أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السابع 11














المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل السابع 11


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6178 - 2019 / 3 / 20 - 22:04
المحور: الادب والفن
    


{ ‘ وبعد، في الوسع إنهاء سيرة التاجر الدمشقي، الآغا جانكو بوتاني، على الأقل بفصولها المسجّلة وقائع حلوله في موغادور، وكان قد جاءها كما علمنا في مهمة تتعلق بتأمين مستقر لأميره الكرديّ، المنفيّ، الذي أضجرته سنوات من الإقامة الإجبارية في جزيرة رومية تقع على الطرف الشرقيّ القصيّ من البحر المتوسط. وإنه هذا البحر، مَن اخترقته سفنُ أسلاف تاجرنا، المصنوعة من خشب الأرز، ليصلوا بدَورهم إلى الطرف الغربيّ القصيّ، هنالك أينَ ألقوا مراسيهم عند شاطئ جزيرة موغادور، المتحركة فيه الرمال الغرينية، الأشبه بالسراب، والمشكّلة محطة استراحة لطيور النورس.
في أوان استعداده لمغادرة المدينة، حيث من المقرر أن يستقر في مراكش بصورة دائمة، كان على صديقنا التاجر العودة أوباً إلى بعض الأماكن الحميمة، التي صادفها في وقت حلوله بموغادور. وقد أسعدني الحظ، ولا شك، أن أكون مرافقه في كلتا الحالتين. هكذا عدنا معاً إلى جهة المرسى، المحتضن بذراعيه الصخريين كلّ غريبٍ قادم من وراء البحار، ليسلمه إلى مدخل موغادور من جهة السقالة، والمطبوع على لوحة نقيشته اسمُ الجدّ الأول لصديقتنا الفرنسية، رومي، وكانت هيَ الأخرى قد رحلت نهائياً عن مسقط رأسها. سأوقف هنا سردَ واقعة جولتي مع التاجر، كي أتطرق إلى ما أعتبره بصمة القدَر على لوحة مصير صديقتنا.

*
كأنما رحلة هذه السلالة الفرنسية، عبر قرن من الزمان، تنبئ عن مصير موغادور نفسها. لقد عاشت المدينة أزهى مراحل حياتها، منذ أن وضع تصاميمها، أحمد كورنو، مؤسسُ تلك السلالة، وذلك في زمن لويس الخامس عشر. ليتدهور حال المدينة الآن، في فترة سفر الحفيدة إلى موطنها الأصل، الخاضع لسلطة لويس بونابرت. من ناحية أخرى، بقيت لغزاً الكتابةُ على لوحة النقيشة، تماماً كحال هوية المجرم في قضية تسميم زوج رومي. ثم جاء حدثُ موت امرأة صديقنا التاجر، بعيدَ وضعها لابنهما الأول والوحيد، ليذكّرنا بما كنا قد عرفناه عن أمثال تلك الولادات القاتلة بين نساء آل كورنو. نجت رومي من ميتة كهذه، كونها لم تحمل مرةً قط. إلا أنّ ما حصل للمسكينة ميرا، لمَن عُدّت فيما مضى بمثابة المنافسة للسيّدة الفرنسية على استحواذ قلب تاجرنا ـ كأنما كان من ألعاب القدر. مجتمع موغادور الراقي، عثر في ذلك الحدث عما يُشغل به سهراته، فأُعيدَ ذكرُ جريمة موت القبطان مسموماً، وهذه المرة باعتبار أنّ الجاني قد لقيَ الجزاء الربّاني العادل!

*
طالما أنّ الشيء بالشيء يُذكر، فإنني مُجبرٌ على المضيّ في الاستطراد. إنّ صديقي التاجر، المترمل حديثاً، كان قد استفهم مني فيما مضى عن حقيقة ما أفضت به امرأته الراحلة عن ديانة والدتها. فأكّدتُ الأمرَ بحسَب ما جرى لعلمي: " الأم، كانت من أسرة يهودية من ساكني الملّاح القديم، البائس، ثم هربت في صباها مع رجل مسلم، صياد سمك، وأنجبت له بعد زواجهما ابنة وصبياً ". في واقع الحال، أن هكذا حكاية كانت تتكرر بين حين وآخر في موغادور، المهيمن عليها العنصر الموسوي. لقد حُبيَ أحدُ طفليّ العائلة بموهبة الرسم، مثلما علمنا، برغم علّة الإعاقة في جسده. ومن خلال خطوطه المتقنة، الموضوعة على أرضية كوخهم، يُمكن الجزمَ بكون الأم في خلال طفولته قد ملأت رأسه ورأس شقيقته بقصص التوراة، المشحونة بشطحات من خيالٍ خصب. نقش الخميسة الأزرق، الحامي من العين الشريرة، كان في الوسع رؤيته هنالك جنباً إلى جنب مع نقش الشمعدان السداسيّ، الرامز لعقيدة طائفتنا. بلى، نمت موهبة الغلام في الكوخ الرث، المتصدع خشبه بفعل الأسنان الدقيقة للفئران، والمتخللة شقوقه أوجارُ العقارب، بينما يسرح في سقفه الخفافيشُ. لذلك ذخرت رسومه بعيون الأطفال المفزوعة، المصدومة، وكما لو أنها تترقب طوال الوقت مزيداً من ضربات القدر. ثم تلقى الغلامُ المسكين ضربة قاصمة، وذلك بموت آخر قريب يملكه في هذه الدنيا الظالمة. صديقي، التاجر الدمشقيّ الشهم، كان ينتوي اصطحاب شقيق امرأته الراحلة إلى مراكش كي يواصل الحياة في منزله هنالك. بلسانه العيي، رفع صوته لولي نعمته راجياً إياه أن يدعه في موغادور: " ضعني أمام مدخل مسجد القصبة، وأنا سأتدبر معيشتي بنفسي ".
موت الغلام فجأة، الذي حصل دون سابق إنذار وبلا لحظات نزع أخيرة، يَحتمل على ذلك تأويلين: تأثر الفتى البالغ بوفاة ميرا، أو حزنه الشديد بسبب مفارقته للابنة الصغرى للأرملة الإيطالية. هذه الابنة، هيَ مَن تعهدت السهر على جثمان صديقها، فجللته بالأزهار ودموعها السخية.
*
في نهاية جولتنا في المرسى، عُدنا نخترق قنطرة مدخله الضخمة، حيث امتدت إلينا أيادي المتسولين، المتكلمين بلغات ولهجات مختلفة؛ اختلاف سكان موغادور من يهود وبربر وعرب وأوروبيين ( كدتُ أن أضيفَ: ومشرقيين! ). نعم، كان من المؤمل أن يزرع صديقي، التاجر الكردي الدمشقي، بذرةَ سلالته في هذه الحاضرة البحرية، لولا قراره الانتقال إلى تخت السلطنة المراكشية، بعدما صار لديه رأسُ مال كافٍ، يُتيح له ممارسة حرفته الأساس؛ صناعة الأثاث على الطريقة الشامية. بيد أنه شاء الاحتفاظ بمنزل القصبة، بما أن أعماله ستبقى مرتبطة بمرفأ موغادور. ثمة أيضاً في مراكش، تمكن وكيله التجاريّ من استئجار منزل باسمه في حي القصبة غير بعيد عن قصر السلطان.
" هل توصلت للاتفاق مع ممثل قبيلة حاحا، لتأمين الزطاط؟ "، سألته متجاوزاً حالة الصمت بيننا. أومأ رأسَه إيجاباً. إلا أنه استدرك، مبتسماً: " ضريبة عبور حدود القبيلة، كما تعلم، تعادل ريالين. ولكن الرجل أخبرني، أنّ المبلغ مدفوعٌ سلفاً بأمر من التيناوي ". بادلته شعور المرح، ثم عقّبت بالقول: " القدر، يلوح أنه أصرّ على أن تختتم مقامك في موغادور بنفس الطريقة تقريباً، التي بدأتها فيها ‘
إلى هنا تنتهي المخطوطة، المنسوبة للحزّان يوسف بن عمران.. }



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 10
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 9
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 8
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 7
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 6
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 5
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 4
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 3
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل السابع
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 10
- أسطورة آغري لياشار كمال؛ الملحمة ومصادرها
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 9
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 8
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 7
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 6
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 5
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 4
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 3
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل السادس


المزيد.....




- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السابع 11