أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الباتع - مي زيادة بدون جبران














المزيد.....

مي زيادة بدون جبران


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 1700 - 2006 / 10 / 11 - 07:34
المحور: الادب والفن
    


لا يعزى سر تميز الراحلة مي زيادة بين عمالقة عصرها إلى كونها امرأة فقط، ولكن إلى جرأتها الغير معهودة آنذاك في كسر قيود وأغلال المجتمع الشرقي في نظرته إلى المرأة، وأقدمت بجرأة على اختراق ذلك الجدار الاجتماعي والثقافي من خلال عملها في جريدة المحروسة التي أنشأها والدها في القاهرة، ومن ثم إقامتها لصالونها الأدبي الشهير، والذي اعتاد أن يقيم مساء الثلاثاء من كل أسبوع لقاء لرجال الأدب والثقافة والفكر، في عصر لم تكن تجرؤ المرأة فيه على الخروج من منزلها.
لم يقتصر تحدي مي على الانعتاق من أغلال المجتمع، وإنما تعداه إلى تحطيم قيود الذات، من خلال التعبير عن ذاتها الشخصية الحميمة من خلال الأدب. فلم يكن في حسباني ثمة مثقفة في ذلك الوقت تملك الجرأة على الكشف عن مكنون الأنا القابع في وجدانها، الأمر الذي أقدمت عليه مي بجرأة شديدة، فقد أتيح لقارئ مي أن يعيش في أعماقها وأن يتلس كل ما يعتلج فيها من أحلام وآلام ومعاناة.
الأمر الأشهر في مسيرة حياة مي المتميزة كان علاقتها المثيرة بجبران خليل جبران، الذي عشقته بكل أحاسيسها وكيانها، بالرغم من أنها لم تلتق به ولا حتى مرة واحدة في حياتها، وكان حبها له حباً مع وقف التنفيذ، لم يغادر الورق أبداً، واستمر إلى النهاية من خلال الرسائل لا أكثر، ومع ذلك فقد تجرأت مي صارحت جبران بحبها بعد مرور اثنتي عشرة سنة من المراسلة، وحافظت على جذوة حبها متقدة لمدة ثلاثة عشر عاماً بعدها، إلى أن لبستت ثياب الحداد عليه بعد وفاته، كأي أرملة ترتدي السواد على زوجها!
كان جبران لمي بمثابة المعلم الفكري والأدبي، لكنه مالبث أن تحول إلى الملك الأوحد المتوج على عرش قلبها، وربما كان الملهم الأول لكل لواعجها وأحزانها. لقد شاءت الأقدار أن تكون قاسية مع الآنسة مي، فحرمتها من كل ما تحلم به الفتيات في كل زمن، الزوج والبيت والأطفال، فكان غياب هذه الأمور عنها، دافعا ربماً إلى التسلي بالأدب، وامتشاق الكلمة والسفر بها ومعها إلى العالم المدهشة التي كانت تقودها إليها، مما أسهم في إثراء الحياة الأدبية والفكرية إلى أبعد حد، حيث كانت تجد في كلمات الحب ملاذاً عاطفياً لها، واستبدلت أحلام العذارى بحب أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة.
قابل جبران تلك العاطفة الجياشة من مي بشيء من النذالة، فقد كان وبينما تدلهت مي في حبه سنين طوال، كان يخونها مع عشيقته في نيويورك ميري هاسكل، والتي كان يخونها هي الأخرى مع أية عابرة أميركية أو عربية على السواء. كان جبران يقول لمي في رسائله أنه موزع بين امرأتين، امرأة الحلم وامرأة الواقع، والظاهر أنه كان يعيش مي في الحلم ويعايش ميري في الواقع، ويمارس شهرياريته بذبح كلتا الحبيبتين بسكين الخيانة مع كل أنثى تطرق بابه.
رحلت مي رحمها الله كسيرة البال بعد أن نازعها أقاربها على ميراثها من والدها بعد وفاته، وانتهى بها الأمر إلى أن أودعت ظلماً في مستشفى المجانين. كانت مي مجنونة فعلاً، وكان جنونها الحقيقي هو ارتباطها الوهمي بجبران، الذي كان يطير بها في سماء الأحلام تارة ويهوي بها على صخور الواقع تارة أخرى، ليحرمها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي كأي إنسانة في الكون. لقد حكمت تلك العلاقة على مي بالعيش كراهبة فيستالية، كرست حياتها في خدمة موقد الإله فيستا، في سبيل إبقاء ناره متوقدة.
لا تزال مي زيادة هي النموذج الذي تتمثله كثيرات من أديبات اليوم، حيث تدرك العديدات من المثقفات أن سر تميز مي زيادة كان تمردها على قيودها الشخصية وأغلال الذات وتعريتها لبعض مكنونات نفسها، ما يحدو بالكثيرات منهن أن يحذين حذوها في هذا المسار، إثراءً لحركة الفكر وتدفق الكلمة، وهذا أمرٌ محمود ثقافياً وتجب تحيتهن عليه.
وهكذا فإن كل من ترى في نفسها ما كان لمي من الأدب والموهبة والجمال والشباب، تبدأ في اعتبار نفسها كراهبة فيستال مثل مي زيادة. وبما أن حلاوة مي لا تكتمل إلا بنار جبران، فإنها تجد في البحث عن جبرانها حتى تكمل به الصورة السريالية التي تريد أن تتقدم إلى جمهورها بها. سليلة أدبية وفكرية للراحلة مي زيادة، ووريثة شرعية لها. أما عندما يعز جبران، فإنها تلبس قناعه لأي رجل أو لكل رجل، لتنهال جلداً على ظهور الرجال جميعاً بدون تمييز، انتقاماً لمي من جبران، وعقاباً لجبرانها الذي لم ربما تجد، ولعنة منها على فيستا الخاص بها.
لا أدري سر ولع بعض الأديبات في استعراض مفاتنهن الثقافية على الملأ، في محاولة إغواء مكشوفة واستفزازات مستميتة لجر الشكل مع جنس بأكمله بسبب أو بدون سبب. ربما كان مفهوما أن يلعن جاهل جنس التساء، أو أن تحقد أنثى أمية على جنس الرجال، أما أن تنبري من يفترض أنها مثقفة أو شاعرة لعقد محاكمات لا طائل من ورائها لجنس لا يكتمل حلم إحداهن إلا بأحد منتسبيه، فهذا هو الغير مفهوم.
الحقيقة أني لا أحب التخاطب بمثل هذه اللغة، ولكن الأمر فاق الحد المعقول. فما إن تتصفح كتاباً أو مطبوعة، إلا لتجد وجه حسناء تشهر أصابع الاتهام في وجهك. فهذه التي تحملك وزر ثقافة المجتمع الذكورية، وتلك التي تتساءل عن جدوى وجود الرجال، وأخرى تذكرك بأمومتها وبأنها سبب وجودك في الحياة إلى ما هنالك من طروحات وأفكار لا طائل من ورائها، وقضايا ليس لها من قضية سوى أنها لا تسمن ولا تغني من جوع.
صحيح أن حظ مي زيادة العاثر قد أوقعها في طريق جبران خليل، ولكن من يدري فلربما كانت هذه رحمة الله بها. من يضمن لها وهي من هي رقة ونبوغاً ووفاء، لو أنها تزوجت أن لا يكون زوجها سي السيد الكريه، الذي كان العالم العربي آنذاك يعج به، وما يزال.



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضوها سيرة
- على بلاطة
- لا أريد
- رجلٌ بِرَهْن الإنكسارْ
- حذاء المرأة
- آن لنا أن نعرف
- يا كلمةً هناك
- عزيزتي الأنثى ... كوني امرأة
- إسرائيل بعد الحرب
- هذيان
- بدولار إيمان لو سمحت
- خداع النفس
- عملية الدكتور حسن نصرالله
- تحجيب الحضارة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الباتع - مي زيادة بدون جبران