أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - المخرج ليث عبد الأمير يصغي لأغاني الغائبين















المزيد.....



المخرج ليث عبد الأمير يصغي لأغاني الغائبين


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1677 - 2006 / 9 / 18 - 09:49
المحور: الادب والفن
    


الريبورتاج التلفازي
بادئ ذي بدء، لا بد من التميّيز بين الفيلم الوثائقي الرصين، وبين الريبورتاج التلفازي العابر الذي غالباً ما يُنجز على وفق إملاءات مسبّقة، بينما يهدف الفيلم التسجيلي الى بلوغ درجة " الوثيقة " التي لا تفقد أهميتها بفعل تقادم السنوات، ولهذا يُطلق النقاد السينمائيون على هذا النوع من الأفلام بـ " أفلام المخرج أو المؤلف " لأنها غير خاضعة لشروط المموّلين، بينما لا يستطيع الريبورتارج التلفازي أن ينجو بنفسه من هذه الشروط القاسية، والإملاءات المريرة التي تتحرك بالضد من تطلعات المخرجين الجادين الذين يحلمون بإنجاز أشرطة وثائقية قلباً وقالباً. وفيلم " العراق أغاني الغائبين " للمخرج ليث عبد الأمير لا يخرج عن إطار " الريبورتاج التلفازي ". ويبدو أن ليثاً لم يجد بُداً من الإستسلام أمام الشروط الإنتاجية التي كبّلته بكثير من القيود، ولم تفلت بعض اللقطات والمشاهد السينمائية المميَّزة إلا بشق الأنفس. ومن هنا فإن المخرج ليث عبد الأمير لم يقع كليّاً في " مصيدة المغفّلين " لأنه يدرك تماماً الفرق بين الفيلم الوثائقي والريبورتاج التلفازي.
رمزية لقطة البداية، ودلالة المشهد الأخير
نجح ليث عبد الأمير وهو مخرج مبدع حقا، ويتمتع بخبرة واسعة في هذا المضمار، في أن يقدّم ريبورتاجاً تلفازياً بم يبتعد كثيراً عن دائرة الفيلم الوثائقي، لذلك لجأ إلى الرمز وتفادى المباشرة. ففي اللقطة الإفتتاحية للفيلم واجه أبصارنا مشهد الخوذة المعلّقة على الأسلاك الشائكة والتي تعني من بين ما تعنيه أنها تنتمي الى إنسان عراقي من دون شك راح ضحية للحروب العبثية التي أوقد فتيلها دكتاتور أرعن كان حرياً به أن يجد لنفسه سريراً في مستشفى الأمراض العقلية، أو النفسية في الأقل. وقد تكررت لقطة الخوذة أكثر من مرة لتشير الى ضحية غائبة ومجهولة في آنٍ معاً، لكنها تنتمي قطعاً الى شريحة ما من شرائح الشعب العراقي الغني بفسيفسائه، ونسيجه المتنوّع الذي يقودنا الى سؤال الهوية العراقية وما هيتها، وهل هذه الهوية أصيلة أم مصطنعة؟ وهل أن العراق مرشّح لإنقسامات أُخرْ لم يألفها من قبل بحيث تفضي، كما يدّعي بعض السياسيين، الى تقسيم المقسّم، وتجزئة المجزأ؟ إن غياب الضحية، مجهولة الهوية، والإستعاضة عنها بخوذة معلّقة على صف من الاسلاك الشائكة ينفي إمكانية هذه التجزئة المدمرة لبلد ظل موحداً لآلاف السنين. كما أن نهاية الريبورتاج التي انتقاها المخرج المبدع ليث عبد الأمير تعزز فكرة المحافظة على الرعية، والاهتمام بها، وعدم التفريط بها، حتى وإن كانت هذه الإشارة مجازية. فراعي الغنم العراقي لم يبع كبشه أو حتى نعجته بأغلى الأثمان، فهي عزيزة عنده مثل الأرض العراقية، وغالية لديه مثل المطر الذي يهطل من سماء عراقية جالبة للخير والبركة. وإذا ما تجاوزنا النجاح الذي حققه المخرج في مفتتح الريبورتاج ونهايته، فإن المتن قد إنطوى على إشكالات وقراءات مختلفة تنوّعت بإختلاف الباحثين، وتضاربت بحسب زوايا النظر للنقاد الذين تناولوا هذا الريبورتاج بالنقد والدراسة والتحليل.
المتن الخاضع لمقاسات الطلب
لا شك في أن هذا الريبورتاج التلفازي كان يمكن أن يكون فيلماً وثائقياً شبه مكتمل، ويتوفر على أغلب عناصر النجاح إذا ما غضضنا الطرف عن بعض الهنات والأخطاء التي ارتكبها المخرج لأنه نفّذ ما أرادته الجهة الإنتاجية وهي حتماً قناة " العربية " الفضائية التي عرضت الريبورتاج في حلقتين متتاليتين. ولم يجد المخرج حرجاً في أن يضع نفسه في خانة " مخرج تحت الطلب " وهي خانة غير مُستحبة لأنها تجبر المخرج على أن يلبّي ما تريده الجهة الإنتاجية التي موّلت الريبورتاج. لقد أثار متن هذا الريبورتاج العديد من الإشكالات التي كانت ثاوية وراكسة في أعماق المجتمع العراقي، ويبدو أن الأحزاب السياسية التي عادت من منافيها هي التي حفّزت " الخلايا النائمة " وتسببت في إثارة إنقسامات حادة لم تكن طافية على السطح من قبل. ولكي نقرأ تفاصيل هذا الريبورتاج التلفازي قراءة موضوعية لا بد لنا أن نتوقف عند كل الذين رصدتهم عين الكاميرا، وأدلوا بآراءهم الصريحة من دون خشية أو خوف أو حرج. وجدير ذكره في هذا المضمار أن المصوِرَين الموهوبين عمار سعد وسلوان الطائي قد لعبا دوراً مهماً في إثراء الريبورتاج من الناحيتين البصرية والجمالية، فقد كان الريبورتاج التلفازي يتوفر على مشاهد سينمائية غاية في الجمال والإتقان، ويبدو أن المخرج قد مرّرها على الجهة التلفازية المنتجة من دون أن تدري. وأن خسارة المخرج تكمن في أنه ضحى بفيلم وثائقي كان يمكن أن يكون متقَناً وناحجاً ولافتاً للإنتباه، بل وقد يثبت أمام تقادم السنوات ولا يفقد شيئاً من قيمته الفنية والفكرية والجمالية.
أهوار الجنوب. . موطن البراءة الأبدية
كانت إنطلاقة الريبورتاج من الأهوار الواقعة في الجنوب العراقي. وما هذا بمستغرب، فالأهوار العراقية تذكرّنا ببدء الخليقة، وتواتر الحضارات العراقية كالأكدية والسومرية والبابلية التي لما تزل الكثير من شواخصها ماثلة للعيان. وكان اللقاء الأول مع عباس العبادي، شيخ عشائر الأهوار الذي تحدث بمرارة عن الوضع المأساوي لعرب الأهوار الذين يعيشون في أكواخ صغيرة بائسة تفتقر الى أبسط أنواع الخدمات الإنسانية. وعلى رغمٍ من أوضاعهم الحياتية المزرية إلا أنهم لم يغادروا الأهوار، لأنهم متشبثون بموطنهم الأصلي الذي يمحضونه حباً منقطع النظير. وأكد الشيخ العبادي بأن سكنة الأهوار لم يهادنوا نظام البعث المقبور طوال سنوات حكمه المشؤوم، لكنهم بالمقابل يحبون السلام، ويتمنون الخير لجميع الشعوب على رغمٍ من المحن والمصائب التي حلّت بهم. ولم يكتفِ النظام السابق بتهجيرهم أو سجن البعض منهم، بل أقدم على إبادتهم بشكل جماعي، ولم يسلم منهم الأطفال والشيوخ الطاعنين في السن والنساء، وأكثر من ذلك فقد أباد الزرع والضرع. ثم أضاف شخص آخر قائلاً بأن أهل الجنوب ملتزمون بالأعراف والقيم والتقاليد العشائرية التي تقف ضد الظلم والطغيان، كما يحرّم القرآن الكريم قتل الناس على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة. وشدّد القول على وجود جهات أجنبية تحرّض على ذبح الإنسان العراقي، وتستبيح دمه البريء. ثم أحال تحليل هذه القضية المعقدة الى السيد جعفر سعيد عيسى بوصفه رجل دين يتبنى كلمة الحق، ويُشيعها بين الناس، ويحرّم الباطل مهما كان مصدره. فالسيد جعفر يرى بأن العراق قد تحوّل في ظل الطغمة الحاكمة الى جحيم لا يطاق، غير أنه كان يعوّل على النتائج الإيجابية للإنتخابات حينما ذهب الشعب العراقي بملايينة المملينة الى صناديق الإقتراع من أجل تعزيز موقف الحكومة الشرعية، ودعم البرلمان الجديد. وكان يأمل من هذه الحكومة المنتخبة أن تعيد الأمور الى نصابها الصحيح، وتعطي كل ذي حق حقه. أما صفاء غركان وهو صياد سمك فقد تحدث عن الظروف الصعبة التي يواجهها صيادو السمك في مياه الخليج العربي حيث قال: " إننا عوائل متضررة من سياسات النظام السابق، كما أنها متضررة أيضاً بعد التغيير."، وقد وصف طبيعة حياتهم بأنها ذليلة لأنهم لا يستطيعون أن يصطادوا في المياه الإقليمية العراقية، الأمر الذي يدفعهم للمجازفة والإصطياد إما في المياة الإقليمية الإيرانية أو الكويتية، لأن المياه الإقليمية العراقية خاضعة لسيطرة القوات الأنكلو- أمريكية، لذلك غالباً ما يتعرض الصيادون العراقيون الى الحجز من قبل القوات الإيرانية أو الكويتية، وما ينجم عن هذا الحجز من إهانات متواصلة، وتقييد للحرية البدنية قد تصل الى أكثر من شهرين بسبب هذه المخالفات القانونية التي يلجأ إليها الصيادون العراقيون إضطراراً بعد أن سُدّت أمامهم كل السبل والمنافذ. وبعد هذه اللقاءات العفوية مع أناس بدا بعضهم بسيطاً في أطروحاته جاء دور المثقفين العراقيين لكي يدلوا بآرائهم وكان اللقاء الأول مع الأستاذ طارق وهو بروفيسور في جامعة البصرة حيث وصف الحال في العراق قائلاً: " نحن العراقيين نعيش مرحلة تجاذب غير طبيعية، تجاذب قوى وتيارات متنوعة تتميز بغياب خطابها الوطني الحقيقي. " ثم أضاف شيئاً خطيراً حينما قال: " إن كل الخطابات السياسية داخل العراق الآن هي خطابات وافدة من دول وقوى أخرى، وأن الخطاب السياسي الوطني العراقي المخلص لم ينضج بعد! "
زقورة أور أقدم أثر لمعبد سومري
انتقلت الكاميرا الذكية الى مدينة الناصرية وتوقفت عند السيد عبد الأمير الحمداني، مدير متحف مدينة أور الأثرية حيث سلّط الضوء على زقورة أور الموغلة في القِدم والتي ما تزال قائمة حتى الآن بخلاف كل الزقورات التي كانت موجودة في العالم. كما أشار الى خصوصيتها قياساً بزقورات عراقية بناها العراقيون في بابل وآشور. وذكر الحمداني بأن مدينة أور نفسها كانت قد بُنيت على ضفة مجرى نهر الفرات القديم، بل أغلب المدن العراقية القديمة كانت قد بنيت على ضفاف النهرين الخالدين دجلة والفرات وروافدهما، غير أن مدينة أور الحالية تبعد نحو " 17 " كم عن مجرى نهر الفرات القديم. تم عرّج الحمداني على قصة النبي إبراهيم الخليل الذي وُلد ونشأ وترعرع في أور، وعزز ديانة التوحيد هناك، ثم هاجر تحت ضغط الوثنيين والكفرة الى " حرّاء ". وكان حري بالحمداني أن يشير ولو بشكل عابر الى كبير آلهة المدينة " سن " والى القيثارة السومرية، وحلي الملكة " شبعاد". ثم تستدير عين الكاميرا لتتوقف عند بعض أصحاب المحلات الذين يبيعون الأنتيكات والمصنّعات العراقية اليدوية للأجانب الذين قلّ تواجدهم بسبب الحرب على العراق، ولم يبقَ في مدينة أور سوى الجيش الأمريكي الذي يفرض قبضته الحديدية على المنطقة برمتها. كما أكد السيرجنت بانكس بأنهم مسؤولون عن أمن مدينة أور الأثرية، وهم يحلمون بفتح مركز سياحي كي يستأنف هذا المرفق الحيوي عمله من جديد، ويفتح أبوابه للزوار والسائحين الذين تلاشى حضورهم الآسر الذي كان يبعث في المدينة القديمة نوعاً من البهجة والحبور.
انهيار الدولة وغياب القانون
ومن بين المتحدثين الآخرين كان السيد فاخر برّي اللامي، وهو شيخ قبيلة بني لام حيث تحدث عن القيم العشائرية لقبيلة بني لام والتي تأمر بالمعروف وتُنهى عن المنكر، وقد برّأ ساحة بني لام من وجود أي لص أو سارق فيها، وهذه التبرئة الكلية غير مقبولة، فاللصوص وقطّاع الطرق موجودون في كل القبائل، وفي كل الأزمنة والأمكنة. كما اشار الى ظاهرة اجتماعية دقيقة سبق وأن تناولها الباحث الاجتماعي العراقي علي الوردي، وهي بروز دور القبيلة وهيمنتها كلما ضعفت الدولة، وتراخت سيطرتها على البلاد. وقد برّر دور القبائل العراقية الآن بالحفاظ على الوطن من المطامع الأجنبية. ولكي يعزز المخرج مبدأ التوازن في ريبورتاجه التلفازي فقد التقى بعدد من النساء العراقيات من بينهن السيدة أسماء جميل، وهي باحثة إجتماعية تحدثت عن مفهوم " انهيار الدولة، وغياب القانون " مُعتمدة على تأويلات عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي الذي يقول بأنه كلما إنهارت الدولة، وتضاءل دور القانون برز دور العشيرة لكي يسد هذا الفراغ المهول حيث تتسيد القيم العشائرية والبدوية لتحل محل القانون الغائب الى أجل غير مسمّى.
الطقوس والشعائر الحسينية
إنتقل المخرج من قيم القبيلة الى الطقوس والشعائر الحسينية حيث سُلٍّطت عدسة الكاميرا على السيد إحسان زاهد، إمام جامع النجف الذي فسّر من وجهة نظره الخاصة سبب بكاء شيعة آل البيت على الحسين "ع" وقال بما معناه: " إن هناك جانبين يفسران سبب بكائنا على الحسين، الأول لأنهم قتلوا الفضيلة، فمن المؤلم أن يُقتل الكرم والنبل والشرف والإخلاص أمامك، وهذا المنظر تبكي عليه الإنسانية جمعاء عندما تُحرَم من حقها الطبيعي في أن يكون الكائن البشري إنساناً بكل معنى الكلمة. ونبكي على الحسين من الناحية الثانية لأنه تعرّض الى نوع من الإضطهاد لم يسبق له مثيل قبل هذه الفاجعة." كما نوّه الى واقعة " الطف " المؤلمة التي استهدف الأعداء من خلالها قتل الإسلام متمثلاً بقتل سيدنا الحسين، لكن إرادة الله عز وجل هي التي أنقذت الإسلام، وحافظت على القرآن الكريم حتى يومنا هذا. كما أن مظاهر البكاء والحزن والألم التي يظهرها شيعة آل البيت هي طقس من طقوسهم التي إنقطعوا إليها منذ واقعة واقعة كربلاء وحتى الآن. ويرى السيد إحسان بأن ممارسة هذه الطقوس الدينية هي حق يكفله القانون في كل بقعة من بقاع الأرض. ولكي يستفيد المخرج من تضارب الآراء وتناقضها فقد إلتقى بالباحث والكاتب الصحفي حيدر سعيد الذي قرأ الطقوس الحسينية من وجهة نظر سايكولوجية وسياسية، وقد تميز رأي هذا الباحث بالحصافة والدقة والموضوعية حيث قال بضرورة تحليل الطقوس الشيعية وما تنطوي عليه من مواكب وممارسات مصاحبة لها كـ" التطبير ". وأشار الى أن هذه الظاهرة لم تكن بهذه الضخامة التي هي عليها الآن حينما منعها النظام القمعي السابق في السبعينات من القرن الماضي، إلا أن عودتها بهذا الشكل يحتاج الى تحليل. ثم أضاف قائلاً: " إن أصول هذه الظاهرة قد تكون صفوية أو تركية، وربما كانت في أصلها شكلاً من أشكال التطهّر " الكثاريسز " وقد تحوّلت وظيفة هذه الظاهرة داخل المجتمع العراقي." لكنه أكد من جديد " على أن هذه الظاهرة لم تعد شكلاً من أشكال التطهّر داخل العراق، والآن تحديداً، أي بعد سقوط صدام لأنها أصبحت تعبيراً عن البناء الرمزي لطائفة أو لجماعة معينة، لذلك تم التمسك بها، لأنها تعبير عن هوية، وقد أصبحت هذه الطقوس الدينية والتطبير جزءاً من الهوية الشيعية التي تريد أن تعبّر عن رأيها بهذا الشكل. " وتوصل الباحث الى نتيجة مفادها " أن هذه الطقوس ليس لها معنى سايكولوجياً حسب، وإنما لها معنى سايكولوجياً وسياسياً في آن معاً، لأن الهوية الشيعية أصبحت هوية سياسية في ظل هذا الظرف الذي نعيشه في العراق والذي يجمع الهويات كلها السنية والكردية، فأصبحت هذه الهويات سياسية، وليست طائفية أو أثنية عرقية مجردة.". كما تناولت السيدة أمل كاشف الغطاء، وهي باحثة إجتماعية،موضوع تداخل الدين والدولة، وهي تعتقد بأن فصل الدين عن الدولة من الأخطاء القاتلة التي فُرضت على الدين الإسلامي. وهي ترى بأن شخصية أي نبي ديني تقابلها الشخصية السياسية للنبي. وهي بهذا الرأي تدخلنا في إشكال كبير لا أول له ولا آخر، لأن واجبات ومسؤوليات رجل الدين ستختلط بمسؤوليات رجل الدولة، وسنجد أنفسها أمام فوضى عارمة لا مجال للخوض فيها الآن. وتأسيساً لهيمنة الجانب الديني على مفاصل الحياة اليومية ذهب المخرج الى سوق السراي في بغداد وإلتقى بعدد من بائعي الكتب القديمة حيث أجمعوا على أن الكتب التي تتناول الديمقراطية ومأساة الوضع العراقي هي الرائجة الآن، ويفضلها القارئ العادي والأكاديمي المتخصص. وأكد كريم حنش وهو بائع كتب معروف بأن " يوم الجمعة هو إحتفال للمثقفين العراقيين الذين يتوافدون الى شارع المتنبي وسوق السراي حيث يلتقون بأصدقائهم من المثقفين، ويتجاذبون أطراف الحديث في مقاهي شارع المتنبي أو في المقاهي المجاورة.". وأشار مفيد الجزائري، وزير الثقافة السابق " الى الخطة الجهنمية التي طبّقها نظام صدام حسين والتي كانت تهدف الى إفقار الناس ثقافياً، وإبعادهم عن منابع الثقافة. ".
هل العراق أمة أم كيان مصطنع؟
عاد الباحث حيدر سعيد ليطرح رأياً إشكالياً مفاده " أن الإستعمار هو الذي فرض علينا كياناً سياسياً حديثاً إسمه العراق، فبدأنا نعيش حالة إنفصام شيزوفرينية بين دولة عراقية، وبين أمة ليس فيها أساس للمواطنة العراقية. " وهو يريد القول طبعاً بأن العراق لا يتوفر على مقومات الأمة، بل هو كيان مصطنع مكوّن من قوميات وأديان متعددة متناحرة قد تنهار في أول هزّة ريح قوية. ثم أضاف إحتمالاً ضعيفاً يتمثل بأن الدولة العراقية الحديثة التي أسست عام 1921 كانت تسعى الى بناء مواطنة عراقية غير أن هذه الدولة الوليدة قد انتهت بيد العسكر، وتلقفتها الدكتاتوريات، وخلص الى القول بأن دكتاتورية صدام كانت طائفية، لأن النظام كان يقوم على أساس طائفي. وربما كانت إطلالة السيدة أمل كاشف الغطاء الثانية أفضل بكثير من سابقتها حينما قالت: " يجب أن نفكر كعراقيين " وألا ينحصر هذا التفكير في إطار سني أو شيعي. وهذه دعوة مثالية رائعة يصبو إليها جل العراقيين الذين يحبون وطنهم، ويريدونه واحداً موحداً يضم الفسيفساء العراقية كلها.". أما السيدة شروق العبايجي التي تدير مؤسسة " أمل " فقد أكدت بأن العراقيين لا يعرفون معنى المواطنة، وأن النساء العراقيات لديهن رغبة جامحة لتغيير هذا الواقع المزري، وإستثمار الواقع الجديد. كما أشارت الى أن المرأة العراقية في الداخل والخارج قد تحملّت المسؤوليات التي سببتها الحروب والظروف غير الطبيعية التي مرَّ بها العراق، وتداعيات هذه الظروف الاجتماعية والإقتصادية والنفسية، إذ ترملت أعداد كبيرة من النساء، وأصبح لدينا عشرات الآلاف اليتامى. فلا بد للمرأة العراقية أن تستفيد من الوضع الجديد. بعد أن رصدت كاميرا المخرج ليث عبد الأمير الذكية مناطق الأهوار في جنوبي العراق، ومرت في الفاو، والبصرة، والناصرية، وعلي الغربي، والنجف، وبغداد، كان لا بد لها أن ترصد مكوّنات الشعب العراقي الأخرى الدينية منها والقومية. وفي بغداد توقف المخرج مع نارك إشخانيان، أسقف كنيسة الأرمن الأرثوذكسية حيث تركز حديثه على تاريخ كنيسة الأرمن الأرثوذكسية في العراق والذي " يبدأ منذ عام 1600م الى عام 1915- 1918 حيث هاجر الأرمن الى الموصل وبغداد ودير الزور. ثم بدأت الهجرة المعاكسة من العراق منذ عام 1966 الى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وبسبب تفاقم الظروف الأمنية، وغياب القانون لا يستطيع المسيحيون العودة الى العراق، لكن الأسقف أكد بشدة على أن المسيحيين العراقيين سيعودون الى العراق ما أن تهدأ الأوضاع، وتُنتخب الحكومة، ويستتب الأمن.".
العراق بلد الديانات السماوية والأرضية
من الجدير بالذكر بأن العراق ثري بأديانه ففيه الديانات السماوية الثلاث وهي الإسلام والمسيحية واليهودية، كما تتواجد فيه الديانة الصابئية المندائية والإيزيدية والعلي اللهيّة، هذا إضافة الى الفرق الصوفية المتعددة التي تتميز بشعائر وطقوس خاصة. لذلك فقد قرر المخرج أن يلتقي بالصابئة المندائيين أولاً، ويعرّق المتلقي ببعض طقوسهم وشعائرهم التي يمارسون على حافة الأنهار ومصادر المياه الجارية. وكما أكد التعليق الصوتي بأن عدد الصابئة المندائيين في العراق يقدَّر بـ" 100 " ألف نسمة، ويشكّلون فئة صغيرة ضمن فسيفساء الشعب العراقي الكبير الذي يتراوح تعداده السكاني بـ " 27 " مليون نسمة تقريباً. وأشار عبد الستار الحلو، الرئيس الروحي للطائفة المندائية في العراق، الى " أن مفردة الصابئة مشتقة من جذر الفعل الآرامي المندائي صبا، أي غطس، أو ارتمس، أو تعمّد في الماء الجاري. وأن الصابئة المندائيين تعني المصطبغون العارفون بدين الله. عاش الصابئة المندائيون في أرض وادي الرافدين منذ آلاف السنين، وحتى قبل زمن إبراهيم الخليل عليه السلام. وتعتبر الصباغة الركن الأساسي والمهم فيها، ولا يكون الشخص مندائياً ما لم يحقق هذا الطقس، وهو الارتماس في الماء الجاري مع قراءة الآيات الدينية." والمعروف أن ملابسهم مستوحاة من المسوح في أيام يوحنا المعمدان، وهم يصلون باللغة الآرامية، وجفاف النهر بالنسبة إليهم مثل يوم القيامة. وأن تعميد النساء في المياه الجارية يجب أن يتم بحشمة عالية وألا يتعرى أي جزء من جسد المرأة المصطبغة. كما اشتكى الأب الروحي لهذه الطائفة من بعض العراقيين الذين لا يفهمون حقيقة وجوهر الديانة الصابئة، وتمنى عليهم ألا يتلفظوا بألفاظ نابية تسيء الى دينهم التوحيدي المقدس. وأكد بأن الإطلاع على هذا الدين سيزيل اللبس الموجود في أذهانهم المشوشة.
كركوك والهجرة المعاكسة
من أولى الأخطاء القاتلة التي وقع فيها المخرج هو عدم إشارته الى المكوّن الاساسي الأول الذي عاش في مدينة كركوك وهم الكلدو آشوريين على رغم ضآلة عددهم، ثم سكنها التركمان والعرب والأكراد. وقد احتلت هذه المدينة أهميتها منذ أُستخرج فيها النفط في العشرينات من القرن الماضي، حيث تعايشت القوميات الأربع الأساسية إضافة الى بعض الأقليات الأخر كالإيزدية والأرمن. ولا بد من الإشارة الى أن التركمان قد إستوطنوا كركوك منذ القرن الحادي عشر الميلادي. وقد تحدث السيد عبد الوهاب مرام، وهو عضو مجلس التركمان في العراق، حيث قال: " إن كركوك عراق مصغر وله خصوصيته، وهذه الخصوصية هي خصوصية التركمان الذين يشكّلون الغالبية السكانية في كركوك مع بقية إخوانهم من العرب والأكراد، وعاشوا سنيناً طويلة كإخوة من دون تمييز بين بعضهم البعض، إلا أن بعض الأطراف السياسية أخذت في الآونة الأخيرة تمهّد الطريق إلى زحف عوائل كبيرة وبأعداد هائلة إلى كركوك بحجة أنهم كانوا مرحّلين." الأمر الذي يكشف عن نوايا كردية لتغيير الطابع الديموغرافي للمدينة، وهو إجراء لا يختلف كثيراً عن اجراءات صدام الشوفينية التي كانت تهدف الى تعريب المدينة، وفي كلا الحالتين فهو إجراء مخالف للقوانين والأعراف الإنسانية. أما السيد بيروت فاضل، وهو عضو سابق في بلدية كركوك، فقد قال: " في الآونة الأخيرة من أيام النظام السابق حصل نوع من الحساسية عندما إستقدمت الحكومة السابقة أناس من وسط وجنوب العراق وأسكنتهم في كركوك، الأمر الذي عزز هذه الحساسية بين الكردي والعربي والتركماني، كما أن جهات متعددة تحاول أن تعكّر صفو الجو الذي كان سائداً في كركوك، إضافة الى دور الجهات الأجنبية في تعكير أجواء التفاهم بين مكونات هذه المدينة العراقية." كما انتبه المخرج الى وجود بعض الفرق الصوفية التي يشكل فيها الوجد تجربة روحية مهمة تصل الفرد بربه، حيث ينهمك الدراويش والمتصوفة بطقوس الذكر، ويتهجد المؤمنون الصوفيون بذكر الله ورسوله. كما تجمع حلقات الذكر المسلمين من العرب والكرد والتركمان. أي أن ما تفرّقه النزعات السياسية تجمعه النزعات الدينية.
الأكراد يحلمون بالفيدرالية أولاً
عندما وصل فريق التصوير الى السليمانية إلتقط أنفاسه لأن إقليم كردستان آمن، وهو بعيد نسبياً عن عمليات القتل والتخريب التي يعاني منها بقية أرجاء العراق. وقد أكد المعلق عبر تقنية " الفويس أوفر " قائلاً أن نسبة الأكراد تصل إلى أكثر من 20% من مجموع السكان الكلي، كما تعيش في كردستان أقليات عرقية أخر كالتركمان والأشوريون والكلدانيون والإيزيديون، تختلط المطالب السياسية والمناطقية في هذا الجزء من العراق. أحد المواطنين الأكراد وإسمه لطيف عبر بشكلٍ واضح عن نزعته الإنفصالية حيث قال: " أفضِّل أن نهتم بإنشاء منطقة فيدرالية، ودولة مستقلة، بحدود مرسمّة، كل ذلك كي ندرك في النهاية تحرير الأكراد. هذا يكفي نحن لا نعتبر أنفسنا عراقيين. شخصياً لست عنصرياً، ولكن هناك أشخاص يفكرون عند مشاهدتهم إنساناً عربياً بأنه مساهم في عملية الأنفال.". السيدة آلا الطلباني تقول " لا أظن أن هناك كردياً واحداً لا يحلم يوماً بدولة كردية، وحكومة، ورئيس وزراء، وعلم كردي يمثله، كل شعب له الحق بدولة، أعتقد أن هناك أكراداً يحلمون باستقلال كردستان، كل الأكراد يحلمون بكردستان مستقلة، الاستقلال يبدأ أولاً بالفرد، ثم العائلة، والحي، والدولة، ولكن إذا كنا اليوم لا نطالب، أو لا نعلن استقلال كردستان فإن ذلك لا يعني أننا أغبياء، وإنما بسبب الواقع الجيوسياسي القاسي في المنطقة." ولم تكتفِ السيدة آلا بعدائها للعرب على وفق هذا التصور الخاطئ، فالعرب ليسوا أعداءً للأكراد، وإنما هم ضحايا الدكتاتورية أيضاً، وشركاءهم في المحنة حيث قالت: " كنا نفكر حتى اليوم بأن عدو الأكراد كان فقط من العرب، ولكن علينا أن نعرف اليوم أن عدو الأكراد هي تركيا.". ويضيف المعلق الصوتي بأن ما ينقصه في حياته اليومية في عموم العراق هو الإحساس بالأمل. ومنذ عام 1991 تعيش كردستان في استقلال شبه تام. ثم اشار المعلق الى كارثة حلبجة التي ضربت بالأسلحة الكيمياوية عام 1988 والتي راح ضحيتها نحو 5000 مواطن كردي عراقي جلهم من النساء والأطفال والشيوخ. وبعد أن سرد أجزاء من هذه الحادثة المفجعة إنبري أمامنا عنوان الريبورتاج بتجلياته الرمزية والمجازية حيث أن " غناء الغائبين كردي هذه المرة " ويصف كاتب السيناريو شوقي عبد الأمير، وهو شاعر عراقي محترف بأن " الغناء مثل الحبل السري الذي يربط جميع مناطق العراق، إنه نوع من الوجد الجماعي الذي يتطهر بأدائه كل العراقيين." فالغياب لا يقتصر على فئة دون أخرى من شرائح الشعب العراقي، لأن جميعهم ضحايا النظام القمعي السابق. وعندما تعرّج الكاميرا الى مدينة أربيل التي" كانت محصنة بقلاع كبيرة أيام ملوك الأشوريين قبل 5000 عام، غير أن القلاع التي نراها اليوم بنيت في أثناء حكم العباسيين، وإلى جانب الجوامع الكبيرة تنتصب كنائس مختلف الطوائف المسيحية من الأشوريين السريان والكلدانيين المستقلين أو الذين يرتبطون بروما مباشرة. ولعل الجانب المهم في هذه الوقفة المميزة في مدينة أربيل هو أن وضع الطوائف المسيحية العراقية صعب جداً، فهم مضطهدون من قبل الغالبية الشيعية في الجنوب، ويعانون من التهديدات المتصاعدة للمتطرفين السنّة، وقد سلك عدد كبير منهم طريق المنفى." إذ خسر المسيحيون أغلب قراهم الواقعة في شمالي العراق كما يؤكد أسقف الطائفة الكلدانية حيث كشف عن سر مروع وهو وجود " 30.400 " مواطن مسيحي عراقي علماً بأن عدد المسيحيين في العراق كان يتراوح بين " 650 " ألف الى " 750 " مواطن مسيحي عراقي، وهذا يعني أن دول المنفى قد تلقفتهم كلاجئين سياسيين أو إنسانيين. ثم تتوقف الكامير للمرأة الأخيرة عند الطائفة الإيزيدية التي تعتنق ديانة قديمة جداً قائمة على الباطنية وحفظ السر، "والإيزيديون عرقياً ينتمون إلى الأصول الكردية نفسها، وهم في غالبيتهم مزارعون ورعاة في منطقة سنجار وشيخان في شمال الموصل، ويعانون في هذه الحقبة الزمنية من ضغوط كردية متزايدة لإلغاء تمييزهم وإذابتهم في الوسط الذي يعيشون فيه." وتمنى السيد خاتو حاج إسماعيل أن يعم الخير في ربوع العراق، وأن تنتهي هذه المشكلات العويصة التي تهدف إبتلاع الأقليات القومية والدينية الأخر من قبل القوميات الكبيرة المهيمنة على المشهد السياسي العراقي والتي تمتلك زمام السلطة. وربما نعود ثالثة الى العنوان أو ما يلامسه من تساؤلات قريبة محيّرة مفادها: " هل أن الصلاة هي ابتكار عراقي؟ " والحجة في طرح هذا السؤال " أن الصلاة والغناء والتراتيل الدينية التي أُطلقت منذ فجر الإنسانية قد ابتكرها عراقيون " كما يدعي مخرج الريبورتاج، أو أنها المعلومة التي توصل إليها من خلال البحث الدائم من دون أن يعززها بالمصادر والمراجع، ثم تلتقط عين الكاميرا التي تقف وراءها مخيلات متأججة وموهوبة جرار مليئة بالزيت المقدس، ليصوغها في شكل سؤال مؤرق مفادة: " هل أضاء الشعب العراقي اللهب المقدس للإنسانية بدمه إلى الأبد؟" وقبل مسك الختام بقليل يلتقي المخرج بالراعي الذي أشرنا إليه في مقدمة هذه الدراسة النقدية ليطلب منه شراء كبش واحد مقابل مبلغ مغرٍ من المال، لكن الراعي يرفض أن يبيع رعيته. فهل يتعلم السياسيون عظمة هذه الحكمة التي تفوّه بهذا هذا الراعي العراقي البسيط الذي صاغ معناها بكلمات بسيطة تنطوي على معانٍ كبيرة ودالة ومعبّرة.
آراء نقدية
لا يمكن بأي حال من الأحوال إعتبار " العراق أغاني الغائبين " أكثر من فيلم تلفازي يتوفر على مشاهد سينمائية سرقها المخرج من مقص الرقيب كما يقول ليث عبد الأمير نفسه في رده على مقال كتبه المخرج والناقد السينمائي العراقي قاسم حول، ونشره في العدد " 151 " من المجلة الثقافية الإليكترونية في الأول من مايو 2006. وقاسم حول يرى وهو المتمرس في كتابة السيناريو والإخراج معاً أن ليث عبد الأمير هو مخرج موهوب. وقد جازف بحياته حينما ذهب الى العراق في وقت كانت فيه عمليات الخطف والقتل والتنكيل على أشدها، وعاد الى باريس وفي جعبته أكثر من " 100 " ساعة تصوير! غير أن ليثاً حسبما يدعي قاسم حول
" لم يتمكن من بناء فيلمه بناء صحيحاً " وكأنه ضاع وسط هذه الكمية الكبيرة من المادة المصوّرة، وبددها في متن هذا الفيلم التلفازي من دون الإنتباه الى النواحي الفنية والجمالية لعل أبرزها لغة التعبير السينمائية التي حُيِّدت لمصلحة الفيلم التلفازي. وطالما أن المخرج نفسه يعترف بأن فيلمه هو فيلم تلفازي لا غير، وأن العلاقة التي تربطه بالسينما هي تلك الأجزاء المسروقة من اللقطات والمشاهد المدهشة التي أعجبت قاسماً قبل أن تعجب المخرج نفسه. من هنا فإن أي تقييم لهذا الفيلم التلفازي على أساس كونه فيلماً سينمائياً هو قراءة خاطئة لا غير. كما أن جزءاً كبيراً من متن المادة مستوحىً من القضايا اليومية، والمناسباتية، والآنية العابرة التي تنتهي في مدة محددة قد لا تطول كثيراً، ولكن بالمقابل هناك قضايا وموضوعات دائمية كالطقوس الحسينية للمسلمين، وتعميد الصابئة المندائيين، وحلقات الذكر للصوفيين وما الى ذلك. إن استعمال الموسيقى التراثية البغدادية كما ذهب قاسم حول، وبالذات العزف على آلة الجوزة في مضيف من مضايف الأهوار، بدل استعمال الموسيقى الريفية يعد خللاً واضحاً لا يمكن تفاديه. كما لا يمكن القبول بمغنٍ يغني غناء ريفياً وهو يرتدي سروالاً من الجينز، فصورة الغناء الريفي مرتبطة دائماً بالأزياء والملابس الريفية. وحتى لو تجاوزنا هذا الإشكال فإن ملاحظة قاسم حول في محلها بأن إختيار هذا المغني لم يكن في محله لأن صوته كان بعيداً عن العذوبة والشجن، ولا يضع المتلقي في دائرة التطريب. إن الطقوس العاشورائية التي تحاكي مقتل الحسين وآل بيته الأطهار لم تسلم هي الأحزى من أخطاء قاتلة لم يكن المخرج سببها، ولكنه قَبِل أن يستعملها كمادة وثائقية في فيلمه التلفازي، ولعل أكياس النايلون التي كانت معبأة بمعجون الطماطم السائل والتي لم تُرفع من ساحة " التشابيه " تكشف عن خلل لا يقع فيه السينمائيون في الأعم الأغلب. كما أن المؤثرات اللونية والبصرية التي يدعو قاسم حول الى استعمالها ستلعب حتماً دوراً مهماً في خلق مشاهد معبّرة تتوفر على قيم جمالية عالية، غير أن المخرج ليث عبد الأمير قد صرّح غير مرة بأنه " من المدافعين عن الاقتصاد في استهلاك التقنية والمؤثرات الصوتية للبناء الدرامي في الفيلم التسجيلي.". وعلى رغم من بعض التقاطعات التي وردت في متن هذه الدراسة النقدية مع رؤية المخرج السينمائية إلا أنني أعتز بهذه التجربة الفنية ضمن إطارها التلفازي، وكان عزاؤنا الوحيد هو ألا يقع المخرج تحت وطأة الوصايا التي تفرضها هذه الجهة الإنتاجية أو تلك، لكن ما الذي يمكن أن نفعله إذا كانت وزارة الثقافة والإعلام العراقية نفسها غير معنيّة بالترويج لثقافة العراق ولموروثه الحضاري حتى لو جاء هذا الترويج في إطار سياحي وهذا هو أضعف الإيمان.


سيرة ذاتية لليث عبد الأمير
مواليد العراق، عام 1957.
- درس فن السينما في جامعة "السوربون"، فرنسا بين 1977-1980.
- دبلوم في الإخراج السينمائي، وماجستير في الفنون الجميلة من معهد المسرح في "كييف" أوكرايينا 1981-1986.
- خريج المعهد العالي للسينما بكـييف، أوكرايينـا عام 1985، اختصاص إخراج سينمائي.
- عمل في استديو دفتشنكو السينمائي بكييـف، مخرجاً مساعداً وممثلاً في العديد من الأفلام السينمائية السوفيياتية بين الأعوام 1988-1991.
- عمل مخرجاً وثائقياً، وأنتج أفلاماً للتلفزيون الفرنسي بين الأعوام 1994-1999.
- عمل مخرجاً وثائقياً، ومن مؤسسي قناة الاقتصادية بدبي (مؤسّس قسم البرامج ومسؤولاً عنه منذ عام 1999 وحتى 2004). ومن بين أفلامه " المهد " 1985، و " الزمن المقدّس " 1994، و " رحلة مع الموسيقى " 1998، و " أفريقيا، أفريقيا " 2003.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في باكورة أفلامها الوثائقية - أيام بغدادية -: المخرجة هبة با ...
- عادت - العذراء - و - الصرخة - المسروقة الى جدار متحف مونش
- كتابة على الأرض للمخرج الإيراني علي محمد قاسمي إدانة الإرهاب ...
- درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك - للمخرج الياباني كيسوكي س ...
- غونتر غراس يعترف. . ولكن بعد ستين عاماً
- كاسترو يتنحى عن السلطة مؤقتاً، وراؤول يدير الدكتاتورية بالوك ...
- رحيل القاص والكاتب المسرحي جليل القيسي . . . أحد أعمدة - جما ...
- برئ - ريهام إبراهيم يضئ المناطق المعتمة في حياة الراحل أحمد ...
- الروائية التركية بريهان ماكدن: المحكمة حرب أعصاب، وعذاب نفسي ...
- تبرئة الروائية التركية بريهان ماكدن من تهمة التأليب على رفض ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن -: أعتبر النها ...
- (المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن-: أريد فضاءً ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم للحوار المتمدن :أحتاج الصدمة لكي ...
- المخرجة الإيرانية سبيدة فارسي: لا أؤمن كثيراً بالحدود التي ت ...
- بيان قمة الدول الثماني الكبرى يُنحي باللائمة على القوى المتط ...
- المخرج الإيراني محمد شيرواني للحوار المتمدن: السينما هي الذا ...
- كولم تويبن يفوز بجائزة إمباك الأدبية عن رواية المعلّم
- العدد الثالث من مجلة - سومر - والإحتفاء برائد التنوير التركم ...
- الفنان طلال عبد الرحمن قائد فرقة سومر الموسيقية: الغربيون يغ ...
- باسم العزاوي الفائز بالجائزة الذهبية يتحدث عن صناعة الصورة ا ...


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - المخرج ليث عبد الأمير يصغي لأغاني الغائبين