أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2















المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6361 - 2019 / 9 / 25 - 22:30
المحور: الادب والفن
    


ربما يتبادر لذهن قارئ السيرة، أنّ راويها بالغَ في نسْجِ الحَدَثِ، المتعلق بالأيقونة، موَشّياً إياه بما اتفقَ مع الواقع وبما لم يتفق. لعلني قد غاليتُ، نوعاً ما، في تقدير ملابسات وجود ذلك الأثر النصرانيّ في منزل عائلة مسلمة. إلا أنّ ثمة أثراً آخر، يفوق الأول قيمةً من الناحية المادية، لا يمكن غض الطرف عنه: إنه بيرو رائع من خشبٍ مُترف، ترتكز عليه مرآة كبيرة ذات إطار مزخرف بشكل مذهل، وكلاهما يبعث بريقاً أخاذاً من صَدَفه وفضّته. هذا الأثر، المزدوج، كان إلى الأمس القريب مركوناً بحرص شديد في حجرة بمنزل ابن عمّة الوالد. فضلاً عن هذه القرابة، يتعيّن الإشارة إلى أنّ عم الرجل كان متزوجاً من ابنة " ليلى "؛ أي من ابنة بطلة حكايتنا. في حقيقة الحال، ما كان هناك شيءٌ ذو قيمة في منزلهم غير ما ذكرته. اللهم سوى الحديقة، المحتفية بشجرة توت شامي وكرمة مزدهرة؛ هذا، بصرف البصر عن أن كلاهما كان يُسقى مما يتخلف عن ماء غسيل الملابس، القذر. ذات مرة، نقلتُ لأمي ما علمته على لسان الابن الأصغر لأولئك الأقارب ( كان يكبرني على أيّ حال بدزينة من السنين )؛ وهوَ أنّ البيرو والمرآة هما من ضمن جهاز عرس والدته.
" ها هَوْ..! "، ندّت عن أمي كلمة السخرية بلغتها الأم. ثم تابعت هذه المرة بالعربية، متضاحكة: " ومن أين لأبيه هذا الجاه، ولم يكن بوسعه حتى تأمين الخبز لنفسه ولشقيقته الوحيدة؟ ". بيد أنني لم أنقل للأم هذيان قريبنا الشاب عن الحجرة نفسها، التي تحتوي تلكم القطعتين النادرتين: " إنها مسكونة؛ ولذلك نقوم بوضع القفل على بابها منذ وقت حلول الليل! ". فيما بعد، لما صارَ تفكيري أكثر نضجاً، بدت لي حكاية " الحجرة المسكونة " لغزاً بسيطاً. فإنّ إشاعة هكذا زعم، كان من شأنه ردع أيّ لصّ تسوّلُ له نفسه التفكيرَ بسرقة كنز الأسرة شبه المعدمة.
هذا السرّ العائليّ، سيعيدنا إلى مصدره، المفترض.

***
قلنا، أنّ الفتنة تأججت في الشام وذلك بعد أعوام قليلة من حلول أوائل الأسلاف في حيّها الكرديّ. كانت واقعة مهولة، بدأت في يوم العاشر من تموز/ يوليو من عام 1860 واستمرت نحو ثلاثة أيام. برغم تورط كرد الصالحية بالأحداث، إلا أنّ أحداً منهم لم يوثقها على شكل كناشٍ؛ مثلما فعل البعضُ من سكان المدينة سواءً كان مسلماً أو نصرانياً. يمكن تفهّم الأمر، ما لو علمنا أن معظم أولئك الكرد كان الواحد منهم آنذاك لا يكاد يفهم العربية. جدي لأبي ( ولد قبل عام الفتنة بقليل )، كان الوحيد في عشيرته المهتم باللغة العربية وآدابها. إلى ذلك، كان يشغل منصب زعيم الحي. لقد ترك لنا تذكرة، هيَ عبارة عن مجلّد ضخم يحتوي على المنظوم والمنثور من قريحته. غير أن صبري نفدَ لما أطلعتُ على هذا الكناش، في فترةٍ ما من صباي، دونَ أن يقودني إلى أيّ شيء يتعلق بسيرة أسرتنا.
وإذاً، لن نحتاج لإطلاق عنان الخيال في روايتنا لأحداث فتنة 1860، طالما أنها وصلتنا مدوّنةً من أكثر من مصدر. ولكن الخيال سيشتط، ولا ريب، عند تصوّر أم الجدّة الأولى، ( ليلى )، ضمن سرب النسوة اللواتي عناهن أحدُ مدوّني الأحداث: " والذي ظهرَ من الأكراد مشهودٌ، حتى أن نساء المذكورين كانوا ينهبون أكثر من رجال أهالي دمشق الأشقياء والمدلسين! ". كذلك كتبَ محمد أبو السعود الحسيبي في تذكرته، وكان شاهدَ عيان على أحداث الفتنة في دمشق.
الوقائع، كانت مذكورة على نفس المنوال عند أحد المدونين النصارى، وإن بتفصيل أكثر: " عندما خبرنا بما جرى بباب البريد، وددنا منع أولادنا من العراك مع الثائرين، فقلعنا باباً من القصب ووضعناه في مدخل الزقاق الموصل لحي المسيحيين، فجاء جمهور من أكراد الصالحية وكسروا الباب وتقدموا إلى جهة الحي ". ويتابع صاحب التذكرة، وهو الدكتور ميخائيل مشاقة، مختتماً بهذا الرأي القاطع: " إلا أن الأكراد ونصراءهم قد أتوا أعمالاً بربرية في ذلك اليوم، تخلد لهم الذكر في تاريخ المجازر، التي عجز عن مجاراتهم بها الأمم الهمجية ".
ليسَ مستغرباً تورط جماعتنا، في حقيقة الأمر، طالما أن التحريض ضد النصارى كان قد صدر عن رجال الدين. عدا عن حقيقة أخرى، تميل إلى دحض لغة التعميم؛ وهيَ أن العسكر الكرديّ، المنظّم في فرقة تُدعى " العونية "، قد استأثرَ ذكره من لدن شهود العيان كمشارك نشط في الفتنة. ولنعُد لتذكرة السيد أبي السعود، لنقرأ ما يؤكد زعمنا: " وأما ما كان من سعيد بك شمدين، قائد العونية، فقد بدأ عسكره جميعاً بالنهب والقتل والسبي هم وجميع الأكراد ". كذلك كان الحال مع تذكرة الدكتور مشاقة، حيث أسمت شقيقاً لسعيد بك كان ضمن العسكر النظامي: " وكان قواد الجند من الأكراد والأتراك، مثل إسماعيل آغا شمدين وفرحات آغا وسواهم من المتحمسين، يحرضون الجند على التوغل بالفتك، وكانوا يمرون أحياناً أمام السراي ليشاهدهم الوالي أحمد باشا، فيثني على بسالتهم وإخلاصهم ".

***
علينا أن نصغي أيضاً لشهود آخرين، كانوا في الواقع من المتسببين غير المباشرين بالفتنة. إنهم قناصل الدول الغربية، وكانوا قد استفزوا طويلاً مسلمي دمشق؛ نتيجة إسرافهم بمنح العديد من المسيحيين الحصانة الدبلوماسية، بوصفهم وكلاء وسماسرة تجاريين لبلدانهم. برغم ذلك، كانت شهادات أولئك القناصل أكثر حيادية، حتى أن بعضهم يلمّح إلى أن الكرد لم يشاركوا في المذابح وإنما فقط بالنهب. ومن كتاب القناصل في بيروت إلى خورشيد باشا، الوالي الجديد، ورد هذا التحذير: " حتى نهار الخميس، 12 تموز/ يوليو [ أي اليوم الثالث والأخير للمذبحة ]، يقدر عدد المسيحيين المذبوحين في دمشق بألفين مع خسائر بمليونين ليرة انكليزية. أما إذا انضم البدو والأكراد والدروز إلى المشاركة في الحوادث، كما يخشى، فيتعذر معرفة الحد الذي يقف عنده الشر ". لدينا أيضاً رواية مسهبة من قبل شاهد عيان، وهو القنصل الفرنسي في دمشق، مسيو شارل دو باتل، وكان قد كتبها كرسالة إلى الجمعية الشرقية في 29 تموز/ يوليو. ونقتطف منها هذا المقطع: " إن الدخان الكثيف، الذي تصاعد من الحي المسيحيّ، قد حرك مطامح عصابات الرعاع المجاورة، فانقض الدروز والأكراد على هذه الغنيمة مطمع أطماعهم ".
الخلاصة، أنّ الأيقونة كانت من منهوبات زمن الأسلاف، علاوة طبعاً على البيرو والمرآة. مثلما قرأنا، ما كان أولئك الأسلاف متفردين بخصلة النهب والسلب. فإننا لو عدنا لشهادة الدكتور مشاقة، نجده يتحامل حتى على يهود دمشق بوصفهم من المشاركين بأذية جيرانهم النصارى: " وقد أظهرت الحكومة في أثناء الحادثة ولاء وثقة بالشعب الإسرائيلي، أكثر من ذي قبل، وبالرغم من العداء الكامن بين الشعبين. فكنتَ تشاهد مسلوبات النصارى في بيوت اليهود، وكنت ترى الإسرائيلي يحتفل بقدوم المسلمين والجنود بها، ويقدم لهم ماء قراحاً اخلاصاً وتودداً. ولو كان المسلمون والجنود التركية غايتهم النهب فقط، لرأوا مغنماً وافراً عند اليهود أضعاف ما حصلوا عليه من النصارى بآلاف من المرات ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 6
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 5
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 4
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 3
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 2
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 1
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 11


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2