أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - صبري يوسف - تحريرُ فلسطين وسائر الأراضي المحتلة بطريقةٍ تخرقُ الأساطير















المزيد.....



تحريرُ فلسطين وسائر الأراضي المحتلة بطريقةٍ تخرقُ الأساطير


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1620 - 2006 / 7 / 23 - 11:56
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الحرب على لبنان، حربٌ على الجمال، على الروعة والبهاء، حربٌ على بذور الحرية والديمقراطية والاعمار والعطاء، حربٌ على الطفولة المترعرعة أصلاً على أزيز الرّصاص، حربٌ مجنونة لا طائل منها سوى المزيد من جنون الصولجان، صولجان دولة رعناء يغيظها أن لا تعلن رعونتها بين الفينة والأخرى على الملأ وتجرِّب أسلحتها الفتّاكة على جماجم الأطفال والشيوخ والنساء والجسور ومطار عواصم الحرّية والسُّياح الذين يرتجفون وينتظرون الدقائق الأخيرة كي يتم اجلاءهم عن طريق البرِّ والبحر والأنفاق والبكاء!
منذ فترة طيّبة وتحديداً في عام 2000 أصدرت عبر داري نشري ديواني الثالث: "السَّلام أعمق من البحار"، بعد ديوان: "روحي شراع مسافر" و "حصار الأطفال .. قباحات آخر زمان"، استهلَّيت الديوان بالاستهلال التالي:
"استوحيت هذا النصّ (السَّلام أعمق من البحار) من مقالين من مقالاتي، التي كنتُ قد نشرتهما في القدس العربي وصحف أخرى، تحت عنوان: "السَّلام ليس ميثاقاً على الورق" و "السَّلام المشروخ" فهل يُعدُّ هذا الاقتناص سرقة أدبيّة؟! لِمَ لا، لكنَّها سرقة أدبية لذيذة، وتكمن لذتها في أنني سطوت على نفسي بنفسي بقصد تقديم ما هو أفضل لهذه الذَّات الجريحة.. آه يا ذاتي، أيّتها المنشطرة من غربة هذا الزَّمان. لماذا نحن البشر لا نسطو على ذواتنا بين حينٍ وآخر، لعلّنا نجد في تقعّرات الرُّوح، بذور الخير، خير زمان؟! .. آهٍ يا زمان، إلى أين يقودنا هذا الزَّمان؟ .. أي زمانٍ هذا الذي جئت فيه؟ أنّه زمن القباحات! .. يؤلمني أنني جئت في زمنٍ يترعرع فيه أقبح القباحات.. زمنٌ ولا كلَّ الأزمنة، زمنٌ داس في جوفٍ هابيل وقابيل! تبّا لكَ يا زمني!
الآن قرَّرت أن أصدر (نداء رقم ألف!) عبر هذا النصّ، لعلّي أستطيع أن أهشّم ولو قليلاً من مرارات غربتي المتلاطمة على امتداد الذَّاكرة، وقد كنتُ قد أصدرت (نداء رقم 1) عبر ديوان: "حصار الأطفال ..قباحات آخر زمان!".
قفزتُ على ترتيب النِّداءات، لأنني أحتاج أن أعيش وأعاصر عشرين ألفية أخرى حتّى أصل إلى النِّداء رقم ألف، لهذا أحببتُ أن أحرق مراحل (ألميّة) لا تخطر على بال، كي أقدِّم للقارئ العزيز بعضاً من شرور الإنسان تجاه أخيه الإنسان، لعلّه يتلمَّس أن مستقبل الانسان يصبُّ رويداً رويداً في بوَّابات الجَّحيم، لهذا أناشد كلّ مَن يحمل بين جناحيه بذور الخير والمحبّة والسَّلام، ليرشرشها على وجه الكون، لعلّها تخفِّف من وطأة الشرارات المسمومة المنبثقة من رؤى أكبر قيادييّ هذا العالم!
هذا وللنداءاتِ بقية! .. ستوكهولم، 22 . 5 . 2000 "
الديوان كان يقع في 64 صفحة من القطع المتوسط، ثم أجريت عليه مؤخراً تعديلات إلى أن أصبح مائة صفحة بعد أن ضميته إلى الجزء الخامس من نصٍّ مفتوح تحت عنوان، أنشودة الحياة!
عندما أنظر إلى رحلتي الأدبية، إلى شعري ولوحاتي وقصصي، أشعر بنوع من خيبة الأمل والقرف والامتعاض! ليس ممَّا أكتب، بل من هذا البلاء العالمي ومن تراخيات الواقع العربي السياسي والثقافي والاقتصادي والنفسي والجغرافي .. والكثير الكثير من مجالات الحياة المهلهلة في دنيا الشرق والغرب، خاصة الثقافي منها والسياسي! .. وأشعر بنوع من الامتعاض لأنني أكتب بالعربية، مع أنني منذ أن فتحت عيني على وجه الدنيا وأنا أنطق هذه اللغة الفسيحة! وأتساءل: ما هذا القدر الغريب العجيب الرازح فوق رقبتي أن أكتب بلغةٍ عدد سكان مَن يتكلَّمها يربو على أكثر نصف مليار ومع هذا أجدها لغة مخلخلة الأجنحة في الانتشار والحضور والتواصل، لغة مهشمة مثل تهشم واقع عوالم الشرق العربي المخلخل الكيان والروح والحياة، لغة مبتلية بأنظمة غائبة عن الوعي فغاب كتابها ومبدعيها عن الوجود تارةً وعن الوعي تارة أخرى، لغة تحمل اسماً كبيراً لكن على قرية خرابة، خراب الوطن والأوطان! كم أريد أن تصل كلمتي إلى ديناصورات الغرب، إلى صناع القرار، قرار الحروب وكل أنواع الدمار، إلى مجانينِ العصر، فهل هناك من يترجم نصّي وحرفي ولوحتي وشهقتي إلى بقاعِ الدُّنيا؟!
ربّما يخيَّل للبعض انّي خرجت كلياً عن الموضوع لكني أريد أن أترك مخيَّلتي تتوه قليلاً كي أتوقَّف عند هذا التَّوهان والجنون السياسي الذي أراه! انه لمن الجنون تماماً أن يخطر على بال دولة مثل اسرائيل بكلِّ ثقلها العسكري والدولي مهما كانت الأسباب أن تنقضَّ على دولة مهلهلة الاقتصاد ومخلخلة الأجنحة ووديعة الرُّوح مثل لبنان، فلا أتذكَّر لبنان إلا وهو في حالة حرب مفتوحة مع ذاته تارةً ومع تقعرات آخر زمن تارةً أخرى، كيف لاسرائيل قلب حتى ولو كان قلبها من الحجر، أن تفترس لبنان بهذه الهمجية الحيوانية البغيضة، وهي تعرف أن اقتصاد لبنان هو تحت الصفر، يعيش على المعونات الخارجية، وهو يلملم جراحه الثخينة، والغريب بالأمر أن اسرائيل تهدف أن تؤدّب حزب الله، وتبيد بنيته التحتية، ولكنها وبكل طيشٍ وحماقة ضربت لبنان في العمق فهي أي اسرائيل كاذبة وستين مليون ألف كاذبة، إنها تريد أن تؤدّب العرب جملة وتفصيلاً من المحيط إلى الخليج! عفواً العرب، أقصد الأنظمة العربية مؤدّبة جدّاً، ألا ترون كيف أنَّ ردود فعلها مؤدّبة وراقية ومهذَّبة لا تجرح مشاعر نملة!
ما هذه الجريمة الكبرى التي اقترفها حزب الله، انه أسر جنديين اسرائيليين ولا يريد أن يسلِّمهما إلا بتبادل الأسرى؟ ما جريمة حزب الله أمام هذه الهجمة المجنونة لاسرائيل على لبنان برمَّته؟ لماذا يجنُّ جنون اسرائيل على أسيريها ولا تسمح أن يجنَّ ولو قليلاً جنون لبنان وفلسطين والعرب على أسرائهم، هل أسراء اسرائيل من لحم ودم وأسراء العرب من حجر ونار؟!
إن ما يغيظني هو هروع الوزراء العرب بهمّةٍ لا تلين، لعقد مؤتمر قمة عربي، والذي يغيظني أكثر بَشاشاتهم وابتساماتهم العريضة أمام شاشات الفضائيات أثناء محاورتهم وكأنّهم خرجوا من مؤتمر سيهزّ الكون برمته، وهم يعرفون أن كلّ ما خرجوا به لا يهز غصن شجرة برّية داخل اسرائيل! عجباً أرى، يعرّضون كرافيتاتهم ويطوِّلون خطاباتهم ويتلون شجبهم واستنكارهم وإذ بنا أمام فقاقيع لا تصلح أن تكون حتّى لَهْواً للأطفال! والمضحك في الأمر أن هناك ترتيبات لعقد مؤتمر قمة عربي للزعماء العرب، أتساءل أولاً هل لدينا أصلاً زعماء عرب كي يتم عقد قمّة لهم؟! وهل الزعماء العرب عرب أقحاح وبينهم وبين مواطنيهم خبز وملح؟! يخيّل إليّ أنّه لو ننصّب زعيماً غريباً وبعيداً بعد الأرض عن السماء في عالم العروبة ولمجرّد أن يعيش هذا الزعيم الغريب المفترض بين مواطنيه ويصبح بينه وبينهم خبزاً وملحاً لعقود فسيحة من الزمن، فانه من النخوة بمكان لو تمَّ التعدِّي على عرض البلاد فانه سيدافع عن مواطنيه وعن البلد الذي نُصِّب عليه من باب الخبز والملح، أم أن حكامنا لا يأكلون من خبزنا وملحنا لهذا لهم عوالمهم وخبزهم وملحهم تاركين مواطنيهم من الماء إلى الماء ومن البرّ إلى أقصى أقاصي السماء يرخون أعناقهم لصواريخ أعتى دولة في سماء الشرق، تخلخل وتصدع الأبنية على رؤوسهم دون أن يرمش لهم جفن؟!
رؤساء من فصيلة الجبابرة، وإلا كيف لا يرمش لهم جفن إزاء كلّ هذه الزلازل والبراكين التي تنشب في ربوع لبنان، هذا البلد الجميل الوديع الحليم، ما يؤلمني إلى حدِّ الانفلاق، كيف يتركون فيروز مذهولة بكل روعتها أمام هذا الجنون الاسرائيلي، فيروز التي أسأل منذ شهور عن إيميلها وعنوانها كي أرسل لها نصّاً طازجاً غير منشور، جزءاً كاملاً من أنشودة الحياة، كتبته من وحي أغانيها المبهجة إلى أقصى درجات بهجة الروح، آهٍ أين أنتِ الآن يا فيروز؟! كيف لا يدافعون عن صديقتي الشاعرة الرائعة جمانة حدّاد ويهيئون لها الجوّ الجميل كي تستكمل ما تبقّى من صفحة أدب وفن وفكر، أم أنهم لا يهمّهم الأدب والفن والفكر؟! ألا يراودهم أن يدافعوا عن الصديقة الشفافة سوزان عليوان، هذه المفجوعة بجراح العراق ولبنان معاً، هذه التي أطلقت على لبنان الوطن الخرافة، أو خرافة الوطن، أليس ما نراه أبعد مما نقرأه في الأساطير والخرافات؟! ووديع الصافي، كيف سيغنّي لنا أغانٍ من نكهة الحياة بعد كلّ هذا الخراب؟!
عندما أنظر إلى الأحياء المتهدِّمة وأرى أطفالاً تتلملم فوق الأنقاض ثم ترفع طفلة في سنواتها الأولى، سبابتيها وما يجاورهما من كل يد مشكِّلةً إشارة النصر، أشعر أن كلّ نصوصي باهتة أمام هذه الرُّوح الرائعة التي تحملها هكذا طفلة صامدة بين الانقاض وأشعر أنها أقوى من الحكام العرب أجمعين لأنني لم أرَهم منذ زمن بعيد يرفعون اصبعيهم كإشارة للنصر، أم أنّهم كانوا وما يزالوا يعرفون أن هذه الإشارة أشبه ما تكون بحلم ابليس في الجنّة لهذا تفادوا أن يقعوا في هكذا إشارات أو هكذا مطبّات! ماذا قلت، مطبّات؟! إذاً من حقّهم أن لا يقعوا في هكذا مطبّات، طالما لديهم الكثير الكثير من المواطنين البررة يقدِّمون أنفسهم شهداء دفاعاً عن الوطن الخرافة، نعم الخرافة، خرافة ما بعدها خرافة، على حدّ قول شاعرتنا عليوان!
وما أبعجني أكثر هو اجتماع دول الثمانية، دول عظمى تهزُّ أركان الكون، تجتمع بحماس وتدافع بعنف على إعادة الجنديين الأسيرين إلى اِسرائيل بدون أي قيد أو شرط، ولا يتوقَّفون عند هذا القصف المجنون الذي تقصفه اِسرائيل على البنية التحتية والفوقية والجنوبية والشمالية والجانبية والعرضية واليمينية واليسارية والهوائية والبحرية والبرية وللشهقة التنفسية للبنان؟!
طيّب أيّهما أكثر جرماً وفداحة، أن يأسر حزب الله أسيرين ويطالب بشكل شرعي وعبر منظمات دوليّة بتبديل الأسرى من كلا الجانبين، أم هذا الهجوم الاسرائيلي المجنون على لبنان؟! لماذا تطالب اسرائيل بإعادة الأسيرين من دون أي قيد أو شرط ولا تعيد هي الأسرى اللبنانيين وغيرهم من دون أي قيد أو شرط، إذا كانت فعلاً من أنصار السلام وترغب أن تعيش في أمان؟!
قلت ألف مرّة ومرّة لأصدقائي، أن اسرائيل لم تخطِّط يوماً ولم تسعَ يوماً إلى تحقيق السَّلام في عالمِ الشرق بل من مصلحتها أن لا يعم السَّلام في دنيا العرب والعروبة، لأنَّ وجودها أصلاً مرهون بهذا الصِّراع المحموم، كي تلقى من الغرب الدعم المفتوح، فكان السَّادة الأصدقاء يفتحون أفواههم ويقهقهون! .. ربّما لا يدرون لماذا يضحكون!
أجدني هذه اللحظات الأليمة إزاء حالات مشاعرية أشبه ما تكون الحالات التي تمخّضت عنها فضاءات ديواني السادس: "الإنسان ـ الأرض، جنون الصولجان" حيث كتبته من وحي عوالم القصف الاسرائيلي للطفولة الفلسطينية وغيرها من أطفال الكون، من خلال جنون الصولجان، صولجان الشرق والغرب على حدٍّ سواء! وأتذكّر جيّداً كيف تبادر لذهني أن أستهل الديوان تحت عنوان: "نداء رقم صفر" مع انّي كنتُ كما أشرت سابقاً قد أصدرت نداء رقم 1 ونداء رقم ألف، فكيف بي عدت إلى نقطة الصفر في ترتيب النداءات؟!، تفضلوا إليكم الاستهلال، "نداء رقم صفر" لربما يكون مناسباً في هذا السياق الجنوني لقصف اسرائيل عوالم لبنان:
"اِنحدرت درجة أخلاق بعض البشر إلى درجة الصفر، وكأنّهم يعيشون في العصر الجليدي، انهارت قيم آلاف السِّنين، لا أرى أية تباشير أمل تلوح في المستقبل، تطوُّرٌ تكنولوجي في خدمة فئة (مهبولة) من البشر، تقود ملايين البشر المساكين إلى مرارات الحياة والبؤس والشَّقاء، شيء مزري أن أرى في بداية الالفية الجديدة الكثير من دول العالم تحت خط الفقر، دول نفطيّة وغنيّة، أيام زمان كانت عملتها تنطح الدولار الأمريكي، والآن تحوّلت عملتها إلى مجرّد ورق، أقرب ما تكون إلى التبن منه إلى أية عملة في العالم! مَن وراء تدهور هكذا بلدان؟! ماذا يستفيد الإنسان الفقير أو حتّى الغنيّ من تكنولوجيا وعولمة العصر طالما في المعادل الآخر يموت ملايين الأطفال جوعاً دون أن يرمش لدول صاحبة القرار جفن! .. بدأت أشعر بنوعٍ من القرف والتقيُّؤ من سياسات الدُّول التي تطرح نفسها قيادة العالم وهي غير جديرة قيادة بلدانها، لذا لا تجد أمامها سوى أن تنهش خيرات الدول النامية أو النفطية البائسة، وأقول البائسة، لأنها لا تعرف قيادة شعوبها فتترك أمرها للدول العظمى، ويزعجني جدَّاً أن تكون الدُّول العظمى دولاً عظمى! أية عظمة لديها هذه الدُّول؟ هل يصحّ أن نطلق على دولة ما، تقتل ملايين الأطفال بطريقة أو بأخرى دولة عظمى؟! انها برأيي دولة طائشة، بعيدة كلّ البعد عن العظمة حتّى ولو بالتسمية، هي دولة خارجة عن القانون وانّي أطالب القانون والمجتمع الدولي بالغاء منظمة هيئة الأمم المتحدة لأنها حبر على ورق وقد أصابها الوهن والشيخوخة، كما أطالب بصياغة قانون دولي جديد يكفل تأمين حقوق الإنسان، ليس على الورق فقط بل على أرضِ الواقع، أراهم يتحدّثون عن حقوق الانسان وإلى آخر ما هناك من الكلام النظري وهم أكثر من خرق ويخرق حقوق الانسان على امتداد كلّ الأزمنة، ماذا يعني حقُّ الفيتو، عندما تستخدمه دولة ما عندما لا يروق لها قراراً ما؟ اِن حقٌّ الفيتو هو حقٌّ مزاجي تافه، يليق أن يمارسه السُّكارى وقطّاع الطرق لأنّه لا يطبَّق إلا من منطلق مصلحة الدَّولة التي تمارس حق الفيتو، أنا كإنسان أحتاج أن يزيحوا عن رقبتي حصاراتهم المجنونة وقراراتهم المبرقعة بالدم، لا يلزمني كلاماً فارغاً! شبعت من الكلام الفارغ، تحدّثوا عن السلام وعن الأمن وآلاف المؤتمرات واللقاءات ومليارات العملة الصعبة استهلكت على مسيرة السلام، فخرجوا بعد جهدٍ جهيد بمعادلة مفادها قتل طفلٍ في حضن أبيه في زاوية منسيّة من هذا العالم! أيُّ سلامٍ هذا الَّذي يتحدَّثون عنه وأيّة دولة عظمى هذه التي ترعى السَّلام وفي كنف السَّلام تسيل دماء الأطفال؟ انّها مهزلة المهازل! .. والأنكى من هذا أن الدُّول المنكوبة، ودولٌ أخرى في طريقها إلى عالمِ النكبات، أراها صامتة صمت الموتى، إلى متى ستستمرُّ هذه الألاعيب على الإنسان ـ العبدِ الفقير؟! إلى متى ستتحكَّم الدُّول (العظمى) الخارجة عن القانون، تتحكَّم بمصير ملايين البشر وفقراء هذا العالم؟ .. لماذا عندما تمرض قطّة من قطههم يقلبون الدُّنيا ولا يقعدونها، لمعالجة قطّة! .. هل قططهم لها أرواح، وأطفال الدُّول المنكوبة ليس لهم أرواح؟! .. انّها معادلة خبيثة وشريرة للغاية! .. لهذا أناشد كل شرفاء العالم بالوقوف جبهة واحدة لصياغة دساتير جديدة وهيئات دوليّة جديدة، تضمن حقوق الأطفال الَّذين يتضوَّرون جوعاً في الأزقّة، وتضمن للبشر البسطاء أن يعيشوا في أمان وإطمئنان بعيداً عن ألاعيبهم وتكنولوجياتهم وتقنيات أسلحتهم، ماذا يستفيد الإنسان من حضارتهم طالما أرى بأمِّ عيني ملايين البشر يموتون لمجرّد سنِّ قرار من قراراتهم، وإذا لم تخدم حضارتهم الإنسان أينما كان، فلا خير في حضارتهم وأنا أرى أن الإنسان لو عاش على الصَّيدِ والرَّعي والفلاحة والزراعة البدائية بعيداً عن تقنيات العصر وهو في أمان واطمئنان، أفضل من أن يعيش في عصر غزو الفضاء والانترنت وحياته على كفِّ عفريت! أنا لست ضدَّ التطوّر البشريّ، لكنّي ضدَّ الانحدار البشري، ورغم توفُّر كلّ رفاهيات الحياة لدى الإنسان! أي إنسان هذا الَّذي أتحدَّث عنه، إنّه إنسان قلبه يشبه حجر الصّوان، يتوجّب على الإنسان أن يراجع نفسه، وينظر إلى جعبة الشرور المندلقة من خاصرته، سيجد نفسه أنّه داس في جوف الذِّئاب والضِّباع وأنّه أكثر وحشيّةً من الوحوش المفترسة، مع أنّه يملكُ مالاً لا تأكله النيران، فلماذا كلّ هذا الجشع والانحطاط في سلّم التخريف البشريّ! انّه زمن الافلاس، افلاس الأخلاق، افلاس الإيديولوجيات، إفلاس قياديي هذا العالم، افلاس المبدعين والمفكرين والفلاسفة! لا أعلم فيما إذا كان في عصرنا الراهن ثمّة فلاسفة أو حكماء، لأن العصر الَّذي أراه يقود إلى جنون الفلاسفة وانتحار الحكماء والمبدعين، عفواً المبدعون لا يحتاجون إلى الانتحار، انّهم في حالة انتحار من دون انتحار، معاناتهم هي عبورٌ في مرحلة ما بعد الانتحار!
أيُّها الإنسان لماذا لا تغار من أمِّكَ الأرض، وتصبح معطاءً مثل الأرض، خيِّراً مثل الأرض؟!
مندهشٌ أنا، كيف تتحمَّل الأرض قباحات البشر؟! .. ستوكهولم/ 21 . 11 . 2000 "
ماذا بعد كل ما اعتراني ويعتريني من هموم وأحزان إزاء ما أراه؟!
هناك رؤى جديدة خطرت على بالي منذ سنوات، رؤى غير مطروقة في كيفية تحرير فلسطين وسائر الأراضي المحتلة عن طريق البغال والجمال والحمير، نعم حمير بأربعِ قوائم!
منذ سنواتٍ وسنوات خطر على بالي فكرة تصلح أن أكتب عنها قصة أو عمل روائي أو ربّما سيناريو لفيلم سينمائي طويل أو قصير، محور الفكرة يدور حول كيفيّة الاستفادة من تسخير طاقات البغال والجمال والحمير والكلاب الضالة المنتشرة في طول العالم العربي وما أكثرها في بلادٍ تحفل بالبراري الفسيحة، لتحرير البلاد من كثافات السواد!
أتذكَّر أنني أستعرضت سياق الفكرة في أكثر من لقاء جمعني بالأصدقاء وبعض ممّن يطرحون أنفسهم ساسة، وأتذكر جيّداً أن أكثر من شخصية اهتمامية بما أقول كان على وشك أن يسقط من على كرسيه أرضاً لما كان ينتابه من قهقهات، ولا في مسرحيات عادل إمام! مع أنّي كنتُ جاداً في سياق العرضِ لكني كنتُ أسرد فكرتي بسخرية مريرة إلى أبعد حدود المرارة، وأقصى السخرية ممكن أن تؤدّي إلى أقصى الكوميديا، ولا تخلو فكرتي من جنوحِ كوميدي في بعض جوانبها، لكن الكوميديا ليست هدفي وإن تأتي في سياق العرض، لأن الشخصيات التي أجسدها شخصيات غير معهودة في عالم القصِّ والسَّرد والبناء.
فيما كنتُ أشاهد أخبار فضائياتنا التي هكلتني بالأخبار التي تسمِّم الأبدان، فلا أتذكّر نفسي أنني شاهدت الأخبار يومين متواصلين على مدى عمري إلا وأنا أشاهدُ بحاراً من الدَّم والحروب التي لها أوَّل وليس لها آخر، فتراكمت همومي على امتداد نصف قرن من الزَّمان، ولكي أرتاح من قصة الحروب والأخبار المسمومة ولكي أضع اسرائيل عند حدّها، انبثقت شرارة الفكرة وكأنها شرارة منبعثة من هلالات نيزك تحمل كل أنواع تجليات السحر الاسطوري وفعل ما لا يمكن فعله، وأغلب الظنّ أن هذه الفكرة لم تراودني لأنني ضد اسرائيل بقدر ما راودتني كي أجد حلاً لمسألة باتت تزعجني من خلال الأخبار المسمومة التي تهز بدني كل مساء، وعندما وجدت عالم العرب والعروبة يغوص في نومٍ عميق، رحت أمعن النظر في معالم فكرتي أقلِّبها على كافة جنباتها إلى أن تيقَّنت أن رؤاي لا يخرمها الماء ولا يخرقها أي صاروخ على وجه الدنيا لأنها فكرة غير قابلة للخرق وهي تخرق ما لا يُخرق!
لا أخفي عليكم أن فكرتي تتقاطع بطريقة أو بأخرى مع فيلم الضفدع، .. حيث شاهدت كيف تهجم الضفادع على مدينة وتبيدها عن بكرة أبيها، وهي تتقاطع أيضا مع فيلم النحل الذي شاهدته وأذهلني بهجومه الكاسح على الانسان، وكم بدا لي الإنسان هزيلاً أمام هذا الكائن الصغير ـ النحل، عندما يكون النّحل متوحّداً ومصراً على غزو ما لا يمكن غزوه وهكذا وجدت قوافل البشر تهرب في جلدها تاركة الجمل بما حمل للنحل والضفادع!
أصرّح بكل مصداقية أن فكرتي غير مستوحية من أيّ من الفيلمين، لكنها تبرعمت من فكرة الشهادة، أو العلمليات الانتحارية! لكنّي أحببتُ أن أطوّر العمليات الاستشهادية أو إن شئت أن تقول الانتحارية بطريقة حداثوية تناسب حداثة وتطورات العصر، لأنني عندما كنتُ أشاهد الأخبار وأجد شاباً أو شابة في مقتبل العمر تقوم بعملية استشهادية، كنت أشعر بنوع من الأسى والحزن ناهيكم عن تراكمات الأحزان القابعة فوق روحي وقلبي منذ أو وعيت على وجه الدنيا حتى الآن، حروب على كل الجبهات، تلاحقني وتسمِّم ليلي وغربتي وأنا في قطب الشمال من هذا الكوكب المبتلي بحماقات البشر! وهكذا تلألأت فكرتي في خضم جنون هذا الزمان، وأنا أرى أن الإنسان العاقل الهادئ الرصين نادراً ما يصلح للحرب، فلكي تكون صالحاً للحرب لا بدّ أن يكون لديك قدراً لا بأس به من جنون الحرب أو شغف الحرب أو انشراخات قوية في ذبذبات الدّماغ، ومحاولة تسطيح الكثير من تجاعيد المخ للاقتراب من مملكة الحيوان، هذه المملكة التي وجدت فيها ضالّتي المنشودة التي أبحث عنها كي أبنى عليها فرضيات أفكاري وأضع على رقابها وظهرها وحدباتها كلّ الرِّهان!
قبل أن أدخل في تفاصيل فكرتي أريد أن أشير إلى أنني من أنصار الرِّفق بالحيوان، وقد أشرت في ديوان: "الانسان ـ الأرض، جنون الصولجان" إلى الكثير من المزايا التي يتحلّى بها البغال أكثر ممّا يتحلّى بها الكثير من بني البشر!
كنتُ مسترخياً على سريري، بعد أن تشبّعت من السُّموم التي تتهاطل عليّ من جرّاء الهجومات المجنونة لاسرائيل على الشعب الفلسطيني واللبناني، تجرف الأخضر واليابس، والعرب في سبات عميق كأنهم ينافسون أهل الكهف، وهكذا لمعت الفكرة، فكرة الاستعانة بالبغال والجمال والحمير، والكلاب الضالة! لكني كنتُ أشعر بنوع من الألم لما ينتابني من رؤى ظالمة في حقِّ البغال والجمال والحمير، أريد أن أعترف أنني كإنسان أحمل بين جنباتي أحياناً بذور الشرّ، لكن شرّي وشراراتي تفاقما من خلال الشرور المتهاطلة على ليلي ونهاري لهذا اِخترت أهون الشرور لعلي أستطيع أن أضع حدّاً لشرور وجنون إنسان العصر، وبعد أن تاكدّت أن الكائن الحي لا يمكن أن يقضى على شرور العالم بفعل الخير والحوار والأخلاق الرفيعة لأن الشرير لا يسمع ولا يرى ولا يستجيب إلى فعل الخير والحوار والاخلاق، وهكذا قررت أن أبحث عن شرٍّ حضاريٍّ يناسب حضارة العصر السقيمة! حضارة مشينة، بعيدة عن شهقة الطفولة وبعيدة عن نداوة وردة وعن حنين عاشقة!
لا أعلم بالضبط مَن قال: الحرب هي الحرب كيف تقضي على خصمك فذلك هو الحل، ومن هنا أحببت أن أخطِّط بشكل محكم ومدروس للقضاء على الخصم، مع أني لا أجد لي خصماً في الحياة، فأنا لا أحبُّ الخصومة ولا أحبُّ الحرب ولا أحبُّ القتل ولا أحبُّ الصراعات المجنونة، ولا أحبُّ أن أحرِّرَ أرضاً مغتصبة، ولا أرضاً محتلة، لأن الأرض كلها لا تعنيني، ما يعنيني هو أن أنام مرتاحاً خلال السنوات الباقة من حياتي، ما يعنيني هو أن أضع الكثير عند حدّهم كي يفهموا انني أيضاً أفهم ولي إيديولوجياتي في الحياة والبحث عن النوم العميق بعيداً عن ترَّهاتهم وسياساتهم الممجوجة وأهدافهم السخيفة على حساب رقاب القوم والعباد وفقراء هذا العالم، لهذا يخطأ مَن يظن انني أهدف أن أحرّرَ أرضاً ما مغتصبة، لكني أريد أن أحرِّر ذاتي من سطوة مجانين هذا العالم، أريد أن ألقِّنهم درساً ربّما يكون دراميّاً في آخر ما توصّلت إليه في عمليات الشهادة والانتحار!
جاءتني الفكرة ما بين الحلم واليقظة، ثم ترعرعت وترعرعت إلى أن وصلت إلى حدِّ مذاق الدمعة! لأن أفكاري لا أخفي عليكم أحياناً تبكيني، من شدّة العاطفة أحياناً ومن طزاجةِ غرابتها أحياناً أخرى!
وهكذا ومن خلال تواصلي مع عالم الحيوان وتركيزي على تطوير هذا التواصل بعد أن يئست من تطلعات الكثير من البشر، تولَّد لدي طاقات لا بأس بها للتأثير عن بعد أو عن قرب على عالم البغال والجمال والحمير، فجمعتُ ملايين البغال الشاردة والجمال التائهة والكلاب الضَّالة والحمير المسترخية عند منحدرات الجبال!
سررت لاستجابة البهائم، لمَ لا، كانوا يطيعونني منذ أن كنتُ طفلاً، وتبادر إلى ذهني أن أعيّن على كلّ فوجٍ من أفواج بهائمي مجموعة من المروِّضين، كي يروّضوا دوابي لخوض المعركة القادمة، معركة حاسمة تضع حدّاً لعنجهيات البريرية التي تطرحها هذه الدولة الخارجة عن القانون! فقد أوعزت أوامري إلى المروِّضين الذين جاؤوني من كافة أنحاء الوطن، خاصة أننا بلدان لها تواصلها مع مملكة الحيوان، اِندهش المروِّضون من الرواتب الضَّخمة التي رصدتها لهم، لأنني طرحت نفسي رئيس قوات البهائم والدَّواب الضَّالة على امتداد البلاد من الماء إلى الماء، فهطلت عليَّ الأموال من كل حدبٍ وصوب، والكثير ممن كان يغدق علينا الأموال، كان يظن أن اللغة التي أطرحها ما هي إلا ترميزات وأسرار عسكرية، فلم يتدخل في تفاصيل المعركة التي أخطِّط لخوضها بثقة عمياء بحيث أن تخلخل أجنحة أكبر عدو على وجه الدنيا!
وهكذا بدأ المروِّضون بالتدريب، تدريب البغال، والجمال والحمير والكلاب، كلّ مجموعة على حدة! وربّما يتساءل أحدهم على ماذا يتدرَّبون هذه البهائم؟ تريَّثوا يا أعزائي، خذوني في حلمكم، فالصبر مفتاح النصر، فها قد صبرتم عقوداً من الزمن ولم يتم تحرير متراً واحداً من الديار المقدسة والديار الدافئة، ألا تستطيعوا أن تصبروا بضعة دقائق، ستغضب الجِّمال من نفاذ صبركم!
جاءني خبر مستعجل من مروِّضٍ في قطّاع القسم الجنوبي من فيلق الجِّمال، أن تدريبات ترويض الجِّمال تسير بشكل مدهش وأن هناك تقدُّم جيد في تجاوب استعدادات الحمير لكن بعض البغال ما تزال عنيدة في القطاع الشمالي لهذا نحتاج إلى مروِّضين من نوعٍ خاص لبعض البغال العنيدة!
تذكّرتُ بغلتنا البنّية عندما كنتُ طفلاً، حيث أنها ما كانت تستجيب لمتطلبات أخي الكبير، فكان والدي يتقدَّم نحوها ويبعد أخي عن ميدان الترويض، ثم ينظر إليها ويضع يده بهدوء على رقبتها الغليظة، يفرك رقبتها، فتحكُّ رأسها بوالدي، ثم تتواصل معه بطريقة ودّية، فكنتُ أشعر آنذاك أنها مستعدة لأن تحمل قمحنا وتأخذه إلى أبعد الطواحين، متعةٌ لذيذة كان ينتابني وأنا أركب على ظهرها عابراً البراري الفسيحة متوجّهاً نحو عوالم الطواحين المعبّقة بنكهة الحنطة!
اتصلت مع بعض المروِّضين، ثم طلبت منهم أن يبحثوا عن الفلاحين المتقاعدين، لعلَّهم يتطوَّعون ويقدِّمون لنا خبراتهم في ترويض بعض البغال العنيدة، جاءني الكثير ممن لهم لمسات سحرية في ترويض البغال الشمُّوسة، وفيما كانت التدريبات تسير على قدمٍ وساق، إذ بجمل ذات حدبتين تهمس في أذني كأنَّ لديها سرّاً عسكرياً، نظرت إلى حدبتيها، وأنا أضحك في عبّي فرحاً، كيف فاتتني هذه الفكرة، أحييكِ يا سفينة الصحراء، أحييكِ على هذه الرؤية الرَّحبة، همستُ في سرّي لمَ لا، الفيلة لهم حضورهم وجبروتهم وهجومهم المضاد لعرش الأدغالِ والأحراش!
وهكذا قمت باجراء ترتيبات التنسيق مع أحبائنا الأفارقة مركّزاً على فيلهم وقرودهم المنتشرة في غاباتهم الفسيحة، وطلبت منهم تزويدي بأكبر عدد ممكن من مروِّضي الفيلة والقرود، ووضعت في الاعتبار أن أرصد هذه القوات لحرب الغابات والأحراش والادغال المستعصية!
جاءنا أعداد هائلة من الفيلة والقرود من أفريقيا، وشكَّلت أكثر من أربعة فيالق جديدة من الفيلة وفيلق من القرود خاص بالانزال الجوّي عند الضرورة!
أشرف يومياً على سير التدريبات، ما كنتُ قد أعطيت للمروِّضين تفاصيل أسرار فكرتي في كيفية اقتحام حدود العدو الغاشم، فقط أوعزت لهم بترويض كافة البهائم كي نخطِّط بعدها لتحرير الأرض من أنياب العدو.
عندما اكتمل نصاب القوات، وأصبح عددها يربو على ثلاثين مليون مقاتل من الطراز الانتحاري، دعوت كافة المروّضين، الذين تم تعيينهم كرؤساء فرق وفيالق لقيادة جبهة الحرب عن بعد كما سترون لاحقاً.
كان المروِّضون يصغون إليّ بدقّة كبيرة، وتتلخصّ استراتيجيتي بشكلٍ مبسَّط لا تعقيد فيه، وضمن سياق استراتيجيتي يتمحور جانياً مهما من التكتيك، ولا كل تكتيكات حروب الكون، حيث أنني سأعطي أوامري بالهجوم المباغت على العدو في وضح النّهار، وذلكَ بعد أن يتم تدريب كافة الفيالق بالقيام بمهماتها بدقة وبعد أن نقدِّم عروضاً تدريبية في أعماق صحارينا وبعد أن أجد أن لمقاتلينا الانتحاريين الاستعداد التام للهجوم البرّي عندها سأعطي إشارتي للبدء في الهجوم!
سيتم توزيع القوات من الشاطئ الجنوبي للبنان المتاخم لاسرائيل حتى غاية كل الحدود الجنوبية ثم الحدود السورية والأردنية والمصرية ضاربا معاهدات ما يسمى بالسلام تحت روث الجمال والبغال التي ستحرر البلاد من ظلم الظالمين!
سيتم توزيع أرتال من الجِّمال، البغال، الحمير، الكلاب، الفيلة، وسنترك القرود للحالات الطارئة والانزال الجوي، بين كل رتل ورتل سيكون مسافة خمسة أمتار، سيتحكم المروِّضين عن بُعد، بطريقة سير المعركة واقتحام القوات للأرض المحتلة، وقبل الهجوم سيتم تبليغ كافة عرب الداخل وكل من يقطن في فلسطين من الفلسطينيين والسيّاح بإخلاء فلسطين كلياً، لا نحتاج أية مساعدة من مواطن فلسطيني في الداخل، داخل فلسطين ولا في داخل اسرائيل من عرب الداخل أو من عرب فلسطين، سنطلب منهم أن يخرجوا من فلسطين واسرائيل طوعاً لاسترداد حقّهم بالتمام والكمال، سنعفيهم من الحرب وكفاهم حروباً فقد شبعوا من الحرب إلى حدٍّ وصلوا إلى درجة ما بعد التخمة! ثم ان معركتنا لا تحتاج لمقاتلين من فصيلة البشر لأن كل حيثيات فكرتي تقوم على تحرير الأرض ببهائمنا! نعم بهائمنا، لأن بهائمنا هي ملكنا ونحن أحرار بها، نقودها ونعلفها ونرصدها لعمليات انتحارية، هذا شأن داخلي ولا علاقة لأية منظمات دولية أو محلية بنا ولا ببهائمنا، والذي لا يعجبه أفكارنا فليضرب رأسه برأس فيلٍ أو بغلٍ من بغالنا، سنرى مَن سيفوز في المناطحات؟!
ستهجم القوات بعد أن يتم توزيع أرتال البهائم على كلِّ الحدود البرية من دول الطوق على اسرائيل، حيث سيكون ما بين كلّ انتحاري وانتحاري خمسة أمتار نحو الأمام ونحو اليسار، وسيكون كل انتحاري مدرّع بدروع مضادة للرصاص ومزوَّد بألغام غير محرّمة دولياً لأننا لا نريد أن نخرق الأعراف الدولية ولا نريد من أية جهة أن تحمِّل بهائمنا مسؤوليات هم بغنى عنها، نريد حرباً شريفة، تصونها الأعراف الدولية! سيتقدم المقاتلون بشكل مستقيم بحسب التدريبات والترويضات التي تمت لهم، سيتقدمون دفعة واحدة على كامل الحدود البرية بما فيها بحيرة طبرية أو أية بحيرات وأنهار خفيفة تأتي في طريقهم، سيدخلون في العمق الاسرائيلي، مركِّزين أن يحافظوا على مسافة خمسة أمتار ما بين مقاتل وآخر، وهكذا سيدخلون العمق الاسرائيلي عبر هجوم مركّز وكثيف، ويبدأ المروّضون بتقديم أوامرهم عن بُعد وعندما يصلون إلى قلب تل أبيب والعمق الاسرائيلي سيتم البدء بالعمليات الانتحارية وأشدِّد على عبارة انتحارية لأنني أريد أن أقود المعركة بطريقة انتحارية خالصة لربما بعض السذج يقول هذه ليست شهادة هذه عمليات انتحارية، فليكن انتحاراً، استشهاداً سيّان، لا فرق عندي، المهم أن نحرر الأرض من جنون الصولجان، سيتم تفجير الألغام التي يحملها كل انتحاري من البهائم عبر جهاز تحكُّم يتحكَّم فيه المروّض عن بعد، بحيث يتم تفجير الانتحاريين الأوائل الذين وصلوا إلى العمق الاسرائيلي ثم يتم تفجير الذين يليهم إلى أن يتم تغطية كافة الأرض المحتلة بالانتحاريين، من المؤكّد أن الكثير من مقاتلينا سيتعرّضون للقصف لكن هذا لا يؤثّر على سير المعركة لأن مهمة المقاتلين أصلاً هي الانتحار، فليقصفوا أقصى ما يستطيعوا، سيقتلون بضعة آلاف، ملايين! .. وسيستمر ملايين آخرين، سيقتحمون المدن والقرى والبراري والغابات، ويبيدون الأخضر واليابس، سيرى الاسرائيليون العجب العجاب، معركة ضارية ولا في عالم الخرافات! ماذا ستفعل اسرائيل بطائراتها وصواريخها أمام ملايين الانتحاريين، جثث مهيمنة على مساحة الأرض المحتلة، لا تستطيع دبابات العدو ولا مدافعها التقدُّم متراً واحداً، ستجد نفسها محاصرة بجثث الشهداء الانتحاريين، وهكذا ستجد قوات العدو نفسها خائرة القوى أمام هذه الروح الانتحارية، ستشعر اسرائيل بالاحباط والفشل الذريع والهزيمة المريرة، ستجد نفسها على أرضٍ غريبة، غربة الأرض عن السماء، .. سيُقتل من يُقتل، وسيهرب من يهرب، وسيبقى من يبقى، وكل مَن يبقى منهم على قيد الحياة سيجد نفسه محاصراً بملايين الجثث المنتحرة وأخرى في طريقها إلى الانتحار، سيجد الاسرائيلي نفسه مهدداً بالموت المحتّم من خلال تفسُّخات انتحاريينا الأشاوس فهم أشاوس حتى بعد انتحارهم، سيجد نفسه أن لا ملاذ له سوى البحر المتاخم للأرض المحتلة، سنترك له البحر مفتوحاً على مصراعيه، سيطلب النجدة من قوات دولية سيهرب في جلده نحو شواطئ أوروبا، نحو البلاد التي جاء منها، تاركاً جِمالنا وبغالنا وحميرنا في حال سبيلهم يستمتعون بانتحارهم واستشهادهم الراقي! ستتدخل قوات الطوارئ الدولية ومنظمات وقوات غربية لانقاذ الموقف لكنني سأعطي أوامري بالهجوم المباغت، والانزال الجوي، سأجعل من الأرض المحتلة أرضاً مشاعة لدوابنا وبهائمنا التي انتحرت فوق تراب الوطن، وهكذا كلما تتدخَّل قوى ما ستجد نفسها محاصرة بملايين الانتحاريين، ستهرب من تفسُّخات جثث شهدائنا الأبطال، ستهز المعركة صولجانات الغرب، سيندهش الزعماء العرب من جبروت بهائمنا، سيتساءلون بشيء من الدَّهشة، كيف فاتنا كلّ هذه السنوات أن نحرِّر الأرض المغتصبة ولدينا كل هذه القوى الضارية؟ ستملأ نشرات الأخبار مساحات الصحف على مستوى الكون، سيندهش الغربي والشرقي والشمالي والجنوبي من كيفية التحرير! سيقلق الغرب من حميرنا وبغالنا وجِمالنا وسترتفع قيمة بهائمنا ومَن يصونها ويروِّضها ويقودها، سيعترف بعدئذ العالم كله أننا قادرين على تحرير الأرض المحتلة بجدارة، لأن لدينا قوة تستطيع أن تزلزل الجبال، وسيعرف العالم كله أن لغة الحوار مع بغال آخر زمن لا تفيد، لهذا لا بد من إيجاد لغة بغليّة أكثر شراسة من بغالهم، تحاربهم باللغة البغلية التي فرضوها علينا منذ عقود من الزمان، آنذاك سيدركون أن لغةَ البغالِ تختلف من بغلٍ إلى آخر، سيهزُّون رؤوسهم، محتارين ومطأطئين، سيتساءلون باِندهاشٍ كبير، مَن هو هذا الذي خطر على باله أن يلملم كل هذه البهائم ويسلِّطها علينا بطريقة عجائبية، تفوق قصص الجنِّ والأساطير؟ عندئذ سأنهضُ من حلمي وأقهقه على مدى براري الشرق، وعلى مساحات غربتي ونشوة الانتصار تضيء ليلتي، ثم سأكتب تحذيراً، إلى مخرجي هوليود وبقاع الكون إياكم أن تسرقوا فكرتي وتحوِّلونها إلى فيلم سينمائي من دون اذني وإلا سأسلِّط عليكم جِمالي وبغالي، عندها سيتذكَّرون جيّداً أننا أوَّل من كتب الأساطير وآخر من يحرَّرُ الأرض بطريقةٍ متعانقة مع عالمِ الأساطير!



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنشودة الحياة ج 7 ص 661
- أنشودة الحياة ج 7 ص 660
- أنشودة الحياة ج 7 ص 659
- أنشودة الحياة ج 7 ص 658
- أنشودة الحياة ج 7 ص 657
- أنشودة الحياة ج 7 ص 556
- أنشودة الحياة ج 7 ص 655
- أنشودة الحياة ج 7 ص 654
- أنشودة الحياة ج 7 ص 653
- أنشودة الحياة ج 7 ص 652
- أنشودة الحياة ج 7 ص 651
- أنشودة الحياة ج 7 ص 650
- أنشودة الحياة ج 7 ص649
- أنشودة الحياة ج 7 ص 648
- أنشودة الحياة ج 7 ص 647
- أنشودة الحياة ج 7 ص 646
- أنشودة الحياة ج 7 ص 645
- أنشودة الحياة ج 7 ص 644
- أنشودة الحياة ج 7 ص 643
- أنشودة الحياة ج 7 ص 642


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - صبري يوسف - تحريرُ فلسطين وسائر الأراضي المحتلة بطريقةٍ تخرقُ الأساطير