أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - مفتاح الحياة في الزمن الميت















المزيد.....

مفتاح الحياة في الزمن الميت


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6388 - 2019 / 10 / 23 - 22:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذا اللغط الذي ثار في الآونة الأخيرة بخصوص الرمز المصري القديم مفتاح الحياة ، لا يمكن فهمه علي أنه ناتج عن الجهالة ثم نسكت ، ولا يمكن أيضا تحميله علي انقطاعنا عن تاريخنا القديم لكي نريح رؤوسنا ، وإنما هذا اللغط – وإن كان الشخص الذي آثاره جاهل غبي أحمق – إنما هذا اللغط ناتج عن تدبير محكم يستهدف إصابة الوعي والضمير المصريين بعدة إصابات مباشرة ، أولها الحط من قيمة التاريخ المصري ، وتسفيه رموزه ، ووضع فواصل بيننا وبين أجدادنا العظام باعتبار أن منجزاتهم وعلومهم وآثارهم لم تكن إلا مجرد أعمال شيطانية يؤدي الاعتزاز بها إلي الكفر.
الإصابة الثانية هي تعميق الكراهية بين عنصري الأمة المصرية من حيث اعتبار مفتاح الحياة الذي هو من المعجزات العلمية للأجداد اعتباره صليبا مقنعا لا ينبغي رفعه أو الاعتزاز به في بلد أغلبيته من المسلمين.
إصابة ثالثة مفادها أننا قوم بدأ تاريخهم مع دخول العرب إلي مصر ، وأن ما سبق الوجود العربي هو محض عار ينبغي التخلص من كل شواهده ومن كل رموزه.


مفتاح الحياة هو أحد الرموز التي ابتدعها العقل المصري الذي كان نشطا وفعالا ويقظا قبل أن يخترقه سوس التيارات الفكرية والعقائدية التي توالت عليه مع الحملات الاستعمارية والتي ما إن يتخلص المصريون من حملة منها يفاجأون بحملة أخري أشد ضراوة وأكثر جهالة وفوضوية ، ابتدع المصريون كثيرا من الرموز لكي يلخصوا بها فهمهم للحياة ، أو للتعبير عن آمالهم فيها ، أو لإجمال وجهة نظرهم في الكون ، أو للدلالة علي إدراكهم لوجود خالق عظيم وراء تنظيم هذا الكون بهذا الترتيب الهائل العظيم ، أو لتخليد معني سامي وقيمة أخلاقية أو دينية يؤمنون بها ، أو للتعبير عن عشقهم للنيل العظيم الذي يهبهم الحياة ، أو للمساعدة في إعادة الروح إلي الجسد يوم الحساب الذي كانوا يؤمنون به قبل ظهور الأديان السماوية بآلاف من السنين ، أو كتميمة للنماء أو للخصوبة.


لم يبدع المصريون القدماء رمزا خاليا من معني ، ودائما ماكانت تلك الرموز تتضمن معان قدسية نبيلة تعلي من شأن الإنسان ، وتعلي من القيم الإنسانية والأخلاقية التي كان المصريون قد آمنوا بها قبل أن تنتج الحضارات الحديثة ما يسمونه بحقوق الإنسان بآلاف السنين.

ومفتاح الحياة بالذات كان لغزا حضاريا وعلميا بذل كثير من العلماء المصريين والأجانب جهودا مضنية في محاولة تفسير تركيبته العجيبة للوصول إلي ما يرمز إليه هذا التشكيل الفني والعلمي المدهش لهذا الرمز العجيب.
وقد رأي عدد كبير من الباحثين أن هذا المفتاح كان رمزا للحياة التي تستمر بعد الموت ، إذ كان المصريون أثناء أداء طقوس عباداتهم القديمة يقربونه من الوجه ليمنحوا أنفسهم مزيدا من الأنفاس التي تكسبهم سنوات حياة جديدة أملا في الخلود الأبدي ، بينما رأي باحثون آخرون أن المصريين القدماء قد صمموا هذا المفتاح كرمز للولادة وبزوغ حياة جديدة .
رأي باحثون آخرون أن مفتاح الحياة هو رمز للالتقاء الروحي بين إيزيس وأوزوريس ذلك الالتقاء الذي ادي إلي جريان النيل بهذه الوفرة التي منحت الحياة للمصريين.
لقد انشغل علماء العالم في محاولات بحثية علمية عميقة لفك رموز منجزات الحضارة المصرية القديمة بغية الوصول إلي ما تشير إليه هذه الرموز والتمائم من معان وقيم وما تحتويه من أسرار ، فقد قدم العالم البريطاني "توماس إينمان" تفسيرا علميا لمفتاح الحياة مفاده أن هذه التميمة ترمز إلي اتحاد الذكورة والأنوثة كهبة من الله منحها لخلقه ليحققا الاكتمال الذي يؤدي إلي صيرورة الحياة ونمائها.

ولقد كان مفتاح الحياة أول تعويذة في معتقدات أجدادنا ، قدمها الإله المصري "تحوت" إله الحكمة إلي البشر ، وكان ذلك متزامنا مع بدايات تبلور اللغة المصرية القديمة ، الأمر الذي جعله من أهم الرموز التي اهتم بها الباحثون والعلماء في علم المصريات ، إذ كان تصميمه الذي أخذ شكل عروة لوزية مثبتة علي جسم رأسي قائم يفصل بينهما جزء عرضي لغزا مثيرا دفع العلماء إلي محاولة الوصول إلي الغاية التي دفعت المصري القديم إلي إبداع هذا الشكل المميز الذي من المؤكد يحتوي جزءا كبيرا من أسرار الحياة المصرية ، أو يتضمن فكرة عقائدية أو أخلاقية أو علمية ما.

كثيرة هي النظريات العلمية المدعومة بالبراهين التي تم بناء عليها تقديم العلماء لكثير من القراءات والتفاسير المختلفة لهذا الرمز الفرعوني الفريد ، وقد رأي بعض العلماء بأن رمز المفتاح "عنخ" هو الشكل الهندسي الوحيد القادر علي إعادة تنظيم الطاقة وتجديدها في المكان الذي يتم وضعه فيه ، وقد تم الاستناد في هذا التفسير إلي إلي البحوث العلمية لعالم الفيزياء الأمريكي "والتر بومان راسل" الذي أكد فيها أن الكون نشأ وتطور بسبب التفاعل بين طاقتين رئيسيتين هما الطاقة الكهربائية في مقابل الطاقة المغناطيسية ، هذه النظرية ذاتها تُماثل تماما ماكان المصريون القدماء قد توصلوا إليه من أن الكهرباء هي طاقة الشمس التي اعتبروها العنصر المذكّر ، أما العنصر المقابل المؤنث الذي يمثل الطاقة المغناطيسية فهي طاقة القمر ، وبناء عليه توصل المصريون إلي أن الحياة نشأت وتطورت بالتفاعل بين طاقة الشمس التي تمثل الذكر ، وطاقة القمر التي تمثل الأنثي.
ووفقا لنظرية والتر راسل المشار إليه أعلاه فإن طاقة الكهرباء تنتقل عبر خطوط مستقيمة ومتقاطعة ، أما الطاقة المغناطيسية فهي تنتقل في خطوط بيضاوية أو شبه دائرية ، وحين نقارن هذه النتيجة بالشكل الذي صمم المصري القديم به مفتاح الحياة سنجد أن الجزء السفلي جاء علي شكل حرف T( خطوط مستقيمة ومتقاطعة) وهو يمثل الطاقة الكهربائية ( الذكر ) ، أما الطاقة المغناطيسية ( الأنثي ) ، أو القمر ، فهو هذا الجزء العلوي البيضاوي من المفتاح .
هذا التفسير الذي اعتمد في الوصول إليه بعض العلماء علي نظرية راسل في نشأة الكون وتطوره نتيجة التقاء الطاقتين المغناطيسية والكهربائية هو الذي يفسر أيضا قيام بعض الناس بوضع مفتاح الحياة في منازلهم علي أمل الحصول علي طاقة إيجابية تؤثر علي مزاجهم الشخصي وتشعرهم بالارتياح.

ما سبق هو مجرد نقطة في بحر البحوث والنظريات التي تناول بها كثير من العلماء المصريين والأجانب هذا المفتاح الفريد بالتحليل والتفسير في محاولة لفك رموزه والوصول إلي سر تشكيله علي هذا النحو ، أو علي هذه الصورة العجائبية الفريدة ، فلقد ذهب البعض كذلك إلي الاعتقاد بأن مفتاح الحياة يرمز إلي سعي البشر للمعرفة والوصول إلي أعلي درجات العلم والوعي ، واعتبره آخرون تميمة تجلب الحظ والسعادة وتمنح حاملها القوة والصحة والخير .

أنا مضطر الآن للخروج عن هذا السياق الذي اتبعته في الكلام عن مفتاح الحياة ، لأن قدماء المصريين بصراحه غلطانين ، إزاي يعملوا مفتاح بهذا الشكل ، وفيه كل الأسرار دي ، كان هايجري إيه يعني لو عملوه علي هيئة هلال ، أو مئذنه ، أو قبة ، كان لازم يراعوا إن مصر هاتتغير ، وإن هايجي عليها أيام زي الأيام السوده دي إللي إحنا عايشنها ، كان لازم يعرفوا إن هايجي علينا يوم نغرق في الجهالة والسفه والعته ، علم إيه ، وفن إيه ، وطب إيه ، طيب أهو كل إللي عملوه صار في نظر بعضنا دليل علي الكفر ، منكم لله يامصريين ، رايحين تعملوا مفتاح شبه الصليب ؟؟!! ، كده تزعلوا أحمد موسي وتخلوا محافظ الأقصر يجري يشيل المفتاح قبل ما تنقلب الدنيا علي دماغه ، الناس بيقولولي إن بنطلون المحافظ وقع من الرعب وهو بيشيل المفتاح.
نحن في زمن أيها السادة يتم فيه خلعنا من جذورنا ، صار تاريخنا العظيم الذي أدهش الدنيا محض عار علينا أن ننظف أنفسنا منه ، نحن نخضع لثقافة التكفير وكراهية العلم ونبذ الفن واحتقار الأخلاق ، وإعلاء شأن الجهالة والجهلاء .
إن ما حدث في الأقصر ليس مجرد إقامة نصب ثم الإسراع في إزالته ، لكن ما حدث بكل وضوح وصراحة هو عملية تأكيد لانفصالنا الكامل عن الحضارة الإنسانية ، فإذا كان رصيدنا الحضاري نعامله بهذه الطريقة الجاهلة البشعة فما هو الذي تبقي لنا كي نثبت أننا شعب ساهم يوما يوما ما في صنع الحضارة الإنسانية ، ما الذي يثبت الآن أننا كنّا نمتلك الحكمة يوما ما ، ما الذي يمكننا به إثبات أننا كنا نمتلك رصيدا هائلا من العلم والفن والمعرفة؟ ، ياسيدي الفاضل إنس مفتاح الحياة ، وإنس عين حورس ، ولا تحدثني بعد الآن عن إيزيس أو أوزوريس ، ولا تظل تتمنطق بمعرفة أجدادك بعلوم الطب أو الفلك ، إنس التحنيط فهو من أعمال الكفرة الفجرة ، ولا تتفاخر بعد الآن بعظمة تحتمس ، أو رمسيس أو مينا .
إن رموزنا الآن هي المئذنة ، والميكرفون ، وعلماؤنا هم ابن تيمية وابن عبد الوهاب ، وابن مسعود ، وأنت بالطبع تعرف أبطالنا الذي يحدثنا مشايخنا عنهم كل يوم.
فليبق محافظ الأقصر محافظا ، وليظل أحمد موسي يطل علينا كل يوم بوجهه المشرق.








#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باختصار
- السؤال الكبير
- تشوهات
- حتي لا ننسي
- هل صليت اليوم علي النبي؟؟!!!!!
- المؤامرة مستمرة
- نصف تفاحة
- لحظة حُب في عرض الطريق
- الطريق إلي مصر
- البخاري ، وإجماع العلماء ، والطريق إلي الكارثة
- بخصوص جماعة الأمل
- ماذا بعد الهزيمة في استنبول
- حوار داخل زلعة
- الجامعة المصرية والجماعة الارهابية
- خارج الصندوق
- لن أخجل فقد بللت فراشي
- جميعنا شركاء في الجريمة
- مشروع إرهابية
- التنوير بخرافات حداثية
- ملاحظات في شأن من شئون حبيبتي


المزيد.....




- بعضها أوقف التصدير... ما هي الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة ...
- الآلاف يرفعون علم روسيا العملاق في قبرص احتفالا بيوم النصر
- لجنة فلسطينية تدعو أهالي الضفة والقدس والداخل للانتفاضة إسنا ...
- ساحة حرب.. مشاهد مروعة لهجوم نشطاء على مصنع -تسلا- في ألماني ...
- -كتائب القسام- تفجّر نفقا بقوة إسرائيلية في رفح
- الدفاع الروسية تعلن تدمير 3 دبابات -ليوبارد- ألمانية ودبابتي ...
- تأهل المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة -يوروفيجين- وسط تظاهرات ...
- السفارة الروسية في الإمارات تنظم أمسية احتفالية بمناسبة الذك ...
- إسرائيل تتحدث عن مغادرة مقاتلين من -حماس- رفح وتكشف عن استرا ...
- لسبب غريب.. صينيون يدهنون وجوههم باللون الأسود (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - مفتاح الحياة في الزمن الميت