أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - تمثيلية قتل الزعيم















المزيد.....

تمثيلية قتل الزعيم


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6393 - 2019 / 10 / 29 - 08:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قُتل البغدادي كما قُتل بن لادن من قبل ، وكما تم قتل العديد من الارهابيين في عمليات مماثلة ، وفيما يأتي من أيام سيجري قتل إرهابي آخر ، أو ارهابيين آخرين ، هذا جيد بالطبع ، لكن السؤال الذي أعتقد أنه يشغل كل الناس هو متي تنتهي هذه اللعبة الإجرامية الارهابية الدموية البشعة التي يقوم بها الاسلام السياسي بالاشتراك مع مموليه الذين يقومون بتدميره في مشهد تمثيلي بطولي مفضوح عندما ينتهي دوره الذي رسموه له؟؟!!.
الارهابيون يقتلون الأبرياء بكل بشاعة وانحطاط ، يذبحونهم ، ويفجرونهم ، ويحرقونهم أحياء ، ويغتصبون النساء بلا أي رحمة ، ويمثلون بجثث ضحاياهم ، ويخربون ، ويدمرون ، ويحولون كل منطقة يحلون بها إلي ساحات دموية مليئة بالعذاب والألم ، ثم بعد أن يحل الخراب والدمار وبعد أن يتشبع الهواء برائحة الموت ترفع أمريكا وأوربا راية مواجهة الارهاب ، وتحت هذه الراية وفي ظلها يأتون بجيوشهم ودباباتهم وطائراتهم ، وبمبرر الحرب علي الارهاب يجرّفون ثروات المنطقة ، ويسرقون آثارها ، ويفككون أوصالها ، ويضعون علي قمة سلطتها خيالات بشرية لا طعم لها ولا لون ، وباسم الحرية والديمقراطية يحولونها إلي بلدان مهلهلة مبعثرة ومفتتة مليئة بالصراعات والفساد والفوضي .
حدث ذلك في العراق ، وفي سوريا ، وفي اليمن ، وفي ليبيا ، ويدرك كل مهتم أنهم يخططون لفعل ذلك في أوطان أخري بالمنطقة .
لكن السؤال الكبير متعدد الرؤوس الذي يطل برأسه دائما هو :
كيف يتكون التنظيم الارهابي؟! ، من الذي يموله ، من الذي يدربه؟ ، من الذي يزوده بالمال وبأحدث أنواع الأسلحة ؟! ، من الذي يوفر له الطعام والشراب وكافة الأمور اللوجيستية؟! ، في أي مكان يتم تطبيب جرحاه والعناية بهم؟؟!، كيف يتم تزويده بالمتطوعين لتعويض خسائره البشرية؟؟! ، من الذي يوفر له سبل الاتصال والتواصل ؟؟.
بالنسبة لي فإن عملية قتل البغدادي التي يصورها ترامب ويصدقها كثير من الحمقي علي أنها عملية بطولية فذة وفريدة وتاريخية ، بالنسبة لي هي عملية إعدام ميت مفضوحة ، فابن لادن ، والبغدادي ، وغيرهما من زعماء الارهاب ميتون منذ اللحظة التي تولوا فيها قيادة تنظيماتهم ، لكن موتهم كان مؤجلا إلي أن تنتهي المهمات التي تم تكليفهم بها ، والتي تتلخص في خلق المناخ الملائم وتمهيد الأرض لدخول المنقذ النبيل ليبدأ في مباشرة مهمته المكملة لعملية التخريب والتقسيم والنهب والسرقة والهلهلة وفك الأوصال وتحويل المكان إلي ساحة فوضوية لا علاقة لها بالحاضر ولا مستقبل لأهلها.
قتلوا بن لادن ، وأخرجوا القاعدة من المعادلة في أفغانستان ، لكن ما هو حال أفغانستان الآن؟؟!!! ، وضربوا داعش وأزاحوها من العراق ، لكن ماذا عن العراق اليوم وأين هي وإلي أين تمضي بها أوضاعها ، وقتلوا البغدادي في سوريا بعد أن صارت سوريا تشبه الرجل وقد فقد ذراعيه وساقيه وعينيه ، ومن قبل كانت ليبيا قد صارت كسلّة منزوعة القاع لا يمكنك أن تضع فيها حبة واحدة من البطاطس.
في الوقت الذي ندرك فيه أن الحرب علي الارهاب غير الحرب علي الارهابيين فإن الأمور تمضي بهذه الصورة الخادعة التي من الواضح أنها لن تتوقف إلي إذا تحولت منطقتنا كلها إلي خرابة ينعق البوم علي شواهدها ، بعد مقتل زعيم إرهابي سيبرز زعيم آخر لتنظيم آخر باسم آخر ليبدأ في خلق مناخ آخر ويمهد الأرض بطريقة أخري ليأتي المنقذ النبيل مرة أخري يسرق ، وينهب ، ويفك الأوصال ، ويهلهل ، ويضع أشباه بشرية في قمة السلطة ، ثم يقوم بقتل الزعيم الارهابي في عملية أخري بطولية فذة وفريدة مثلما فعل مع بن لادن والبغدادي وغيرهما ، وبعد ذلك يمضي تاركا المكان بعد أن يكون قد قضي علي وجوده التاريخي وعلي إمكانية نهوضه مرة أخري.
من جهة أخري ينبغي لنا الاعتراف بأن الارهاب هو عنصر من العناصر التي يتكون منها الواقع الثقافي والديني والاجتماعي والسياسي للمجتمعات الإنسانية بدرجات متفاوتة ، وإلا لما نشأت الحروب الدموية علي مر التاريخ ، ولما ظهر هتلر ، أو بن جوريون ، ولما شُنت الحروب الصليبية ، أو سُرقت فلسطين ، ولما قام الأتراك العثمانيون بإبادة الأرمن في مذبحة رهيبة لم يشهد التاريخ مثيلا لها .
ولابد من القول بأن نجاح مشاريع التنوير في أوربا قد أدي إلي ارتفاع مستوي الوعي الحضاري والإنساني ، وبالتالي إلي إنحسارالعنصرية والكراهية والجمود والتحجر التي كانت تنطوي عليها ثقافة عصور الانحطاط والتخلف التي اجتاحت أوروبا تحت الحكم الكنسي في عصور الظلام ، غير أن الارهاب ظل أحد الوسائل التي تستخدمها حكومات بعض القوي الدولية سواء بشكل مباشر كما تمارسه اسرائيل مع الشعب الفلسطيني ، أو بشكل غير مباشر كما شهدناه أثناء احتلال الجيش الأمريكي للعراق ، أو بالطريقتين معا كما تمارسه تركيا الآن.
أما بالنسبة إلي منطقتنا العربية المكلومة فالأمانة تقتضينا الاعتراف بأن المكون الثقافي والديني تغلب فيه عناصر التطرف والشذوذ الفكري اللذان يؤديان بسهولة إلي نمو أفكار الكراهية ، والتمييز ، والعنصرية ، تلك الأفكار الرديئة والغير إنسانية والتي تنطوي علي استعداد تلقائي لممارسة الارهاب المسلح ، هذه الأفكار تجدها مبثوثة في الخطاب الديني الرسمي ، أو تراها واضحة في الخطاب الديني الشعبوي ، ثم إنها تمثل الأساس التي تنشأ علي قاعدته جميع تنظيمات وجماعات الاسلام السياسي ، ولأن كافة مشاريع النهضة الثقافية والمعرفية قد أُجهضت في العالم العربي أمام قوة الخطاب الديني الذي يُغلب النقل علي العقل فإن الفكر الديني الذي الذي يستمد عناصره من أظلم زوايا التراث الثقافي والديني قد أزاح كل محاولات الاصلاح والاعتدال في الفكر الديني ، بل أزاح كافة العناصر الفكرية والثقافية العقلية التاريخية التي كانت تعلي من قيمة التعايش والمحبة والمساواة والتي كانت تحترم المرأة وتقدس دورها الحضاري إلي جانب الرجل .
لابد من الاعتراف بأن ثقافتنا مشوهة ، وأن وعينا رهين ثقافة نقلية لا تعترف بالعقل ، بل تنفيه ، وتؤثمه ، وأن معارفنا التاريخية بما فيها من أنساق أخلاقية ، وبما فيه من علوم ، وفنون ، وبما فيها من مُثل إنسانية قد أُزيحت لصالح معرفة أخري متصلبة شديدة التخلف تم صياغتها منذ ما يزيد علي الألف عام.
هذه الأجواء الثقافية الراكدة التي تمثل وعي الأمة ومعارفها الآن والتي تستمد وقودها من أكثر جوانب التراث الديني إظلاما والتي تنكر العقل ، وتنبذ العلم ، وتعتبر الإبداع الإنساني شركا بالله ، هذه الأجواء هي التي منحت الاسلام السياسي فرصة بناء مشروعه الظلامي والذي تلاقي مع مشاريع الهيمنة والتقسيم والتفتيت ونشر الفوضي في المنطقة العربية والتي تتبناه قوي دولية متعددة بغية السيطرة علي مقدرات المنطقة وتجريف ثرواتها ، فالاسلام السياسي لا يعرف طريقا إلي السلطة غير الارهاب ، وقد سمعت أحد عناصر تنظيم الاخوان الارهابي وهو يستشهد بالآية القرآنية " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون بها عدو الله وعدوكم" ، كمبرر إلهي لممارسة التدمير والتخريب والقتل والذبح وتفجير أحشاء الأبرياء بغية تحقيق الغاية العظمي التي يسمونها " الفريضة الغائبة" وهي الخلافة الاسلامية استجابة لقول الله عز وجل " إن الحكم إلا الله" ، إذ يدعون أن هذه الآية هي أمر إلهي بإزاحة كل سلطة قائمة بحيث يتولون هم مباشرة الحكم بوصفهم وكلاء عن الله.
وفق هذا المنهج صار فكر الاسلام السياسي مفرخة لأمراء الارهاب ، وللتنظيمات الدموية التي تتخذ اشكالا وأسماء متعددة إلا أنها تشرب من معين واحد ، فإذا كانت القوي الدولية جادة في محاربة الارهاب فإن القضاء عليه ليس بهذه التمثيليات الرديئة التي يتم فيها إعدام أمير جماعة إرهابية ، أو اغتيال زعيم إرهابي كبير، فإذا كانت هناك نية صادقة وقيم إنسانية عليا تفرض مواجهة الارهاب مواجهة حقيقية فإن القضاء علي هذا الكابوس الأسود يستلزم أولا :
- وقف مشاريع نهب وتجريف ثروات المنطقة تلك التي يتم بموجبها استخدام التنظيمات الارهابية كوسيلة لإضعاف الدول المستهدفة ، ومن ثم القيام بتدريب أفرادها وتزويدهم بكل أنواع الأسلحة .
- تصنيف كافة جماعات الاسلام السياسي وتنظيماته وأحزابه بما فيها جماعة الاخوان المسلمين كجماعات إرهابية .
- مصادرة كافة المشاريع الاقتصادية التي تملكها جماعات الاسلام السياسي أو يملكها أفراد ينتمون إلي هذه الجماعات.
- اعتبار كافة الدول التي تأوي الارهابيين أو تقدم لهم أي نوع من أنواع المساعدة كدول راعية للارهاب بما يتبع ذلك من عقوبات رادعة.
- محاصرة جميع وسائل التمويل وتجريم كل الجهات التي تساعد في عمليات تمويل الارهاب وفرض عقوبات رادعة عليها.
- ترحيل كافة المحكومين في قضايا إرهابية إلي بلدانهم لتطبيق القصاص القانوني العادل عليهم جزاء علي ما ارتكبوه أو ساهموا في ارتكابه من فظائع.
- تجريم وغلق كافة وسائل الاعلام التي تسهم في الترويج للارهابيين .

يبدو أن الحلم أو الوهم قد استغرقني ، فإن العالم رغم التقدم الحضاري الهائل الذي أنجزه ومازال في مقدوره مضاعفة هذا التقدم في مجال العلوم والتكنولوجيا والطب والهندسة والفنون المختلفة ، إلا أن ما يتحكم في مسيرته ليست القيم الإنسانية العليا التي تفرض الإيمان بالسلام والتعاون والمحبة والعيش المشترك ، لقد صارت الثروة هدف كل القوي القادرة ، فيما تتشدق بحقوق الإنسان ليس للحفاظ عليها أو الاعلاء من شأنها وإنما لاستخدامها كعصا ترفعها أو تخفضها لتحقيق أهداف غير إنسانية بالمرة.

لقد مات البغدادي الزعيم ، وسيظهر بغدادي آخر ليتولي الزعامة وسيموت ذات الميتة التي مات بها بن لادن أو البغدادي ، بينما سيظل الارهابيون الآخرون يركبون سيارات قاتليهم ، ويستخدمون هواتفا من انتاجهم ، ويحملون أسلحة هم زودهم بها.



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفتاح الحياة في الزمن الميت
- باختصار
- السؤال الكبير
- تشوهات
- حتي لا ننسي
- هل صليت اليوم علي النبي؟؟!!!!!
- المؤامرة مستمرة
- نصف تفاحة
- لحظة حُب في عرض الطريق
- الطريق إلي مصر
- البخاري ، وإجماع العلماء ، والطريق إلي الكارثة
- بخصوص جماعة الأمل
- ماذا بعد الهزيمة في استنبول
- حوار داخل زلعة
- الجامعة المصرية والجماعة الارهابية
- خارج الصندوق
- لن أخجل فقد بللت فراشي
- جميعنا شركاء في الجريمة
- مشروع إرهابية
- التنوير بخرافات حداثية


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - تمثيلية قتل الزعيم