أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خلف الناصر - هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟!/6.... المدفع هل هو ابتكار: صيني ، أم عربي ، أم أوربي؟!















المزيد.....


هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟!/6.... المدفع هل هو ابتكار: صيني ، أم عربي ، أم أوربي؟!


خلف الناصر
(Khalaf Anasser)


الحوار المتمدن-العدد: 6227 - 2019 / 5 / 12 - 13:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


فلسفة التاريخ تقول لـلــذيـــــــــن لا يـــعـــرفـــونـــه.. بأن :
الــتــاريـــخ كـالــطــبـــيــعـــة لا يـــقــبــل الــفـــراغ!!
وليس فيه فجوات أو فراغات سواءٌ في تاريخ الأمم والعالم ككل أو في تاريخ كل أمة على حدة ، إلا في عقول من لا يعرفون قراءته قراءة صحيحة!!
فكل ما أعدنا استنطاق التاريخ نجده يقول لنا الكثير والكثير :
وأهم ما يقوله لنا ويجزم فيه بأنه لا يقبل الفراغ ، فهو كالطبيعة التي لا تقبل الفراغ تماماً ، ولابد للاثنين ـ التاريخ والطبيعة ـ من أن يُملَئا ويَمْتَلِئا بشيء ما :
فالتاريخ يمكن أن يمتلأ : بالحب أو بالكراهية ، بالخير أو بالشر ، بالقوة أو بالضعف ، بالعلم أو بالخرافة ، بالسلبي أو بالإيجابي............الخ .. المهم أنه يمتلأ ولا يترك فراغاً او فجوات بين ثنايا مسيرته!
وإذا كانت الطبيعة تملأ ذاتها بأشياء مادية من جنسها ، فإن التاريخ أيضاً يملأ ذاته بألوان مختلفة من جنسه يصنعها الإنسان نفسه ، لكن من خلال حركته في الطبيعة ذاتها!
لأن التاريخ قد بدأ من خلال حركة الإنسان في الطبيعة ، وقبل تحركه في الطبيعة هذا كان التاريخ صفراً!
فنقطة الصفر في التاريخ .. هي : عندما كانت الطبيعة والإنسان كلاهما صفحة بيضاء :
فالطبيعة كانت صفحة بيضاء.. وكذلك الإنسان كان مخلوفاً بهيمياً لم يتأنسن بعد!
وبدأ التاريخ عندما تحرك الإنسان حركته الأولى على صفحة الطبيعة البيضاء هذه ، وبدأ يخط آثاره الإنسانية على أديمها ، فتراكمت آثاره على صفحتها البيضاء تلك.. وأنتجت :
تفكير ، لغة ، تصورات ، مجتمع ، قيم ، تقاليد ، علاقات ، علوم........الخ ، فتجمعت كلها وأنتجت أشياء أصطلح على تسميتها جميعها باسم حـــضــــارة!.. فتحول الإنسان بها من مخلوق بهيمي إلى مخلوق إنساني واع مفكر منتج ، أنتج عناصر جديدة في الطبيعة ـ الحضارة ـ لم تكن موجودة أصلاً فيها (بشكل حر)!
وقد ابتدأت هذه الحضارة عند بدأ حركة الإنسان الأولى في الطبيعة إلى اليوم ، فتراكمت معطياتها حتى وصلت بنا إلى العصور الحديثة ، وإلى ما نحن عليه اليوم من رقي وتقدم فاق كل تصورات الإنسان ، وحتى أغرب خيالاته الجامحة!
وقد كانت هذه الحضارة الإنسانية الباذخة :
والتي نعيش اليوم جميعنا في ظلالها نتاج حركة الإنسان في الطبيعة ، وساهمت بإنتاجها :
أفراد وجماعات ومجتمعات وشعوب وأمم وأعراق الجنس البشري بكامله ، ولم تكن حكراً على عنصر أو عرق بشري واحد ـ العرق الأبيض مثلاً كما يشاع الآن ـ وكان العرب من طليعة أولئك البشر المنتجين للحضارة، منذ فجرها إلى الأمس القريب!
*****
وكان التراث العلمي العربي هو (الدقيقة الأولى واللبنة الأولى) التي بدأت العصور الحديثة والحضارة الحديثة مشوار مسيرتها بهما ، حتى أوصلت العالم إلى كل هذا التطور والتقدم المذهل . وقد ساهم ذلك التراث العلمي العربي مساهمة مفصلية في خلق هذه العصور الحديثة وهذا العالم الحديث ، وكان له الدور الأول في خلقها وإرسائه:
 لــ ((دعائم متينة شكلت فيما بعد مع غيرها من العوامل ، ركائز متينة (للبنية التحتية) التي قامت عليها الحضارة والمدنية الغربية الحديثة بالذات ، وسمحت للعالم الحديث والحضارة الحديثة أن يولدا معاً .
فمن النادر أن تجد اليوم علماً من العلوم الحديثة لم يضع العرب والمسلمون مبادئه الأولية ، أو المساهمة في وضعها!))

ولم يكن ذلك التراث العلمي العربي بالقليل أو المجهول في حجمه وسعته وشموليته لمختلف العلوم العصرية فهو ـ ورغم ضياع %90 بالمائة مما أنجزه ـ فإن الباقي والمعروف منه ليس بالقليل ، وليس بحاجة لأن يزور او تعطى له أهمية ليست فيه .. فإن القليل الباقي منه يكفي لإعطاء تلك الصور عنه.. لأن أو :
 ((إن الموجود والباقي (فقط) من التراث العربي الإسلامي ، لو نضد بعضه فوق بعض لزاد ارتفاعه على ["قمة جبل إيفرست" ـ 8888 متر ـ] ولو رصف بعضه جنب بعض لغطى مساحة أوربا بكاملها ـ مساحتها تزيد على مليون كلومتر مربع ـ ولو بقيت كل الكتب العربية المعروفة ، لغطت أوراقها كل البرية فوق الكرة الأرضية!))(1)
*****
ومنجزات ذلك التراث العلمي العربي ، هي التي دعت الكثير من العلماء الغربيين النزيهين والمنصفين والحرفيين ، إلى الاعتراف بفضل العرب والمسلمين على الإنسانية وحضارتها ، ودورهم الريادي في قيام الحضارات القديمة والوسيطة وحتى الحديثة ، بعد أن تخلص أولئك العلماء الأجلاء من عقد الدين والتاريخ والجغرافيا ، ومن خلفية " الحروب الصليبية " الثأرية وانحرافاتها الفكرية ، التي غطت على الكثير مما أنتجته الشعوب غير الأوربية! .
ومن هئولاء البروفيسور (جيم الخليلي) الذي نذر نفسه – كما قال هو – للعلم والمعرفة ، ولما قدمه العرب والمسلمون للحضارة العالمية الحديثة بالذات...... فخلص إلى نتيجة مفادها :
أن العالم الحديث ما كان يمكن له أن يظهر إلى الوجود ، بدون العلوم الأساسية التي ابتكرها العرب والمسلمون ، وأن لولا مساهمات العلماء العرب والمسلمين العلمية الأساسية ، لما وصلت الحضارة الإنسانية إلى كل هذه الانجازات الخيالية الباهرة!
وقد لخص رؤيته هذه بثلاثية علمية تقول (1):... بأن :
(1لولا علم الجبر العربي : لما تقدمت الرياضيات ، ولما تم الوصول إلى الفضاء وإلى الأعداد اللامتناهية!.
(2ولولا اللوغاريتمات العربية : لما تم صنع الحاسبات وكل المنتجات الاليكترونية الأخرى!.
(3 ولولا القلويات العربية : لما تقدمت الكيمياء خطوة واحد!!))

وللتأكد من صحة هذه الاستنتاجات العلمية.. يمكن الرجوع اليوم:
إلى مؤسسات ومتاحف عالمية كـ ((متحف العالم الإسلامي/ في جامعة فرانكفورت الألمانية)) ومتحف آخر شبيه به في إسطنبول و ((مؤسسة ألف اختراع واختراع/ عربي إسلامي)) ومؤسسات كثيرة أخرى ، لمشاهدة بعض المنتجات الصناعية والتكنولوجية التي أنتجتها الحضارة العربية الإسلامية ، والأغلبية منها سطا عليها الغربيون ونسبوها لأنفسهم!
وكذلك يمكن الرجوع إلى مصنفات علمية غربية كثيرة:
أصدرها علماء غربيون منصفون ومجردون من الغرض:
كالألمانية (زيغيريد هونكة) : وكتابها الموسوعي ((شمس العرب تسطع على الغرب))!
والفرنسي (غوستاف لوبون) : وكتابه القيم ((الحضارة العربية))!
والأمريكي (مايكل هاملتون مورجان) : وكتابه ((التاريخ الضائع)) أي تاريخ ما قدمه العرب والمسلمون للحضارة الإنسانية!
والفرنسي الآخر (بيير روسيي) : وكتابه المعجز ((مدينة إيزيس: تاريخ العرب الحقيقي))!
وغير هئولاء كثير وكثير جداً ذكرنا بعضهم في الجــزء 5 من هذه الدراسة .. رابطه:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=636076 :
وقد لخص العلامة والمؤرخ (باولز) قضية المساهمة العربية الإسلامية في الحضارة الحديثة بقول مبهر شهير له :
(( لقد كانت الحضارة العربية في قرطبة وغرناطة هي بحق مهد العلم الحديث... فقد تطورت فيها البحوث التجريبية وتطبيقاتها العملية في الكيمياء وأنظمة الدفع . وتورينا المخطوطات العربية في القرن الثاني عشر الميلادي, صواريخ صممت لمهام قتالية . ولو كانت إمبراطورية المنصورـ يقصد المنصور الأندلسي ـ متقدمة في البايلوجية كما في باقي العلوم, ولو لم يساعد الطاعون الإسبان على تحطيم تلك الدولة لكانت الثورة الصناعية قد بدأت في الأندلس في القرن الخامس عشر أو السادس عشر . وكنا سنشهد في القرن العشرين عصر غزو الفضاء العربي)) ((3
*****
واليوم تتوفر لدينا مصادر كثيرة تمكننا من الوصول إلى بعض مما قاله (باولز) وكثير من العلماء الآخرين غيره ـ سبق ذكر بعضهم في جــ 5 أعلاه ـ عن تلك الثورة الصناعية العربية التي كانت على الأبواب ، وقد بانت ملامح الثورة في كثير من المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، والأهم في المجالات العلمية والتكنولوجية وتطبيقاتها العملية ، وكان اختراع (مدفع البارود) واحد من مظاهرها البارزة ، وإن كان هذا الاختراع العجيب قد ضاعت أصوله الأولية وتنازعته ثلاثة أراء حصرته بثلاث جهات.. هي : الصينيون والعرب المسلمون والأوربيون!

فالرأي الذي يرجع اختراع المدفع إلى الصينيين :
يستند إلى وثائق حصار "مدينة فيوجي" الصينية عام 1132 ميلادي ، حيث ظهر أنواع من الأسلحة النارية بشكلها البدائــــــــــي جداً في حصار المدينة!
أما الذين ينسبونه إلى الأوربيين :
فيستندون إلى كتاب نشر في عام 1216م يتحدث فيه عن تكوين الاسلحة النارية وعن قدرتها على التدمير الكبير ، ويعرض فيه عدة وصفات لتركيبات البارود . وينسب هذا الكتاب لراهب انكليزي اسمه (bacon roger روجر بیكون) بالإضافة إلى أشخاص آخرين سيأتي ذكرهم لاحقاً . بينما أجمع كل من :
غوستاف لوبون وزيغريد هونكة وجورج سارتون وغيرهم ، على أن بيكون قد اخذ كل معارفه عن البارود من علماء عرب ، مستندين في هذا إلى مخطوطات عربية قديمة تحتوي تلك الوصفات!
فغوستاف لوبون يقول :
o ((لم يظهر في أوربا ، قبل القرن الخامس عشر من الميلاد ، عالمٌ لم يقتصر على استنساخ كتب العرب ، وعلى كتب العرب وحدها عوَّل (روجر بيكون(الشخص الذي ينسبون إليه اختراع البارود) وليونارد الپيزي وأرنود الڨيلنوڨي وريمون لول وسان توما وألبرت الكبير والأذفونش العاشر القشتالي ، إن ألبرت الكبير مدين لابن سينا في كلِّ شيء))
(4)
أما المستشرقة الألمانية "زيغيريد هونكة" .. فتقول :
o ((ان العرب طوروا بتجاربهم وابحاثهم العلمية..…فعندهم فقط بدأ البحث الدائب الذي يمكن الاعتماد عليه والذي يتدرج من الجزئيات الى الكليات…وعلى هذا الاساس ساروا في العلوم الطبيعية شوطا كبيرا ، أثر فيما بعد بطريق غير مباشر، على مفكري الغرب وعلمائه ؛ أمثال (روجر بيكون (الشخص نفسه) وماكنوس وقيتليو ودافنشي . ان العرب [ المسلمين ] هم مؤسسو الطرق التجريبية في الكيمياء والطبيعة والحساب والجبر والمثلثات وعلم الاجتماع...))(5) . وقريب من مثل هذه الأقوال العلمية قالها (الفريد جورج سارتون) وعلماء غربيون لآخرون!

أما الرأي الذي يقول بأن العرب المسلمون هو مخترعو المدفع :
فيستندون إلى حقائق علمية ووقائع تاريخية اكثر صلابة من غيرها ، لأسباب كثيرة!
فمن حيث الحقائق العلمية :
من المعروف ان اختراع المدفع اقترن بــ (اختراع البارود) ، وقبل اختراع البارود كانت المدافع بنسختها الصينية البدائية ، تستخدم للـ "الألعاب النارية" التي برع فيها الصينيون ولا زالوا . مع العلم أن كلمة «بارود» نفسها ، قد ورد أنها ذكرت لأول مرة في التاريخ في كتاب «مفردات الأدوية" لــ [ابن البيطار:1197 – 1248] . أما اختراع البارود ووصفات خلطه التي تستخدم كـ (حشوات للمدافع) فقد ظهرت في المخطوطات العربية منذ [القرن الرابع الهـجري العاشر الميلادي] كذخيرة للمدافع ، وقبل حصار (مدينة فيجي الصينية) بقرنين من الزمان ، وقبل كتاب (بيكون) بثلاثة قرون وحتى قبل هذه التواريخ ، فسر البارود قد انتقل إلى العرب المسلمين من الصين في زمن الخليفة هارون الرشيد [ القرن الثاني الهجري/786 - 809م] عن طريق التجّارة ، كما تقول المصادر التاريخية ، وقد جاء في احدى المخطوطات العربية وصف لصناعة البارود يقول :
 ((تؤخذ عشرة دراهم من ملح البارود ودرهمان من الفحم ودرهم ونصف من الكبريت ، وتسحق حتى تصبح كالغبار، ویملأ بھا ثلث المدفع فقط خوفاً من انفجاره ، ویصنع الخَرّاطُ من أجل ذلك مدفعا من خشب تتناسب فتحته مع جسامة فوهته ، وتدك الذخيرة بشدة ویضاف إلیھا البندق (كرات الحديد) ، ثم یشعل ویكون قياس المدفع مناسبًا لثقلها))!
 وجاء في كتاب "الفروسية والمناصب الحربية" لــ (حسن نجم الدين الرماح) والذي يرجع تاريخه [للقرن 7هـ/ 13م ] شرح مفصل لصناعة البارود في عموم العالم الإسلامي ، وبطريقة استخلاص ملح البارود من الطبيعة وتنقيته في المختبرات . أما بارود حشوات المدافع ، فهو تركيبة كیمیائیة اخترعها العرب المسلمون في مختبراتهم ، وتتركب من (نترات البوتاسيوم بنسبة 75 +% كبريت :saltpere: "بنسبة 10 + % فحم بنسبة (powder Gun =15.
 وهذه التركيبة العربية الصحيحة لبارود حشوات المدافع ، هي التي أخطأ (روجر بيكون) في نقل نسبها عند نقله لها عن الكتب العربية . ومعروف أن بيكون هو الشخص الأول الذي تنسب إليه المصادر الغربية ذلك الاختراع ، نسبة إلى كتابه (عام 1267م) عن نسب تركيب مواد البارود الذي نوهنا عنه في أعلاه .
وقد قال عنه كل من لوبون وسارتون وهونكة ـ الأقوال اعلاه ـ بأنه كان يغرف من الكتب العربية غرفاً ، وبأنه نقل معظم معرفته العلمية عن العرب المسلمين!
كما أن الغربيين نسبوا لراهب ألماني آخر اسمه (البرتوس ماجنوس/توفي عام 1280م) واعتبره المخترع الحقيقي للبارود ، لكونه كتب مخطوطاً بعنوان «في عجائب الدنيا»، يذكر فيه كيفية تركيب مسحوق البارود وفوائده التفجيرية العالية. وأكثر من كسب قصب السبق في هذا الاختراع عندهم (هو برتولد شوارت/1310- 1384م)!
 هذا عن (بارود المدافع) ، أما البارود الذي عرفه الصینیون واستخدموه في ألعابهم النارية ، فهو (ملح البارود/وليس البارود نفسه) وتركيبه الكيمائي (نترات البوتاسيوم) ویعرف باسم (البارود الأسود الخام) ، وقد عرفه الصینیون واستعملوه كما وھو في الطبيعة ، وكان معروفًا في مصر باسم "الثلج الصيني"!
هذا عن اكتشاف البارود وصناعة المدافع واستخدامهما من قبل الأطراف الثلاثة: الصينيون ، العرب ، الأوربيون!
*****
أما من حيث الوقائع التاريخية عن ذلك الاختراع.. فتقول وتجمع :
على أن الأوربيين في عصورهم الوسطى ، قد نهلوا كل معارفهم العلمية عن العرب المسلمين ، بما فيها صناعة المدافع واستخدامها وتركيبة البارود الخاص بها ، وهذا قال به أغلب العلماء الغربيين الذين أشرنا إليهم سابقاً!
فزغريد هونكة تقول :
إن الأوربيين قد نقلوا عن العرب صناعة المدافع والبارود إلى ديارهم أثناء أو بعد الحروب الصليبية ، لأن العرب قد استخدموا المدافع على نطاق واسع أثناء تلك الحروب ، فبعثت الرعب والهلع في نفوس الغزاة الصليبيين ، حنى أنها نقلت دعاءً عن ملك فرنسا المشارك في تلك الحروب الصليبية وقوله :


و ((يؤكد المؤرخ الفرنسي «جوانفيل» الذي رافق ملك فرنسا (لويس التاسع) في الحملة الصليبية السابعة ، وشارك في معركة المنصورة 1249)م) والتي أسر فيها الملك نفسه ، بأن العرب استخدموا أسلحة غريبة في صد هجومهم.. حيث قال:
 «وفي ذات ليلة بينما كنا نحرس الأبراج حدث أن العرب المسلمين أحضروا آلة لم يستعملوها من قبل ، ثم قذفونا منها بشيء ملأ قلوبنا بالدهشة والرعب.. نار مستقيمة كأنها أسطوانة كبيرة ، ذيولها من خلفها مثل الحراب الطويلة ، ودويها يشبه الرعد وكأنها جارح يشق الهواء ، ولها نور ساطع ، حتى أنك ترى كل ما في المعسكر كما لو كان في وضح النهار))(7)
ومع أن جوانفيل في هذا النص ، لا يذكر كلمة «مدفع أو بارود» صراحة ، فإن جميع اوصاف المعركة تدل عليهما!
*****
وبعد كل الذي تقدم ـ وكما أشرنا من قبل ـ تتوفر لدينا مصادر كثيرة تمكننا من الوصول إلى بعض مما قاله (باولز) وكثير من العلماء الغربيين الآخرين غيره ـ سبق ذكر بعضهم في جــ5 ـ عن صناعة البارود والمدافع ، لكن الأهم عندنا هو ما ورد في هذا التراث لعلمي العربي الكثير والكثير جداً ، الذي وردنا على شكل نتف هنا وهناك ـ كما سنذكر لاحقاً ـ والذي أعطانا العلامة الراحل (د. حسين علي محفوظ) صورة عن حجمه المهول وسعته الشاملة ـ نكرر ـ بقوله :
 ((إن الموجود والباقي (فقط) من التراث العربي الإسلامي ، لو نضد بعضه فوق بعض لزاد ارتفاعه على ["قمة جبل إيفرست" ـ 8888 متر ـ] ولو رصف بعضه جنب بعض لغطى مساحة أوربا بكاملها ـ مساحتها تزيد على مليون كلومتر مربع ـ ولو بقيت كل الكتب العربية المعروفة ، لغطت أوراقها كل البرية فوق الكرة الأرضية!))

وإذا رجعنا إلى بعض من تراثنا ذك.. نجد أن :
قد سبق لكثير من علمائنا ومؤرخينا العرب والمسلمين قد نوهوا أو تحدثوا بتفاصيل مختلفة ، عن كثير من صناعة الآلات وتكنولوجيتها ، ومنها صناعة المدافع والبارود لكن لم يلتفت إليهم أحد ، وانشغل "علمائنا الأعلام!" بــ "الحيض!" و "النفاس!" و "إرضاع الكبير!" و "بول البعير".......الخ ، واعتبروها هـــــــي وحدها ((العلوم الحقيقية الصحيحة!!)) كما يتصورون ، تاركين هذه ((العلوم الدنيوية)) في هذه "الدنيا الفانية الزائلة" ، لأصحاب "الزيغ والضلال من الكفار" ، فوصلوا بها إلى مجاهل الأرض والسماء والفضاء الخارجي ، وحتى إلى مجاهل النفس الإنسانية نفسها!

فمن تلك النتف العلمية المتفرقة كما قلنا هنا وهناك ، ما أورده (أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي/ 1418-821) في كتابه [[صبح الأعشى في صناعة الإنشا]] ـ جـ2/ باب "آلات الحصار وهي عدة آلات" ص 145-144) مثلاً: وهو كتاب مخصص لتعليم صنعة ، وليس كتاباً علمياً متخصصاً . فقد ذكر القلقشندي فيه معلومات قيمة عن المدفع وقنابل النفط أيضاً ، وبطريقة تبدو عادية ومألوفة جداً في ذلك العصر ، ولا تثير العجب كما تثيره عندنا الآن ، وذكرها فقط لأنها مما يجب أن يعرفه الذي يريد أن يشتغل "بصناعة الإنشا" وليس معلومة علمية .. حيث قال في كتابه :
 ((ومنها: السهام الخطايا ، وهي سهام عظام يرمى بها عن قسي عظام تُوَتْر بلوالب يجر بها ويرمى عنها فتكاد تخرق الحجر.))
 ((ومنها : مكاحل البارود ، وهي الـــــمــــدافـــع التي يرمى عنها بالنفط ، وحالها مختلف :
فبعظها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تخرق الحجر ، وبعضها يرمى عنه ببندقٍ من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصري إلى ما يزيد على مائة رطل)) .. ويضيف :
بأنه قد رأى بنفسه بالإسكندرية في زمن الدولة الأشرفية ((مدفعاً قد صنع من نحاس ورصاص وقُيد بأطراف الحديد رُمي عنه من الميدان ببندقة من حديد عظيمة محماة ، فوقعت في بحر السلسلة خارج باب البحر ، وهي مسافة بعيدة)) كما يصفها .. ويضيف إلى آلات الحصار قنابل النفط ، التي يسميها "قوارير النفط" :
 ((ومنها : قوارير النفط ، وهي قدور ونحوها يجعل فيها النفط ويرمى بها على الحصون والقلاع للإحراق ، ـ وينبه إلى أن ـ على أن القوارير في اللغة أسم للزجاج وإنما استعيرت في آلات النفط مجازاً .))
والظاهر من سياق حديثه ، أن هناك آلات حربية أخرى للتمويه والحماية والوقاية من الحرائق ، فيضيف إلى تلك الآلات آلات أخرى .. قائلاً :
 ((ومنها الستائر، وهي آلات الوقاية من الطوارق وما في معناها مما يستر به على الأسوار والسفن التي يقع فيها القتال ونحو ذلك .)) .. كما أنه يعدد آلات أخرى قريبة الشبه بهذه الآلات ، تستخدم للصيد وغيرها من الاعمال!

والأهم من هذا الذي تقدم هو: لقد اكتشف في السنين الأخيرة كتاب مخطوط لمؤلفه: (ابراهيم بن أحمد بن زكريا) المتوفي 1583 ميلادية ، يحمل عنوان: ((العز والرفعة والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع)) ، وهو وإن كان يأتي متأخراً عن كتاب القلقشندي بمائة وخمسة وستين عاماً ، إلى أن أهميته تأتي من كونه :
 [يذكر فيه وصفاً لأثنين وثلاثين نوعاً من المدافع ، بمختلف الأشكال والأحجام والأغراض وسبائك الصنع وأبعاد التصويب والأهم من هذا ، يذكر بدقة متناهية طرق صناعة المدافع وتصييرها أكثر دقة في إصابة الهدف وسهولة الاستخدام ، ويختتم كتابه بشرح طريقة تدمير المدافع وتذويبها واتلافها في الحالات الحرجة ، كي لا تقع بيد الأعداء!](8)

ونختتم هذا الجزء من دراستنا لما قدمه العرب للحضارة الإنسانية ، بمقابلة على فضائية الجزيرة (2005-12-21) مع باحث تركي/ألماني ، تخصص في التراث العلمي العربي والإسلامي ، وكان مديراً فخرياً لمعهد دراسات التاريخ والعلوم الإسلامية والعربية في (جامعة غوته في فرانكفورت الألمانية) وكان هو أهم مؤسسيه. (عن ويكيبيديا) .
رابط فديو يعرف بالبروفسير (فؤاد سزكين) وقيمته وإنجازاته العلمية : https://youtu.be/eS_8t-Tz_Wk?t=188 :

ففي مقابلته أعلاه على الجزيرة : ذكر البروفيسور (فؤاد سزكين) معظم الوجوه العلمية وفروعها المختلفة ، التي أنجزتها الحضارة العربية الإسلامية خلال مسيرتها ، وأن الكثير منها قد سرق ونسبه الأوربيون لأنفسهم!
لكن المهم الذي يهمنا في هذا الجزء من هذه الدراسة ، ما قاله بخصوص الانجازات العلمية والصناعية والتكنلوجية العربية الإسلامية ، وأعاد هو تصنيع بعضاً منها من جديد .. فهو يقول:
 بأنه [[اعاد تصنيع [800 آلة صناعية/ عرض البرنامج جانباً منها] لمختلف الاستخدامات المدنية والعسكرية ، صنعها العرب والمسلمون تخص 14 فرعاً علمياً من العلوم الصرفة ، وعاونه في تصنيعها متطوعون عرب ومسلمون وحتى بعضاً من الأجانب ـ ويذكر ـ أن هناك الآلاف المؤلفة من هذه الآلات الصناعية العربية الإسلامية تنتظر تعريف الناس بها وإعادة الحياة لها بتصنيعها من جديد ، وهو لا يتمكن من تصنيعها بمفرده ولا حتى بمعاونة متطوعين آخرين لكثرتها وتعقيدها التكنلوجي ، وهي تحتاج إلى مؤسسة كبيرة ومتخصصة لإعادة تصنيع تلك الآلات من جديد]]
(ملاحظة : جميع الآلات المذكورة معروضة في المتحف العربي الإسلامي في جامعة فرانكفورت الألمانية/ ويستطيع كل شخص الاطلاع عليها وشراء مجسمات مصغرة لها)
وفي مجال صناعة السلاح.. يقول :
 [إن العرب والمسلون هم أول من صنع (المدفع والدبابة/ عرضت نماذج لهما) واستخدام البارود و (قنابل النفط/ أي قنابل المولوتوف)]
*****
وبناء على كل ما تقدم يمكن القول باطمئنان :
ان (فكرة المدفع) بصيغتها البدائية الأولية ، قد ابتكرها الصينيون لألعابهم النارية ولإخافة الحيوانات في بعض الأحيان . أما فكرة [المدفع الناري الذي يشتغل بالبارود] وتصنيعه واستخدامه على نطاق واسع في الحروب ولمعارك الحربية ، فهي فكرة استنبطها العرب والمسلمون ـ ربما من الفكرة الصينية نفسها ـ والعرب هم أصحاب هذه الصناعة الشرعيون ، وأخذها ـ بعد قرون ـ عنهم الأوربيون وطوروها ، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم!

(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:
المراجع :
ـــــــــــــــ:
(1) من مقال للعلامة الراحل [البروفسير حسين علي محفوظ]: جريدة القادسية 1989-1-29.
(2) فضائية الجزيرة الوثائقية: برنامج " علوم إسلامية " المصور في 2012 - 6- 10.
(3) مجلة " علوم " في2 . 1984 - 11 -
(4) غوستاف لوبون : "حضارة العرب "
(5) و (6) زغريد هونكة : "شمس العرب تسطع على الغرب"
(7) نقلا عن: " صحيفة العرب "
(8)المهندس حسام ابراهيم رجب : جردة الثورة : 1990-9-5



#خلف_الناصر (هاشتاغ)       Khalaf_Anasser#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟!/5.... شهادات.. وشهادا ...
- هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟!/4 .............التاري ...
- هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟! /3.... شهادات/1
- هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟!..... مصادر الشر في ال ...
- هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟! ......... ((في البدأ ...
- علينا أن نطمئن إسرائيل-!؟
- بانتظار غودو (العراقي)..الذي لا يأتي أبداً!!.. 3)والأخير)
- بانتظار غودو (العراقي)..الذي لا يأتي أبداً!!..(2)
- بانتظار غودو (العراقي)..الذي لا يأتي أبداً!! ..(1)
- ((علماني.... جلكم ألله!؟))
- الثورات ((عربية)) ....... و الربيع ((أمريكي))!!))
- هل يعي البشير الدرس؟!
- اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟... القسم الرابع: يمن الأسرار و ...
- اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟... القسم الرابع: يمن الأسرار و ...
- اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟.... القسم الثالث: ..... اليهود وا ...
- اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟.... القسم الثالث: ..... اليهود وا ...
- اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟ ........... القسم الثاني: ((هل ال ...
- اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟ .....القسم الثاني: ((هل اليمن كما ...
- اليمن ذلك الكوكب المجهول؟! ....... القسم الأول: ((Why ...
- اليمن ذلك الكوكب المجهول؟!... القسم الأول:.... (Why Yemen i ...


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خلف الناصر - هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟!/6.... المدفع هل هو ابتكار: صيني ، أم عربي ، أم أوربي؟!