا تتوقف حتى وإن تقطعت أنفاسها.
يكشف الفيلم من دون مواربة أن الزوجين متعبان بدنياً وذهنياً. فسناء فقدت من وزنها الكثير لأن ملابسها أصبحت فضفاضة عليها، وانها نسيت المرآة تقريباً، ولم تفكر بها إلا لماما. أما الزوج عطية فعلى رغمٍ من عدم حضوره الفيزيقي في سياق الفيلم إلا أنه كان موجوداً بقوة من خلال زوجته التي قدّمته للمشاهد عبر صورة قلقة، وممِضة. فهو الآخر مُجهَد ذهنياً الى الدرجة التي ينسى أن يسحب عتلة السيفون في أثناء خروجه من المرحاض. ملابسه مبعثرة على فراش النوم، وكوب الشاي لما يزل ممتلئاً على الطاولة المجاورة للسرير. يقضي عطية معظم وقته متنقلاً بين " حلوان والمرج، والمرج وحلوان " وحينما يعود مُنهكاً من تعب النهار لا يجد الوقت للإتصال الحميمي بزوجته مما جعلها تتذمر هي الأخرى، وتقرّع نفسها لأنها قبلت بفكرة الزواج أصلاً، خصوصاً بعدما بدأت أيامها تتكرر، وتتطابق مع بعضها البعض، فاليوم يشبه اليوم الذي سبقه، ولا يختلف كثيراً عن اليوم الذي يليه.
الأداء الكاريزماتي
تتمتع الفنانة التونسية هند صبري بحضور آسر أمام عدسة الكاميرا. فعلى رغمٍ من أنها لم تدرس التمثيل في معهد أو أكادمية إلا أن قدرتها الأدائية تكشف عن موهبة فنية في التمثيل تنصقل يوماً بعد يوم. ففي هذا الدور الذي أسنده شريف البنداري لها، والذي لا يجتز التسع دقائق إستطاعت أن تختصر حكايتين متوازيتين وطويلتين لها ولزوجها " الغائب / الحاضر ". وقد كشفت عبر قدرتها السردية الموفقة، والتي تتميز بالتنويع في الإستلهام والتجسيد الكبيرين، إذ شرحت لنا في هذه المدة القصيرة أبرز العلامات الفارقة في حياتها، وطموحاتها، وأحلامها السرية والمعلنة، وقصه حبها، وزواجها من عطية، واللحظات الجميلة في هذه الزواج، والملل الذي بدأ يتسلل لها ولزوجها في آنٍ معاً، وضياعها في دوامة العمل الذي لا يتوقف إلا في نهار واحد هو نهار الجمعة. كما أنها أشارت الى عطية، وذكرياته الجميلة معها، واللامبالاة التي إعترته مؤخراً بسبب العمل المتواصل الذي جعل منه آلة ميكانيكية تتحرك بين نقطتين لا تبعثان إلا على الملل، والضجر، واليأس. ولولا قدرة هند صبري، وموهبتها الفنية العالية لما إستطاعت أن تؤدي هذا الدور المركّب بإحساس عالٍ جداً يستحق الثناء والتقدير.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخرج التونسي الياس بكار ل :- الحوار المتمدن-: أشعر بأنني ل ...
- الواقعية الجديدة في - العودة الى بلد العجائب - لميسون الباجج ...
- الفنانة فريدة تُكرَّم بدرع المُلتقى الدولي الأول للتعبيرات ا ...
- المخرج ليث عبد الأمير يصغي لأغاني الغائبين
- في باكورة أفلامها الوثائقية - أيام بغدادية -: المخرجة هبة با ...
- عادت - العذراء - و - الصرخة - المسروقة الى جدار متحف مونش
- كتابة على الأرض للمخرج الإيراني علي محمد قاسمي إدانة الإرهاب ...
- درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك - للمخرج الياباني كيسوكي س ...
- غونتر غراس يعترف. . ولكن بعد ستين عاماً
- كاسترو يتنحى عن السلطة مؤقتاً، وراؤول يدير الدكتاتورية بالوك ...
- رحيل القاص والكاتب المسرحي جليل القيسي . . . أحد أعمدة - جما ...
- برئ - ريهام إبراهيم يضئ المناطق المعتمة في حياة الراحل أحمد ...
- الروائية التركية بريهان ماكدن: المحكمة حرب أعصاب، وعذاب نفسي ...
- تبرئة الروائية التركية بريهان ماكدن من تهمة التأليب على رفض ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن -: أعتبر النها ...
- (المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن-: أريد فضاءً ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم للحوار المتمدن :أحتاج الصدمة لكي ...
- المخرجة الإيرانية سبيدة فارسي: لا أؤمن كثيراً بالحدود التي ت ...
- بيان قمة الدول الثماني الكبرى يُنحي باللائمة على القوى المتط ...
- المخرج الإيراني محمد شيرواني للحوار المتمدن: السينما هي الذا ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - صباح الفل - لشريف البنداري: الإمساك بالمفارقة الفنية عبر رصد اليومي والمألوف