أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة














المزيد.....

محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6633 - 2020 / 8 / 1 - 13:53
المحور: حقوق الانسان
    


Twitter: @FatimaNaoot


"مِن ثمارِهم تعرفونِهم". وهذا الرجلُ شجرةٌ وارفةٌ أثمرتْ عشرات الآلاف من الثمار، وبكتْ على رحيله ملايين الثمار. طبيبٌ من النبلاء الذين حقّقوا قَسَمَ "أبقراط" أبي الطبّ، الذي أوصى الأطباءَ بعدم استغلال المرضى، والرحمة بأوجاعهم وفقرهم. لهذا أطلق عليه الناسُ: “طبيب الغلابة"، فكان أثرى الأثرياء بحبّهم ودعواتهم له بالستر والصحة وطول العمر. تصوّروا كمَّ ثراء رجلٍ ظلَّ يحصدُ دعوات الفقراء نصفَ قرن من الزمان، حتى أصبح شجرة عملاقة أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماءَ ثمارُ شجرته أجيالٌ متعاقبة من المرضى الذين عالجهم أطفالا حتى كبروا وجلبوا إليه أطفالهم يعالجهم، وعلى يديه يصيرُ الأطفالُ كبارًا أصحاء، جيلا بعد جيل. وثمارُ شجرته أبناءُ شقيقه المتوفى، الذين قرّر أن يكون لهم أبًا حتى يشتدَّ عودُهم. وثمارُ شجرته أبناؤه الثلاثة الذين صاروا مهندسين كبارًا يفخرون بأبيهم الطبيب العظيم الذي منح حياته لفقراء المرضى. وأما الثمارُ التي بكت رحيله أول أمس، فهي مئة مليون مصري ممن يعرفونه شخصيًّا، أو قرأوا عنه أو سمعوا، فأمطروه بدعوات الترحّم على روحه النبيلة التي لم تعرف الجشمع ولا استغلال وهن المرضى ولا فقر المعوزين.
طبيبٌ شابٌّ تخرج في كلية الطب في عام 1967 الذي مرّ على مصر حزينًا طويلا كطول الكمد. فقرّرالطبيبُ تحويل النكسة إلى رجاء، والكمدِ إلى منحة عطاء فيّاض لا يتوقف، إلا بتوقّف آخر خفقة في قلبه. وكأنه يقولُ للعالم إن بلدًا عظيمًا مثل مصر، لا ينكسرُ لأن أبناءه متحضرون ونبلاء أقوياء بتراحمهم، أثرياءُ بزهدهم في المال والثراء. حديثُنا عن د. "محمد عبد الغفار مشالي"، ابن محافظة الغربية الذي أحبّه المصريون كافّة وترحّم عليه كلُّ من شُفي على يديه أو سمع عنه. كان أبوه مريضًا ولكنه ادّخر تكاليف علاجه لكي ينفقها على ابنه حتى يتخرّج من كلية الطب. فقرر الابنُ الطبيبُ ألا يترك مريضًا يتألم جراء فقره. فإذا اجتمع المرضُ والفقرُ على إنسان، فذاك هو البلاءُ العظيم. وهب حياته وعلمَه للفقراء يعالجهم بجنيهات قليلة أو بالمجان ويشتري لهم الدواء من جيبه، إن كانوا مُعوزين. قرابةَ النصف قرن، وطقوسُ يومه ثابتة. يخرج من بيته في الصباح، يشتري لزوجته طلبات البيت ويوزّع الإفطار على فقراء شارعه، ثم يذهب إلى عيادته يعالج مرضاه دون مقابل إن كان المريض لا يملك قوتَ يومه. ثم يعود إلى بيته ليلا، لينام ساعات قليلة، استعدادًا ليوم آخر من الحب والرحمة والإيثار. كان "د. محمد مشالي"، مثالا حيًّا لقوله تعالي: “ألمْ ترَ كيف ضربَ اللهُ مثلا كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبة، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء"، فكان هو تلك الكلمة الطيبة التي امتدَّت نغمتُها الطيبةُ نصفَ قرن تمنحُ الحُبَّ، فتوغّلَ جذرُها في الأرض وطالت فروعُها لتشارفَ السماء. تمنّى أن يلقى وجهَ ربّه واقفًا على قدميه يعالجُ الفقراء. فأعطاه سؤال قلبه وظل يداوي مرضاه حتى عشية يوم رحيله. يومُه الأخير على الأرض، كان عجيبًا. كان قد بلغ الخامسة والسبعين من عمره، ونزل كعادته في الصباح يشتري طلبات بيته ويمنحُ الفقراء فطورهم. في طريق عودته أعطى حارسة بيته عنقودًا من العنب، وصعد ليأخذ حقيبته الطبية، لينطلق كالمعتاد إلى عياداته الثلاث المتناثرة في مدينة طنطا وقراها. لكنه لم يبرح بيته، وصعدت روحه إلى بارئها، ليمنحه اللهُ رجاءه بموته واقفًا متهيئًا للعمل، ويكرمه بصعود روحه على فراشه بين يدي زوجته وأولاده.
في شبابه المبكّر قرأ كتاب "المعذّبون في الأرض"، لعظيم الأدب "طه حسين"، فمسَّ قلبَه عذابُ الفقراء والمهمّشين، وقرر أن يحقق شيئًا من العدالة الاجتماعية بمنح علمه للمرضى الفقراء الذين لا يملكون المال للعلاج وشراء الدواء.
نشكر مؤسسة الأزهر الشريف وإمامه فضيلة الدكتور أحمد الطيب، الذي نعى الراحل العظيم بكلمة طيبة. ونشكرُ محافظة الغربية التي أطلقت اسمه على أحد شوارع مدينة طنطا. ونناشد المسؤولين بإطلاق اسمه على أحد أقسام مستشفى القصر العيني التي تخرج في جامعتها وأجزل العطاء من علومها للمرضى خلال خمسين عامًا، رافضًا تبرعات أثرياء الوطن العربي لهنيته قائلا لهم: "امنحوا أموالكم للفقراء والمرضى فهم أحقُّ بها مني." وكانت آخر وصاياه لأطباء العالم: “استوصوا بالفقراء خيرًا.” اللهم اسكنْ هذا الرجلَ الكريم فردوسَك الأعلى وثبّت في ميزان حسناته ملايين الدعوات الطيبات التي رفعها البشرُ إليك يوم رحيله. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحنو على فقراء الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نورا … وأشهر إصفاقة باب في التاريخ
- إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة
- نورا التي رفضت أن تكون عروس حلاوة
- حوار مجلة أمارجي العراقية مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت
- انتحالُ صفة: (رجل)!!!
- التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!
- حينما تصيرُ المرأةُ: سيارةً ب قِفل!!!
- رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت
- كيف أشرق نورُ 30 يونيو؟
- مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ
- شريف منير …. وجدائلُ الجميلات
- درس شريف منير ... لكريماته
- عيدُ الأبِ …. الخجولُ
- اللّهُمَّ اشفِ مرضانا … ومرضى -العالمين-!!!
- الكمامة والقمامة ولغةٌ (قايلة) للسقوط
- احترام فيروس كورونا!
- البابا تواضروس … في شهر رمضان
- التكفيريون: بارتْ تجارتُهم
- منسي: اللي زيّنا عمرُه قُصَيّر
- الطبيعةُ تتنفَّس!


المزيد.....




- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة