أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السادس 5















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل السادس 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6157 - 2019 / 2 / 26 - 09:21
المحور: الادب والفن
    


" آه، إنك تبالغ في مخاوفك كثيراً، يا سيّدي "، تدخل ثانيةً تاجرُ السلطان في الحديث متوجهاً للشاب القادم من لندن. إلا أنّ واحداً من مجموع المستمعين، على الأقل، لم يكن يخامره أيّ شك بأن التاجرَ سعيدٌ بفورة " مستر مائير ". وإنه الرابي، مَن يعتقد ذلك وكان يرى أيضاً أنّ هزّ مركزه، كزعيم روحيّ مقبل للطائفة، هوَ وراء تشجيع ابن عمه على إبداء هكذا آراء متهورة. ومثلما توقع، احتد القريبُ من ملاحظة " كره كوز "، فاندفع أكثر في الإطناب بالمشروع الصهيونيّ، مفتخراً بأن من يتبناه في بريطانيا هم نخبةُ مثقفي اليهود، المنحدرون من عائلات غنية.
في الأثناء، كان " جانكو " ملتزماً الصمتَ، مكتفياً بالإنصات إلى المتجادلين. وكان يفكّر في شيء من الضيق، أنه لولا خوفه من كشف مهمته السرية لأدلى بدلوه في شان المسألة القومية في سلطنة آل عثمان، التي تطرق إليها صديقه الرابي. وكانت مسألة الكرد، بدَورها، قد سبقَ واتخذت نوعاً من البعد الدولي، قبل نحو بضعة أعوام، مع زج الألمان أنفسهم فيها لدعم الباب العالي عسكرياً ضد الأمير " بدرخان ". فيما تقمّصَ الإنكليزُ، كعادتهم، صفة الحاوي النافخ في قربته لإثارة ثعابين الفتنة الدينية بين نصارى ومسلمي الإمارة، بغية صد طموحات حاكمها المتمرد.
" ولكن، إذا استثنينا الرابي، فماذا يعرف الحضور عن قومك أساساً؟ إن الأوروبيين، سواء في تقارير قناصلهم أو عبرَ صفحات جرائدهم، يقدموننا بصفة قبائل رحل تمتهن النهبَ والسلب، ينبغي في كل مرة تأديبها بحملة عسكرية على غرار حركة السلطان المراكشي ضد مواطنيه البربر على مدار العام! "، خاطبَ نفسه. فلما ذكر في ذهنه أولئك الأوروبيين، فإن نظره تناهى تلقائياً إلى الطرف الآخر من طاولة الطعام؛ هنالك، أين تصدّرته صديقته الفرنسية مع رجلها الإنكليزيّ. هذا الأخير، كان ما ينفكّ في حديثه مع نائب قنصل بلاده بينما امرأته تلوح ضجرةً بطرقات شوكتها الفضية على الطبق أمامها. ثم استغرق " جانكو " مجدداً في التفكير، لحين أن أفاق مدهوشاً على صوتها بالقرب من أذنه.
كانت " رومي " تقول لتاجر السلطان عندئذٍ: " لقد سرقتَ أصدقائي، وكتمت أنفاسهم هنا بكرشك الكبير! ". بعدما رشقت صديقها الدمشقيّ بنظرة حلوة، إذا بها تأمر الربّان بإخلاء كرسيه لها. قال الرجل بالفرنسية، مأخوذاً تماماً: " وأين يمكنني الجلوس، يا سيّدتي؟ "
" اذهب واجلس في مكاني.. "، أجابته ببساطة. ثم عادت لانتحال نبرتها الآمرة: " ولكن إياك بفتح فمك المهذار، وإلا سيمسكك زوجي من ياقة سترتك ليطرحك خارج المنزل! ". دمدم الربّان بكلمات مبهمة، ثم قام بخطوات مترنحة لتنفيذ الأمر. وكان يبدو أيضاً من حركات سيّدة الدار أنها أكثرت من الشرب، كذلك لمعت عيناها وتوهجت وجنتاها. راحَ " جانكو " يتأملها عن قرب. وكانت الشموع المشتعلة في الثريا الضخمة، المتدلية من السقف، تمارس على وجه صديقته لعبة الضوء والظل، مانحة ملامحها غموضاً وسحراً في آنٍ معاً.
رداً على الهمهمة المرحة، السارية بين الحضور على أثر رؤيتهم للصياد وهوَ متصدرٌ طاولة الوليمة، ما كانَ من المضيفة إلا أن رفعت قدحها: " لنشرب نخبَ الحرية والعدالة والمساواة.. ". وبرغم أنها قالتها في جدية، ولكنها أججت هذه المرة القهقهات العالية. من مكانها، القائم بين تاجر السلطان والمستر القادم من لندن، ألقت " رومي " نظراتها من جديد باتجاه صديقها الدمشقيّ. ثم التفتت نحو جارها التاجر، متسائلة عما كان يدور الحديث قبيل مجيئها. لخّص لها الرجل ما تم تداوله من آراء، ملتزماً أقصى ما يمكن من لباقة وموضوعية. أومأت على الأثر للرابي، مبتسمةً، متسائلة بلسان ثقيل بعض الشيء: " أنا ألتزم رأيك بقوة، وبغض النظر عن اختلاف نظرتينا لمسألة الإيمان. ضحايا النزاع الديني في أوروبا، بين المسيحيين أنفسهم، يفوقون بأضعاف عدد قتلى حروب الغزو كلها على مر تاريخها. ولكن اليوم، من ذا يهتم هناك بمسألة الاختلاف حول جنس الملائكة أو طبيعة المسيح؟ أعتقد أن الأمر سيشمل مستقبلاً وضع اليهود، ولن يلتفت أحد إليهم في الشارع وهم يسيرون بالقبعة المتدلية منها جدائل شعرهم ولا بملابس حِدادهم، السوداء! "
" لنفترض، جدلاً، أن ذلك سيجري في أوروبا مستقبلاً. وأنت تقصدين بالطبع الأوروبيين المتمدنين، وليس السلاف الهمج! فماذا عن الدول الأخرى، في مشرق ومغرب عالم الإسلام؟ "، أوقفها الشابُ وقد بدا الاستياء على قسماته المحددة. رمقته ملياً، بينما أمارات التفكير تخدد جبينها الوضاء، قبل أن تجيب: " وهل نصارى السلطنة العثمانية بأفضل حالاً، أو حتى مسلموها أنفسهم؟ عامة اليهود، وهم الفقراء، سيبقى وضعهم البائس على حاله حتى لو كانوا يعيشون تحت راية الشمعدان السداسيّ "
" إلا أنهم سيحصلون، في المقابل، على ما كنتِ تتغنّي به قبل قليل: الحرية والعدل والمساواة؟ "
" جيد أنك رددت شعار الثورة الفرنسية دونَ أن ترتجف كلماتك، حال مواطنيك الإنكليز! وما فهمته من ذلك، على أي حال، أن اليهود ضمن الوطن المخصص لهم سيحظون بالأمن على الأقل. وأعود فأتساءل، وماذا عن مصير مسلمي فلسطين وهم غالبية سكانها اليوم علاوة على أقلية كبيرة من النصارى: هل سيشعرون بدَورهم بالأمان، أم أن عليهم ترك موطن أبائهم وأجداهم واختيار مكان آخر؟ "
" بل إن فلسطين هيَ وطن أسلاف اليهود، حتى أن كتاب المسلمين نفسه يتكلم مراراً عن بني إسرائيل ولم يذكر فيه اسم فلسطين مرة قط! "، ردّ الشاب منفعلاً بشدة. هنا، دخل الرابي بين المتجادلين ليقول: " نعم، القرآن ذكر بني إسرائيل ولكنه كان يتكلم عنهم بغير أن يحدد موطنهم. وفي زمن دعوة النبي محمد، كان بنو إسرائيل منتشرين في الصحراء العربية أيضاً "
" أستغربُ منك هذا الكلام، أنتَ من تردد يومياً في صلواتك أسفار التوراة وأكثرها يذكّر بأرض صهيون؟ "، تساءل ابن عمه مكشراً عن ابتسامة سامة. ولم يترك تاجرُ السلطان الفرصة تفوته، فغمغم وهوَ متجه لناحية الشاب: " بل ويسعى لنيل منصب زعيم الطائفة الروحي، بعد تقاعد الحزّان الحالي ". خيّم الصمت بعدئذٍ، وكان أربعة من الحضور ينتظرون رد الرابي على الكلام المحط من قدره.









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 4
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 3
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل السادس
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 9
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 8
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 5
- الرسالة
- تاجر موغادور: الفصل الخامس 4
- تاجر موغادور: الفصل الخامس 3
- تاجر موغادور: مستهل الفصل الخامس
- تاجر موغادور: بقية الفصل الرابع
- تاجر موغادور: تتمة الفصل الرابع
- تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 4
- تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 3
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 5
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 4
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 3
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 2


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السادس 5