أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السابع 6















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل السابع 6


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6169 - 2019 / 3 / 11 - 22:44
المحور: الادب والفن
    


حينَ وصل مع " رومي " إلى الدار، وجدَ أن المائدة أعدّت للوليمة وقد فرشت بغطاء أبيض ناصع، سيستقبل بعد قليل الأطباق الخزفية، المحتوية على مختلف المأكولات. ها هما يتقدمان من المنظرة، أينَ استقرت المائدة في منتصف قاعدتها الدائرية، ليجلس كل منهما على أحد الكراسي الستة، المشغولة من أعواد القصب المجدول. ضوى وجه الضيفة، متألقاً بالرقة والعاطفة، كونها تعلم أن المنظرة أشيدت على شرف صداقتها مع صاحب الدار: فيما مضى، كان " جانكو " قد لحظ إيثار السيّدة الفرنسية الجلوس على السدّة الحجرية، المقابلة لكرم الصبّار؛ هنالك، حيث كانت تستغرق بكليتها في تأمل أنواع النباتات الشوكية. وكانت المنظرة، المقامة في مكان السدة الحجرية، تُشبه نوعاً من تلك الشوكيات؛ بقبتها الصغيرة، المصنوعة من صفائح خشبية، مصقولة ومصبوغة بلون أخضر. القبة، رُفعت على اثني عشرة عموداً من ذات الخشب المصقول، وكذلك قاعدتها المرتفعة عن أرض الحديقة بنحو نصف متر. تاجرنا، القادم من دمشق، شاءَ أن يدعوَ المنظرة ب " المصطبة "، وذلك تيمناً بسميّة لها في بستانٍ كان يملكه والده بجنوب حيّ الصالحين. وإذ كانت تلك تتوسطها بركة مربعة الشكل، فإنّ هذه قد أحيطت بساقية نحيلة جرى فيها الماء من خلال فتحة في البحرة، الكائنة في القلب المرمريّ لصحن الدار.
في المقابل، كانت الوليمة على شرف نائب القنصل البريطانيّ، بمناسبة قرب انتقاله إلى مراكش. قرارُ النقل، كان ولا غرو مفاجئاً لمجتمع المدينة الراقي. ومما نمّ إلى " جانكو " مؤخراً، أنّ اختيار الإنكليز تختَ السلطنة لمقر قنصليتهم عائدٌ ربما لاضطراب الأمن في موغادور، مثلما برهن عليه اجتياحها من قبل قبائل حاحا البربرية قبل حوالي ستة أشهر. كذلك رُجّح سببٌ ضاف، يتعلق بتهديد الأسطول الفرنسيّ لميناء البلاد الأهم عقبَ كلّ توتر مع السلطان على خلفية دعمه لثوار الولاية الجزائرية المجاورة. كلا الاحتمالين، سيقدّر لهما نيل الاهتمام من لدُن المجتمعين على مائدة الغداء في منزل التاجر الدمشقيّ. المثير أيضاً في هذه المسألة، المتعلقة بالتهديد الفرنسيّ، أن من بين مَن سيناقشها ستكون " رومي "، فضلاً عن مواطنها، " مسيو باتريك ". هذا الأخير، كان الطبيب الوحيد في القصبة، وكانت صلته قد تعززت مع المضيف مذ وقت قيامه بمعالجة شقيق " ميرا " المريض بالتيفوس، وذلك باستعمال صبغة الكينا، الممزوجة مع الكحول.
أولئك الأشخاص المدعوون ( أي نائب القنصل والطبيب علاوة بالطبع على الرابي والقبطان )، تقاطروا إلى الدار واحداً بأثر الآخر وكانت سحنةُ كلٍّ منهم محتفظة بعدُ بعلاماتٍ متفرّدة، تمثّل ما أعترى صاحبها من هموم وأفكار على السواء. إلا أنهم ذهلوا عما يُشغلهم، مؤقتاً على الأقل، بالإقبال على أصناف الطعام والشراب، المحتفية بها المائدة الكريمة. كون الطقس ربيعياً معتدلاً، شجّعَ " رومي " على استهلال النقاش، بتوجهها إلى نائب القنصل، قائلة بالمحكية المحلية والتي يُجيدها: " ثمة أقاويل شتى، تتعلق بأمر انتقال قنصليتكم إلى مراكش. ولكن أكثرها مدعاة للعجب، تلك الزاعمة خشيتكم من خطر إنزال فرنسيّ على ساحل موغادور، شبيهٍ بما حصل قبل بضع سنين ". المُخاطَب، المحتفى به، ألقى نظرة ملية على السيّدة الفرنسية من مكانه المقابل لمجلسها، وكما لو أنه يتحرّى في ملامحها أيّ احتمال للسخرية. ثم مسح فمه بالفوطة، ليجيب على الأثر بنفس اللغة: " لو أن ثمة تهديداً ما، لرأيتِ مياه الساحل المغربيّ مكتسية بلون رايات أسطولنا الحربيّ "
" أوه، يا له من تشبيه شاعريّ! "، هتفت السيّدة متضاحكة مصفقة بيديها. ولكنها استعادت هيئة جدية، لما استدركت: " المعذرة، يا سيّدي، لو أنني قطعتُ كلامك ". وكانت سحنة الرجل قد كساها الحمرة، ما يفصح عن طبعٍ خجول وأقل برودة مما عُرف به مواطنوه. إلا أنّ بعض المشاركين في المأدبة، كانوا على علمٍ مسبق بمدى ما يكنه نائبُ القنصل للسيّدة من إعجابٍ يصل حدّ التولّه. كذلك الأمر بالنسبة لزوج " رومي "، وكان يُماثل تقريباً في السنّ مواطنَهُ، فإنّ ارتباك هذا الأخير استدعى اهتمامه.
وقال نائبُ القنصل، بعدما هزّ رأسه تعبيراً عن التفهّم: " لم يكن قصدي التبجّح بقدراتنا العسكرية، وهيَ على أيّ حال معترفٌ بها من العدو قبل الصديق. في واقع الحال، إننا لم نعُد نقيّم الفرنسيين كخصوم، برغم المنافسة معهم إن كانت على صعيد المستعمرات أو المصالح التجارية. لقد مضى زمن طويل، على آخر مرة اصطدم فيها أسطولنا بندّه الفرنسيّ وكان ذلك في أعقاب حملة نابليون على مصر. أما اليوم، فيمكن تبصّرُ قوة متانة علاقتنا من خلال وقوفنا معاً إلى جانب السلطان العثمانيّ في حرب القرم "
" رائع هذا العرض، وبالأخص تنويهك عن التنافس على الأسلاب! "، عقّبت السيّدة مستعيدةً نبرة التهكّم. وما عتمَ الطبيب أن تدخّل، بغية حرف النقاش عن مساره. فتساءل ساخراً، وهوَ يرمق المضيف بنظرة مواربة: " وإذاً يتم الاتفاق بين مملكتينا، البريطانية والفرنسية، كرمى لمن يضطهد النصارى في سلطنته؟ ". لقد استعمل الرجلُ المحكية الدارجة أيضاً، طالما أنّ الآخرين اعتمدوها للنقاش مراعاةً لصاحب الدار. المضيفُ، وقد بلل النقاشُ لحيته هذه المرة، فإنه آثر تجاهله متكلّفاً مواصلة الاهتمام بالمائدة. ولكنها " رومي "، من بادرت بالرد وهيَ تفتح ذراعيها في وجه الطبيب: " مرحى، مرحى! نستعبدُ الزنوجَ في مستعمراتنا، بما فيهم أولئك المتحولين لديننا، ومع ذلك نُظهر غيرتنا على نصارى السلطنة العثمانية "، قالتها بالفرنسية.
وضعَ القبطانُ يده على يد امرأته، تعبيراً عن دعمه لملاحظتها اللاذعة، ثم علق مستعملاً لغتها: " المثير للسخرية أيضاً، أنّ كلاً من المملكتين، البريطانية والفرنسية، تدعم طائفة النصارى المشرقية الخاصة بها. بينما القيصر الروسيّ، من ناحيته، يضع تحت حمايته طائفة الأرثوذكس "
" وإنها مطالبة القيصر بحق الإشراف على كنيسة القيامة في القدس، من كانت سبباً مباشراً للحرب المندلعة اليومَ "، قالها الطبيبُ محاولاً صرفَ منتقديه عما تفوّه به قبلاً. في الأثناء، كان الضيوفُ قد فرغوا من الأكل ونزع كل منهم الفوطة الخاصّة به. هنا أشارَ سيّد الدار للمدبّرة، وكانت تقف على مقربة من المنظرة، بتقديم الشاي والحلوى. بدَورها، رفعت المرأة يدها إلى ناحية الخادم المسنّ، المنتصب عند مدخل المطبخ. من تلك الناحية، مرقَ الهيكلُ الأليف لخليلة السيّد، بخطى سريعة وكما لو كانت هاربة من أحدٍ يُطاردها: وإنه الرابي، مَن انتبه للمشهد ذاك، وعليه كان أن يتذكّره مجدداً في وقتٍ لاحق. كما علمنا من قبل، فإنّ " يوسف بن عمران " هذا، كان قد استحق مذ فترةٍ ظهيراً سلطانياً يعترف به كزعيم روحيّ لطائفته في موغادور، وذلك خلفاً للحزّان المتوفي.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 5
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 4
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 3
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل السابع
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 10
- أسطورة آغري لياشار كمال؛ الملحمة ومصادرها
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 9
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 8
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 7
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 6
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 5
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 4
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 3
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل السادس
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 9
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 8
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 5


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السابع 6