أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود الباتع - بدولار إيمان لو سمحت














المزيد.....

بدولار إيمان لو سمحت


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 1640 - 2006 / 8 / 12 - 10:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


انحسر المفهوم التتقليدي لصحة الإنسان و المحصور في كونها انعدام المرض. لقد عرفت منظمة الصحة العالمية مصطلح الصحة، بأنها خليط متكامل من الصحة البدنية و النفسية و الإجتماعية و الغذائية و المهنية و الروحية.
بمعنى أن غياب أي عنصر من عناصر الصحة هذه، يعني ببساطة أن الإنسان غير سليم، أو ببساطة أشد أنه مريض.

فلو كان شخص ما يتمتع بصحة بدنية جيدة، و كان سعيداً في حياته ويقيم علاقات متوازنة مع الناس من حوله، و يتناول غذاءً صحياً كاملاً، ويمتلك عملا مستقراً وناجحاً، لكنه لا يتمتع بقيم روحية وعقائدية واضحة، فإن هذا الشخص، و على ذمة منظمة الصحة العالمية يعتبر مريضاً. أو على الأقل لا يتمتع بصحة جيدة.

وبما أن القيم الروحية تنبع من الروح، والتي "هي من أمر ربي"، فإن الخوض فيها يحتم الولوج في منطقة الغيب أو الميتافيزيقا. والميتافيزيقيات هي تلك الأمور الواقعة وراء حدود الطبيعة، والخارجة عن نطاق إدراك الحواس الخمسة للبشر، ولا يمكن إدراكها ضمن النطاق المادي المحسوس.

تراوح تناول البشر لهذه الأمور الغيبية، وبغض النظر عن ماهية هذه الأمور، بين التصديق المطلق بها واعتبارها مسلمات بديهية، وإيصالها غالباً إلى مراتب القداسة، وهو ما نسميه بالإيمان. ونطلق على أتباعه وصف المؤمنين. وللمؤمنين أسبابهم ومنطلقاتهم وقناعاتهم التي يركنون إليها في إيمانهم.

وعلى الضفة الأخرى، يقف من يتناول الغيبيات برفض تام وإنكار مطلق حتى لوجودها، ويرفض الاعتراف بها أو قبولها، ولهم في ذلك منطقهم الخاص بهم. وهذا النهج يسمى بالإلحاد ويعرف أتباعه بالملحدين.

بين الإيمان المطلق و الإلحاد المطلق، يجري بين الضفتين العديد من التيارات التي يختلف تعاطيها مع الغيبيات أو الميتافيزيقيات، بحسب قربها وبعدها من تلك الضفة أو تلك.

كون القضايا الروحية و العقيدية قضايا تتعلق بالغيب وماوراء الطبيعة، فقد كان إخضاعها لقواعد المنهج التجريبي أو الفحص المخبري أمراً غير ممكن، وبناء عليه أصبح من اليسير على أي مشكك أو مغرض إطلاق تهمة الكفر، أو أنعدام الإيمان أو ضعفه، جزافاً على من لايعجبه، حيث لا توجد طريقة تثبت عكس زعمه، وتبقى المسألة خاضعة للأهواء أو وفق القناعات الشخصية.

ظل هذا الكلام صحيحاً حتى تسعينات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1997 وفي مدينة سان دييغو الأميركية، عندما لاحظ أطباء جامعة كاليفورنيا، و أثناء فحصهم للمصابين بالصرع الصدغي الدماغي وجود نشاط كهربائي زائد في المنطقة الصدغية من الدماغ (Temporal Lobe)، كان هذا النشاط يؤدي إلى ظهور أعراض وعلامات معينة لديهم تدور حول تعلق المرضى بأفكار روحية ودينية معقدة، يتمسكون بها إلى حد الهوس.

أدت هذه الملاحظة بالعلماء إلى دراسة النشاط الكهربي لمنطقة الفص الدماغي الصدغي لدى أشخاص متدينين غير مصابين بالصرع، ومقارنتها مع مثيلاتها عند آخرين غير مصابين بالصرع ولكنهم ملحدين.
كانت النتائج مذهلة. إذ لوحظ أن النشاط الكهربي لمنطقة الفص الصدغي الدماغي عند المؤمنين، هو أعلى من ذلك الذي عند الملحدين..!

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد استمرت التجارب إلى أن تبين فيما بعد أن تحفيزاً كهربائياً للمنطقة الصدغية من الدماغ لدى مجموعة من الملحدين، أدى بهم إلى الشعور بأشياء غريبة حولهم، أشياء ليست دينية لكن يمكن القول أنها معنوية.
من هذه الأشياء أن بعضهم أحس أثناء التجربة بوجود حركة ما في غرفة الاختبار. وعلى الرغم من كون الغرفة فارغة، وأنهم كانوا يعرفون ذلك، إلا أن أحدهم أكد أنه شعر تماماً بوجود شخصٍ ما يقف إلى جانبه.

أدى التحفيز الكهربي للدماغ إلى الشعور بأشياء غير موجودة، على الأقل ضمن النطاق المحسوس، فهل يؤدي التثبيط الكهربي في المقابل إلى نزع اليقين عن وجود أمر غيبي ما؟ وهل يمكن التحكم في نوع الإعتقاد و قوته عبر التحكم في نوع وشدة واتجاه التيار الكهربي المسلط على الدماغ؟ وهل سيمكن قياس مستوى الإيمان و شدته لدى المرء عبر فحص الكهرباء الدماغية؟

تخيل عزيزي القارئ لو أن العلم توصل إلى نظام معين لضبط الشحنة الإيمانية أو الروحية لدى الإنسان من خلال ضبط الشحن الكهربائي لذلك الفص الدماغي من المخ، كيف سيكون الوضع عندئذِ؟

ربما انتشرت محطات شحن الدماغ انتشار محطات البنزين حالياً، وأجزم أنها ستلقى رواجا كبيرا، و ستكون أسعارها زهيدة، فالأمر يتعلق بفيش للكهرباء و القليل من الأسلاك والتوصيلات لا غير. أما الزبائن فعلى قفا من يشيل.

حينهالا أظن أحداً سيجرؤ على اتهام أحد بالكفر أو عدمه الإيمان، فالفيصل والحكم بينهما هناك في المحطة، والمية تكذب الغطاس، ومن ثم المحكمة و تهمة القذف. وهكذا سيظل كل واحد في حاله و لا يتدخل في ما لا يخصه.

ربما انحسر دور الوعاظ والدعاة قليلاً، لكن لا بأس، ملحوقة، فالله لا يقطع رزقاً. بإمكانهم فتح دكاكين لشحن الفص الصدغي. ويرتاحوا من كثرة الكلام، فما كانوا يطمحون إلى الوصول إليه في سنين، يمكن أن ينجزوه في دقائق فقط. لكن حذار من الشحن الزائد عن المسموح، فالمسألة هنا غش تجاري، ومخالفات التموين بالمرصاد. إشحن ... بس بذمة وضمير، وعلى التسعيرة. أوكي؟

وربما أمكن علاج التطرف الديني عن طريق "تنفيس" الشحنة الكهربية الزائدة في الفص الصدغي للمتطرف، وهكذا يقدم العلم خدمة جليلة أخرى للإنسانية عندما يتمكن من وضع حدٍ للحروب الطائفية والكراهية الدينية، و ينهي تماما صراع الحضارات.

لن تنتهي مشاكل الحياة، وربما نجد حلاً لبعضها. لكن لن يعود مقبولا بعد ذلك أن نرى وجهاً متجهماً بدون سبب، أو شخصا لا يرد التحية لأنه متضايق أو ما شابه، فيكفي إذا انتابك ضيق ما، بدون سبب كما يحدث دائماً، أن تتوجه من فورك إلى المحطة لتطلب من العامل أن يشحن "فصك الصدغي" بـ"ادولار إيمان لو سمحت" !



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خداع النفس
- عملية الدكتور حسن نصرالله
- تحجيب الحضارة


المزيد.....




- اعتقالات بالضفة ومستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
- جماعة -سانت إيجيديو- الكاثوليكية.. بين الدبلوماسية الهادئة و ...
- بالخطوات.. عملية انتخاب بابا الفاتيكان الجديد ومعنى لون الدخ ...
- سلطات الاحتلال تبدأ حفريات جديدة قرب المسجد الأقصى
- مراسم مجمع الكرادلة لاختيار بابا الفاتيكان الجديد خلفا للباب ...
- بالصور.. المسجد المتضرر بالضربة الهندية في باكستان مع وصول ف ...
- حماس: تصاعد عدوان المستوطنين على المسجد الأقصى يستدعي حراكا ...
- ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية
- قائد الثورة : أهم مهمة للحوزة العلمية هو توفير ارضية للحضارة ...
- الهيئات الإسلامية في القدس: الحفريات الإسرائيلية قرب الأقصى ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود الباتع - بدولار إيمان لو سمحت