أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن















المزيد.....

الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 18 - 15:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الخوف والحب وأشياء أخرى تحاصرنا في عالم بدأ يفقد حسه الطبيعي منذ أن عرف الإنسان غريزة الصراع وتعلم فنون تسخيرها ليكون متسلطا على وجوده بوجوده، عندما تعلم الإنسان أول قوانين القوة وترجم هذا التعلم إلى الواقع بدأت الحياة تتغير من كونها تتساوق مع الطبيعة وتخضع لها إلى محاولة الهروب من واقعها الجديد الذي صنعته الخوف من القوة وقوة الخوف، في هذه اللحظة التأريخية كشف الإنسان عنوانه الجديد للوجود وأصبح عدوا لنفسه ليس بمعنى كراهيته لذاته بل لأنه فكر أن الوجود الكوني يمده بالشعور المادي ليمتلك كل شيء، وحتى يثبت قوته شن أول حرب على نفسه (الإنسان الأخر) دون أن يسأل حتى عن النتيجة أو النهاية، فهو فقد الحب أولا قبل أن يفقد المبر لتلك الحروب.
لقد حول الإنسان طريقه من المشاركة وتقاسم الطبيعة على أساس الحاجة الفعلية للبقاء إلى مستوى أكبر، مستوى ما بعد الحاجة وخلق في نفسه الميل للأستحواذ والتعدي على ما للأخر بعدة عناوين، خلق قانونه الذي يجب أن يطبق بأي شكل وبأي عنوان، قسم العالم إلى مالك ومملوك، المالك يحق له أن يسخر الأخر نحو تحقيق أقصى درجات الإشباع لديه، هنا نشأت السلطة وهنا تحول الميل الجديد إلى قوة مضافة تساند قوة الخوف من أن تنزع الأنا من أمراضها، كان لا بد أن يبني شكلا أخر من وجه السلطة لينعم أكثر ويحافظ بشكل أقوى على منجزه منجز الخوف والقوة والإحساس بالخطر من الأخر، لجأ إلى القوة مرة أخرى نظمها عظمها أطرها بشكل متسلسل هرمي وضع نفسه على قمة الهرم، في بداية جديدة لعالم تنظيم طبقي يخدم الأدنى الأعلى ويخضع له، وليس منتظم وفقا لنسق أفقي يعتمد حقيقة أن الناس سواء بكل شيء وعليهم أن يتشاركوا المنفعة (الواجب والحق)، أسس بذلك أول إرهاصات التكوين الأجتماعي الجديد الذي تراكمت أساليبه حتى صارت حضارة الإنسان الجديدة حضارة القوة والخوف والقلق من التزاحم فولد قانون الحرب وقانون البقاء للأقوى.
مع الحضارة الجديدة وتنوع عطاء الإنسان فيها فكر فلسفة فن أخلاق دين ألخ لم ينجح أيضا في نزع هاجس الخوف من الذات الإنسانية ولا حتى أثبط سرعة اندفاعها نحو الأستجابة القوية لها، بالرغم من أن هؤلاء الذين عاشوا في تلك الحضارات حاولوا تلطيف الواقع بالفنون بالإيمان بالرجوع إلى العقل، كل ذلك في أعتقادي ليس دافعا حقيقيا لهم بقدر ما كان شكلا من أشكال الهروب من حالة الخوف والموت الذي يحاصر الإنسان من خلال بشاعة القوة في أعلوية الهرم السلطوي الأجتماعي، الإنسان ليس كائنا مبرمجا للعمل وفقا للقواعد التي يختارها عقليا بوعي فهو يتصرف وفقا لذلك، بل أن أكثر سلوكياتها تنبع أستجابة غير مباشرة من وعيه المكبوت أو وعيه اللا إرادي، والتي غالبا ما تكون مسكونة دوما بالرغبة في الخضوع للخوف، فمهما أبدينا من مظاهر الحب والفرح والتمتع بالجمال لكنها جميعا مظاهر زائفة تبريرية نغطي بها عن خوفنا من وجودنا، حتى الدين لم يكن خارجا عن دائرة الأوهام التي تغطي هذا الخوف الدائم، فنرحل أملنا بالأمن والسكينة إلى ما نسميه العالم الأخر وهو هروب حقيقي من مواجهة الذات المأزومة الخائفة من نفسها ومما ينتظرها.
في أواخر سنوات عمره كما يقول الكاتب محمد عناني في مقالته (تأملات في الحضارة الراهنة _ماذا سيجلب لنا المستقبل؟!) والمنشورة في موقع مجلة الطريق متحدثا عن الهم الإنساني عند فرويد فيقول، (كشف فرويد عن وجهه الفلسفي و العلماني في تأمل الحضارة الإنسانية، فتبين له أن كل حضارة إنما تقوم على المزيد من قمع الغرائز، مما يولد المزيد من العدوان و يفاقم حالة القلق عند الفرد، لأنه يجد نفسه مرغما على التخلي عن الدافع الغريزي نتيجة للقلق من عدوان السلطة الخارجية. وهو قلق يقوم في الحقيقة على أساس الخوف من فقدان الحب)، السؤال الحقيقي هنا (هل فقدنا الحب حقا حينما واجهنا هذا العالم البربري بكل قسوته وقوته المفرطة.. سؤال أرقني كثيرا... لست متشائما بل أن تشاؤمي نفذ من فرط الخوف من المصير القادم).
ويواصل الكاتب حديثه ليصيغ لنا إشكالية جديدة مفادها (انطلاقا من هذا التصور أرى أن الخوف من المجهول، كالخوف من عدم إيجاد الشغل أو الخوف من فقدانه في حالة وجوده، يجعل الأنا مهددا في ما يخص بقاءه "غريزة حفظ البقاء" )، وعليه فإن فقدان العنصر الطبيعي في الإنسان يثمر دوما حالة من اللا توازن بين وجوده العام ككائن جزئي من عالم كلي ووجوده الخاص كفرد مقموع منتزع حقه في أن يكون طبيعيا، النتيجة الحتمية كما يؤكد الكاتب تبقى القلق مصدر تهديد دائم للإنسان على هذا الكوكب (هذا يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على غريزة الحب، فتنكمش لدى الفرد الخائف على هذا النحو الرغبة في الإقبال على الحياة، مما يؤدي إلى تفاقم أمراض نفسية وعقلية كانت نادرة فيما مضى) موكدا حقيقة لا تنكر تعكس هذا الواقع وهي أن ( الصيدليات اليوم مليئة بكل أشكال المهدئات و مضادات الاكتئاب)، ليس الرغبة وحدها في التمتع بحالة أسترخاء بل نتيجة حالة التوتر والأهتزاز واللا توازن الذي فرضها عالم يفتقد للحب.
الحرب كنموذج صارخ من أشكال الكراهية وفقدان الحس بالطبيعة بما تجلبه من كوارث وزع الخوف أعمق في الوعي الإنساني ويتجذر كلما تكررت وتنوعت أساليبها وشهدت المزيد من الخراب، تبقى أشع صورة من صور تخلي الإنسان عن ذاته الأولى الذات الفطرية الطبيعية بكل مخزونها من حب وقابلية على التعايش والتوافق مع الأخر، إنها تقتل الإنسان في داخل الإنسان وتستعمره بقوة ليكون مزعة خوف دائم وكراهية حتى لوجوده كاملا خاصا وعاما، يورد الكاتب في مقالته رؤيتين فلسفيتين مع الرغم من أفتراقهما في الأساس لكنهما يتفقان في مسألة تتمحور حول رغبة الإنسان بوقف الحرب كمقدمة لبناء عالم مغاير، عالم تسود فيه لغة الحب وقبول الأخر والتخلص من خزين الخوف المكبوت في أعماقنا، فقد (خيب سيجموند فرويد أمل آينشتاين في الحد من الحرب أو القضاء عليها، لأن الحرب بالنسبة له نزعة عضوية بيولوجية في الكائن الإنساني، بحكم أن غريزة العنف مكون مترسب في الفرد).
هنا فرويد يشير أصلا إلى أن الإنسان كائن جامد لا يريد التخلص من جموده الأزلي ويرغب في كل مرة بالعودة إلى عالمة القديم عالم الأصل التكويني، وبالتالي من الصعب عليه التغير والتغيير وقبول واقعه الجديد، إنه عالم الغرائز الطبيعية التي لم تتلطف ولم تتحول بالرغم من التحول الجذري في وجوده، إنه لا يتكلم عن الإنسان ككائن غرائزي فقط بل يتكلم عن الإنسان المادة الأولى التي تمتلك في وجودها المحض غريزة البقاء ورفض التحول (إن هذه الغريزة تتفاعل في دخيلة كل كائن حي وتحيل حياته إلى مادة جامدة خالية من الحياة، وتستحق هذه الغريزة "كما يصرح فرويد" أن نطلق عليها اسم غريزة الموت)، فالموت ليس النهاية كما يرى فرويد بل هي العود المحتم والطبيعي في الوجود الأول للكائن الحي، وطالما هو كذلك فلا بد أن يسعى للعودة من خلال الوعي اللا مباشر وعي المادة الأول، والسبب كما يؤكد فرويد هي حقيقة التكوين الأولى وعلينا أن نقر بها لا أن نتجاهلها (لأن الكائنات الحية ظهرت أول ما ظهرت أولا في الجماد، ولهذا السبب تحن للعودة إلى أصلها عبر تدمير حياتها ، وهو ما يطلق عليه البيولوجيون العودة إلى الصفر).
الإشكالية التساؤلية تكمن في معرفة حقيقة (هل هي فعلا الحرب ذلك المارد الكامن في الذات البشرية من طبيعة المادة التي خلق منها؟ أم أنها نزعة الفرد بعد التحول للتمدد والسيطرة على الأخر لتوسيع حق الأنا في الحركة دون موانع؟...السؤال يطرح بشكل أخر هل أن الإنسان ما زال تحت تأثير وعيه القديم أم أن وعيه الحاضر هو من يختار الموت ليجد فيه حلا لإشكالية رفض الواقع في محاولة العودة إلى المادة؟ تساؤلات أكثر من وجودية قد لا نجد لها جواب إلا من خلال تجربة وحيدة ورمزية تتمثل في رفض فكرة الموت أولا في مختبر نفسي أفتراضي، وأول الإجابات التي تنتظرنا تبدأ من أن نضع عقلنا على مائدة الأختبار ونشرح وجودنا بكل قسوة لنفهم أزمة وجودنا.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الترتيل بين الفهم والمفهوم.
- رسالتي المتمردة إلى حضرة الكل
- العبد والعبودية في الفهم الديني... القرآن الكريم أنموذجا.
- العنف ضد المرأة في مجتمعات الفضيلة
- رواية (حساء الوطواط) ح12
- تخاريف عراقية في زمن الكورونا
- رواية (حساء الوطواط) ح11
- رواية (حساء الوطواط) ح10
- رواية (حساء الوطواط) ح9
- هل ساهم الإعلام الفوضوي في نشر وباء الكورونا؟
- رواية (حساء الوطواط) ح8
- رواية (حساء الوطواط) ح7
- رواية (حساء الوطواط) ح6
- رواية (حساء الوطواط) ح5
- رواية (حساء الوطواط) ح4
- رواية (حساء الوطواط) ح3
- رواية (حساء الوطواط) ح2
- رواية (حساء الوطواط) ح1
- عالم ما بعد الكورنالية الراهنة. تحولات كبرى وأزمات متجددة.
- العراق .... بعين العاصفة.ح2


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن